(١) أسف تمهيدي
يبدأ جودمان بالقول بأنه سيتأمل الحجج
المثارة في كتابي «تحقيقات»،
٣ التي لم أُثرها في بحثي السابق،
«العوالم العجيبة عند جودمان».
٤ إن هذه الحجج الإضافية
في كتابي
٥ لكنني آسف للقول إن جودمان لا
يطرحها إطلاقًا، ولا يهتم إلا بالنقط التي وردت
في بحثي السابق. هل طرحَ هذه الحجج الجديدة،
ووجدها مقنعة؟
(٢) مسألة الترتيب
في بحثي، أقدِّم نظرات إضافيةً لتوضيح معالجة
جودمان ﻟ «العوالم» بوصفها نسخيةً أحيانًا،
وشيئيةً أحيانًا. وحيث إن جودمان يؤكد صراحةً
هذه المعالجة المتغيرة،
٦ فإن تنظيم إيضاحاتي الإضافية لا
يرتبط بالنقطة الرئيسية؛ أي المعالجة المتغيرة،
التي ليست في حالة تنافس. ومع ذلك، لنتأمل
الإيضاحين الخاصين اللذين قدمتهما، ويرتبطان
بتفرد العوالم بالترتيب.
يكتب جودمان: «لا تختلف العوالم في الكِيانات
… قد تختلف في الترتيب.»
٧ وعلقت على هذا بأن العوالم التي
تتميز بترتيبها وحده ينبغي أن تكون نسخًا إذا
كان ينبغي اعتناق مبدئها الاسمي (لا اختلاف دون
اختلاف الأفراد). ويرد بتمييز الكِيانات
الثابتة عن شرائحها الزمنية مجادلًا:
بافتراض وجود خمس بطاقات مربعة، من المؤكد أن
ترتيبها بأشكال مختلفة يقدِّم مجموعات بأشكال
مختلفة، وإذا كانت البطاقة تحمل بعض الحروف
المنقوشة، ربما تحول إعادة الترتيب «حارس» إلى
«سارح». لكن ما نتحدث عنه هنا باعتباره
اختلافًا في ترتيب البطاقات (الثابتة) يساوي
اختلافًا في ترتيب
أجزاء
زمنية مختلفة من البطاقات … يظهر
الارتباك من الانتقال المفاجئ في حديث عادي؛ ما
نتحدث عنه باعتباره اختلافًا في ترتيب البطاقات
يساوي، بشكل أكثر صراحة، اختلافًا في ترتيب
أجزاء زمنية مختلفة من البطاقات.
٨
لكن
جودمان نفسه، رغم كل شيء، يتحدث عن عوالم لا
تختلف في الكِيانات لكنها تختلف في الترتيب. هل
يمكن له أن يزعم بأنه استغل الارتباك الذي
يذكره، باستخدام الكلمة المحايدة «كِيانات»
للإشارة إلى أفراد ثابتين قد تختلف حصيلة
شرائحهم الزمنية (وليس هم أنفسهم) من واحد
لآخر؟ يقول جودمان «لا شيء هنا ينتهك المبدأ الاسمي.»
٩ لم أسعَ إلى توضيح انتهاك بل إلى
أن أُبرهن على أن العوالم لو لم تكن تختلف في
الكِيانات وكانت تختلف في الترتيب، ينبغي أن
تفسَّر باعتبارها نسخًا. إن النقطة الرئيسية؛
أي تعامل جودمان أحيانًا مع «العوالم»
باعتبارها «نسخًا للعالم»، ليست محل نقاش
هنا.
يمكن أن يقال الشيء نفسه إلى حد كبير على
حجتي بأن جودمان يسمح لتواريخ مختلفة بتحديد
عوالم مختلفة، كان على ما يبدو يفسر العوالم
بوصفها نسخية. لم تكن هذه الحجة، كما يصفها
جودمان «شكوى»؛
١٠ لم يكن المقصود منها، كما يعتقد
على ما يبدو، توضيح عدم الاتساق. كانت القضية
توضيح استخدامه النسخي ﻟ «العوالم».
إنه يرد بأنه رغم أن «التواريخ المختلفة
لمعركة بول رن ليست دليلًا على تعدُّد الأشياء
الموصوفة، فإن تاريخين لعصر النهضة ربما
«يقدِّمان لنا عالمين مختلفين للنهضة.» ويقول،
هذا لأن مبدأه الفعال ليس «نُسخًا صحيحة
مختلفة، عوالم مختلفة»، لكنه «نسخ صحيحة
متضاربة،
عوالم مختلفة (إن وُجدت).»
١١
هل يتضمن إذن هذا الردُّ أن تاريخين للنهضة
يقدمان عالمين مختلفين يتضاربان في الأحداث
التي يشيران إليها، بحيث تُفهَم «العوالم» في
استخدامه هنا بأنها شيئية؟ يبدو أن هذا يتعارض
مع وصفه للفرق بين التاريخين؛ حيث يصف
«اختلافًا في الأسلوب … اختلافًا في القيمة»؛
حيث تاريخ «يؤكد على الفنون
دون استبعاد المعارك»،
والآخر «يؤكد على المعارك
دون استبعاد الفنون.»
١٢ لا أستنتج من هذه الفقرة أنه يقع
في تناقض، لكنني أستنتج أنه هنا يعالج
«العوالم» بإشارة نسخية لا بإشارة شيئية. إنني
قانع بترك الكلمة الأخيرة عن هذا المثال
والمثال السابق لجودمان. مهما يقرِّر بشأنهما،
لا يبقى هناك تضارب بشأن القضية الرئيسية وهي
أنه يتناول «العوالم» أحيانًا بوصفها «نسخًا
للعالم».
(٣) ما يزعجني
يقول
جودمان إنني «منزعج» من قوله «إن مصطلحًا، أو
صورة، أو نسخةً أخرى، يختلف عادةً عمَّا يدل
عليه وأيضًا إن الحديث عن العوالم يميل إلى
قابلية التبادل مع الحديث عن النسخ الصحيحة.»
١٣ لست منزعجًا إطلاقًا من هذه
التصريحات، صارت نكهتها مألوفةً على نطاق واسع
من خلال المعيار السيمنطيقي للحقيقة عند تارسكي.
١٤ وهكذا يكتب جودمان:
تقول نسخة إن هناك نجمًا ليس ساطعًا أو
بعيدًا، والنجم ليس مصنوعًا من حروف. وتقول من
ناحية أخرى إن هناك نجمًا وتقول إن التصريح
«هناك نجم» صحيح أنه يساوي، بتفاهة، الشيء نفسه
إلى حدٍّ كبير، حتى لو بدا أننا نتحدَّث عن نجم
ويتحدَّث الآخر عن تصريح.
١٥
يزعجني ما انتقده جودمان نفسه؛ أي «الفلاسفة
الذين يخلطون أحيانًا بين سمات الخطاب وسمات
موضوع الخطاب.» وكما يواصل: «من النادر استنتاج
أن العالم يتكون من كلمات لمجرد أن وصفًا
صحيحًا له يتكون من كلمات.»
١٦ وهنا يمكن إضافة أننا من النادر أن
نستنتج أن العالم مصنوع لمجرد أن وصفًا صحيحًا
له مصنوع.
يمكن أن أفهم صناعة الكلمات لكن لا يمكن أن
أفهم صناعة العوالم التي تشير إليها. يمكن أن
أقبل أن النسخ مصنوعة لكن لا يمكن أن أقبل أن
«الأشياء والعوالم وحتى المواد التي صُنعت منها
— المادة، أو المادة المضادة، أو العقل، أو
الطاقة، أو ما ليس كذلك — مصمَّمة مع النسخ نفسها.»
١٧
(٤) التعددية نعم، صناعة العالم لا
يعتقد جودمان أن ما «يزعجني» هو «الحديث عن
عوالم متعددة أو نسخ صحيحة متضاربة أو صناعة العالم.»
١٨ إنه مصيب بشأن البند الثالث لكنه
غير مصيب بشأن البندين الأول والثاني. هنا
أعتقد أنه يسيء فهمي.
علقت بشكل إيجابي على «تعدد مخططات المفاهيم»
في بحثي الأصلي
١٩ وأكدْتُ اتساقه مع رفض صناعة
العالم الشيئي. ومن المؤكد أنني لست في شجار مع
نوع النسبية المقترحة في كتاب جودمان «بنية الظاهر»
٢٠ وأتفق تمامًا مع تصريحه «إن النسخ
الكثيرة المختلفة للعالم مستقلة في الاهتمام
والأهمية، دون أية متطلبات أو اقتراحات
بإمكانية التقلص إلى قاعدة واحدة.»
٢١
أعارض مثله تمامًا كل هذه المتطلبات أو
الاقتراحات؛ حجتي ليست مع مفهومه للتعددية أو
النسبية لكن مع مفهومه للتطوعية. وبشكل أكثر
خصوصية، أنتقد تأكيده على صناعة العالم، مفسرًا
شيئيًّا، سواء كان واحدًا أو كثيرًا. يقول
جودمان: «نصنع نسخًا، والنسخ الصحيحة تصنع عوالم.»
٢٢ وأقول: نصنع نسخًا لكننا لا نصنعها
صحيحة.
(٥) الزمن
يرد جودمان على السؤال «كيف يمكن لنجم وُجد
قبل كل النسخ أن تصنعه نسخة» باللجوء إلى نسبية
الزمن. يتخيَّل نسخةً بالنسبة لها «لا يوجد
النجم وكل شيء آخر إلا
بواسطة نسخة.»
٢٣
إن مجرد احتمال وجود مثل هذه النسخة أضعف
بشكل جذري من ادِّعاء جودمان لمقولة إن النسخ
الصحيحة تصنع عوالم. يفترض الادعاء الأخير
بالفعل نسخةً تحل محل النسخ قبل النجوم ولا
يؤكِّد احتمالها فقط. لكن لا يوجد في أي مكان
تفاصيل لهذه النسخة الخيالية، التي قد تتطلَّب
تعديلات جوهرية في «أية نسخة من نسخنا الموثوق
فيها للعالم»، بوضوح. وليست حجةً وشيكة لتوضيح
أن الجهد إنتاج نسخة عملية مع هذه الخطوط يمكن
أن يتم. أخيرًا، يسأل جودمان إن كانت هذه
النسخة الافتراضية أو نسخة من نسخنا المألوفة
صحيحة، ويجيب «كلتاهما.»
٢٤ إنه على ما يبدو مستعد للتخلي عن
ادعائه السابق تمامًا.
(٦) حوار جودمان
يتمنَّى جودمان حسم الحالة التي يقدِّمها عن
صناعة العالم بتقديم «حوار متناثر». والخلاصة
الحاسمة للحوار كما يقول أحد مؤيدي جودمان:
«لكن هل تتحرك النجوم أم لا، ليس
بوصفها نجومًا، النجوم
ليس
بوصفها
متحركةً وليس بوصفها ثابتة؟ دون نسخة، لا تكون
متحركة ولا تكون ثابتة. وأي شيء لا يتحرَّك ولا
يكون ثابتًا، لا يمكن
وصفه بأنه كذا وكذا وأنه ليس كذا
وكذا، لا يصل إلى شيء.»
٢٥
بالطبع، إنه يكتب حوارًا متخيَّلًا يحدِّد
النتيجة. وينبغي عليَّ إعادة صياغة الفقرة
الختامية على النحو التالي: لكن ألَا تزال
النجوم تُسمى «نجومًا»؟ ألَا يزال من الممكن
وصف النجوم بأنها متحركة أو ثابتة، تتحرَّك أو
لا تتحرك؟ دون لغة تستطيع وصف شيء بأنه نجم لا
يمكن أن نسمي نجمًا «نجمًا»؛ ودون لغة تصف
شيئًا بأنه متحرك أو بأنه ثابت، لا يمكن أن نصف
نجمًا بأنه متحرك أو بأنه ثابت.
بافتراض أن اللغة تفعل ذلك، قد نقرِّر،
بالطبع، وصف نجم بأنه يتحرَّك، وحتى بأنه
تحرَّك قبل أن نكتسب لغتنا. لكن اكتساب هذه
اللغة لا يضمن تلقائيًّا إمكانية تطبيقها على
أي شاهد محدد. إن اكتساب كلمة «يتحرك» لا
يحدِّد في ذاته أنها غير منعدمة المدلول. ومن
المؤكد أننا لا ندعي أن النشأة التالية للغتنا
جعلت النجم يتحرك حينذاك. ومع ذلك، يمكن وصفه
بأنه تحرك حينذاك.
(٧) حوار مضاد
بديلًا لحوار جودمان، أقدِّم الحوار المضاد
التالي، لأُبرز قضيتي الرئيسية:
– «الدب الأكبر صنعته النسخة التي نتبنَّاها
للعالم.»
– «أفترض أنك تقصد أن هذه النسخة تحتوي
المصطلح القابل للتطبيق «الدب الأكبر»؟»
– «نعم.»
– «وهل محتوى ذلك المصطلح يتضمَّن أن نسختنا
صنعت الدب الأكبر نفسه؟»
– «بالضبط. كما قال جودمان «نصنع العوالم
بصناعة النسخ».»
٢٦
– «هل احتواء مصطلح «دون كيخوته» في نسخة
نتبناها يتضمَّن بالمِثل أن النسخة صنعت بالفعل
دون كيخوته؟»
– «بالطبع لا. كما كتب جودمان: «الصور
المرسومة أو المكتوبة لدون كيخوته … لا تدل على
دون كيخوته، الذي لم يكن موجودًا ببساطة
للدلالة عليه.»
٢٧
– «يمكن إذن أن تحتوي نسخةٌ على مصطلحات
منعدمة المدلول، كما تحتوي على مصطلحات غير
منعدمة المدلول، مواضيعها ليست هنا أو
هناك؟»
– «قلْتُ بالقدر نفسه، لكن نسخة الدب الأكبر
حقيقية ونسخة دون كيخوته زائفة.»
– «بهذا تعني أن مصطلح «الدب الأكبر» غير
منعدم المدلول ومصطلح «دون كيخوته» منعدم
المدلول؟»
– «أظن ذلك.»
– «إذن خاصية عدم انعدام المدلول «للدبِّ
الأكبر» (أي حقيقة النسخة التي تحتويه) لا
تحدِّدها حقيقة أن نسختنا تحتوي المصطلح؛ وأن
المصطلح غير منعدم المدلول ولا يعتمد بالتالي
على النسخة؟»
– «يبدو أن هذا لا يمكن إنكاره.»
– «إذن نسختنا رغم كل شيء لم تجعل الدب
الأكبر يوجد حقًّا؛ إنه هناك للدلالة عليه. وهكذا لم تصنع
نسختنا الدب الأكبر.»