فلما كانت الليلة ٩٧٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لمَّا توجَّه إلى العجوز وأخبرها بما جرى وقال لها: إنها قالت لي كذا وكذا، وقلتُ لها كذا وكذا، فهل عندك أكثر من هذا التدبير حتى توصليني إلى الاجتماع بها جهارًا؟ فقالت: يا ولدي، إلى هنا انتهى تدبيري وفرغت حيلي. فعند ذلك تركها وتوجَّهَ إلى الخان، ولما أصبح الصباح توجَّه إليه الجوهري عند المساء وعزمه. فقال له: لا يمكن أني أروح معك. فقال له: لماذا وأنا أحببتك وما بقيت أقدر على فراقك؟ فبالله عليك أن تمضي معي. فقال له: إن كان مرادك طول العشرة معي ودوام الصحبة بيني وبينك فخذ لي بيتًا بجانب بيتك، وإنْ شئتَ تسهر عندي وأنا أسهر عندك، وعند النوم يروح كلٌّ منا إلى بيته وينام فيه. فقال له: إن عندي بيتًا بجانب بيتي، وهو ملكي، فامضِ معي في هذه الليلة وفي غدٍ أخليه لك. فمضى معه وتعشَّيَا وصلَّيَا العشاء، وشرب زوجها الفنجان الذي فيه العمل فرقَدَ، وفنجان قمر الزمان لا غشَّ فيه، فشربه ولم يرقد، فجاءته وقعدت تسامره إلى الصباح وزوجها مَرْميٌّ مثل الميت. ثم إنه صحا من النوم على العادة وأرسَلَ أحضر الساكن وقال له: يا رجل، أخلِ لي بيتي فإني قد احتجت إليه. فقال له: على الرأس والعين. فأخلاه له وسكن فيه قمر الزمان ونقل جميع مصالحه فيه. وفي تلك الليلة سهر الجوهري عند قمر الزمان، ثم راح إلى بيته، وفي ثاني يوم أرسلت الصبيَّة إلى معماري ماهر، فأحضرته وأرغبته بالمال حتى عمل لها سردابًا من قصرها يوصل إلى قمر الزمان، وجعل له طابقًا تحت الأرض، فما يشعر قمر الزمان إلا وهي داخلة عليه ومعها كيسان من المال. فقال لها: من أين جئتِ؟ فأرته السرداب وقالت له: خذ هذين الكيسين من ماله. وقعدت تهارشه وتلاعبه إلى الصباح، ثم قالت له: انتظرني حتى أروح له وأنبِّهه ليذهب إلى دكانه وآتي لك. فقعد ينتظرها وانصرفت لزوجها وأيقظته، وتوضَّأَ وصلى وذهب إلى الدكان، وبعد ذهابه أخذت أربعة أكياس وراحت إلى قمر الزمان من السرداب وقالت له: خذ هذا المال. وجلست عنده، ثم انصرف كلٌّ منهما إلى حال سبيله، فتوجَّهَتْ إلى بيتها وتوجَّهَ قمر الزمان إلى السوق، ولما رجع في وقت المغرب رأى عنده عدة أكياس وجواهر وغير ذلك، ثم إن الجوهري جاءه في بيته وأخذه إلى القاعة، وسهر فيها هو وإياه، فدخلت الجارية على العادة وأسقتهما، فرقد سيدها، وقمر الزمان ما أصابه شيء لأن فنجانه سالم لا غشَّ فيه، ثم أقبلت إليه الصبيَّة وجلست تلاعبه، وصارت الجارية تنقل المصالح إلى بيته من السرداب، ولم يزالوا على هذه الحالة إلى الصباح، ثم إن الجارية نبَّهت سيدها وأسقَتْهما القهوة، وكلٌّ منهما راح إلى حال سبيله، وفي ثالث يوم أخرجتْ له سكينًا كانت لزوجها وهي صياغته بيده وكلفها خمسمائة دينار، لم يوجد لها مثيل في حسن الصياغة، ومن كثرة ما طلبها منه الناس وضعها في صندوق ولم تسمح نفسه ببيعها لأحد من المخلوقين، ثم قالت له: خذ هذه السكين وحطَّها في حزامك، ورُحْ إلى زوجي واجلس عنده وأخرِجْها من حزامك وقل له: يا معلم، انظر هذه السكين، فإني اشتريتها في هذا اليوم، وأخبِرْني هل أنا مغلوب فيها أو غالب؟ فإنه يعرفها ويستحي أن يقول لك: هذه سكيني، فإن قال لك: من أين اشتريتها؟ وبكم أخذتها؟ فقل له: رأيت اثنين من اللاوندية يتقاتلان مع بعضهما، فقال واحد منهما للآخر: أين كنتَ؟ قال: كنت عند صاحبتي، وكلما أجتمع معها تعطيني دراهم، وفي هذا اليوم قالت لي: إن يدي لا تطول دراهم في هذا الوقت، ولكن خذ هذه السكين فإنها سكين زوجي، فأخذتُها منها ومرادي بيعها، فأعجبَتْني السكين، ولما سمعتُه يقول ذلك قلت له: أتبيعها لي؟ فقال: اشترِ. فأخذتها منه بثلاثمائة دينار. فيا ترى هل هي رخيصة أو غالية؟ وانظر ما يقول لك، ثم تحدَّثْ معه مدةً وقُمْ من عنده وتعالَ إليَّ بسرعةٍ فتراني قاعدة في فم السرداب أنتظرك، فأَعْطِني السكين. فقال لها: سمعًا وطاعة. ثم أخذ تلك السكين وحطَّها في حزامه وراح إلى دكان الجوهري، فسلَّمَ عليه، فرحَّب به وأجلسه، فرأى السكين في حزامه فتعجَّبَ وقال في نفسه: إن هذه سكيني، ومَن أوصَلَها إلى هذا التاجر؟ وصار يفكِّر في نفسه ويقول: يا تُرَى هي سكيني أو سكين تشابهها؟ وإذا بقمر الزمان أخرَجَها وقال: يا معلم، خذ هذه السكين تفرَّج عليها. فلما أخذها من يده عرفها حقَّ المعرفة، واستحى أن يقول هذه سكيني. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.