إنجلترا وتحديد مركز القناة (١٨٨٣–١٨٨٨)
احتلت إنجلترا مصر والقناة في خريف سنة ١٨٨٢، ولكن مركزها ظل مزعزعًا، فلم تكن الدول تعترف لها بمركز شرعي في هذه البلاد، ففرنسا غير راضية، إذ أصبح مركز الإنجليز متفوقًا في مصر، لم يعد يخالجها أي شك في ذلك، وحكومة فرنسا حزينة إذ لم تستطع أن تشترك مع الإنجليز في التدخل الحربي وحماية القناة على الأقل، وإيطاليا غير راضية عن عمل الإنجليز المنفرد، فلقد كانت تود لو اشتركت كل الدول الكبرى في مسألة تأمين الملاحة في القناة، وكل من ألمانيا والنمسا والمجر وروسيا لم يوافق على انتداب إنجلترا لهذه المهمة، مهمة حماية قناة السويس وإقرار الأمور في مصر، ويفضل العمل الجمعي الدولي، أو على الأقل كانت هذه الدول ترى تدخل الباب العالي إلى جانب إنجلترا، فالباب العالي هو صاحب السيادة على مصر من الناحية القانونية لا تتناطح دولتان في ذلك، والشعب المصري صاحب مصر والقناة لم يؤخذ رأيه، ولم تكن إنجلترا لتأبه لرأيه، بل دخلت البلاد قسرًا ووضعت جيش الاحتلال رقيبًا على تصرفاته وحياته، ولكنه بالرغم من ذلك لم يقبل الاحتلال في يوم من الأيام، وأصبح يتحين الفرص للتخلص من ربقته.
حقيقة أن الشعب المصري قمع بالقوة، وحقيقة أن الدول الأوربية الكبرى لم تُثِر اعتراضًا قويًّا على تدخل الإنجليز المنفرد، وحقيقة أن الباب العالي اقتصر على الاحتجاج اللفظي، ولم يكن في موقف يسمح له بتحدي إنجلترا تحديًّا جديًّا، ولكن مركز إنجلترا كان بالرغم من ذلك ضعيفًا، وأحست إنجلترا نفسها بذلك الضعف، واختلفت فيها الآراء على مصير مصر، ففريق من الرأي العام البريطاني كان يرى ضم مصر إلى الممتلكات البريطانية، وفريق يرى بسط الحماية عليها، وفريق ثالث يرى فرض حماية مستورة أو مقنعة، ورابع يرى إعلان حيدتها، وخامس يرى الجلاء عنها بعد استقرار سلطة الخديو.
ولكن الحكومة الإنجليزية رأت أن تتبع نصيحة المستشار الألماني بسمرك، وكانت له في ذلك الوقت زعامة سياسية في أوروبا، وهذه النصيحة هي أن تستمر إنجلترا في الاحتلال حينًا من الزمن مع ترك السيادة التركية كما هي.
ولم تقتصر الحكومة البريطانية على ذلك، بل أعلنت من حين لآخر حسب الظروف إرضاءً للرأي العام الأوربي أنها لا تنوي البقاء مدى الدهر في مصر، وأنها ستغادر هذه البلاد حين ترى أن النظام والأمن قد استقر فيها نهائيًّا.
هذا ما أعلنته الحكومة البريطانية للرأي العام العالمي، ولكنها في قرارة نفسها لم تكن تفكر في الجلاء عن مصر إلا حين لا يتعارض هذا الجلاء مع مصالحها الخاصة، ومتى سيكون ذلك؟ لم تكن الحكومة الإنجليزية تريد أن تفكر في هذه المسألة.
ولو أن الحكومة الإنجليزية قررت ضم مصر نهائيًّا إلى ممتلكاتها وأرغمت الباب العالي على قبول ذلك، لزالت السيادة العثمانية عن مصر، ولأصبحت القناة بالرغم من أنها تجري في أرض مصر، تابعة لإنجلترا، ولكانت إنجلترا قد بتت في مصيرها، وكذلك لو فرضت إنجلترا الحماية على مصر لأصبحت قناة السويس تحت إشراف إنجلترا العام.
ولكن إنجلترا رأت أن تترك مركز مصر السياسي والدولي كما هو، فظلت القناة مجرًى مائيًّا في أراضي مصرية، ينطبق عليها ما ينطبق على بقية أراضي مصر من حيث السيادة العثمانية، ووجدت الحكومة الإنجليزية من أول الأمر أن تترضى الدول حتى تعترف بالأمر الواقع في مصر. والأمر الواقع في مصر هو سيطرة إنجلترا العسكرية على كل أراضي مصر بما فيها القناة، وجدت الحكومة الإنجليزية أن مصلحة إنجلترا تقتضي المحافظة على المصالح الأوربية في مصر، وأرادت أن تطمئن الدول، وخاصةً البحرية منها، على حرية المرور في قناة السويس لكل السفن التجارية والحربية في وقتَيِ السلم والحرب.
فلقد كانت إنجلترا تخشى أن تعتقد الدول الأوربية الأخرى أن إنجلترا بسيطرتها العسكرية في مصر تريد أن تسيطر وحدها على قناة السويس وتستغلها لصالحها الخاص.
فإنجلترا إذن ترى في ذلك الوقت أن مسألة القناة وحرية المرور فيها لكل السفن في كل وقت مسألة دولية تهم الدول جميعًا، فالقناة قد أصبحت بعد افتتاحها مجرًى عالميًّا، يربط بين جزئي العالم شرقيِّه وغربيِّه، تدير أمورها شركة وإن كانت مصرية فهي عالمية أيضًا.
وكانت الحكومة الإنجليزية ترى أنها إذا ضمنت للدول حرية المرور في القناة، وأكدت صفة القناة الدولية، ربما لم تتسائل الدول عن موعد جلاء الإنجليز عن مصر، ولذا فهي من اللحظة الأولى، بعد استقرار سيطرتها بدخول جيوشها القاهرة، تعلن عن رغبتها في الدخول في مفاوضات مع الدول الأوربية لوضع نظام توافق عليه جميع الدول لضمان حرية المرور في القناة.
ولم تكن الحكومة الإنجليزية لترضى أبدًا بحياد القناة، فهي تريد أن تفتح القناة دائمًا لحركة مرور كل السفن الحربية وغيرها في كل أوقات السلم والحرب، ولقد وجدت هذه الفكرة تأييدًا من الباب العالي، الذي لم يعترف خلال المدة الباقية من القرن التاسع عشر بالاحتلال البريطاني، كان الباب العالي يعارض فكرة الحيدة أو الحياد بالنسبة للقناة وبالنسبة لمصر أيضًا في كل مفاوضاته مع إنجلترا أو مع الدول الأخرى؛ لأن الفكرة تتعارض مع مبدأ سيادته على الأراضي المصرية، ولقد ظهر ذلك بشكل واضح أثناء مفاوضاته مع سير هنري درمندولف الذي أوفدته حكومة سولسبري إلى استامبول للنظر في أمر جلاء القوات الإنجليزية عن مصر ١٨٨٥–١٨٨٧ وكذلك في مناقشاته مع الدول لوضع نظام دولي لتأكيد حرية المرور في القناة.
واهتمام إنجلترا بالقناة وحرية المرور لم يكن ناشئًا عن رغبتها في إرضاء الدول الأوربية الأخرى فحسب، وإنما وجدت إنجلترا أن أهم واجب تقوم به في مصر بعد احتلالها هو حماية مصالحها الخاصة الاستراتيجية والحربية، هذه المصالح الناشئة من وقوع مصر في ملتقى الطرق العالمية البرية والبحرية.
ولقد ظهرت رغبة إنجلترا في وضع نظام لتأمين حرية المرور في القناة مع الدول الأخرى في منشور وزير الخارجية الإنجليزية جرانفل إلى الدول الأوربية، والمؤرخ في ٣ يناير سنة ١٨٨٣، وفي تقرير لورد دفرن المؤرخ في فبراير سنة ١٨٨٣.
ولقد قسم منشور جرانفل مسائل مصر إلى قسمين: مسائل تتعلق بالدول الأخرى، وضروري فيها موافقة الدول الأوربية الكبرى، ومسائل تختص بأمور مصر الداخلية، فمن المسائل الأولى مسألة قناة السويس، فيقول المنشور: كان من نتائج الحوادث القريبة توجيه انتباه خاص إلى قناة السويس؛ أولًا: للخطر الذي كان مهددًا لها في الفترة الأولى لنجاح الثورة، وثانيًا: نتيجة لاحتلال القوات البريطانية لها باسم الخديو واتخاذها قاعدة للعمليات الحربية لمصلحة سموه وتأييدًا لسلطته، وثالثًا للموقف الذي اتخذته شركة قناة السويس في وقت خطير أثناء العمليات الحربية.
وبالنسبة للنقطتين الأوليين، تعتقد حكومة جلالة الملكة أن حرية الملاحة في كل الأوقات وعدم عرقلتها أو إتلافها بأعمال الحرب مسألة مهمة لكل الشعوب.
وإن من المعترف به أن الإجراءات التي اتخذتها «حكومة جلالة الملكة» لحماية الملاحة واستعمال القناة باسم الحاكم المحلي لغرض استرجاع سلطته، ليس بأي حال اعتداء على ذلك المبدأ العام.
- (١)
تكون القناة حرة لمرور كل السفن في كل الظروف.
- (٢)
وفي وقت الحرب يحدد الوقت الذي تبقى فيه السفن الحربية في القناة، ويجب ألا ينزل فيها جنود أو عتاد حربي.
- (٣)
لا تقوم أعمال عدوانية في القناة أو في مداخلها أو أي مكان في المياه المصرية، ولا يستثنى من ذلك تركيا إذا كانت أحد المتحاربين.
- (٤)
ولا يطبق هذان الشرطان على الإجراءات التي تتخذها مصر للدفاع عن القناة.
- (٥)
وإذا حدث أي تلف بالقناة من سفن إحدى الدول، فتكلف هذه الدول بدفع نفقات الإصلاح.
- (٦)
تأخذ مصر كل التدابير في حدود قواتها لتأييد الشروط التي وضعت لانتقال سفن المتحاربين في وقت الحرب.
- (٧)
لا تقام تحصينات على القناة أو في منطقتها.
- (٨)
لا يوضع في الاتفاق أي شرط يؤثر على حقوق حكومة مصر أكثر مما ذكر.
وقامت المفاوضات بين إنجلترا وفرنسا بشأن القناة في ٢٩ نوفمبر سنة ١٨٨٤، وفي أوائل سنة ١٨٨٥ (٢١ يناير) فيها وافقت الحكومة الإنجليزية على اقتراح الوزير الفرنسي جيل فري بشأن تنظيم مركز القناة في معاهدة، وتكوين لجنة تمثل فيها الدول الكبرى، وكان الوزير الإنجليزي جرانفل يفضل قيام المفاوضات بين العواصم الأوربية المختلفة، ولكنه وافق أخيرًا على الرأي الفرنسي.
واقترح الوزير الفرنسي أن تكون باريس مكان الاجتماع اعترافًا بفضل فردنند دي لسبس على الأقل، واعترض الجانب الإنجليزي بأن المفاوضات بدأت في لندن، ولا داعي لتغيير العاصمة الإنجليزية، وأخيرًا وافق على الرأي الفرنسي.
ووافقت الدولتان على الإعلان الآتي وهو: من حيث إن الدول الكبرى متفقة على الاعتراف بضرورة المفاوضة؛ لوضع نظام نهائي لضمان حرية استخدام كل الدول لقناة السويس في كل الأوقات، فقد اتفقت الحكومات السبع على تكوين لجنة مكونة من مندوبين تعينهم الحكومات ويجتمعون في باريس في ١٠ مارس، على أن يتخذوا أساسًا لمفاوضتهم منشور لورد جرانفل المؤرخ ٣ يناير سنة ١٨٨٣.
ولقد اتخذت الدول السبع الكبرى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والنمسا والمجر تصريح لورد جرانفل أساسًا لاتفاقية وقعها مندوبو هذه الدول ومعهم مندوب تركيا في مارس سنة ١٨٨٥ لعقد مؤتمر مبدئي في باريس يتكون من ممثلي هذه الدول ومعهم مندوب من لدن خديو مصر، «وانضم إليهم بعد ذلك مندوبو بعض الدول الأخرى مثل إسبانيا وهولندا» لوضع أساس اتفاقية دولية بشأن قناة السويس، هذه الاتفاقية تدرسها الحكومات فيما بعد، وتعدل فيها إذا أرادت، أو وجدت ذلك التعديل ضروريًّا باتفاقها جميعًا فيما بينها.
ولقد جعلت إنجلترا هذه الاتفاقية المبدئية الخاصة بالقناة أساسًا للنص الخاص بالقناة في اتفاقية سير هنري درمندولف مع الباب العالي في سنة ١٨٨٧، الخاصة بجلاء الإنجليز عن مصر بشروط معينة ورجوعهم إليها إذا قام خطر داخلي أو خارجي يهدد سلام مصر وأمنها، وعلى أي حال لم تصل هذه الاتفاقية الأخيرة إلى نتيجة؛ لأن السلطان رفض التصديق عليها.
ولقد اجتمعت اللجنة في ٣٠ مارس سنة ١٨٨٥ ومثل إنجلترا سير جوليان بونسفوت وسير ريفرز ولسن، وافتتح اجتماع اللجنة الوزير الفرنسي جيل فري الذي أعلن أن قناة السويس فكرة عبقرية «وأنها قبل كل شيء عالمية وأوربية وإنسانية»، وأنه لتأكيد هذه الفكرة الدولية للقناة ستفتتح هذه اللجنة أعمالها، وظهر في مناقشات هذه اللجنة النزاع الشديد بين فرنسا وإنجلترا، واستغرقت أعمال اللجنة ست عشرة جلسة، وبعد أن انتهت اللجنة من مناقشاتها، تقاعدت إنجلترا عن السير في إنهاء الموضوع، فاضطرت فرنسا إلى تهديد إنجلترا بأنها لن تسمح أبدًا بسيطرة الإنجليز على مصر والقناة.
واضطرت وزارة سولسبري إلى متابعة السير في المشروع وأبدت كثيرًا من الاعتراضات، ولكن الدولتين وصلتا في آخر الأمر إلى توحيد وجهات النظر، وأرسلتا في ٢٥ يونيو سنة ١٨٨٥ بمشروعهما للدول الأخرى ولتركيا للتصديق عليه.
ويلاحظ في الاتفاقية النهائية الخاصة بالقناة أن إنجلترا نفذت فكرتها فيما يختص بحرية المرور، فكان أول شيء اتفق عليه مندوبو الدول جميعًا، وهو حرية المرور في القناة لسفن جميع الدول التجارية والحربية وقتي السلم والحرب، كذلك أكدت إنجلترا حقوق الحكومة المصرية في الدفاع عن القناة؛ فهي جزء من الأراضي المصرية.
أكدت إنجلترا حقوق الحكومة المصرية لما وجدت من محاولات مندوب الدولة العثمانية تسجيل حقوق العثمانيين ونفوذ السلطان العثماني.
وبالرغم من أن هذه الاتفاقية قد قررت مبدأ المساواة بين الدول وأكدته، كما أقرت عدم انفراد أية دولة بنفوذ متفوق في منطقة القناة، إلا أن إنجلترا بحكم احتلالها العسكري للبلاد ومركزها الممتاز فيها، قد أصبح لها بالفعل من الناحية العملية نفوذ متفوق في القناة.
فإصرار إنجلترا على أن يوكل أمر تنفيذ الاتفاقية إلى الحكومة المصرية قد جعل بطريقة غير مباشرة أمر تنفيذها إلى الحكومة الإنجليزية، فالباب العالي لم تكن له سلطة فعلية، فلن تلتجئ إليه الحكومة المصرية، وإذا لم تلتجئ إليه الحكومة المصرية فلن يلتجئ هو بدوره إلى الدول؛ لأن إنجلترا لن تلجئ الحكومة المصرية إلى مثل هذا الموقف أبدًا.
وكذلك في حالة الدفاع عن مصر — كما سنرى من نصوص هذه الاتفاقية — استثنيت الحكومة المصرية من بعض شروط هذه الاتفاقية، فلها وحدها الحق في وضع الجيوش والسفن الحربية في منطقة القناة، ولها وحدها حق تفتيش السفن المشتبه فيها، ولما كانت الحكومة الإنجليزية تشرف بالفعل على الحكومة المصرية وعلى الجيش المصري معًا، فهي التي قامت بتحديد عدد الجيش وعينت ضباطه وقواده من الإنجليز، كانت هي التي تتمتع بهذا الحق من الناحية العملية، طالما ظل نظام الاحتلال موجودًا.
ومع ذلك فقد احتفظت إنجلترا لنفسها بحق انفردت به، وهو أن تنظيم موقف القناة بصفة مستديمة لا يمكن أن ينفذ بشكل يعرقل حركات الجيوش البريطانية في مصر، فإنجلترا ادعت لنفسها بحق الإشراف على أمور مصر، وهي لا تستطيع القيام بهذا الواجب إذا لم تكن لجنودها حرية التصرف.
وهذا التحفظ بقي ما بقي الاحتلال إلى سنة ١٩٠٤، إلى أن عقدت إنجلترا اتفاقيتها مع فرنسا، اتفاقية لانزدون كامبون المشهورة.
أصبح لإنجلترا إذن من الناحية الفعلية نفوذ كبير في القناة، وكانت الدول المحاربة تتصل بها حين تريد إرسال سفنها الحربية للمرور من القناة؛ ولذا فلا عجب أن طلبت فرنسا في أثناء مفاوضاتها مع إنجلترا في سنة ١٩٠٤ رفع هذا التحفظ وأجيبت إلى ذلك.
ولما رأت الدول أن إنجلترا تؤكد دائمًا بأن ليس من السهل فصل مسألة مصر عن مسألة القناة، وأنه نتيجة للاحتلال سيكون لها بالفعل مركز خاص، هذا جعل مندوبي الدول لا يوافقون على أن تنص الاتفاقية على امتيازات خاصة لإنجلترا على أساس أنها محتلة لمصر أو لها مصالح حقيقية في القناة — كما تدعي — أكثر من الدول الأخرى، كما نصوا على عدم جواز إقامة تحصينات على القناة أو بجوارها أو احتلال نقط حربية في منطقتها أو الأماكن المشرفة عليها، وكذلك سجلوا عدم جواز القيام بأية أعمال حربية أو استعدادات للحرب في منطقتها أو في المياه الإقليمية لمداخلها، وشمل هذا التحريم الباب العالي ولو أنه صاحب السيادة.
وتتكون هذه الاتفاقية التي وصلت إليها الدول من سبع عشرة مادة، وأمضيت في استامبول في ٢٩ أكتوبر سنة ١٨٨٨، وقعتها بريطانيا وألمانيا والنمسا والمجر وإسبانيا وفرنسا وهولندا وروسيا وإيطاليا وتركيا.
- المادة الأولى: تكون قناة السويس حرة دائمًا ومفتوحة في وقتي السلم والحرب لكل سفينة
تجارية أو حربية دون تمييز لجنسيتها، وعلى هذا تتفق الدول السامية
المتعاقدة على ألا تعوق حرية استخدام القناة في وقت السلم والحرب.
ولا تخضع القناة أبدًا لمزاولة حق الحصار.
- المادة الثانية: ولما كانت الدول المتعاقدة تعترف بأن القناة البحرية لا تستغني أبدًا عن
القناة العذبة، فهي تسجل كل التزامات سمو الخديو أمام شركة قناة السويس
العالمية فيما يختص بالقناة العذبة. وقد نص على هذه الالتزامات في
الاتفاقية المؤرخة ١٨ مارس سنة ١٨٦٣ …
وتتعهد الدول المتعاقدة بعدم المساس بوجود الترعة وفروعها، ولا تعطيل قيامها بوظيفتها.
- المادة الثالثة: وتتعهد الدول المتعاقدة باحترام جميع منشآت ومباني وأشغال القناة البحرية والقناة العذبة.
- المادة الرابعة: ولما كانت القناة البحرية ستظل مفتوحة وقت الحرب كممر حر حتى لسفن
المتحاربين الحربية، وفقًا لنصوص مادة ١ من هذه المعاهدة، فإن الدول
المتعاقدة متفقة على أنه لا يحق القيام بعمل حربي أو عمل عدائي أو أي عمل
من شأنه عرقلة حرية الملاحة في القناة أو في الموانئ التي تشرف على مداخلها
أو في مدى ثلاثة أميال بحرية من مداخلها؛ حتى ولو كانت الإمبراطورية
العثمانية إحدى الدول المتحاربة.
ولا يجوز لسفن المتحاربين التزود في القناة ولا في موانيها إلا في حالة الضرورة القصوى، وللحد الضروري جدًّا، ويكون مرور هذه السفن في أقصر وقت ممكن وفقًا للوائح المعمول بها.
ولا يجوز لهذه السفن أن تبقى في بورسعيد أو السويس أكثر من أربع وعشرين ساعة إلا في حالة الضرورة القصوى، وعليها أن ترحل في أول فرصة مستطاعة.
ويجب أن تمر فترة أربع وعشرين ساعة بين إبحار سفينتين متعاديتين.
- المادة الخامسة: وفي وقت الحرب، على سفن المتحاربين ألا تنزل أو تأخذ جنودًا أو مواد
حربية في القناة وفي موانيها.
ولكن في حالة حدوث عطل في القناة يجوز لها أن تأخذ أو تنزل فصائل جنود في موانيها لا يتجاوز كل منها ألف رجل، ومعهم ما يلزمهم من عتاد حربي.
- المادة السادسة: تخضع الغنائم لنفس القواعد التي تخضع لها سفن المتحاربين الحربية.
- المادة السابعة: لا تحتفظ الدول لنفسها بسفن حربية في مياه القناة، ومع ذلك، فيجوز أن تضع سفنًا في مدخلي القناة لا يتجاوز عددها اثنتين لكل دولة، ولا يكون هذا الحق لسفن المتحاربين.
- المادة الثامنة: ويقوم معتمدو الدول الموقعة على هذه المعاهدة بمراقبة التنفيذ، ففي حالة
حدوث خطر يهدد سلامة حرية المرور في القناة يجتمع هؤلاء المعتمدون بناءً
على طلب ثلاثة منهم، ويرأس الاجتماع عميد الهيئة السياسية، وهم الذين
ينبئون الحكومة الخديوية بالخطر الذي رأوه حتى تستطيع اتخاذ التدابير
لحماية القناة وحماية حرية استخدامها، وعليهم أن يجتمعوا مرة واحدة في
السنة لمراقبة تنفيذ المعاهدة.
وهذه الاجتماعات الأخيرة تكون تحت رياسة مندوب خاص لهذا الغرض تعينه حكومة الإمبراطورية العثمانية، ويجوز لمندوب الخديو أن يحضر هذا الاجتماع، ويرأسه إذا تغيب المندوب العثماني.
- المادة التاسعة: وعلى الحكومة المصرية في حدود السلطات التي تخولها إياها الفرمانات، وفي
الظروف التي تعينها هذه المعاهدة، أن تتخذ التدابير لتنفيذ هذه المعاهدة
المذكورة.
وفي حالة ما إذا لم يكن لدى الحكومة المصرية الوسائل اللازمة، عليها أن تطلب من الحكومة العثمانية التي تتخذ الإجراءات اللازمة لإجابة ذلك الطلب، وعليها أن تحيط الدول الموقعة لإعلان لندن المؤرخ ١٧ مارس سنة ١٨٨٥ علمًا وأن تعمل معهم، إذا ما استدعت الضرورة ذلك.
ولا تقف مواد ٤، ٥، ٧، ٨ في سبيل الإجراءات التي تتخذ في هذا الشأن بحكم هذه المعاهدة.
- المادة العاشرة: وكذلك لا تقف مواد ٤، ٥، ٧، ٨ في سبيل الإجراءات التي يتخذها صاحب
الجلالة السلطان وسمو الخديو باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية في حدود
الفرمانات الممنوحة بواسطة قواته للدفاع عن مصر وصيانة النظام العام، وفي
حالة ما إذا وجد صاحب الإمبراطورية السلطان أو صاحب العظمة الخديو ضرورة
الانتفاع بالاستثناءات التي تقررها هذه المادة، على أن تنبئ الحكومة
العثمانية الدول الموقعة لإعلان لندن.
وكذلك لا تقف المواد الأربع المذكورة في سبيل الإجراءات التي تتخذها الحكومة العثمانية الإمبراطورية لتدافع بواسطة قواتها عن ممتلكاتها الواقعة على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر.
- المادة الحادية عشرة: وإن الإجراءات التي تتخذ وفقًا للحالات المبينة في مواد ٩، ١٠ لهذه
المعاهدة لا يجب أن تقف في سبيل حرية استخدام القناة.
ولا يجوز كذلك إنشاء تحصينات دائمة بحيث يتناقض ذلك مع نصوص مادة ٨.
- المادة الثانية عشرة: وإن الدول المتعاقدة في تطبيقها لمبدأ المساواة بالنسبة لحرية استخدام القناة، ذلك المبدأ الذي هو أساس من أسس هذه المعاهدة، توافق على ألا تحاول واحدة منها أن تأخذ لنفسها بالنسبة للقناة أية امتيازات … كذلك تحتفظ لتركيا كالدولة المالكة بكل الحقوق.
- المادة الثالثة عشرة: وباستثناء الالتزامات التي تقررها مواد هذه المعاهدة لا تمس حقوق السيادة التي يملكها صاحب الجلالة الإمبراطورية السلطان، ولا حقوق وامتيازات سمو الخديو التي تمنحه إياها الفرمانات.
- المادة الرابعة عشرة: وإن الدول المتعاهدة توافق على أن الالتزامات الناتجة من هذه المعاهدة لا تحد بمدة بقاء امتياز الشركة العالمية لقناة السويس.
- المادة الخامسة عشرة: لا تتعارض شروط هذه المعاهدة مع الإجراءات الصحية المطبقة في مصر.
- المادة السادسة عشرة: تتعهد الدول الموقعة بدعوة الدول الأخرى للموافقة على هذه المعاهدة.
- المادة السابعة عشرة: تختص بالتصديق على هذه المعاهدة.