فلما كانت الليلة ٩٧١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية دخلتْ عليهما وأعطت كل واحد فنجانًا، فشربا وناما، فأتت الصبية وقالت له: يا علق، كيف تنام وتدَّعِي أنك عاشق، والعاشق لا ينام؟ ثم ركبت على صدره ولا زالت نازلة عليه ببوس وعض ومص وهراش إلى الصباح، ثم حطَّت له في جيبه سكينًا وأرسلت جاريتها عند الصباح فنبَّهَتْهما، وخدوده كأنها ملتهبة بالنار من شدة الاحمرار وشفاهه كالمرجان بسبب المص والتقبيل. فقال له الجوهري: لعل الناموس شوَّش عليك. قال: لا، لأنه لما عرف النكتة ترك الشكاية، ثم إنه رأى السكين في جيبه فسكت، ولما أفطر وشرب القهوة خرج من عند الجوهري وتوجَّهَ إلى الخان، وأخذ خمسمائة دينار وذهب إلى العجوز، وأخبرها بما رأى، وقال لها: إني نمت غصبًا عني، ولما أصبحت ما رأيت شيئًا غير سكين في جيبي. فقالت له: الله يحميك منها في الليلة القابلة، إنها تقول لك: إن نمتَ مرةً أخرى ذبحتك. وأنت معزوم عندهم الليلة القابلة، فإن نمتَ ذبحَتْك. فقال: وكيف يكون العمل؟ فقالت: أخبرني بما تأكله وما تشربه قبل النوم. قال: نتعشى على عادة الناس، ثم تدخل علينا جارية بعد العشاء وتعطي كل واحد منَّا فنجانًا، فمتى شربت فنجاني نمت ولا أفيق إلا في الصباح. فقالت له: إن الداهية في الفنجان، فخذه منها ولا تشربه حتى يشرب سيدها ويرقد، وحين تعطيه لك الجارية قل لها: اسقيني ماءً. فتذهب لتجيء إليك بالقلة فكبَّ الفنجان خلف المخدة واجعل روحك نائمًا، فلما ترجع إليك بالقلة تظن أنك نمتَ بعد أن شربت الفنجان، فتروح عنك، وبعد حصةٍ يظهر لك الحال، وإياك أن تخالف أمري. فقال: سمعًا وطاعة. ثم توجه إلى الخان.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر زوجة الجوهري، فإنها قالت لزوجها: إكرام الضيف ثلاث ليالٍ، فاعزمه مرةً ثالثة. فتوجَّهَ إليه وعزمه وأخذه ودخل به إلى القاعة، فلما تعشَّيَا وصلَّيَا العشاء وإذا بالجارية دخلت وأعطت كلَّ واحد فنجانًا، فشرب سيدها ورقد، وأما قمر الزمان فإنه لم يشرب، فقالت له الجارية: أَمَا تشرب يا سيدي؟ فقال لها: أنا عطشان، هاتي القلة. فذهبت لتجيء إليه بالقلة، فكبَّ الفنجان خلف المخدة ورقد، فلما رجعت الجارية رأته راقدًا، فأخبرت سيدتها بذلك وقالت: إنه لما شرب الفنجان رقد. فقالت الصبيَّة في نفسها: إن موته أحسن من حياته. ثم أخذت سكينًا ماضية ودخلت عليه وهي تقول: ثلاثَ مرات وأنت لم تلحظ الإشارة يا أحمق! الآن أشق بطنك. فلما رآها مقبلة عليه وفي يدها السكين فتح عينيه وقام ضاحكًا، فقالت له: ما فهْمُ هذه الإشارةِ من فطنتك، بل بدلالةِ ماكرٍ، فأخبرني من أين لك هذه المعرفة؟ قال: من عجوز، وجرى لي معها كذا وكذا … وأخبرها بالخبر. فقالت له: في غدٍ اخرج من عندنا ورُحْ إلى العجوز وقل لها: هل بقي معك من الحِيَل زيادة عن هذا المقدار؟ فإن قالت لك: معي. فقل لها: اجتهدي في الوصول إليها جهارًا. وإن قالت: ما لي مقدرة وهذا آخِر ما معي، فاتركها عن بالك وفي ليلةِ غدٍ يأتي إليك زوجي ويعزمك، فتعالَ معه وأخبرني وأنا أعرف بقية التدبير. فقال: لا بأس.
ثم بات معها بقية الليلة على ضمٍّ وعناق وأعمال حرف الجر باتفاق، واتصال الصلة بالموصول، وزوجها كتنوين الإضافة معزول، ولم يزالا على هذه الحالة إلى الصباح، ثم قالت له: أنا ما يكفيني منك ليلة ولا يوم ولا شهر ولا سنة، وإنما قصدي أن أقيم معك بقية العمر، ولكن اصبر حتى أعمل لك مع زوجي حِيَلًا تحيِّر ذوي الألباب ونبلغ بها الآراب، وأُدخِل عليه الشكَّ حتى يطلِّقني وأتزوَّج بك وأروح معك إلى بلادك، وأنقل جميع ماله وذخائره عندك، وأتحيَّل لك على خراب دياره ومحو آثاره، ولكن اسمع كلامي وطاوِعْني فيما أقوله لك ولا تخالفني. فقال لها: سمعًا وطاعة، وما عندي خلاف. فقالت له: رُحْ إلى الخان، وإن جاء زوجي وعزمك فقل له: يا أخي، إن ابن آدم ثقيل، ومتى أكثَرَ الترداد اشمأزَّ منه الكريمُ والبخيل، وكيف أروح عندك كلَّ ليلة وأرقد أنا وأنت في القاعة؟ فإن كنتَ أنت لا تغتاظ مني فربما يغتاظ حريمك مني بسبب منعك عنهن، فإن كان مرادك عشرتي فخذ لي بيتًا بجانب بيتك، وتبقى أنت تارةً تسهر عندي إلى وقت النوم، وأنا تارةً أسهر عندك إلى وقت النوم، ثم أروح إلى منزلي وأنت تدخل مع حريمك، وهذا الرأي أحسن من حجبك عن حريمك كل ليلة. فإنه بعد ذلك يأتي إليَّ ويشاورني فأشير عليه أن يُخرِج جارنا، فإن البيت الذي هو ساكن فيه بيتنا، والجار ساكن بالكِرا، ومتى أتيت البيتَ يهون الله علينا بقية تدبيرنا. ثم إنها قالت له: رُحِ الآن وافعل كما أمرتك. فقال لها: سمعًا وطاعة. ثم تركته وراحت وهو جعل روحه نائمًا، وبعد مدة أتت الجارية فنبَّهَتْهما، فلما أفاق الجوهري قال: يا تاجر، لعل الناموس شوَّشَ عليك. قال: لا. فقال الجوهري: لعلك اعتدت عليه. ثم إنهما أفطرا وشربا القهوة وخرجا إلى أشغالهما، وتوجَّه قمر الزمان إلى العجوز وأخبرها بما جرى. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.