صحة الصوت
بعد أن شرحنا لك ماهية الصوت وتركيب آلاته، وأظهرنا أن تجاويف الفم والأنف والحلق والحنجرة والصدر تهتز معًا بالصوت الخارج من المزمار، لم يبق صعوبة لندلك على الطرق التي يجب انتهاجها لحفظ هذا الصوت وتقويته، فإن كل ما من شأنه أن يهيج الأغشية ويذهب بمرونة غضاريف الحنجرة، ويؤذي الأوتار الصوتية ويبدل من نعومة الغشاء سطحًا خشنًا ذا نتوء وحبيبات يؤثر في الصوت نغمة وصفاء وقوة وجلاء.
فالتدخين والخمرة والأشربة الساخنة أو المثلجة، والإفراط في الأكل، وخصوصًا اللحوم، كل هذا يضر بالصوت ضررًا بليغًا لتهييجها الأغشية إما بالحرارة وإما بالطعم.
والعناية الصحية تكون بغسل الفم والأسنان بعد الأكل وقبل التكلم، فإن غدارة الأكل الباقية خلال الأسنان تجلب الريق بكثرة وتفسد الصوت.
وأحسن ما يغسل به الفم هو الماء القراح البارد مدة عشر دقائق.
ولا تقتصر المداواة على هذه الوسائل الموضعية، بل تمتد إلى الصحة العمومية من كساء وسكن وما شاكل، فالسكن يكون في مكان مطلق الهواء نظيفه، بعيد عن تقلبات الجو وكثرة حرارته. ويشترط في اللباس أن يكون واسعًا لا يضايق الصدر، ولا يضغط على العنق؛ فيجلب بضغطه تضخم الغدد واللوزتين واحتقان الأغشية الحلقية، ويستحسن لبس الصوف أو الحرير على مدار السنة لأنهما يحفظان حرارة الجسم، ويقيان من البرد المفاجئ في حالة العرق، ما لم يكن الخطيب متعودًا على البرد فيلبس ما شاء. على كل حال تقتضي الحكمة أن لا يخرج الإنسان من غرفة ساخنة إلى أخرى باردة دون اتخاذ الحيطة لذلك.
أما الاستحمام فهو ضروري على شرط أن يكون قصير المدة؛ لأن رطوبة هواء الحمام تؤذي الصوت، ومن كان مستعدًا للزكام فالأولى استحمامه بالماء الفاتر صيفًا وشتاءً، وبعد الفاتر يصب باردًا على بدنه، ثم ينشفه ويبقى تحت الغطاء عشر دقائق.
وليست فائدة الماء النظافة فقط، فإن الخطيب في الغالب رجل عصبي ملتهب الشعور، فالاستحمام يفيده كالرياضة، وكما تفيده بساطة المعيشة والاعتدال في كل شيء.