(١) العوالم العجيبة عند جودمان
يخبرنا جودمان بأن «صناعة العالم تبدأ بنسخة
وتنتهي بأخرى.»
٣ هل صناعة العالم، إذن، ببساطة
صناعة النسخ — أي الوصف أو الرسم، أو شكل آخر
من أشكال التمثيل — وهل ينبغي تشييد العوالم
على أنها مجرد نسخ؟ الإجابة ليست سهلة. لا
يُعرَّف مصطلح «العالم» في أي موضع من الكتاب
ويكشف فحص الفقرات التي يظهر فيها المصطلح عن
تفسيرين متضاربين؛ في التفسير الأول، أو
النسخي versional، العالم
نسخة حقيقية (أو صحيحة) للعالم، والتعددية التي
يتم الدفاع عنها تعكس ببساطة النسخ عمومًا
وتمتد إليها، مبدأ «
بنية
الظاهر» عن إمكانية وجود تنظيم
متضارب بالنسبة لأي موضوع قبل فلسفي
prephilosophical.
في التفسير الثاني، أو
الشيئي، العالم
world واقع
realm الأشياء
(سواء كان نسخًا أو لم يكن) يشار إليه أو يوصف
بأنه نسخة صحيحة للعالم (ص ١١٩). الحديث هنا عن
العالم من أوجه متعددة ليس ببساطة حديثًا عن
نسخ متضاربة؛ «العوالم الحقيقية المتعددة» هي
شعار جودمان وهو يحذرنا من أنه لا ينبغي أن
«المرور عليه باعتباره محض بلاغة» (ص١١٠).
٤
(٢) العوالم نُسخًا
يمكن لأيٍّ من هذين التفسيرين ﻟ «العوالم»
استدعاء التصريحات الضمنية كما يستدعي الصريحة
لتدعمه. نتناول التفسير النسخي أولًا. بعد
الاقتراح بأن مجموعة نسخ لا نسخة واحدة قد
تشكل، أحيانًا، عالمًا (وهو في ذاته رأي غير
شيئي)، يقول جودمان: «لكن لأغراض كثيرة، يمكن
معالجة الأوصاف الصحيحة للعالم والرسوم الصحيحة
له والإدراك الصحيح له، أو طرق رؤية العالم، أو
النسخ، باعتبارها عوالمنا» (ص٤). ويستمر ليسأل:
«بأي معنًى غير تافه، يكون هناك … عوالم
كثيرة؟» ويُجيب: «أظن أنه بهذا المعنى فقط:
للنسخ الكثيرة المختلفة عن العالم اهتمام
وأهمية مستقلان، دون أية متطلبات أو اقتراحات
بالتقلُّص إلى قاعدة واحدة» (ص٤). العوالم هنا
نُسخ صحيحة للعالم، وتعدُّد العوالم تعدُّد تلك
النسخ للعالم. قابضًا على هذا التفسير، يقدم
جودمان بعد ذلك معالجته ﻟ «طرق صناعة العالم»
كما يلي: «بانتهاء أمل زائف لأساس ثابت،
بإزاحة العالم بعوالم
ليست إلا نُسخًا … نواجه أسئلةً عن
كيف تُصنَع العوالمُ وتُختبَر وتُعرَف» (ص٧،
التأكيد لي). ويجب فهم المناقشة الأساسية التي
تلي «العمليات التي تدور في العالم» (ص٧) على
أنها تهتم بالنسخ لا بالأشياء أو المواضيع أو
العوالم التي تصفها، وتشييد اختبار العوالم
وصناعتها على أنه اختبار النسخ
وصناعتها.
إن النسخ المهدَّدة بالضياع ضمنية خلال هذه
المناقشة؛ حيث يقال إن تفرد العوالم يتوقف
أحيانًا على المفاهيم والفروق المتاحة لمجموعات
الأشخاص ذوي الصلة بالموضوع (ص٩)، على النبرة
واللهجة (ص١١)، وعلى الأنواع ذات الصلة (ص١١)،
وعلى الترتيب (ص١٢)، وعلى طرق التنظيم
«
متضمنةً في عالم
» (ص١٤). يقول جودمان إن
«العوالم التي لا تختلف في الكِيانات … قد
تختلف في الترتيب»، وهكذا يميز عوالم لا يوجد
فيها أي اختلاف في الأشياء المشار إليها. إنه
يسمح بأن «تنتمي زمردة خضراء وزمردة مرتجفة،
حتى لو كانت الزمردة
نفسها … لعوالم منظمة إلى أنواع
مختلفة» (ص١١، التأكيد لي، وانظر أيضًا ص١٠١).
وحيث إن جودمان يؤيد صراحةً مبدأ الاسمية
٥ «لا يوجد اختلاف دون اختلاف
الأفراد» (ص٩٥)، وحين يميِّز هنا العوالم
ببساطة بترتيب النسخ أو توكيدها أو الأنواع
التي تُشير إليها، لابد أنه لا يشير إلى عوالم
الأفراد الموصوفة، ولا يشير، بالتأكيد، إلى
الكِيانات المجردة المتنوعة المرتبطة بها، لكنه
يُشير إلى النسخ نفسها.
توضِّح مناقشتان متضادتان لمسألة التواريخ
المختلفة القضيةَ بشكل لافت؛ واحدة في بحث مبكر
قدَّمه جودمان، «عالم الأفراد»،
٦ والأخرى في «طرق صناعة العالم».
يكتب في الأولى: «لا نتناول التواريخ المختلفة
لمعركة بول رن
٧ باعتبارها روايةً لأحداث مختلفة.
إن تعدُّد الأوصاف في الحياة اليومية ليس
دليلًا على تعدُّد مُناظِرٍ للأشياء الموصوفة.»
٨ ويتحدَّث من ناحية أخرى في «طرق
صناعة العالم»، عن «تاريخَين لعصر النهضة:
تاريخ لا يستبعد المعارك ويؤكد على الفنون؛
وآخر لا يستبعد الفنون ويؤكِّد على المعارك»
و«هذا الاختلاف في الأسلوب اختلاف في التقدير
يعطينا
عالمين مختلفين
للنهضة» (ص١٠١-٢، التأكيد لي).
واتساقًا مع احتياجات مبدأ الاسمية لا تُشيَّد
العوالم المذكورة في هذا الاقتباس الأخير
متضمِّنةً الأحداث الموصوفة، وينبغي اعتبارها
نسخية.
(٣) العوالم أشياء
نتحوَّل الآن إلى التفسير الشيئي للعوالم.
يتحدَّث جودمان عن «المواد الكثيرة — مسألة،
طاقة، موجات، ظواهر — التي يتكوَّن منها
العالم» (ص٦)، وتقترح الفقرة أنه لا يشير
ببساطة إلى النقوش التي تكوِّن النسخ. إنه
يستخدم الصفة «فعلى» ليعدل «العوالم»، مميزًا
«العوالم المتعددة» التي يعتبرها «العوالم
الفعلية … استجابة
للنسخ الحقيقية أو الصحيحة (ص٩٤،
التأكيد لي)، والقراءة الطبيعية ﻟ «استجابة ﻟ»
هي «دلالة على»، أو «إشارة إلى»، أو «إذعانًا
ﻟ»، أو «وصفًا ﺑ». يميز جودمان بجلاءٍ بين «نسخ
تشير ونسخ لا تشير»، ويُصر على أننا نريد «أن
نتحدَّث عن الأشياء والعوالم، التي يشار إليها إن
وُجدت» (ص٩٦، التأكيد لي). ويُدخِل، إضافةً إلى
ذلك، مفهوم الحقيقة «إلى عالم فعلي معين»
مقرًّا بأن التصريح يكون حقيقيًّا في هذا
العالم إذا «كان حقيقيًّا بقدر ما يُنظَر إلى
ذلك العالم وحده» (ص١١٠). ويفترض هنا أن
«العالم» لا يمكن أن يُقصَد باعتباره نسخةً
للعالم، كما يُفهم ضمنيًّا بشكل أكبر في النظرة
التالية: يُلاحِظ أنه لا يمكن اعتبار التصريحات
المتضاربة «حقيقية في العالم نفسه دون الاعتراف
بأن كل التصريحات مهما تكن … حقيقية في العالم
نفسه، وبأن ذلك العالم نفسه مستحيل» (ص١١٠).
وإذا اعتبرنا «العالم» في هذه الفقرة «نسخة
للعالم»، لا يمكن أن تكون هنا استحالة مهما
تكن؛ يوجد تنافر فقط.
يشرح جودمان الحقيقة والصواب فيما يتعلَّق
بمواءمة العالم
ويصرِّح قائلًا: «يكون التصريح
حقيقيًّا، والوصف أو التمثيل صحيحًا، بالنسبة
لعالم يوائمه» (ص١٣٢). يبدو أن مفهوم
«المواءمة» أيضًا مثل مفهوم «الاستجابة ﻟ»،
فكرة سيمنطيقية، والاستخدام المرتبط به ﻟ
«العالم» شيئيًّا بوضوح وليس نسخيًّا.
إن التفسير الشيئي مطلوب بالضرورة، في
النهاية، بتلك الفقرات التي يعالج فيها جودمان
صراحةً العوالم بوصفها تشمل مجالًا من استخدام
التنبؤ، أو تتكوَّن من مجالات النسخ المختلفة.
يكتب في هذا السياق:
التصريحان بأن [معبد] بارتينون
٩ سليم وأنه مهدم حقيقيان، بالنسبة
لأجزاء زمنية مختلفة من البناية؛ والتصريح بأن
التفاحة بيضاء وبأنها حمراء حقيقيان، بالنسبة
لأجزاء مكانية من التفاحة … في كل حالة من
هاتين الحالتين، يتحد
مجالا الاستخدام بسهولة في نوع أو
شيء معروف؛ والتصريحان حقيقيان في أجزاء أو
فئات فرعية مختلفة من
العالم نفسه (ص١١١، التأكيد
لي).
ومن الواضح أن الإشارة هنا ليست لأجزاء أو
فئات فرعية مختلفة من النسخة نفسها.
يتناول هذا المثال مجالات الاستخدام؛ نتأمل
الآن الإشارة إلى العوالم باعتبارها مجالات.
يؤكِّد جودمان، مناقشًا نظامين هندسيين مع
أوصاف متنافسة للنقط، على أنهما إذا كانا
حقيقيين، يكونان كذلك في مجالات مختلفة؛ الأول
«في عينتنا فضاء يُعتبر مكونًا من خطوط فقط»
والثاني «في ذلك الفضاء يعتبر مكونًا من نقط
فقط.» بالنسبة لنسخ أشمل تتضارب بشكل مماثل،
يقول إن «
مجالاتها تُعتبر بالتالي في عالم
أقل ملاءمةً ممَّا في عالمين مختلفين» (ص١١٦، التأكيد
لي). الإشارة إلى «العوالم» في هذه الفقرة ليست
إشارةً إلى نسخ بل إلى أشياء تستخدمها النسخ؛
التفسير هنا، باختصار، شيئي.
(٤) هل العوالم مصنوعة؟
لا يختلط التفسيران النسخي والشيئي للعوالم؛
إنهما متضاربان. وكما رأينا، إن فكرة العوالم
المختلفة لعصر النهضة الناشئة عن التواريخ
المختلفة لا يمكن أن تكون شيئية؛ حيث يفترض أن
مجالات استخدامها متماثلة. وبالعكس، يُعاق
التفسير النسخي بمفهوم العوالم الفعلية التي
تشير إليها
النسخ الحقيقية؛ حيث إن هذه النسخ تشير إلى
أشياء من كل نوع، إلى ما ليس نُسخًا كما تشير
إلى النسخ.
يبدو، في الحقيقة، أن جودمان يؤيد أن هذه
التفسيرات المتضاربة ﻟ «العوالم» تعكس تذبذبات
الممارسة النظرية السابقة. إنه يؤمن بأن الخط
الذي ترسمه هذه الممارسة بين «النسخ» و«التشيؤ»
ليس خطًّا صلبًا بل خط متغير، يحفِّزه العرف
والملاءمة. يكتب جودمان: «إننا، عمليًّا، نرسم
الخط أينما نحب، ونغيِّره بقدر ما يوائم
أغراضنا. على مستوى النظرية، نتحرك ذهابًا
وإيابًا بين الأطراف في مرح كما يتحرك فيزيائي
بين نظريات الجسيمات والمجال. حين يهدِّد منظور
الحشو بإذابة كل شيء وتحويله إلى عدم، نُصر على
أن كل النسخ الحقيقية تصف عوالم. وحين تهدِّد
المشاعر المناصرة للحياة ازدحام العوالم، نصف
الأمر بأنه مجرد كلام» (ص١١٩). ويبقى أن توافر
هذين التفسيرين — بصرف النظر عن طريقة رسَم
الخط — يجعل من المهم فحص أطروحة جودمان بدقة،
أطروحة أن العوالم مصنوعة. يمكن أن أقبل هذه
الأطروحة باعتبار «العوالم» نسخية، وأرى أن من
المستحيل قَبولها بشكل آخر.
(٥) صناعة العالم: نسخية نعم، شيئية لا
إن سعي جودمان نفسه إلى النظر لصناعة العالم
بالطريقتين واضح في مجموعة من الفقرات. يقول في
تصريح ملخص قرب نهاية الكتاب:
بإيجاز، إن حقيقة التصريحات وصحة الأوصاف،
والتمثيل وضرب الأمثلة … مسألة مواءمة بالأساس؛
مواءمة لِمَا يشار إليه بطريقة أو أخرى، أو ﻟ
«طرق الأداء
الأخرى»، أو لصيغ التنظيم وأساليبه.
تشحب الاختلافات بين مواءمة نسخة لعالم، وعالم لنسخة، ونسخة لنفسها
أو لنسخ أخرى حين يُنظَّم دور النسخ
في صناعة العالم الذي
توائمه (ص١٣٨، التأكيد لي).
بالإضافة إلى ذلك، يتحدَّث جودمان بشكل خاص
عن العوالم، من منظور شيئي، بوصفها مصنوعة. في
فقرة حاسمة يكتب: «نصنع العوالم بصناعة نسخ …
العوالم المتعددة التي أتحدث عنها مجرد عوالم
فعلية مصنوعة من نسخ حقيقية أو صحيحة وتأتي
استجابةً لها» (ص٩٤). تظهر مطالبة هذه الفقرة
بالتفسير الشيئي بذكر العوالم باعتبارها
استجابةً
لنسخ حقيقية. وهكذا لا يعني جودمان بتفاهة،
بقوله إننا نصنع العوالم بصناعة النسخ، أننا
نصنع النسخ بصناعتها. هل يمكن إذن أن يؤكد على
أننا بصناعة نسخ صحيحة نصنع ما تشير إليه؛ أي
إننا بصناعة أوصاف حقيقية نصنع ما تصفه،
وبصناعة عوالم قابلة للتطبيق نصنع ما تدل
عليه؟
الإجابة بنعم على ما يبدو. يكتب:
نريد بالطبع، أن نميِّز بين النسخ التي تُشير
وتلك التي لا تشير، ونتحدَّث عن الأشياء
والعوالم، التي يُشار إليها، إن وجدت، لكن تلك
الأشياء والعوالم وحتى المواد التي صُنعت منها
— المادة، أو المادة المضادة،
١٠ أو العقل، أو الطاقة، أو ما ليس
كذلك — مصممة مع النسخ نفسها (ص٩٦).
يقول هنا بوضوح إننا لا نصنع نسخًا فقط لكننا
نصنع أيضًا الأشياء التي تشير إليها وحتى
المادة التي تُصنَع منها هذه الأشياء.
أرى الآن أن الادعاء بأننا صنعنا النجوم
بصناعة كلمة «نجم» غير معقول، إذا أخذنا هذا
الادعاء بمعناه الحرفي المباشر. إنه يخلط بين
سِمة الخطاب وسِمة موضوع الخطاب، وهو خطأ حذَّر
جودمان نفسُه منه في بحث سابق،
١١ ويبدو أنه يتناقض مع إصراره على
الاختلاف بين النسخة وما تشير إليه. ويؤكِّد
جودمان نفسُه (ص٩٤) على أن «رغبته في قَبول
نُسخ العالم، النسخ البديلة الحقيقية أو
الصحيحة التي لا تُحصى، لا تعني أن كل شيء جائز
… وأن الحقائق لم تعد تتميَّز عن الأكاذيب.»
وحيث إن الادعاء، كما أومن، بأننا صنعنا النجوم
زائف تمامًا، فإن نسخته عن النسخ هي ذاتها
زائفة إذا تضمنت هذا الادعاء. والقول بأننا
صنعنا النجوم
بوصفها نجومًا لا يفيد قبل وجود
كلمة «نجم»، لم توجد النجوم بوصفها نجومًا؛ لأن
عدم وجود النجوم، أولًا، بوصفها نجومًا لا
يتضمن أنها لم توجد، أو أننا صنعناها. وثانيًا،
إن وجود النجوم بوصفها نجومًا يعني وجودها زائد
أنها تسمى «نجومًا». لا أحد يشكك في أننا قبل
أن تكون لدينا كلمة «نجوم»، لم تكن النجوم تسمى
«نجومًا»، لكن ذلك لا يعني أنها لم تكن موجودة.
قد يكون من المضلِّل تمامًا على هذا الأساس
وحده أن نقول إننا
صنعناها.
١٢
لكن حافزًا فلسفيًّا أعمق يؤسِّس مفهوم
جودمان لصناعة العالم. ثمة تيمة واسعة الانتشار
في عمله تتمثل في رفض المعطيات ومفهوم «عالم
جاهز في انتظار الوصف» (ص١٣٢). إنه يُلح
باستمرار على أن تنظيم تصوُّراتنا ومقولاتنا
ليس فريدًا، وأن «صيغ التنظيم … لا «توجد في
العالم» لكنها تُدمَج في
عالَم» (ص١٢–١٤، خاصة ١٤). الفرضية
أننا إذا لم نأخذ نُسخ نجومنا لنصنع النجوم،
ربما نُدفَع إلى قَبول فرضية محايدة معطاة دون
أي مفاهيم أو الوجود السابق لمخططنا التصوُّري
لاستبعاد المخططات الأخرى كلها. أتفق مع الحافز
الفلسفي الأساسي، لكن لا يمكن أن أرى أن
الفرضية الأخيرة صحيحة. إن النجوم موجودة قبل
أن يعرف الناس شيئًا عن التصورات أو تفردها أو
وجودها السابق. لم تسبق مفاهيم النجوم ظهور
الكائنات الحية، لكن النجوم سبقتها. ومن المؤكد
أن مفاهيم النجوم لم تكن جاهزة، في انتظار
الاستخدام؛ إنها من صُنعنا. ولا يستتبع ذلك أن
النجوم بالتالي من صنعنا، إنها (لكن بمعنًى
استعاري) كانت في انتظار الوصف. إن رفض
المعطيات والسماح بتعدُّد مخططات المفاهيم لا
يتطلَّب صناعة عالم شيئي.
ومع ذلك ربما يكون للنسخة الشيئية من صناعة
العالم مصدر فلسفي آخر في رأي جودمان عن
الوقائع، وبشكل أكثر تحديدًا اعترافه بأن
المعجم يقيِّد ويشكِّل أوصافنا الحقيقية. ويظهر
الموضوع في مناقشته لظاهرة الحركة الظاهرية؛ أي
رؤية ضوء يتحرَّك حين توجد، فيزيائيًّا، ومضتان
واضحتان، تتبع إحداهما الأخرى بمسافة قصيرة.
يتساءل جودمان، مناقشًا حالة بعض الأشخاص الذين
يذكرون أنهم لا يرون حركةً ظاهرة، يتساءل إن
كانوا لا يدركونها حقًّا أو يعتبرونها
علامةً على
التتابع الفيزيائي لومضات الضوء؛ أي النظر خلال
الظاهر إلى الحالة الفيزيائية، «كما نعتبر
المظهر البيضاوي لقمة الطاولة علامةً على أنها
مدورة» (ص٩٢). هل يمكن اختبار هذه الاحتمالية؟
هل يمكن جلب هؤلاء الأشخاص لنقدِّم تفسيرًا
مباشرًا لخبرة إدراكها الفعلي؟ إن مطالبتهم ﺑ
«تجنب كل ما له علاقة بالتصور» قد يكون عديم
الفائدة؛ حيث إنه قد يتركهم «عاجزين عن
الكلام». «إن أفضل ما يمكننا القيام به» كما
يقترح جودمان «تحديد نوع المصطلحات، المعجم»
المستخدم، موجهًا الأشخاص لوصف ما يرون
«بمصطلحات المُدرَك أو الظاهر وليس بمصطلحات
فيزيائية.» ويقول جودمان وهذا «يلقي ضوءًا
مختلفًا تمامًا على ما يحدث. إن مسألة ضرورة
تحديد الأدوات التي تُستخدم في تشكيل الوقائع
تجعل أي تماثل للفيزيائي مع الواقعي أو
المُدرَك مع الظاهر فقط تماثلًا تافهًا» (ص٩٢).
ويستنتج، بالإضافة إلى ذلك، أننا ينبغي ألَّا
نقول «إنهما كليهما نسختان للوقائع نفسها» بأي
معنًى يتضمن أن «هناك حقائق مستقلة وأنهما
نسختان لها» (ص٩٣).
لا توجد إذن، عند جودمان، وقائع مستقلة،
مشيدة بوصفها كِيانات متميزة عن النسخ
ومواضيعها. لمَ يوصل إذن حديثه عن «تشكيل
الوقائع»؟ (ص٩٢). لنفترض أن تقارير الملاحظات
الصحيحة التي تقدِّم أوصافًا لمثل هذه المواضيع
مقيدة بالمعاجم المستخدمة؛ تكون هذه المعاجم
أدوات لابتكار أوصاف حقيقية. وحيث إن كل
معرفتنا بالمواضيع، إضافةً إلى ذلك، مجسدة في
هذه الأوصاف، فإن معرفتنا ذاتها، بالطريقة
نفسها، تتشكل بمعجمنا. لكن ما المواضيع نفسها؟
ليس لنا مدخل إلى المواضيع باستثناء معرفتنا
بها؛ إنها ذاتها تتشكل بمعجمنا. ولهذا يمكن
القول بأننا، ونحن نصنع نسخنا، نصنع مواضيعها.
من المحتمل أن خطأً تفسيريًّا من هذا القبيل
يحفِّز صناعة العالم الشيئي عند جودمان.
يحفِّز أو لا يحفِّز، لا أجده مقنعًا. حتى لو
صح أنه ليس هناك مدخل إلى المواضيع إلا معرفتنا
بها، لا يمكن أن يستتبع ذلك أن المواضيع تصنعها
معرفتنا. بالإضافة إلى ذلك، إن القول بأننا ليس
لنا مدخل إلى المواضيع، أو تماس معها، إلا
معرفتنا بها لا يصح إلا إذا كنا نقصد ﺑ «مدخل»
أشياء من قبيل الفهم والوعي؛ أي «مدخل معرفي».
وهكذا يكون التصريح تافهًا؛ إنه يؤكد لنا أنه
يمكن فقط أن يكون لدينا معرفة بالمواضيع
بمعرفتنا بها. والقول بأن معرفتنا بالمواضيع
تتشكَّل بمعجمنا يُختصر إلى القول بأن الأوصاف
التي نؤلفها تتكوَّن من الكلمات التي بحوزتنا.
ومن هذه التفاهة من الواضح أنه لا يستتبع ذلك
أننا نبتكر أو نشكِّل الأشياء التي تُشير إليها
كلماتنا، أو نحدِّد أن أوصافنا ستكون حقيقية.
في صياغة تصريح حقيقي عن وجود نجوم قبل البشر،
لا نصنع أيضًا النجوم التي كانت هناك
حينذاك.
يُصر جودمان نفسه على فصل الحقيقة عن الزيف؛
وكما رأينا، يُنكر «أن كل شيء يمضي» (ص٩٤).
ويؤكِّد أن هناك نسخًا زائفة كما أن هناك نسخًا
حقيقية؛ ويستبعد فكرة أن أية نسخة يمكن أن تأتي
صحيحةً بالإرادة. وتقدِّم مناقشته للقصص أمثلةً
ملموسة لهذه القيود. يكتب: «بعض الصور
والأوصاف، لا تدل على أي شيء حرفيًّا. الصور
المرسومة أو المكتوبة لدون كيخوته، على سبيل
المثال، لا تدل على دون كيخوته، الذي لا يوجد ببساطة ليدل
عليه» (ص١٠٣، التأكيد لي). من الواضح أن إبداع
نسخة دون كيخوته لا يبدع تلقائيًّا موضوعًا
لها. مجرد صناعة الكلمة لا يضمن ألَّا تكون غير
منعدمة الدلالة. وهكذا سواء كان هناك موضوع يفي
بشروط نسخة من صنعنا أو لم يكن، فهو ليس،
عمومًا، طوع أمرنا. إن استجابة عالَم لنسخة
مستقلة، عمومًا، عمَّا نتمناه أو نرغب فيه. كيف
إذن يصف جودمان «عالمه الفعلي» باعتباره
«مصنوعًا بنسخ حقيقية أو صحيحة» و«استجابة
لها»؟ كيف يمكن أن يقول «إننا نصنع عوالم
بصناعة نسخ»؟ (ص٩٤). أستنتجُ أنه لا يستطيع
ذلك، وأن الحديث الشيئي عن صناعة العلم، رغم
إنكاره (ص١١٠) من الأفضل أن يُعتبر «بلاغيًّا
صرفًا».