فلما كانت الليلة ٩٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجوهري قال لزوجته: اصبري، فإن صاحبه كريم وأنا أطلب أن أشتريه منه، فإن باعني إياه جئت به إليك، وإن كان عنده حجر آخر أشتريه وأصوغه لك مثله.
هذا ما كان من أمر الجوهري وزوجته، وأما ما كان من أمر قمر الزمان فإنه بات في منزله، فلما أصبح أخذ مائة دينار وأتى إلى العجوز زوجة المزين وقال لها: خذي هذه المائة دينار. فقالت له: أعطِها لأبيك. فأعطاها له، ثم إنها قالت له: هل فعلت كما قلت لك؟ قال: نعم. قالت له: قُمْ وتوجَّه الآن إلى شيخ الجوهرية، فإذا أعطاك الخاتم فضعه في رأس إصبعك وانزعه بسرعة وقل له: يا معلم، أخطأتَ، إن الخاتم جاء ضيِّقًا. فيقول لك: يا تاجر، هل أكسره وأصوغه واسعًا؟ فقل له: لا أحتاج إلى كسره وصياغته ثانيًا، ولكن خذه وأعطِهِ لجارية من جواريك. وأخرِجْ له حجرًا آخَر يكون ثمنه سبعمائة دينار وقل له: خذ هذا الحجر صِغْه لي، فإنه أحسن من ذلك. وأعطِهِ ثلاثين دينارًا وأعطِ لكل صانع دينارين وقل له: هذه الدنانير في نظير نقشه، والأجرة باقية. ثم ارجع إلى منزلك وبت هناك وتعالَ في الصباح ومعك مائتا دينار وأنا أكمل لك بقية الحيلة. ثم إنه ذهب إلى الجوهري فرحَّب به وأجلسه على الدكان، فلما جلس قال له: قضيتَ الحاجة؟ قال: نعم. وأخرج له الخاتم، فأخذه وحطَّه في رأس إصبعه، ثم نزعه سريعًا وقال له: أخطأتَ يا معلم! ورماه له وقال له: إنه ضيِّق على إصبعي. فقال له الجوهري: يا تاجر، هل أوسِّعه؟ قال: لا، ولكن خذه إحسانًا وألبِسْه لإحدى جواريك، فإن ثمنه تافه؛ لأنه خمسمائة دينار، فلا يحتاج إلى صياغته ثانيًا. ثم أخرَجَ له فصًّا آخر ثمنه سبعمائة دينار وقال له: اصنع هذا. ثم أعطاه ثلاثين دينارًا وأعطي كل صانع دينارين. فقال له: يا سيدي، لمَّا نصوغ الخاتم نأخذ أجرته. قال: هؤلاء في نظير نقشه، والأجرة باقية. ثم تركه ومضى، فاندهش الجوهري من شدة كرم قمر الزمان وكذلك الصنَّاعُ. ثم إن الجوهري ذهب إلى زوجته وقال لها: يا فلانة، ما رأت عيني أكرم من هذا الشاب، وأنت بختك طيب؛ لأنه أعطاني الخاتم بلا ثمن وقال لي: أعطِهِ لبعض جواريك. وحكى لها القصة، ثم قال لها: أظن أن هذا الولد ما هو من أولاد التجار، وإنما هو من أولاد الملوك والسلاطين. وصار كلما مدَحَه تزداد فيه غرامًا ووَجْدًا وهيامًا. ثم لبست الخاتم والجوهري صاغ له الثاني أوسع من الأول بقليل، فلما فرغ من صناعته لبسته في إصبعها من داخل الخاتم الأول، ثم قالت: يا سيدي، انظر، ما أحسنَ الخاتمين في إصبعي! فأشتهي أن يكون الخاتمان لي. فقال لها: اصبري، لعلي أشتري الثاني لك. ثم بات، فلما أصبح أخذ الخاتم وتوجَّه إلى الدكان.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر قمر الزمان فإنه أصبح متوجِّهًا إلى العجوز زوجة المزين، وأعطاها مائتي دينار، فقالت له: توجَّه إلى الجوهري، فإذا أعطاك الخاتم فضَعْه في إصبعك وانزعه سريعًا وقل: أخطأتَ يا معلم، إن الخاتم جاء واسعًا، والمعلم الذي يكون مثلك إذا أتاه مثلي بشغل ينبغي له أن يأخذ القياس، فلو كنتَ أخذتَ قياس إصبعي ما أخطأتَ! وأخرِجْ له حجرًا آخر يكون ثمنه ثمانمائة دينار وقل له: خذ هذا اصنعه، وأعطِ هذا الخاتم إلى جارية من جواريك. ثم أعطِهِ أربعين دينارًا، وأعطِ كل صانع ثلاثة دنانير وقل له: هذا في نظير نقشه، وأما الأجرة فإنها باقية. وانظر ماذا يقول لك، ثم تعالَ ومعك ثلاثمائة دينار وأعطِها لأبيك يستعين بها على وقته؛ فإنه رجل فقير الحال. فقال: سمعًا وطاعة. ثم إنه توجه إلى الجوهري فرحَّبَ به وأجلسه، ثم أعطاه الخاتم فوضعه في إصبعه ونزعه بسرعة وقال له: ينبغي للمعلم الذي مثلك إذا أتاه مثلي بشغل أن يأخذ قياسه، فلو كنتَ أخذتَ قياس إصبعي ما أخطأت، ولكن خذه وأعطِهِ لإحدى جواريك. ثم أخرَجَ له حجرًا ثمنه ثمانمائة دينار وقال له: خذ هذا واصنعه لي خاتمًا على قدر إصبعي. فقال: صدقتَ والحق معك. فأخذ القياس وأخرَجَ له أربعين دينارًا وقال له: خذ هذه في نظير نقشه والأجرة باقية. فقال له: يا سيدي، كم أجرة أخذناها منك، فإحسانك علينا كثير! فقال له: لا بأس. ثم إنه تحدَّث معه حصة وصار كلما يمرُّ به سائل يعطيه دينارًا، وبعد ذلك تركه وانصرف.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر الجوهري فإنه توجَّهَ إلى بيته وقال لزوجته: ما أكرم هذا الشاب التاجر! فما رأيت أكرم منه ولا أجمل منه ولا أحلى من لسانه! وصار يذكر لها محاسنه وكرمه ويبالغ في مدحه، فقالت له: يا عديم الذوق، حيث كنتَ تعرف فيه هذه الصفات، وقد أعطاك خاتمين مثمَّنين ينبغي لك أن تعزمه وتعمل له ضيافة وتتودَّد إليه، فإذا رأى منك المودة وجاء منزلنا ربما تنال منه خيرًا كثيرًا، وإن كنتَ لا تسمح له بضيافة، فاعزمه وأنا أعمل له الضيافة من عندي. فقال لها: هل أنت تعرفين أنني بخيل حتى تقولي هذا الكلام؟! قالت له: ما أنت بخيل ولكنك عديم الذوق، فاعزمه في هذه الليلة ولا تَجِئْ بدونه، وإن امتنع فاحلف عليه بالطلاق وأكِّد عليه. فقال لها: على الرأس والعين. ثم إنه صاغ الخاتم ونام وأصبح في ثالث يوم متوجهًا إلى الدكان وجلس فيها.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر قمر الزمان فإنه أخذ ثلاثمائة دينار وتوجه إلى العجوز وأعطاها لزوجها، فقالت له: ربما يعزم عليك في هذا اليوم، فإذا عزم عليك وبتَّ عنده فمهما جرى لك فأخبرني به في الصباح، وهاتِ معك أربعمائة دينار وأعطها لأبيك. فقال: سمعًا وطاعة. وصار كلما فرغت منه الدراهم يبيع من الأحجار، ثم إنه توجَّه إلى الجوهري فقام له وأخذه بالأحضان وسلَّم عليه، وعقد معه صحبة، ثم إنه أخرج له الخاتم فرآه على قدر إصبعه. فقال له: بارك الله فيك يا سيد المعلمين، إن الصياغة موافقة، ولكن الفص ليس على مرادي. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.