الثامنة مساءً
جسده الذي لفحه التشرد
تَعرِضه الإشارة كباقة ورد.
في الليالي ذات اللون الرمادي يذوي الفرح،
تهبط الأحزان لمستقَرٍّ لها،
تستكين الشوارع،
يقشر الحجر لونه الأصفر،
تُبهت الخطوات،
تُحجب خيوط الضوء عن يومه.
يسترخي على وهم التفاصيل،
يغيب في مسافات الظلال،
حين تتسلل الغيوم دهشةً
من نافذةٍ فاضت بالجدب.
•••
لأنه ابن الليل؛ تتقاذفه قصص نساء
ممتلئات بالخوف.
لا سبيلَ يئويه،
يدور حول بركة آسنة،
تحتضن تشردَه همومُ أيامه،
يُجلجَل بكاؤه بِطول الهروب.
ومن حُلْكة الليل
تتسلقه جبال الأسئلة:
أين؟!
كيف؟!
لماذا؟!
وما زال المجهولَ بيتُه وعنوانُه.
•••
هو الغارق بالحشرجات في شوارعَ مُنْهَكَةٍ.
في المساء البليد يخوض حُزنًا أشهرَ موتَه.
هو عابر السبيل الذي يختصر اللغة.
يحتمي بالأرصفة،
وأمنيَّة هاربة من شِباك الاتهام.
وحده يرسُم الأحلام،
يستوطن حجارتها،
يسافر في ملامحها،
تاركًا أغراضه دون ملامح
داخل إطارٍ فارغ.
•••
تمضغ رائحةُ البرد لياليَه المنسيَّة.
خلف أوراق شجرٍ ما
يترنح على أرصفة مُشْبَعة برائحة نهارٍ
موغل في اللاشيء.
تعلقه الصورة المرسومة له.
يبتني رصيفًا يراقب التيه،
فيختصر «عجوز وجع العالم بعكازه»!