فلما كانت الليلة ٩٧٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لما قال للجوهري: إن الصياغة موافقة، ولكن الفص ليس على مرادي؛ لأن عندي أحسن منه، فخذه وأعطِهِ لإحدى جواريك. وأخرَجَ له غيره وأخرَجَ له مائة دينار وقال له: خذ أجرتك، ولا تؤاخذنا فإننا أتعبناك. فقال له: يا تاجر، إن الذي تعبنا فيه قد أعطيتنا إياه، وتفضَّلت علينا بشيء كثير، وأنا قلبي تعلَّق بحبك، ولا أقدر على فراقك، فبالله عليك أن تكون ضيفي في هذه الليلة وتجبر بخاطري. فقال: لا بأس، ولكن لا بد أن أتوجَّه إلى الخان لأجل أن أوصي أتباعي وأخبرهم بأنني غير بائت في الخان حتى لا ينتظروني. فقال له: أنت نازل في أي خان؟ قال: في الخان الفلاني. فقال: أجيء إليك هناك. فقال: لا بأس. ثم إن الجوهري توجَّه إلى ذلك الخان قبل المغرب خوفًا من غضب زوجته عليه إن دخل البيت بدونه، ثم إنه أخذه ودخل به في بيته، وجلسا في قاعة ليس لها نظير، وكانت الصبيَّة رأته حين دخوله فافتتنت به، ثم صارا يتحدثان إلى أن جاء العشاء، فأكلا وشربا وبعد ذلك جاءت القهوة والشربات، ولم يزل يسامره إلى وقت العشاء فصلَّيَا الفريضة، ثم دخلت عليهما جارية ومعها فنجانان من المشروب، فلما شربا غلب عليهما النوم فنامَا، ثم جاءت الصبيَّة فرأتهما نائمَيْن، فنظرت في وجه قمر الزمان فاندهش عقلها من جماله، وقالت: كيف ينام من عشِقَ المِلَاح؟ ثم قلبته على قفاه وركبت على صدره، ومن شدة غيظها من غرامه نزلت على خدوده بعلقة بوس حتى أثَّر ذلك في خده، فاشتدت حمرته وزهت وجنته، ونزلت على شفته بالمص، ولم تزل تمصُّ شفته حتى خرج الدم من فمها، ومع ذلك لم تنطفئ نارها، ولم يُرْوَ أوارها. ولم تزل معه بين بوس وعناق والتفاف ساق على ساق حتى أشرَقَ جبين الصباح، وتبلَّج الفجر ولاح، ثم وضعتْ في جيبه أربعة عواشق وتركته وراحت، وبعد ذلك أرسلت جاريتها بشيء مثل النشوق فوضعَتْه في مناخيرهما، فعطسا وأفاقا، فقالت لهما الجارية: اعلموا يا أسيادي أن الصلاة وجبتْ، فقوموا لصلاة الصبح. وأتت لهما بالطشت والإبريق، ثم قال قمر الزمان: يا معلم، إن الوقت جاء، وقد تجاوزنا الحد في النوم. فقال الجوهري للتاجر: يا صاحبي، إن نوم هذه القاعة ثقيل، كلما أنام فيها يجري لي هذا الأمر. فقال: صدقتَ. ثم إن قمر الزمان أخذ يتوضأ، فلما وضع الماء على وجهه أحرقته خدوده وشفته. فقال: عجائب! إذا كان هواء القاعة ثقيلًا واستغرقنا في النوم فما بال خدودي وشفتي تحرقني؟! ثم قال: يا معلم، إن خدودي وشفتي تحرقني. فقال: أظن أن هذا من أكل الناموس. فقال: عجائب! وهل يجري لك فيها مثلي؟ قال: لا، ولكن إذا كان عندي ضيف مثلك يصبح يشكو من قرص الناموس، ولا يكون ذلك إلا إذا كان الضيف مثلك أمرد، وأما إذا كان ملتحيًا فلا يعفُّ عليه الناموس، وما منع الناموس عني إلا لحيتي، كأن الناموس لا يهوى أصحاب اللحى. فقال له: صدقتَ.
ثم إن الجارية جاءت لهما بالفطور، فأفطرا وخرجا وراح قمر الزمان إلى العجوز، فلما رأته قالت له: إني أرى آثار الحظ على وجهك، فأخبرني بما رأيت. قال: ما رأيت شيئًا، وإنما تعشَّيت أنا وصاحب المحل في قاعة وصلينا العشاء، ثم نمنا، فما أفقنا إلا الصبح. فضحكت وقالت: ما هذا الأثر الذي في خدك وعلى شفتك؟ قال لها: إن ناموس القاعة فعل معي هذه الفعال. فقالت: صدقتَ، وهل جرى لصاحب البيت مثل ما جرى لك؟ قال: لا، ولكنه أخبرني أن ناموس تلك القاعة لا يضرُّ أصحاب اللحى، ولا يعفُّ إلا على المُرْد، وكلما يكون عنده ضيف، فإن كان أمرد يصبح يشكو من قرص الناموس، وإن كان ملتحيًا فلا يجري له شيء من ذلك. فقالت: صدقتَ، فهل رأيتَ شيئًا غير هذا؟ قال: رأيت في جيبي أربعة عواشق. قالت: أرني إياها. فأعطاها لها، فأخذتها وضحكت وقالت: إن معشوقتك قد وضعت هذه العواشق في جيبك. قال: وكيف ذلك؟ قالت: إنها تقول لك بالإشارة: لو كنتَ عاشقًا ما نمت، فإن الذي يعشق لا ينام، ولكن أنت لم تزل صغيرًا ولا يليق بك إلا اللعب بهذه العواشق، فما حمَلَك على عِشْق المِلَاح؟ وقد جاءتك في الليل فرأتك نائمًا فقطَّعت خدودك بالبوس، وحطَّت لك هذه الأمارة، ولكنها لا يكفيها منك ذلك، بل لا بد أن ترسل إليك زوجها فيعزم عليك في هذه الليلة، فإذا رحت معه فلا تنَمْ عاجلًا، وهاتِ معك خمسمائة دينار وتعالَ أخبرني بما حصل، وأنا أكمل لك الحيلة. قال لها: سمعًا وطاعة. ثم توجَّه إلى الخان.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر زوجة الجوهري فإنها قالت لزوجها: هل راح الضيف؟ قال: نعم، ولكن يا فلانة إن الناموس شوَّشَ عليه في هذه الليلة وقطَّع خدوده وشفته، وأنا استحيت منه. فقالت: هذه عادة ناموس قاعتنا؛ فإنه لا يهوى إلا المُرْد، ولكن اعزمه في الليلة الآتية. فتوجَّهَ إليه في الخان الذي هو فيه وعزمه وأتى به إلى القاعة، فأكلا وشربا وصلَّيَا العشاء، فدخلت عليهما الجارية وأعطت كل واحد فنجانًا. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.