الفصل الثاني
الدلالة واختيار الإشارة١
منذ عدة أعوام، قدَّمت المفهوم السيمنطيقي
لاختيار الإشارة، وهو مفهوم لا ينسب المصطلح إلى ما
يدل عليه لكن إلى صور متوازية لنوع مناسب؛ أي إنه
لا ينسب المصطلح إلى ما يدل عليه بل إلى الصور التي
يُعَنونها. وهكذا تدل كلمة «شجرة» على الأشجار،
لكنها تختار الإشارة؛ أي تعمل بمثابة عنوان لصور
الأشجار، ورسوم الأشجار، وأوصاف الأشجار، ولا تدل
كلمة «هرميس»
٢ على شيء، لكنها تختار الإشارة؛ أي تعلق
على صور الهرميس، وأوصاف الهرميس، وتمثيل الهرميس.
في هذا الفصل أقدِّم تعليقًا عامًّا على العلاقات
بين الدلالة واختيار الإشارة، مُوجِزًا بعض موارد
الأخيرة لتفسير مظاهر تعليم اللغة وبعض الظواهر
اللغوية ذات الصلة.
إننا نعيش في عالم رموز وأشياء أخرى أيضًا،
وتتوسط الرموز باستمرارٍ صلتنا بها. ينمو تفكيرنا
باطِّراد، وهو ينضج، في قدرته على استخدام الرموز
المناسبة في التأمل والتصرف والاستنتاج والعمل. ولا
يثير الدهشة أن الأمر يحتاج إلى جهد خاص للفصل بين
إشاراتنا إلى الأشياء وإشاراتنا إلى الرموز التي
تدل عليها. ومن هنا تأتي الممارسة المتأنية
لاستخدام تدوين خاص لتحديد التمييز في سياقات، من
قبيل المنطق؛ حيث يكون الوضوح النظري في منتهى
الأهمية. وبالتالي يكون استخدام مصطلح، بين تنصيص،
مثلًا، منفصلًا بحدة عن الإشارة إليه.
٣ يُستخدَم مصطلح «مائدة»، دون تنصيص، في
الإشارة إلى مواد معينة من الأثاث، لكن المائدة
نفسها لم يُشَر إليها بهذه الطريقة. ومن الناحية
الأخرى، يشير المصطلح الموسع المكون من المصطلح
الأصلي بين علامتَي تنصيص إلى الكلمة في إطارها؛ أي
المصطلح ميم ألف همزة دال تاء، لكنه لا يشير إلى
مركب تلك الكلمة أو علامتَي التنصيص، أو أية مادة
من الأثاث.
إن المنطق مسألة مصطلحات، لكن يمكن إنجاز الإشارة
بوسائل أخرى أيضًا. تشير، على سبيل المثال، صورة
لنكولن إليه بقدر ما يشير الاسم «لنكولن». لكننا
هنا نواجه انحرافًا واضحًا عن المقابلة بين
الاستخدام والإشارة. الاسم نفسه المستخدَم للإشارة
إلى الرئيس لنكولن يُستخدم أيضًا للإشارة إلى
الصورة التي تُشير إليه؛ لأن المصطلح الذي يشير إلى
لنكولن يُعَنوِن أيضًا إشارةً تصويرية له. بدلًا من
الإشارة إلى الصورة باستخدام اسم لها، يشار إليها
باستخدام اسم من تشير إليه.
صحيح أن مصطلح «لنكولن» لا يدل على الصورة؛ الصورة، رغم كل شيء،
ليست الرئيس. لكن المصطلح يعنون الصورة بشكل مناسب؛ أي يختارها
ويُطبَّق عليها، ويعرِّفها، وبهذا المعنى يشير
إليها. الاستخدام الواعي لأداة التنصيص يحول دون
استخدام المصطلح ليدل على نفسه، لكنه بوضوح لا يمنع
إشارته إلى رمز يصنع الإشارة المماثلة. ولا يوجد،
بمجرد تمييز العنونة عن الدلالة، أي سبب لنقصرها
على الصور؛ قد يكون وصف يميِّز الرئيس لنكولن
عنوانًا ﻟ «لنكولن»، كما قد تكون صورة. يمكن اعتبار
مصطلح «لنكولن» نفسه عنوانًا لمصطلحات «لنكولن»
نفسها. صحيح أننا وسَّعنا هنا الاستخدام المعتاد
لمفهوم العنونة ليتجاوز الصور إلى المصطلحات، وفي
الحقيقة، إلى التمثيل الرمزي عمومًا. وهكذا من
المفيد أن نقدِّم المصطلح التقني «اختيار الإشارة»
ليغطِّي التفسير الموسَّع للعنونة المفترضة
هنا.
(١) اختيار الإشارة والتعليم
يؤكد اختيار الإشارة على سمات معينة لعملية
التعليم. والتوضيح الأكثر جلاءً لهذه الحقيقة
تقدِّمه المصطلحات المنعدمة الدلالة.
٤ لا يمكن اكتساب هذه المصطلحات
بالإشارة إلى الأشياء التي تنطبق عليها. ليس
هناك هرامس للإشارة إليها عند تعليم الطفل
استخدام كلمة «هرميس». تنهار قطعًا، في مثل هذه
الحالات، الأسطورة الشائعة عن ضرورة بدء تعليم
مصطلح بعرض مواضيع المصطلح. ما قد يكتسب في
الحقيقة بمثل هذا العرض هو التطبيق الحقيقي
لمصطلح «ليس هرميسًا»؛ لأن هذا المصطلح يدل على
كل شيء. لكن هذا ما يفعله أيضًا «ليس قنطورًا»،
«ليس جريفين» …
٥ إلخ. يفشل عرض دلالة مصطلح منعدم
أو نفيه في جعل التلميذ يدرك التمييز المطلوب
في المعنى.
علينا هنا أن نلجأ إلى أشكال أخرى من التمثيل
المناسب، إلى صور الهرامس وأوصاف الهرامس، على
سبيل المثال، التي يمكن أن تشير إلى الهرامس
وتميِّزها عن صور القناطير، وأوصاف القناطير …
إلخ. وكما أشار جودمان، المصطلحات المركبة
«صورة هرميس» و«صورة قنطور» و«وصف هرميس» و«وصف
قنطور» ليست منعدمة، حتى لو كان الهرميس
والقنطور منعدمين.
٦ يتوقف تعليم الطفل المصطلحات
الأخيرة على الاختيار المناسب للصورة المناسبة،
والأشكال الأخرى للتمثيل، وتمييزها، مشارًا
إليها بمركباتها الخاصة.
لكن الطفل لا يستخدم عادةً مصطلح «الهرميس»
في اختيار المواضيع المناسبة. إنه يستخدم
المصطلح الأصلي «هرميس»، مشيرًا إلى الصورة
ومعلنًا «هرميسًا». وبشكل مماثل، ربما يُطلب من
الطفل اختيار أجزاء مناسبة من الصورة ليطبَّق
عليها المصطلح، مُشيرًا بهذه الطريقة إلى أن
هذه الأجزاء بشكل خاص تمثل الصور الحقيقية
للهرميس وتتميز عن بقية الصورة محل النقاش.
الآن، بتطبيق مصطلح «الهرميس» على صورة معينة
أو جزء معين من صورة، لا يعرض الطفل دلالة
«هرميس»؛ ومن الواضح للطفل والمعلم كليهما أن
الصورة نفسها ليست هرميسًا. لا يوجد في الحقيقة
هرامس يمكن العثور عليها، وأحد أسباب ثقتنا في
هذه الحقيقة نفسها أن الصورة نفسها توضح ما
الصورة التي يجب أن يبدو عليها حيوان ليكون
هرميسًا. إن الاستخدام الاختياري للإشارة إلى
مصطلح بدلالة منعدمة يساعد في تعلم هذه الدلالة
نفسها.
لا يقتصر الاستخدام الاختياري للإشارة،
بالطبع، على الدلالة المنعدمة، ولا يقتصر على
عملية التعليم. في تسميتنا المعتادة لصورة
إنسان «إنسانًا» بدلًا من «صورة إنسان»، نطبق
نحن أنفسنا مصطلح «إنسان» لا لاختيار إنسان بل
لاختيار صورة، وتكتسب مصطلحاتنا إمكانية
التطبيق بطريقتين مختلفتين، الدلالة والإشارة
إلى الاختيار، بدلًا من ذلك.
وهكذا يقوم استخدام المصطلحات نفسها بطريقتين
مختلفتين بربط الأشياء التي نتعرف عليها وتمثيل
هذه الأشياء التي نُقر بأنها كذلك. ويؤكد
أيضًا، أو يعدِّل أو يطوِّر إجراءات عامةً
مناسبة للتمثيل. إن تسمية صورة معينة لشجرة
«شجرة» تعمل على تعزيز الطريقة التي أُبدِعتْ
بها هذه الصورة أو فُسِّرت على أنها تمثيل
لشجرة، وعلى مدِّ هذه الطريقة للتمثيل إلى
مواضيع أخرى غير الشجرة. وتشجعنا أيضًا على
إدراك المواضيع بتأكيدات خاصة تناسبها بالتمثيل
محل النقاش. تتردد أصداء عملية ثورية جديدة
لتصوير الأشجار طوال إجراءاتنا للتمثيل،
مؤثِّرةً أيضًا على رؤيتنا لمواضيع أخرى
ممثَّلة. يتقدم تعليم المصطلحات، سواء كانت
منعدمةً أو غير منعدمة، بطُرق متنوعة، مارًّا
خلال تمثيل أنواع متداخلة ومتنوعة، وأيضًا
البحث عن دلالة المصطلحات نفسها. إنها قوة
التصريح الذي بدأنا به هذا الفصل؛ أي التصريح
بأننا نعيش في عالم الرموز وأشياء أخرى
أيضًا.
(٢) الطقوس واختيار الإشارة
في الفصل العاشر، نلاحظ دور اختيار الإشارة
في تفسير تماهي المحاكاة البدائية؛ حيث يتماهى
الفانون مع كائنات سماوية في فضاء الطقوس. ونرى
أيضًا اختيار الإشارة في الوثنية، حيث يتماهى
شيء من صنع الإنسان مع رب. في هاتين الحالتين،
التماهي خطأ لكنه مفهوم؛ خطأ لأن الآلهة ليسوا
فانين عاديين أو أشياء من صنع الإنسان. لكنه
مفهوم بوصفه خطأً طبيعيًّا يمكن إصلاحه، يطبَّق
فيه مصطلح بشكل صحيح على شيء يُشار إليه
اختياريًّا، ويُطبَّق عليه دلاليًّا بشكل غير
صحيح.
إن القول بأن التماهي خطأ طبيعي يمكن إصلاحه
يعني أنه ليس ناجمًا عن عجز بنيوي في التمييز
بين رمز وما يوحي بأنه ينطبق عليه — على سبيل
المثال، بين وثن والروح التي يمثلها. بالأحرى،
يفسِّر التماهي خطأً حقيقةَ أن الرمز ينطبق لا
محالة، عن طريق اختيار الإشارة، على شيء من صنع
الإنسان أو فانٍ يُعتبَر تمثيلًا لإله.
وباختيار الإشارة إلى هذا التمثيل، يتقدم لينسب
إليه، عن طريق الدلالة، خصائص مناسبة فقط للإله
بأنه موضوعه الموحى. في مثال مقارب عن التماهي،
تصور إيماءة المحاكاة فعل إله وتوحي، بهذا،
بأنها دلالية. لكنها أيضًا تشير إلى اختيار
تمثيل الفعل نفسه، المتضمن هو نفسه فيها. ثم،
بخلط اختيار الإشارة بالدلالة، تعتبر الإيماءة
المذكورة فعل إله وليست مجرد تصوير لهذا الفعل.
وبشكل مماثل، يشير الوصف اللفظي «فعل الإله»
إلى اختيار تصوير المحاكاة الذي يُعتبر
بالانتقال نفسه إلى الدلالة، الفعل
المصوَّر.
افترض منظِّرون متباينون وجود خلط هائل بين
الرمز والموضوع بوصفه نزعةً ذهنية يتعذر
استئصالها عمومًا، أو بوصفه، على أية حال، سمةً
متأصلة لعقل «الآخر» البدائي، أو الطفل، أو
المجنون. وافترضْتُ، في المقابل، أن النزعةَ
إلى الخطأ في مسألةٍ خَطرٌ يُحدق بالجميع، لكن
من السهل التغلب عليه ببعض الحذر.
قلْتُ، من قبل، إن التماهي الخطأ يبدأ
باختيار الإشارة إلى الرمز وينتهي بأن ننسب
إليه مسندات
predicates تناسِب
الموضوع المزعوم فقط. لكن من الصعب أن تكون
المسألة بهذا الوضوح والتتابع. ولا يمكننا بشكل
معقول أن نفترض أن التقابل بين الدلالة واختيار
الإشارة توفَّر للإدراك منذ أقدم العصور. أظن
بالأحرى أنه كان هناك، في البداية، خلط بين
الكلمات والأشياء، مزج بين الاستخدام والإشارة.
وصف أنثروبولوجيون وعلماء آخرون بأشكال متنوعة
من التفصيل مجموعةً من الظواهر المترابطة —
مثلًا نسبة قوة علِّيَّة للكلمات (مثلًا،
التعويذة)، مخاوف مرتبطة بالكلمات (مثلًا،
اللعن)، ونسبة القدرة للأسماء. ويشير إرنست
كاسيرر، مثلًا، إلى مفهوم «هُوية جوهرية بين
الكلمة وما تدل عليه» يميِّز هذه الظواهر.
٧ بدلًا من ذلك، أقترح، أنها ربما
تُجمَع تحت الفكرة العامة عن الخلط بين الدلالة
واختيار الإشارة، ابتكار عائلة من التمثيل يشير
فيها كل مصطلح بشكل مختلف إلى شواهده، وفي
الوقت ذاته إلى علاماته المصاحبة.
في هذا الاستخدام المختلط، تشير كل «شجرة»
إلى الأشجار وتشير أيضًا إلى صور الأشجار وإلى
ما يمثل «الشجرة». وليس من الغريب أن الرموز في
عالم الطفل وعالم البدائي، على سبيل المثال،
تكتسب بعض سمات الواقع المفرط في رمزيته وبعض
قواه. ومن المؤكد أن صورة الأسد تُدرَك بوصفها
مختلفةً عن الحيوان الحي الذي تمثله، لكن
الصورة، بشكل لا يقل عن الحيوان، تسمَّى رغم كل
شيء «أسدًا». وبالتالي يمكن استنتاج أنها ينبغي
أن تُخشَى؛ لأنها خطيرة — بهذه الطريقة يُعالَج
التمثيل خطأً وكأنه إحدى دلالاته. لكن، مع
البزوغ النهائي للتمييز الأساسي بين الدلالة
واختيار الإشارة، تأتي وسائل متنوعة لتثبيته في
الذهن، متضمنةً استخدام المركبات الصريحة
للمصطلحات لتدل على مجالاتها الخاصة باختيار
الإشارة. تأتي، مثلًا، «صورة لشجرة»، و«صورة
شجرة»، و«وصف شجرة» لتكمل «الشجرة» نفسها في
إشارة إلى إشارات الشجرة حين يكون الوضوح
النظري مهمًّا، والدلالة وحدها تكفي، دون
اختيار الإشارة، للقيام بالتمييز المناسب.
وبالطبع، يستمر اختيار الإشارة، كما نبَّهْتُ،
لكنه يُعتبَر وظيفةً مختلفة عن الدلالة، ويمكن
تجنُّبه نظريًّا باللجوء إلى مُركَّبات
مناسبة.
(٣) اختيار الإشارة والتحول
حتى حيث أثمر الاستخدام المناسب للمُركَّبات،
يحتفظ اختيار الإشارة بفائدته العملية في تعريف
مجال تلك المُركَّبات وإعادة تعريفها. ويساعد
بهذه الطريقة على أن ينسب الأشياء إلى تمثيلها،
وهي عملية أشرنا إليها من قبل، وننظر الآن
إليها بمزيد من التفصيل. تعتمد الأهمية
المطروحة على التحول المرجعي لمصطلح مما يدل
عليه ليشير إلى ما يزعم بأنه يدل عليه. والتحول
ليس مسألة استنتاج منطقي. إنه يكمن في طبيعة
ظاهرة تحول تشبه الاستعارة. لا يَعتبِر مصطلحُ
«الفيل» صورَ الفيل شواهدَ؛ إنه لا يدل عليها،
لكن حين يُطلَب من شخص فرز الأفيال في مجموعة
صور أمامه، ويكون قد تعلم من قبلُ أن ينسب
المواضيع الأخرى إلى تمثيلها، ويكون قد رأى
أفيالًا حية، من الطبيعي ألَّا يجد صعوبةً في
فهم السؤال، ولن تكون هناك مشكلة في الاستجابة
للطلب. هكذا يدفع مجددًا المصطلح الدال «فيل»
إلى عالم معين من الإشارات التصويرية، يختار
صور الأفيال (ويساعد على التعريف بها) بدرجة
مدهشة من التحديد. واتجاه الانتقال هنا من
الدلالة إلى
الاختيار،
والبنود المختارة بمصطلح «الفيل» يدل عليها
بدورها المُركَّبُ «صورة الفيل». وهكذا يُعيَّن
مجال المركَّب من خلال الفعل الوسيط المنقول
لاختيار الإشارة بالمصطلح محل النقاش.
بالعكس، يمكن تحويل «صورة فيل» إلى فيل
حقيقي، ويساعد التمثيل على تكوين مجموعة محددة
ومناسبة من الحيوانات. ويمكن تصوُّر أن هذه
العملية عملية يُدفَع فيها «الفيل»، وقد اختيرت
الإشارة في البداية إلى مجموعة معينة من الصور
يمكن تمييز أنها صور للفيل، إلى عالم الحيوان؛
حيث لا توجد أية إشارة، يكون الطلب، كما سبق،
تمييز الأفيال. وهنا يكون اتجاه التحول من
الاختيار إلى
الدلالة، مع
دلالة للشواهد تتبع تقدُّم اختيار الإشارة،
وتساعد العملية كلها على تعريف التمييز الحقيقي
نفسه.
ينعكس التفاعل بين الدلالة واختيار الإشارة
في العمليات التي تُعدِّل التمثيل بمعرفة
الأشياء، وتُعدِّل الصلة مع الأشياء بمعرفة
تمثيلها. وهكذا يمكن استخدام الأُلفةِ مع
مواضيع من أنواع متنوعة، والسهولةِ في الإشارة
إليها، قاعدةً لاكتساب القدرة على التعرف على
بعض إشاراتها. وبالعكس، تؤثِّر الأُلفة مع هذه
الإشارات، بطرق لا تُحصَى، على علاقاتنا
بمواضيعها، كما هو الحال على سبيل المثال في
تشكيل الصور النمطية. ويمكن، أيضًا، أن تتشابك
العمليتان بأشكال متنوعة. بتعلم «قراءة» الصور
الفوتوغرافية، بافتراض التعرف أولًا على مَن
تمثِّلهم، يمكن استخدام الصور الفوتوغرافية
لأشخاص لم يسبق لنا معرفتهم للمساعدة في التعرف
عليهم بمجرد ظهورهم. بتعلم التعرف على العظام
المكسورة بمساعدة إشارات محددة إليها من أشعة
X، يمكن أن
نوسع قدرتنا في التعرف على تمثيل مشابه لإعاقات أخرى.
٨
(٤) اختيار الإشارة في الأدب والعلم
من الصعب ملاحظة الاستخدام الروتيني تمامًا
لاختيار الإشارة؛ حيث إنه يسود ممارساتنا
المعتادة بطُرق متنوعة. ذكرنا العنونة باستخدام
المصطلحات التي تُطلَق على مواضيعها المزعومة.
وتتضمَّن مناقشات التمثيل الأدبي عادةً اختيار
الإشارة أيضًا. كما لاحظت إلجين:
٩ «يطبِّق نقاد الأدب مصطلحات
الإشارة اختياريًّا حين يقولون أشياء مثل: «كان
هاملت رجلًا لا يستقر على أمر»، بدل أن يقولوا:
«أوصاف هاملت؛ رجل لا يستقر على أوصاف ما يدور
في ذهنه.»
١٠ وحين يقول أحد الحضور أثناء تمثيل
«هاملت»: «هذا هاملت، على خشبة المسرح الآن!»
لا ينبغي أن يُفهَم على أنه ينطق بكلام زائف
تمامًا؛ إنه يقول شيئًا دقيقًا. وأعتبر نطقه
لكلمة «هاملت» اختيارًا للإشارة إلى تمثيل
هاملت؛ أي الممثل الذي يؤدِّي دور هاملت.
١١
وأشارت
إلجين أيضًا إلى حدوث اختيار الإشارة بالارتباط
مع استخدام مصطلحات القصص الخيالي في العلوم
وليس في الأدب. وتلاحظ أن «العلماء يستخدمون
مصطلحات من قبيل «فراغ كامل»، «غاز مثالي»،
«سوق حرة»، رغم أنه معروف على نطاق واسع، إذا
تكلمنا بدقة، أنه ليس هناك فراغات كاملة أو
غازات مثالية أو أسواق حرة.» وترى أن هذه
التعبيرات: لا تعمل بشكل دلالي، لكنها تشير
اختياريًّا. بإدخال مصطلح من هذا القبيل، نُدخل
اسمًا يختار الإشارة إلى مثالية نحصل عليها،
مثلًا، بترك قيم متغيرات معينة تصل إلى الصفر؛
وحيث إن القيم المطروحة لا تصل في الحقيقة، أو
لا تصل فجأةً إلى الصفر، فإن المثالية لا تصف
وضعًا حقيقيًّا. وهكذا، بتقديم وصف لسيمنطيقيا
نظرية، لا نهتم بأن نسأل «ما الغاز المثالي؟»
لأن الإجابة واضحة: لا يوجد. لكننا نهتم بأن
نسأل «كيف نصف غازًا مثاليًّا؟» وتتم الإجابة
على هذا السؤال بتقديم صيغة أو أخرى لقانون
الغاز المثالي؟
١٢
(٥) النسيج المفتوح، والتحليلية، واختيار
الإشارة
يقدم اختيار الإشارة طريقةً واضحة لصياغة
سمات مهمة في اللغة اليومية. تأمل في البداية
ما وصفه فردريك وايزمان
١٣ ﺑ «النسيج المفتوح» للغة؛ أي
احتمال الإبهام بمصطلحاته الوصفية.
١٤ والمقصود هنا أن أي مصطلح، حتى إذا
خلا من الإبهام في حقل معين من المواضيع، يحتمل
أن يكون مبهمًا في حقل افتراضي موسع.
يتخيَّل وايزمان مخلوقًا يشبه القط «كبِر
وصار عملاقًا … أو يمكن أن يُبعَث من الموت»،
ويأخذ هذا المخلوق المتخيل ليوضِّح «أننا يمكن
أن نفكِّر في مواقف لا نستطيع فيها أن نتأكد
ممَّا إن كان شيء ما قطًّا أو حيوانًا آخر (أو
جنًّا).»
١٥ المسألة هي كيف نفسر ادعاء
وايزمان. هناك صعوبات خطيرة في أية رؤية تأخذه
إلى افتراض احتمال وجود قطٍّ عملاقٍ شاهدًا
بَيْنيًّا ﻟ «القط» في حقل موسَّع نظريًّا؛ لأن
الأشياء المحتملة، أولًا، مغلفة في غموض فلسفي؛
لأنها تفتقر إلى مبدأ واضح للتفرد. وثانيًا؛
حيث إن القط
المحتمل ليس قطًّا على الإطلاق،
فإن «القط»، مع ذلك، ليس قريبًا غير محدد لقط
عملاق
محتمل،
ومن ثم ليس ملتبسًا في الحقل المطروح الموسع
نظريًّا.
لكن يمكن تفسير ادعاء وايزمان، ليس فيما
يتعلق بالمواضيع البينية
المحتملة، لكن فيما يتعلق بالتمثيل
الفعلي (مثلًا، الصور والأوصاف) لأنواع مناسبة.
وقد ذكرنا استخدام «القط» في تطبيق على أشياء
مألوفة، ربما نبقى مترددين في تطبيق «صورة قط»
على لوحة لمخلوق يشبه القط مرسوم ليقف أعلى من
مبنى «إمباير ستيت» أو ما يتصادف أنه الشيء
نفسه، أو نعنون اللوحة «قطًّا». ربما يرتبك طفل
في عنونة صورة حمار وحشي، أو عدم عنونتها
«حصانًا»، مستخدمًا المصطلح الأخير لا ليدل على
الإشارة إلى حصان بل ليختار الإشارة
إليه.
ويمكن الآن رؤية أن النسيج المفتوح لا يعتمد
على الامتداد النظري لحقل معين لمصطلح أو
إشارته المزعومة لمواضيع محتملة، لكنه يعتمد
على عدم اليقين الذي تنطبق به مركبات الإشارة؛
الدلالة الخاصة به على المواضيع الفعلية؛ أي إن
لكل مصطلح وصفي مُركَّبًا مع «صورة» أو «وصف»
أو «تمثيل»، وهو في كل حالة ملتبس بالنسبة
لحقلٍ ما. وبشكل أكثر بساطة، تنتهي أطروحة
وايزمان إلى أن كل مصطلح وصفي غير مؤكد فيما
يتعلق باختيار إشارته لموضوع فعلي.
نتناول الآن مسألة التحليلية
analyticity التي
نوقشت كثيرًا في اللغة اليومية، أو بتعبير
مناسب، مسألة تحديد أي من تصريحاتها ضرورية،
وأي منها عارضة. رأينا كيف نفسر نسيجًا مفتوحًا
من خلال الإشارة إلى التمثيل الفعلي. ويمكن
الآن اقتراح تفسير مماثل للتحليلية. بالنسبة
لمسائل مثل (١)
احتمال أن يوجد أو لا يوجد قِطٌّ
بارتفاع أربعةِ طوابق، (٢) إن كان يمكن لقط أن يكون
بارتفاع أربعة طوابق، (٣) إن كان يصح عَرَضًا فقط أنه لا
يوجد قِطٌّ بارتفاع أربعة طوابق (وليس كذلك
بالضرورة)،
(٤) إن كان عدم بلوغ ارتفاع القطط أربعة طوابق
أمرًا تركيبيًّا synthetic فقط
وليس تحليليًّا قد يُفهم تمامًا بوصفه تساؤلًا
عمَّا إذا كانت بعض الأوصاف أو الصور أو
الإشارات تمثلُ القطط أم لا.
على سبيل المثال قد تكون رغبة شخص في تسمية
«حيوان يشبه قطًّا لكن ارتفاعه أربعة طوابق»
وصفًا لقط في صالح موقف إيجابي بالنسبة للأسئلة
الأربعة السابقة؛ عدم رغبة الشخص يمكن أن تُفهم
بأنها تدل على موقف سلبي. ويمكن بشكل أبسط، أن
تُعتبر استجابة رغبة شخص في أن يعتبر «القط»
اختيارًا للإشارة إلى الوصف السابق إيجابية،
بينما يمكن اعتبار عدم الرغبة استجابةً سلبية؛
أي إن الرغبة في تسمية الوصف السابق باعتباره
في الحقيقة وصفًا لقط يمكن أن تكون دليلًا على
الإقرار باحتمال وجود قط بارتفاع أربعة طوابق،
والاعتقاد بإمكانية وجود قط بارتفاع أربعة
طوابق، واعتبار صحة عدم وجود قط بارتفاع أربعة
طوابق أمرًا عارضًا، أو غير ضروري، واعتبار أن
هذه الحقيقة مجرد حقيقة تركيبية وليست
تحليلية.
عمومًا، إن عادات الشخص في اختيار الإشارة
لمصطلح معين قد يقال إنها تمثل الجزء الخاص به
من التصريحات الصحيحة التي تتضمن استخدام
المصطلح في حقائق تحليلية أو تركيبية. ويمكن
للنسيج المفتوح — أي عدم يقينية هذه العادات أو
تضاربها في التطبيق على موضوع ما — أن يعكس
هُوة هذا الجزء. ويمكن الآن رؤية أن أطروحة
النسيج المفتوح، التي ناقشناها من قبل، تتضمن
أن كل المصطلحات على هذا النحو، حتى إن
التصريحات الصحيحة التي يظهر فيها مصطلح لا
يمكن أن يقسمها أي شخص إلى حقائق تحليلية
وتركيبية بشكل كامل. وتكون النتيجة أن التمييز
بين التحليلي والتركيبي، كما وضَّحناه من قبل،
ناقص دائمًا.
يتضمن النقل الاختياري للإشارة إلى مصطلح
تحول هذا المصطلح، «حصان» مثلًا، ممَّا يدل
عليه، أي الأحصنة، إلى تمثيل ملائمٍ وموازٍ؛ أي
صور الأحصنة. ويماثل هذا التحول التوسع
الاستعاري للعادات اللغوية، ممَّا يساعد في شرح
التنوع في أحكام التحليلي. بالخروج من عالم
الاستنتاج أو الحدس شبه المنطقي وإعادة التأويل
فيما يتعلق بالنقل الاستعاري والسيكولوجي
والتعليمي، نستبدل بالمشكلة الفلسفية التقليدية
الخاصة بالتحليلي أبحاثًا في التفاعلات الدقيقة
لاختيار الإشارة والدلالة في سياق التعليم
والممارسة الرمزية التالية.
١٦