الخاتمة
والآن وقد جزنا معًا أيها القارئ هذه المسافات الشاسعة، وطوينا عصورًا مختلفة، وبلدانًا مختلفة، وحضارات مختلفة، وسمعنا من أفواه البشر على تنازع أهوائهم وتضارب مذاهبهم، وتباين طباعهم وتناقض حالاتهم أناشيد القلب البشري من أحلام وآلام صاعدة، كلها نحو مثل أعلى واحد هو العدل هو الحق هو الحب هو الله، فيحق لنا أن نقول: إن الخطابة نفحة روحانية، يستطيع بها الإنسان أن يرتفع فوق مراتب الإنسانية، وأن يمشي على رءوس الحقب تاركًا صدى صوته في سمع الأجيال تتعاقب فيه ثم تزول وهو لا يعرف الزوال.
وإذا لم يسعنا أن نجمع بين دفتي هذا الكتاب إلا القليل من تلك الآيات التي يتجلى فيها وحي العبقرية، ففي هذا القليل ما يكفي ليُحبِّب إليك هذا الفن، ويساعدك على الذهاب فيه مدًى بعيدًا، بعد الذي مهدناه لك من البيان عن كل ما يتعلق بقواعده، وشروطه، وأصوله، وفروعه، وطرقه، وأنواعه، وما يشترك فيه أو يحتاج إليه من شئون الصحة وأسباب التربية والعناية بالجسم والصوت والأخلاق على ما أجمع عليه أرباب الفن وأيده العلم والاختبار.
وكان الفراغ من تبييضه في شهر أبريل سنة ١٩٣٠ ميلادية، والحمد لله أولًا وآخرًا.