الفصل الثالث
الالتباس في اللغة١
ما الالتباس؟ تحت أي شروط تكون الكلمة ملتبسة؟
ندعي جميعًا لأنفسنا براعةً عملية في اكتشاف
الالتباس، لكن نظرية الالتباس في حالة مؤسفة. يهتم
المنطقيون والفلاسفة عادةً بالالتباس بوصفه عيبًا
في براهين الآخرين أو خطرًا عليهم حمايةُ خطابهم
الجادِّ منه. ولا يتمتَّع نُقاد الأدب، المدرِكون
للقيم البلاغية للتعبير الملتبس، بقدر مساوٍ من
الحساسية للاحتياجات الفلسفية للوضوح والنظام.
وهكذا تبقى الأسئلة التحليلية العامة في معظمها غير
مستكشَفة، بينما تعاني التفسيرات المكررة عادةً من
مشاكل خطيرة متنوعة.
يقال إن كلمةً، مثلًا، ملتبِسة إذا تضمنت معاني
أو أحاسيس مختلفة، أو إذا كانت تمثل أفكارًا
مختلفة. لكن الكِيانات الشبح من قبيل المعاني أو
الأحاسيس أو الأفكار لا تقدِّم إلا شبحًا للتفسير
إلا إذا كان من الممكن، وهذا يبدو بعيد الاحتمال،
أن تُشيَّد بوضوح بوصفها أشياء قابلةً للعدِّ يمكن
تحديد علاقتها ببعضها البعض وبالكلمات بشكل مستقل.
وفي أفضل الأحوال، يمكن اعتبار هذه الكِيانات
أقانيم لمحتوى مجموعات من التعبيرات المترادفة،
ويعتمد التحديد على مفهوم غامض جدًّا
للترادف.
وفي سياق أكثر تحديدًا، توصف كلمة بالالتباس إذا
كانت لها قراءات معجمية مختلفة؛ أي إذا ارتبطت
بتعبيرات فعلية مختلفة في المعجم. لكن أي معجم
نختار وكيف يؤلَّف؟ هل يمكن صياغة المبادئ التي
اختيرت بها قراءاته بوضوح؟ هل يمكن أن نثق في أنها
لا تلجأ إلى أحكام غير تحليلية عن الالتباس يُصدرها
مؤلف المعجم؟
وعلينا، أيضًا، أن نسأل عما يتكون منه الاختلاف
المرتبط بالقراءات. لا يُفترض فقط أن تكون مختلفة،
لكن يُفترض أيضًا ألَّا تكون مترادفة؛ وهكذا يُفترض
المعيار المقترح للالتباس، دون تقديم إجابة على
السؤال المزعج عن الترادف. بدلًا من ذلك، يمكن
اقتراح أننا لا نهتم بالتعبيرات الفعلية المختلفة،
بل بالقراءات المجردة المختلفة، بقراءة تتشكَّل
الآن بوصفها كينونةً متعمدة ترتبط بمجموعة من
التعبيرات المترادفة؛ مرةً أخرى يعتمد تفرُّد
القراءات على الترادف، ويعود بنا افتراض هذه
الكينونات المزعومة إلى المعاني أو الأحاسيس مرةً
أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، يفشل المعيار في أفضل الأحوال
في تقديم شرط كافٍ؛ لأن القراءات غير المترادفة،
بصرف النظر عن طريقة بنائها، ربما تشير إلى التعميم
وليس الالتباس. بالنسبة لكلمة «قافلة
caravan»، على سبيل
المثال، نجد القراءتين التاليتين:
٢
هل من الواضح أن هاتين القراءتين تُشيران إلى
الْتباس كلمة «قافلة»، ولا تُبرزان منطقتين
لاستخدامها العام غير الملتبس؟
أخيرًا، هل يُفترض تنقية التعبيرات التي تمثِّل
القراءات نفسهما من الالتباس؟ إذا لم تُنقَّ، لا
يمكننا أن نتناول انعدام القراءات غير المترادفة
لكلمةٍ معينة لندلِّل على خُلوها من الالتباس. ومن
الناحية الأخرى؛ لتكون القراءات نفسها غير ملتبسة
يبقى المعيار، كله، دائريًّا.
(١) الالتباس الأوَّلي
تشترك الفرضيات التي تناولناها للتوِّ فيما
يلي: بين الكلمات والأشياء التي تدل عليها،
تتدخَّل كِيانات إضافية تمثِّل جذر الالتباس —
معانٍ أو أحاسيس أو أفكار أو قراءات — وهي
كِيانات تفرُّدها أو دورها التفسيري مبهم،
وتشمل، على أقل تقدير، اللجوء إلى مفهوم
الترادف، وهو مفهوم مُثير للجدل. هل يمكن إحراز
أي تقدُّم بتنظيف السجل، والتبرؤ من هذا
التدخُّل تمامًا والاكتفاء بالكلمات والأشياء
العادية؟ في الحقيقة، هل يمكن بمقاربة نقشية،
تتناول نماذج الكلمات فقط وتخضع لمفهوم الأنواع
المجردة المرتبطة بها، أن نطوِّر تحليل
الالتباس؟ لمثل هذه المقاربة مزايا تتجلى في
مناطق إشكالية أخرى،
٣ ولها مزية أساسية: تعترف مقاربات
أخرى بالكيانات التي تتطلَّبها، وهكذا لا تفترض
في ذاتها شيئًا مثيرًا للخلاف.
يمكن وضع تخطيط لتعليق نقشي مبسط على النحو
التالي: نعالج نماذج مكتوبةً فقط، ولا نتناول،
من بينها، إلا نماذج مسندة. وتُعطَى هذه لنا،
مع ذلك، منغمسةً في سياقات طبيعية تمكِّننا،
عمومًا، من الحكم على بعضٍ من علاقاتها
الدلالية. ثم نسأل بالنسبة لأي نموذجين مسندين
x
وy:
(١) هل هجاء
x
وy متماثل
بالضبط؛ أي إنهما نسختان متطابقتان؟
(٢) هل x
وy متباعدان
امتداديًّا؛ أي هل يدل كلٌّ منهما على ما لا
يدل عليه الآخر؟
بافتراض أن الإجابة على هذين السؤالين فيما
يتعلق بالنموذجين
x
وy تأتي
بالإثبات، نقول إنهما ملتبسان فيما يتعلق
بعلاقة كل منهما بالآخر. وأيضًا، بالنظر إلى
النموذج x
ببساطة، نعتبره ملتبسًا إذا كان هناك نموذج
y ملتبس في
علاقته به.
يحتاج هذا التعليق، بالطبع، إلى أن يطرح بشكل
نسبيٍّ فيما يتعلَّق بالخطاب
D ليصبح
مؤثرًا؛ لأنه كما ينص يميز النموذج
x باعتباره
ملتبسًا إذا كانت له صورة طبق الأصل متباعدة
امتداديًّا في لغة أخرى أو سياق بعيد. إن الشرط
الذي يضعه ضعيف جدًّا، ومن ثم، لا يقنع إلا
بنماذج مسندة أكثر بكثير (وربما كلها) من تلك
التي تُعتبر ملتبسةً عادة. إن تلبية النموذج
x لهذا الشرط
يعني أنه متناغم مع كونه غير ملتبس تمامًا في
فضاء خطاب محدود الاهتمام. وهكذا نضخِّم
التعليق بإضافة أن
x ملتبس في
خطاب الاحتواء
D إذا وإذا فقط
كان x ينتمي
إلى D وملتبس
فيما يتعلق بنموذج ما في
D.
ومن المؤكد أن الاقتراح الذي وضعنا خطوطه
محدود. إنه يقتصر على النماذج المسندة ولا
يتعامل مع الأنواع الأخرى من نماذج الكلمات أو
سلاسل كلمات بطول جملة أو أكثر، ولا يقدِّم أي
تعليق لأشكال الالتباس التركيبي، ولا يعالج إلا
الالتباس السيمنطيقي، ويبقى أنه يغطِّي
تنوُّعًا لا يمكن إنكار أهميته من النوع الذي
اهتممنا به منذ البداية والتعليقات السابقة
التي وجدنا أنها ناقصة في مناقشتنا السابقة.
ونُشير هنا إلى الاقتراح الحالي بوصفه يقدِّم
مفهوما أوليًّا
(نقشيًّا) للالتباس.
(٢) سمات الالتباس الأوَّلي
يقدم نيلسون جودمان فكرة الاقتراح السابق من
منظور الاهتمام الأساسي بالمصطلحات
المؤشرة:
بشكل تقريبي، تكون الكلمة
مؤشرًا
indicator إذا …
كانت تعيِّن شيئًا لم تعيِّنه نسخة مطابقة من
الكلمة. وهو أمر واسع الانتشار حقًّا، يتضمن
المصطلحات الملتبسة كما يتضمن ما يمكن أن
يُعتبر مؤشرات حقيقية، من قبيل الضمائر، لكن
تحديد الفئة الأضيق من المؤشرات الحقيقية عمل
دقيق ولا نحتاج إليه لأهدافنا الحالية.
٤
الفئة الشاملة هي، من منظور اهتماماتنا
الحالية، فئة الالتباس، بمؤشرات تشكِّل مجموعةً
فرعية من المصطلحات الملتبسة، يمكن تمييزها
تقريبًا بحقيقة أن التنوُّع الامتدادي عبر نسخ
المؤشر ترتبط، بطريقة بسيطة ومنظمة نسبيًّا،
بالسمة السياقية لهذه النسخ المطابقة. وهكذا
يشير [الضمير] «أنا
I» عادةً إلى
منتجه الخاص، وتشير [كلمة] «الآن» إلى وقت
مناسب يقع فيه إنتاجه الخاص. وتتكوَّن مجموعة
فرعية أخرى بمصطلحات استعارية، بمسند استعاري
في «D» يمكن
توصيفه تقريبًا بأن بداخله نسخةً مطابقة
بامتداد متباعد يرتبط بنسخته الخاصة، ويقدِّم
النظير الأدبي الأخير، بطريقة ما، مفتاحًا
لتطبيق الأول.
يمكن تمييز الالتباس الأوَّلي، كما شرحنا من
قبل، عن التعميم بأن نموذجًا ملتبسًا في
D يجب أن يبتعد
امتداديًّا من نسخة ما مطابقة له في
D. إذا لم يوجد
مثل هذا الابتعاد، فإن حقيقة تطبيق نموذج على
أشياء كثيرة يدل فقط على أنه عام، بصرف النظر
عمَّا قد تكون عليه هذه الأشياء من اختلاف، وعن
معايير التماثل التي يمكن اختيارها. إن دلالة
«مائدة» على الموائد الصغيرة كما تدل على
الموائد الكبيرة لا يبرهن على التباسها لكنه
يبرهن فقط على اتساع قابليتها للتطبيق. ورغم
صعوبة التطبيق في بعض الحالات، يكون التمييز
فعَّالًا في حالات أخرى كثيرة. في جملة «يحتوي
هذا الكتاب على جدول
table محتويات في
صفحة ٤»، يبتعد نموذج «الجدول» المكون، يبتعد
امتداديًّا عن النسخ المطابقة التي تدل على
مواد من الأثاث.
٥ تعتمد الحجج الفلسفية عمَّا إذا
كان
ينبغي
اعتبار مصطلحٍ حاسم، مثل «يوجد»، على سبيل
المثال، ملتبسًا، أو مجرد مصطلح عام طبقًا
لمعايير نظرية. ومع ذلك تختلف مشكلة استقرار
بناء مصطلح لأغراض نظرية خاصة مختلفة عن مشكلة
الحكم على موضوع الالتباس مقابل التعميم
باعتبارها تؤثر على المصطلحات العادية في
خطابات معينة. وعلى أية حال، يمكن توضيح فحوى
حتى القضية الفلسفية بالتمييز.
ويمكن أيضًا تمييز الالتباس الأولي عن
الإبهام vagueness؛ حيث
يشمل الأخير قدرًا من عدم التحديد أو التناقض
في حسم إمكانية تطبيق مصطلح على موضوع؛ حيث
يمكن أن يكون
x، في
D، غير ملتبس
لكنه مبهم مقارنةً بالموضوع
o، كل نسخه
المطابقة غير محددة بالمثل فيما يتعلق ﺑ
o. في المقابل،
يمكن أن يكون x
وy ملتبسَين
فيا علاقتهما معًا في
D، ولا يظهر
إبهام أي منهما مقارنةً بأي
o في مجال
اهتمامنا. تقدِّم المؤشرات الأمثلة الأكثر
إثارة، إن لم تكن الوحيدة. ويمكن أن نتخيَّل
أنه يمكن حسم كلٍّ من النماذج العديدة للضمير
«أنا I»، في
D معين، بوضوح
في دلالته، لكنه يبقى مختلفًا عن أيٍّ من النسخ
الأخرى المطابقة في
D.
لا يتفق الالتباس الأولي إذن، مع الفهم
المعتاد إطلاقًا. إنه يتكوَّن من تنوع ممتد ضمن
النسخ المطابقة، وقد يكون كل منها، مع ذلك،
محددًا تمامًا في طريقة استخدامنا له. وبالعودة
إلى لغة الأنواع، يمكن أن نقول إنه سِمة لتنوع
النوع وليس ضربًا من التنوع يميِّز نموذجًا
مفردًا؛ وبالإضافة إلى ذلك، قد لا يحدِث تنوع
النوع أية مشكلة في القرار. ومن الناحية
الأخرى، نُعلن غالبًا، حين نصف تعبيرًا بأنه
«ملتبس»، أن هناك مشكلةً في التوصل إلى تفسيره
في حالة معينة، وأن بعض التردد يصيب النموذج
المفرد. وكثيرًا ما لوحظت هذه النقطة. يكتب هوسبرز،
٦ على سبيل المثال «إن كلمة
«الالتباس» نفسها تكون أحيانًا محدودة لتعني
مجرد الْتباس
مضلل.»
٧ ويميِّز ريتشمان «الالتباس
السيمنطيقي»، بوصفه امتلاك تعبير لأكثر من
معنًى، عن «الالتباس السيكولوجي»، بوصفه حدوث
تعبير ملتبس سيمنطيقيًّا في سياق يكون فيه
التفسير المقصود غير واضح.
٨ ويشير كوين إلى أنه «يُفترَض وجود
الالتباس في التردد بين المعاني.»
٩ وقد تخلينا هنا عن مفهوم المعاني،
هل يمكن أن نعلق على التردد فيما يتعلق
بالنموذج الفردي، وهي سمة لا يتضمنها الالتباس
الأولي في ذاته؟
لاستيعاب هذا التردد كمجرد التباس يمكن أن
نفقد النقطة الحاسمة، وكما يعبِّر ريتشمان:
«يتضمن الالتباس السيكولوجي الالتباس السيمنطيقي»،
١٠ ويجب أن يكون التردد الذي يؤثر على
نموذج معين مرتبطًا بحقيقة أن نوعه ملتبس.
لكننا بالفعل عكسنا صورة تنوع النوع في مفهوم
الالتباس الأولي، ومن ثم تكون مشكلتنا ربط
التردد في المسألة المطروحة هنا بالالتباس
الأوَّلي. افترض إذن أن
z
و
y نسختان
متطابقتان من
x
ومتباعدتان امتداديًّا، ومن ثم ملتبسان معًا في
خطاب
D يحتوي
الاثنتين؛ وبالإضافة إلى ذلك، لنفترض أن
D تحتوي
x أيضًا. نفترض
الآن أن
x
متضمنة في سياق لا يستبعد كونها مرادفةً
امتداديًّا لأي من
z أو
y. ولنبسِّط
المثال، نستبعد أيضًا أية نسخة أخرى مطابقة من
x ليست مرادفةً
امتداديًّا ﻟ
z
أو
y. الآن،
باعتبار
x
مرادفة امتداديًّا ﻟ
z أو
y نتمكَّن من
اتخاذ قرار واضح فيما يتعلَّق بامتداد
x. ويقدِّم كل
من هذين التفسيرين فهمًا جيدًا لسياق التضمين
المناسب، وقد نتخيَّل أنه أكثر بساطةً أو
ملاءمة من أن ننسب ﻟ
x امتدادًا
جديدًا تمامًا بمعنًى مساوٍ. ويمكِّننا أي
تفسير منهما من فهم أن النسب يتحقَّق في السياق
المطروح بوجود
x. لكننا لا
نستطيع في الحقيقة أن نجد سببًا كافيًا في هذا
الموقف لنأخذ قرارنا؛ لأن القرارات التي يتم
الاختيار بينها معقولة بالقدر نفسه. لاحظ أنه
إذا كان
x
نموذجًا مسندًا متصلًا باسم موضوع
o، فإن
تردَّدنا لا يرتبط بحقيقة أنه يقال إن
o يقع في
امتداد
x، لكنه
بالأحرى يرتبط بما يحقِّقه استخدام
x؛ أي بحقيقة
امتداد
x: هل
o، بشكل خاص،
أكَّد أنه يقع في امتداد
z أو
y؟ هنا مثال
نقشي، يمكن تعميمه بسهولة، لِما يسمِّيه كوين
«التردد بين المعاني»، كون التردد مسألة وضع
x مع نسخة ما
متباعدة، تقدِّم كل منها في ذاتها مفتاحًا
محددًا لتفسير مقبول.
١١ وحيث إن
x يتميَّز بمثل
هذا التردد، نصفه بأنه ملتبس
I- (مقابل
السياق
c).
١٢
(٣) مشكلة جديدة: قناطير خضراء
حتى الآن، قُدِّم الالتباس الأوَّلي بوصفه
تعليقًا على ما يُعرف بتنوع النوع، وفُسِّر
«التباس الحدث» بالالتباس الأولي مقترنًا بلجوء
إلى الثراء النسبي لسياق النموذج المتوفر. هل
هذه القصة كاملة؟
يلاحظ ريتشمان الحالة التالية، التي تقدم لنا
مشكلةً جديدة. يكتب: «القنطور الأخضر مصطلح
ملتبس؛ حيث إنه قد يُستخدم ليعني قناطير ذات
لون معين، أو قناطير على درجة معينة من الخبرة؛
لكن الفئتين المشار إليهما متماثلتان؛ لأنهما فارغتان.»
١٣ والآن تأمل أي نموذجين إنجليزيين
x
و
y ﻟ «القنطور
الأخضر». رغم أنهما متطابقان، إلا أنهما ليسا
متباعدَين امتداديًّا، وهكذا يخلوان من
الالتباس الأولي. واجهنا، بالإضافة إلى ذلك،
جملةً غير معتادة مثل:
قابلتُ في حلمي حميرًا وحشية خبيرة وقنطورًا
أخضر.
إذا لم نقرِّر أي تفسير نستقر عليه لنموذج
«القنطور الأخضر»، لا يمكن لنا أن نفسِّر
تردُّدنا كما تعاملنا من قبلُ مع التباس الحدث.
لأننا احتجنا إلى نسخ متطابقة من نموذج متردد
بامتدادات متباعدة، بينما كل نسخة مطابقة من
نموذجنا المتردد عن «القنطور الأخضر»، في حقلنا
الفعال، له الامتداد (المنعدم) نفسه. وهكذا لا
نستطيع أن نفترض أن يكون ترددنا الحالي مسألة
وضع نموذج مع نسخة متطابقة بامتدادات متباعدة.
١٤ وبالإضافة إلى ذلك، إذا وجدنا
جملتين بسياق كافٍ لحل التردد في المسألة
المطروحة، مثلًا:
(١) كان في حفلة الشاي جريفين أصفر، وهرميس
أرجواني، وقنطور أخضر.
(٢) رغم أن معظم القناطير الحالية كانت ترتع
جيدًا في النعم الاجتماعية، كان هناك أيضًا
قنطور أخضر، جعلته رعونته يتضايق بوضوح.
لا نزال في حاجة إلى التعليق على تفسيرنا
لنموذج «القنطور الأخضر» في (١) بأنه مختلف في
المعنى عن نسخته المطابقة في (٢)، رغم ترادفهما
الامتدادي، ممَّ يتكون اختلافهما في المعنى،
مفشلًا الالتباس الأولي؟
من الجدير بالذكر هنا أن المشكلة العامة
لتشابه المعنى (أو الترادف) عكس مشكلة
الالتباس. تهتم الأولى بالشروط التي تجعل
لكلمتين المعنى نفسه، وتهتم الأخيرة بالشروط
التي تجعل للكلمة نفسها معاني مختلفة. بينما
تسأل الأولى عمَّا يجعل لكلمتين المعنى نفسه،
يمكن أن نقول إن الثانية تسأل متى نعبِّر عن
معنيين بالكلمة نفسها. في مناقشة المشكلة
الأولى، استنتج نيلسون جودمان أنه لا توجد
كلمتان لهما المعنى نفسه، لكنه كان ينظر
للكلمات بوصفها أنواعًا.
١٥ وتتناول مناقشات أخرى لأفكاره في
أبحاث لريتشارد روندر وبيفرلي روبنز وجودمان
امتداد هذه الأفكار إلى النماذج.
١٦ وحيث إن مشكلة الالتباس عكس مشكلة
تشابه المعنى، من الجدير رؤية إن كان الامتداد
النقشي الذي أشرنا يتصل بمشكلتنا الحالية. ونرى
أنه يتصل، وبطرق غير متوقعة.
(٤) الاختلاف في المعنى
في تناول الالتباس، حقَّقنا بعض التقدم
باللجوء إلى التباعد الامتدادي لكننا واجهنا
صعوبةً في حالات يستمر فيها الالتباس دون وجود
هذا التباعد. ورأينا أن تماثل الامتداد لا يزيل
في كل الحالات اختلافات المعنى المرتبط باختلاف
النسخ المطابقة. ويشكِّل النقص المتوازي
المشكلة الرئيسية التي يطرحها مقال جودمان «عن
تماثل المعنى»: لا يضمن تماثلُ الامتداد تماثلَ
المعنى في حالة الكلمات؛ أي الأنواع. تختلف كلمة
«قنطور» وكلمة «هرميس»، مثلًا، في المعنى رغم
عدم اختلافهما في الامتداد.
وللتعليق على هذه الحقيقة، يقترح جودمان أننا
لا نحتاج فقط إلى وضع امتدادات الكلمتين
نفسيهما في الاعتبار (ما يسمَّى الامتدادات
الأساسية)،
لكننا نحتاج أيضًا إلى أن نضع في الاعتبار
مركباتهما المتوازية (ما يسمَّى الامتدادات
الثانوية).
يتكوَّن زوج من المركَّبات المتوازية بوضع
إضافة متماثلة لكل من الكلمتين المطروحتين؛
وهكذا بإضافة «صورة» إلى «قنطور» و«هرميس»،
يكون لدينا الزوج المتوازي «صورة قنطور» و«صورة
هرميس». والآن، رغم عدم وجود «قناطير» أو
«هرامس»، يوجد بالتأكيد صور للقنطور وصور
للهرميس، وهما، بالإضافة إلى ذلك، مختلفتان.
رغم أن الكلمتين الأصليتين لهما الامتداد نفسه،
تختلف المركبات المتوازية في الامتداد. ومن ثم
تأتي فكرة جودمان عن أن اختلاف المعنى بين
كلمتين مسألة ترجع إلى اختلافهما في الامتداد
أو في أي من مركباتهما المتوازية. للمصطلحات،
عمومًا، المعنى نفسه فقط إذا كان لهما
الامتدادان الأساسي والثانوي نفسيهما.
ويعمَّم الاقتراح أكثر ليغطِّي حالاتٍ تقدِّم
فيها إضافة «الصورة» مصطلحًا بامتداد منعدم؛ إن
«صورة رائحة لاذعة» و«صورة رائحة حادة»، مثلًا،
لهما الامتداد (المنعدم) نفسه؛ لأن أيًّا منهما
لا تنطبق على أي شيء. ومع ذلك يمكن تكوين
المركب بإضافات أخرى، ويبرهن جودمان على أن
«الوصف» يكوِّن لاحقة
suffix
يمكنها تقديم كل
أشكال التمييز المطلوبة لكل زوج من الكلمات
P
و
Q؛ لأن أي نقش
فعلي للصيغة
P
التي ليست
Q
شيء فيزيائي يدل عليه المركب «وصف
P-»، وليس
المركب الموازي «وصف
Q-». وأي نقش
في صيغة
Q التي
ليست
P ينتمي
إلى الامتداد «وصف
Q- لكنه لا
ينتمى لامتداد «وصف
P-». وهكذا،
يختلف امتداديًّا «وصف رائحة حادة» و«وصف رائحة
لاذعة»؛ حيث ينطبق الأول، وليس الثاني، على كل
نقش في الصيغة «الرائحة الحادة التي ليست
رائحةً لاذعة»، والعكس بالعكس. وهكذا، حتى لو
كانت كل الروائح الحادة لاذعةً وكل اللاذعة
حادة، فإن مصطلحَي «رائحة حادة» و«رائحة لاذعة»
مختلفان في المعنى. وينتج عن الاقتراح أنه «لا
توجد كلمتان مختلفتان لهما المعنى نفسه.»
١٧
سعى بحث جودمان إلى استبعاد الإشارة إلى
الصور الذهنية والمعاني والمفاهيم والاحتمالات
… إلخ، وإلى اللجوء فقط إلى مفهوم الامتداد أو
التطبيق على أشياء فيزيائية. لكنه اعتبر حوامل
bearers الامتداد
مصطلحات، أي أنواع كلمات، رغم أنه، كما اعترف
بعد ذلك، كان يتمنَّى صياغةً نهائية لتعاليمه
تؤيد النقوش أو الأحداث الحقيقية فقط، أي ما
يسمَّى عادةً «نماذج». في الحقيقة، ما نتيجة مد
اقتراحه بشكل صريح إلى النماذج؟ وبشكل خاص، ما
نتيجة ألَّا يكون هناك نموذجان لهما المعنى
نفسه؟ قد نلاحظ أن هذا يمكن أن يكون حتى
استنتاجًا أقوى من الاستنتاج الذي اقتُرِح من
قبلُ بمثال «القنطور الأخضر»؛ لأن الأخير كشف
أن هناك شواهد تختلف فيها النسخ المطابقة في
المعنى حيث يكون لها الامتداد نفسه. والاستنتاج
الأقوى بأنه لا يوجد نموذجان لهما المعنى نفسه
تحت أي ظرف يتجاوز بوضوح افتراض القناطير
الخضراء. ويتضمَّن أنه يوجد نوع من الالتباس
يبقى دائمًا حتى بعد استبعاد الالتباس
الأوَّلي. لكن هل يتبع هذا الاستنتاج الأقوى
اقتراح جودمان الذي أُعيدت صياغته لتنطبق على
النماذج؟
يبرهن روندر على أنه يتبعه. في التصريح
S،
A rose
is a rose [الوردة
وردة]، يُشار إلى المصطلح الخامس [كلمة
rose الأخيرة]
وليس المصطلح الثاني [كلمة
rose الأولى]
بالمصطلح
PS5،
١٨ ويُعرَّف بأنه «وصف لوردة يوجد في
الموضع الخامس في التصريح
S.» ويقول
رودنر إن ذلك يستتبع أن يكون النموذجان الثاني
والخامس مصطلحين مختلفين، لكن حيث يستنتج
جودمان أن المصطلحات المختلفة لا يمكن أن يكون
لها المعنى نفسه، يختلف هذان النموذجان في
المعنى بالضرورة، رغم أنهما نسختان متطابقتان.
١٩
وهكذا تصبح المناقشة السابقة عرضةً للانتقاد
التالي: بينما توضح في الحقيقة أن النموذج
الأول ﻟ «الوردة» والنموذج الثاني ﻟ «الوردة»
في
S كيانان
مختلفان، لا توضح أنهما يشكِّلان مصطلحين، أو
كلمتين، مختلفين، ممَّا قد يكون مطلوبًا
بالنسبة لهما؛ ليمثلا بوضوح تعميم جودمان بأن
الكلمات
المختلفة لا يمكن أن يكون لها المعنى نفسه.
ويرى رودنر أن من المؤكد أن
PS5 من البديهي
مسند للكلمات، وليست مجرد نماذج، لكن من الصعب
أن يبدو هذا في صلب الموضوع. ليس التطبيق
البديهي ﻟ
PS5
هو القاطع هنا، لكن ما إن كان من الممكن أن
يتبيَّن أن نموذجَي «الوردة» هنا يقعان في إطار
تعميم جودمان، بتلبية اعتبارات خاصة يتأسس
عليها التعميم نفسه. ورغم كل شيء، ينتج هذا
التعميم، المصوغ لأنواع الكلمات، من مناقشة
خاصة حول الامتدادات الأساسية والثانوية. ومن
ثم، لا يكون السؤال، إن كانت النماذج تسمى
أحيانًا «كلمات»، ولكن إن كان يمكن مد هذه
المناقشة الخاصة إلى حالة النماذج باعتبارات
مستقلة. ومع ذلك، لا يقدِّم رودنر هذه
الاعتبارات. يلاحظ أنه «إذا تبنى المرء ببساطة
موقف أن النقوش وأجزاء النقوش ذات معنًى، يمكن
للمرء أن يواصل ويقول ليس هناك نقش تكراري [مثل
«الوردة وردة»] تحليلي؛ لأنه لا يوجد جزءان من
مكوناته لهما الامتدادات الأساسية والثانوية نفسها.»
٢٠ لكن مناقشته، مع ذلك، لا توضح
النقطة الأخيرة. إنها توضح أن مسندًا ثالثًا،
PS5، له في
امتداده نموذج وليس الآخر من نموذجَي رودنر ﻟ
«الوردة»، لكن المناقشة تقدِّم مبررًا لافتراض
أن هذين النموذجين نفسيهما ليس لهما امتدادات
متماثلة، أساسية وثانوية.
قدَّمت بيفلي روبنز نقدًا لبحث رودنر،
٢١ لم يبرهن فقط على أن رودنر فشل في
استنباط استنتاجه القوي من اقتراح جودمان الخاص
بأنواع الكلمات، لكن الاستنتاج القوي لا يتبعه
في الحقيقة. معلِّقةً على الفقرة التي
اقتبسناها من رودنر للتو، حتى تأثير أنه لا
يوجد نموذجان لهما الامتدادات الأساسية
والثانوية نفسها، تُطرح المسألة الحاسمة كما هو
الحال بالنسبة لوجود المركبات المناسبة في حالة
النماذج، تكون المركبات مطلوبةً لتقييم
الامتداد الثانوي. وتكون الإشارة إلى الامتداد
الثانوي، بدورها، حاسمةً لأن النموذجين يمكن أن
يكون لهما بجلاء الامتداد الأساسي نفسه، تعتمد
الأطروحة القوية بعدم وجود نموذجين لهما المعنى
نفسه على أنهما لا يكون لهما أبدًا الامتدادات
الثانوية نفسها. ويعتمد هذا، كما هو مقترح، على
التباعد الامتدادي لبعض مركباتهما المتوازية.
لكن ما المركبات المتاحة في حالة
النماذج؟
على عكس نوع الكلمة، التي يمكن دائمًا افتراض
أن مركباتها (طبقًا لفرضيات أفلاطونية
كلاسيكية) موجودة، لا يمكن افتراض وجود مركب
لنموذج عياني؛ النوع المجرد للكلمة قابل
للتكرار بينما النموذج غير قابل. وإذا كان
لنموذجين أن يكونا مكوِّنين للمركب، يجب أن
يوجدا بالفعل أو يكونا قد وُجدا بوصفهما علامات
أو أصوات كثيرة جدًّا في هذه المركبات …
وعمومًا، إذا اشترطنا أن تتكوَّن المركبات
المناظرة لحدثين مسندين [نموذجين] بإضافة
الحدثين المسندين نفسيهما، فإن معظم الأحداث
المسندة، لأنها غير مركبة، تفتقر إلى امتداد
ثانوي. وضمن هذه الأحداث المسندة، تكون تلك
التي لها امتدادات أساسية متماثلةً مترادفة؛
حيث يكون لها أيضًا الامتدادات الثانوية نفسها؛
لأنه لا يوجد لها أي امتداد.
وهكذا تستنتج روبنز أن التطبيق الصارم لمعيار
جودمان عن تشابه المعنى بالنسبة للنماذج يقدِّم
الكثير جدًّا من الأزواج المترادفة، «على سبيل
المثال، أي حدث؛ «قنطور»، وأي حدث؛ «هرميس» غير
مركب، يكون له المعنى نفسه.»
٢٢
مع ذلك، يمكن أن نفسِّر تركيب نموذج ليس
بانغماسه الحرفي في نموذج أكبر، لكن بانغماس أي
من نسخه المطابقة في ذلك النموذج. وكما تعبِّر
روبنز، يمكننا أن نأخذ التصريح (بالنسبة
للنموذج I1،
وC1):
يحدث I1 في
المركب
C1.
باعتباره يقول:
نسخة من I1
جزء من نسخة من
C1.
يتحاشى مثل هذا التفسير صعوبة أن كل نماذج
«قنطور» ليس حرفيًّا جزءًا من مركب يجب أن يقال
إن له المعنى نفسه الذي لكل نماذج «هرميس»؛
لأننا يمكن أن نفترض، أو نُشيد بإرادتنا،
مركبًا مناسبًا، وليكن مثلًا نموذج «صورة
قنطور» يحتوي نسخةً مطابقة ﻟ «القنطور» بوصفها
مكوِّنًا، ويمكن أن نفترض أو نشيد بقدرٍ متساوٍ
نموذج «صورة هرميس» يحتوي نسخةً مطابقة ﻟ
«الهرميس» بوصفها مكوِّنًا. ويمكن الآن للتباعد
الامتدادي لهذه النماذج المركبة الأخيرة أن
يوضِّح اختلافًا في المعنى ليس فقط بين
المكونات الفعلية للكلمة الأولى فيها، ولكن
أيضًا بين كل نسخة لأحد هذه المكونات وكل نسخة
للمكوِّن الآخر؛ لأنه بالمفهوم الممتد لروبنز
عن «حدث في مركب»، كل نموذج يحدث في كل مركب له
فيه نسخة مطابقة بوصفها مكوِّنًا.
لكن بهذا المفهوم الممتد، كل نموذجين كل
منهما نسخة للآخر في المركبات نفسها بالضبط،
تكون علاقة
النسخة انعكاسية، ومتناسقة،
وانتقالية. وتستنتج روبنز: «ونتيجة لذلك إذا
كان لحدثين مسندين من هذه الأحداث الامتداد
الأساسي نفسه، يكون لهما الامتدادات الثانوية
نفسها. ويكون لحدثَي «الوردة» في مثال رودنر
«الوردة وردة»، على العكس من جداله، المعنى نفسه.»
٢٣ مُعلِّقًا على التبادل بين رودنر
وروبنز، استنتج جودمان، في بحث تالٍ، أن تطبيق
أُطروحته على النماذج لا يقدِّم النتيجة القوية
بأن كل نموذجين يختلفان في المعنى، لكن «فقط كل
حدثين [نموذجين] لكلمة لا يكون كل منهما نسخةً
مطابقة للأخرى يختلفان في المعنى.»
٢٤
(٥) نتائج لمشكلتنا الجديدة
إن القول بأنه لا توجد كلمتان لهما المعنى
نفسه إنكارٌ للترادف. والقول، أيضًا، بأنه لا
يوجد نموذجان لهما المعنى نفسه تأكيد لالتباس
قوي جيدًا بحيث يصيب كل أزواج النسخ المتطابقة
مهما تكن. ويمكن لمثل هذا التأكيد أن يفسِّر
مثالنا عن «القنطور الأخضر» بوضعه تحت تعميم
عام: يختلف نموذجا «القنطور الأخضر» في المعنى
ببساطة؛ لأن كل نموذجين يختلفان في المعنى. لكن
هذا التعليق، عن تعميم الالتباس بالنسبة لكل
أزواج النماذج، يفشل في شرح ما يميز مثالنا عن
«القنطور الأخضر»؛ أي نسخ «القنطور الأخضر»
التي تشمل تفسيرات مختلفةً يُعتقَد أنها تختلف
في المعنى: تشيد نسختان كلتاهما من هذه النسخ لتحديد لون
القنطور، ولا
تعتبران مختلفتين في المعنى، بينما سوف يفترض أن زوجًا فيه
نسخة تحدِّد اللون والأخرى تحدِّد درجة الخبرة
يتضمنان اختلافًا في المعنى. بلغة أخرى، يقدِّم
لنا مثال «القنطور الأخضر»، نسختين مميزتين تختلفان في
المعنى حتى لو لم يكن فيهما الْتباس أولي. إن
القول بأن كل نموذجين يختلفان في المعنى أطروحة
قوية بدرجة تجعلنا لا نفسِّر الالتباس الخاص
الذي يشكِّل مشكلتنا.
رأينا أنه لا يمكن افتراض أن هذه الأطروحة
القوية تتبع معيار جودمان. كيف تكون مشكلتنا
إذا قبلنا حُجج روبنز؟ بافتراض أن نسختين
متطابقتين بامتدادٍ أساسي متماثل، لا يمكن أن
يتباعدا في الامتداد الثانوي؛ حيث إنهما يحدثان
في المركَّبات نفسها. ويستتبع ذلك أن كل نسختين
متطابقتين بالامتداد الأساسي نفسه يجب أن يكون لهما
المعنى نفسه؛ ويعتمد تماثل المعنى بالنسبة
للنسخ المتطابقة على تماثل الامتداد الأساسي
وحده. وهذا الاستنتاج يتعارض مباشرةً مع مثالنا
عن «القنطور الأخضر»؛ لأننا هنا لدينا نسخ
متماثلة في الامتداد الأساسي، لكنها مختلفة في
المعنى. وهكذا يتبين أن الموقف أكثر تعقيدًا
ممَّا افترضنا. وبافتراض نسخ متطابقة لها
الامتداد الأساسي نفسه، لا يمكن القول (مع
رودنر) إن كل اثنتين منها تختلفان في المعنى،
أو (مع روبنز) إن كل اثنتين منها متماثلتان في
المعنى. تكشف بعض هذه الأزواج عن تماثل بينما
تكشف أخرى عن اختلاف. لكن على أي شيء يعتمد هذا
التنوع؟
(٦) الْتباس المكوِّن الاشتقاقي
ثمة إجابة تطرح نفسها على الفور وتتمثل في أن
نضع في الحسبان امتدادات مكونات الكلمة كما نضع
مركباتها. اعتمد المعيار الأصلي لجودمان على
الإشارة إلى امتدادات الكلمتين الأصليتين
نفسيهما، وامتدادات مركباتهما أيضًا. وبتطبيق
هذا المعيار على النماذج (كما رأينا) لا يمكن
تفسير حالة «القنطور الأخضر». لكننا لا نحتاج
هنا إلا أن نلاحظ أن النسخ المتطابقة لمكوِّن
كلمة «أخضر» تتميَّز بالالتباس الأوَّلي؛ حيث
إن بعضها يدل على أشياء لها لون معين وتدل
الأخرى على أشياء تتمتع بدرجة معينة من الخبرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يرتبط الاختلاف الخاص في
المعنى بين تلك النماذج عن «القنطور الأخضر»
الذي يشمل تفسيرات مختلفةً باختلاف المهمة
الامتدادية للنماذج المطروحة للمكون «أخضر». ما
نقترحه، إذن، مراجعة المعيار الأصلي لجودمان
ليشمل الإشارة إلى مكونات الكلمة: تتشابه
النماذج في المعنى إذا، وإذا فقط كانت لها
الامتدادات الأساسية نفسها، والامتدادات
الثانوية نفسها، والامتدادات المكوِّنة نفسها؛
حيث يجب اعتبار أن الجزء الأخير من الجملة
يتطلَّب الامتدادات الأساسية نفسها بالنسبة
للمكونات المتوازية للكلمة.
٢٥
يقترح جودمان، في «لغات الفن»، مثل هذه المراجعة
للمعيار في تطبيقه على أنواع العلامة، لأسباب
مستقلة؛ أي لأن اللغات الاصطناعية المحدودة قد
تعوق التركيب الحر الذي يميِّز اللغات
الطبيعية. ويكتب مناقشًا معياره الأصلي:
كما يطبق على اللغات الطبيعية؛ حيث توجد حرية
عظيمة في توليد المركبات، يميل هذا المعيار إلى
إعطاء النتيجة بأن كل مصطلحين يختلفان في
المعنى. ولا تصح مثل هذه النتيجة بالنسبة للغات
الأكثر محدودية؛ وبالنسبة لها ربما يحتاج
المعيار إلى تعزيز بالذهاب إلى أن الخصائص
تختلف في المعنى إذا كانت مركِّبات متوازية
لمصطلحات تختلف في امتداداتها الأساسية أو في
امتداداتها الثانوية المتوازية.
٢٦
الدافع وراء الاقتراح في هذه الفقرة تقديم
معيار مناسب للغات المحدودة، ودافعنا هنا
التعليق على اختلاف المعنى بين النسخ
المتطابقة، التي تتشارك في كل مكوناتها. لكن
النقطة العامة المشتركة تتمثَّل في الاحتياج
إلى تعزيز المعيار الأصلي حين توضع قيود من نوع
ما على التركيب. بالنسبة لأنواع الكلمات في
اللغات التي تتسم بوضع قيود بنيوية على
التركيب، يتطلَّب الأمر الإشارة إلى المكونات.
وبالنسبة للنماذج؛ حيث تتشارك مركبات النسخ بكل
هذه النسخ، وحيث يعجز التركيب بالتالي في
التمييز بينها، يتطلَّب الأمر الإشارة إلى
المكونات بقدر مساوٍ.
وبمجرد وضع المكونات في الاعتبار، يمكن
التعامل مع نوع الالتباس الذي تقدِّمه حالة
«القنطور الأخضر»، وهي حالة لا يتعامل معها
معالجة روبنز. إنها تعالج نسخًا لها امتداد
أساسي متماثل، مبرهنةً على أنها لا يمكن أن
تختلف في الامتداد الثانوي؛ أي لا يمكن أن تحدث
في مركبات متوازية بامتداد متباعد. تقدم حالة
«القنطور الأخضر» نسختين بامتداد أساسي متماثل،
لكنها تحتوي على مكونات متوازية بامتداد أساسي
مختلف. لدينا هنا، بتعبير آخر، مركبات تخلو من
الالتباس الأولي، لكنها تحتوي على مكونات بها
التباس أولي. وهكذا يمكن أن نعترف، فيما
يتعلَّق بالامتداد، باختلاف خاص في المعنى في
بعض النسخ المركَّبة التي لها الامتدادات
الأساسية نفسها. ونشير إلى هذا النوع من اختلاف
المعنى ﺑ «التباس المكون
الاشتقاقي». بالإضافة إلى ذلك،
بشكلٍ يناظر الأخير، وهو شكل آخر من تنوع
النوع، يمكن أن نلاحظ أيضًا نوعًا جديدًا من
«التباس الحدث»، يشمل التردد فيما يتعلق بتفسير
نموذج مفرد، سياقه ضعيف جدًّا بشكل يحُول دون
الاستقرار على وضع امتدادي لمكون؛ وهذا التصور
موازٍ لمفهومنا السابق عن التباس الحدث المرتبط
بالالتباس الأولي للكل.
(٧) التباس المركب الاشتقاقي
تتبقى حالة حاسمة ينبغي تأملها، حالة أبعد
مِن أن يصل إليها أي مفهوم من المفاهيم التي
تطورت حتى الآن. لنتذكر أولًا أن التباس المركب
الاشتقاقي يعتمد على إمكانية انفصال مكونات
الكلمات لنماذج معينة. ألَا يمكننا أن نتصور
التباسًا يبقى حتى حين تكون هذه القابلية
للانفصال متعذرة؟ تخيَّل، على سبيل المثال، أن
كل نموذج «قنطور أخضر» تم تعلُّمه في البداية
بوصفه وحدةً مفردة غير قابلة للتقسيم، ولم
تكتسب بعدُ براعةً لعزل نماذج «خضراء». ومن
المعروف، مع ذلك، أن كل نماذج «القنطور الأخضر»
متماثلة في الامتداد؛ لأنه لا يوجد قناطير
خضراء؛ وهكذا لا يوجد هنا التباس أولي، ولا
يوجد، لعدم وجود قابلية مناسبة للانفصال أي
التباس للمكون الاشتقاقي (ولا يمكن أيضًا أن
يوجد التباس للحدث في أيٍّ من الأشكال التي تم
تمييزها حتى الآن). ومع ذلك، يستمر شكل من
الالتباس؛ الموقف هنا مختلف بشدة عن ذلك الذي
يتضمن، مثلًا، نماذج «قنطور» فقط، وهي أيضًا
تخلو من الالتباس الأولي والتباس المكون
الاشتقاقي. ما هذا الاختلاف؟
يظهر النقيض على الفور إذا شكَّلنا مركبات
بنماذج ﻟ «الصورة» في كل حالة. لكل نماذج «صورة
الهرميس» الامتداد نفسه. ومن الناحية الأخرى،
تتميَّز كل نماذج «صورة القنطور الأخضر»
بالالتباس الأولي؛ يدل بعضها على ما قد يوصف،
من منظور أكثر حذلقة، بأنه صور قناطير ملونة
بالأخضر (أو صور قناطير خضراء اللون)، بينما
تدل نماذج أخرى على ما قد يوصف، من المنظور
نفسه، بأنه صور لقناطير غير ناضجة (أو صور
قناطير غير ناضجة)، بصرف النظر عن اللون
المزعوم للقنطور المرسوم. ويفترض أن ما قد يصفه
المتحذلقون بأنه صورة بلون أخضر وقد يصفه حكيم
دنيوي بأنه صورة قنطور وليد أصفر، سوف تدل
عليها بعض نسخ «صورة القنطور الأخضر»، وليس
كلها. المسألة، باختصار، حتى لو كانت النماذج
غير القابلة للتقسيم ﻟ «القنطور الأخضر»
تخلو من
الالتباس الأولي، فإن بعض مركباتها، على سبيل
المثال، نماذج «صورة القنطور الأخضر»، بها
التباس أوَّلي.
ولا تعتمد هذه الحالة العامة على ظرفنا
المتخيل الذي لم يُدرَك فيه مكوِّن مركب
(«أخضر» في «قنطور أخضر») كوحدة قابلة
للانفصال. افترضْ أن روائيَّين يستخدمان الاسم
نفسه «ألجرنون» لشخصيتين محوريتين في قصتين. قد
يكون لكل نسخ الاسم في حقلنا المحدد الامتداد
(المنعدم) نفسه، وليست هناك مكونات كلامية
٢٧ في أي من هذه النسخ. لكن نماذج
«وصف-ألجرنون» قد تُظهر التباسًا أوليًّا، يشير
بعضها إلى أجزاء من قصة، ويشير بعضها إلى أجزاء
من العمل الآخر. توظِّف الأساطير الاسم نفسه
لشخصيات مختلفة المغزى لكنها فعليًّا شخصيات لا
وجود لها. هكذا «يجب التمييز بين الطفل لينوس
من أرجوس ولينوس، ابن أسمنيوس،
٢٨ الذي قتله هرقل بقيثارة.»
٢٩ وأرجوس، كلب الصيد؛ وأرجوس ابن
ميديا؛ أرجوس بانوبتس؛ وأرجوس الثيسبي،
٣٠ يجب التمييز بينهم جميعًا رغم
المشاركة في الاسم مع امتداد منعدم وعدم وجود
مكونات كلامية.
٣١ بتذكُّر حجة روبنز ضد فعالية
الامتدادات الثانوية للتمييز بين النسخ
المتطابقة التي لها امتداد أساسي متماثل، نجد
أنها لم تضع هذا التناقض الحاسم بين مركبات بها
التباس أولي ومركبات
ليس
بها هذا الالتباس. وتبرهن، معنيةً
بنموذجَي «الوردة» في مثال سابق «الوردة وردة»،
على أنهما ينبغي أن يوجدا بالضبط في المركبات
نفسها؛ حيث إن التواجد في مركب (بمفهومها
الممتد) يعني وجود نسخة مطابقة هناك. وهكذا،
بافتراض مركب يحتوي على نسخة لنموذج «الوردة»
الواحدة، ينبغي أن يحتوي هذا المركب أيضًا على
نسخة مطابقة للآخر؛ لأن علاقة النسخة المطابقة
انتقالية. وتستنتج: «بالتالي، إذا كان لمثل
هذين الحدثين المسندين الامتداد الأساسي نفسه،
يكون لهما أيضًا الامتدادات الثانوية نفسها.»
٣٢
للنسخ المتطابقة على أية حال، امتدادات
ثانوية متماثلة. لكن هذا التماثل للامتداد الثانوي لا
يتضمَّن أن امتدادات المركبات المرتبطة بها
متماثلة. وقد
تتباعد في
الامتداد المركبات نفسها، رغم اشتراكها في كل
النسخ المتطابقة من المكونات؛ أي قد تحمل
التباسًا أوليًّا. المثال الذي تتناوله روبنز
مثال فيه المركبات ذات الصلة (نماذج «وصف
الوردة») لا توحي بهذا الالتباس، لكن احتمال
مثل هذا الالتباس، رغم ذلك، واضح.
تأمل، على سبيل المثال، النسخ المتطابقة
(نماذج لا تشبه «الوردة») التي تختلف في
الامتداد الأساسي، على سبيل المثال، النموذجين
T1
وT2، لكلمة
«trunk
(صندوق-خرطوم)»، تدل
T1 على حاويات
من نوع معين وتدل
T2 على أجزاء
معينة من الأفيال. وحيث إن
T1
وT2 نسختان
متطابقتان تكون لهما بالضبط امتدادات ثانوية
متماثلة، لكن من الواضح أن هذا التماثل لا يحول
دون الالتباس الأولي للنماذج المركبة
trunk-picture، يدل
بعضها على صور حاويات ولا يدل على صور أفيال،
بينما يفعل البعض العكس بالضبط. وحيث إن
T1
وT2 يختلفان في
الامتداد الأساسي، فإنهما بطبيعة الحال يختلفان
في المعنى، وبذلك تكون دراسة مُركَّباتهما،
بالنسبة لأهداف روبنز، غير مجدية. لكن السؤال
الذي يُهمنا هنا هو: بافتراض وجود نسخ متطابقة
غير قابلة للتقسيم لها امتدادات أساسية
متماثلة، هل
يضيف الالتباس الأولي لامتدادها الثانوي
المشترك شكلًا جديدًا من الالتباس الاشتقاقي
للنسخ المتطابقة الأصلية؟ من المؤكد أن مثال
«الوردة» لا يُلقي الضوء على هذه المشكلة، لكن
الأمثلة المقدمة في القسم الحالي تُثير القضية.
تكشف نماذج «صورة القنطور الأخضر» ونماذج «وصف
ألجرنون» ونماذج «وصف لينوس» ونماذج «وصف
أرجوس» عن التباس أولي رغم عدم وجود التباس
أولي في مكوناتها الخاصة. وهكذا يكون لدينا
هنا، على ما يبدو، شكل آخر من الالتباس،
يتدفَّق داخليًّا إلى المكوِّن من الالتباس
الأولي للمركَّب؛ ونشير إليه باسم «التباس
المركَّب الاشتقاقي».
(٨) اختيار الإشارة
يتباعد التباس المركَّب الاشتقاقي، بطريقة
حاسمة، عن الأشكال التي تعرفنا عليها حتى الآن؛
إنه يفشل في ربط اختلاف الامتدادات بشكل متميز
بالنسخ المتطابقة الملتبسة المطروحة؛ أي
بافتراض وجود نسختين متطابقتين
R1
وR2، إذا كان
فيهما التباس أولي، فإنهما يختلفان في
الامتداد، بينما إذا كان فيهما التباسُ مكوِّن
اشتقاقي، فإن مكوِّنًا ما في
R1 يختلف في
الامتداد عن مكوِّن موازٍ في
R2. ولا يمكن
لنا أن نقول الشيء نفسه بالنسبة لالتباس
المكوِّن الاشتقاقي. من المؤكد أن مركبات
R1
وR2 تختلف في
الامتداد، لكن هذه المركَّبات المتباعدة لا
يمكن أن تُنسب بشكل متميز إلى
R1
وR2؛ لأن
النسختين المتطابقتين الأخيرتين توجدان في كل
المركَّبات نفسها، طبقًا لمعيار روبنز.
من الصحيح أن التنوع الامتدادي بين
المركَّبات، المطروح هنا، ظهر بالفعل أنه مهم
في حالة النسخ غير المتطابقة؛ معرفة الاختلاف
في المعنى بين نموذج «قنطور» ونموذج «هرميس»
لا يعني
معرفة ربط الامتدادات المختلفة بالنموذجين
الأخيرين أو بمكوناتهما المتوازية الخاصة. إنه
بالأحرى يعني معرفة التمييز بين صور القنطور
وصور الهرميس، وبين أوصاف القنطور وأوصاف
الهرميس … إلخ. لكن إذا كانت معرفة كلمة
«قنطور» تعني معرفة كيفية تطبيقها أيضًا على
«صورة قنطور»، على سبيل المثال، فإن معرفة
الكلمة غير القابلة للتقسيم «القنطور الأخضر»
يعني أيضًا معرفة كيفية تطبيقها على «صورة
قنطور أخضر». وإذا كان بالأخيرة التباس أولي،
كيف تتقدَّم المعرفة بشكل مترابط؟ إذا ميَّز
طفل بشكل صحيح مصطلح «القنطور» من كل شيء، ربما
يبقى من غير الواضح إن كان يستطيع أن يختار
بشكل صحيح صور القنطور، وإلى أن يفعل ذلك ربما
لا نعرف بأنه استوعب الأمر كله. حين يصيب
الالتباس الأولي المركبات، تكون هناك، إذا جاز
التعبير، نقطتان أو أكثر يجب استيعابهما. قد
نساعد، بإشارات فرعية، على حل الالتباس، بقصر
المركَّبات ذات الصلة (في التعليم) على
مركَّبات معينة بامتداد متجانس، أو بأن نتوقع
أن يتعلَّم الطفل أن يميِّز امتداد المركَّبات
بشكل مناسب في ظل تنوُّع السياق الطبيعي.
بالإضافة إلى ذلك، في مناقشة أداء الطفل، ربما
نتردَّد بشأن النقطة التي استوعبها، بأخذ عينات
محدودة فقط من معالجته للمركَّبات.
بشكل مماثل، بافتراض وجود مقطع يحتوي اسم
«لينوس»، قد نعجز عن تحديد إن كان يشير إلى
الطفل لينوس من أرجوس أم إلى لينوس بن إسمنيوس،
الذي قتله هرقل بقيثارة. لكن الفعل «يشير
refers» هنا لا
يمكن أن يُعتبر مساويًا للفعل
«يدل denotes»؛ لأنه
ليس هناك في الحالتين ما يدل عليه. يبدو أن
السؤال بالأحرى ربما يكون عمَّا يدل عليه وصف
لينوس بالنسبة لمؤلف المقطع. وهكذا، في استنتاج
أن «لينوس» ملتبس، نعكس بشكل غير مباشر ترددًا
فيما يتعلق ﺑ «وصف لينوس» في هذا
السياق.
لكن تبقى مشكلة في حالة النُّسَخ المتطابقة،
لا تظهر في النسخ غير المتطابقة. يختلف نموذج
«قنطور» في المعنى عن نموذج «هرميس»؛ حيث إن
مجموعةً من مركبات «القنطور» يمكن تمييزها
تركيبيًّا، تتباعد امتداديًّا عن تلك المجموعة
الأخرى من مركبات «الهرميس». ويتضمَّن مفهوم
المركَّبات المتوازية أنها يمكن تمييزها
تركيبيًّا ويمكن نسبتها إلى نموذجين مختلفين في
المعنى. ويفشل الشرط الأخير في النسخ المتطابقة
المختلفة المعنى. ورغم أن التنوع الامتدادي بين
المركبات قد يُحدث نوعًا من التردد فيما يتعلق
بالنماذج المفردة، أو عرقلة التعليم أو التفسير
الجاري، فإن هذه المركَّبات المختلفة لا يمكن
ربطها تركيبيًّا بالنسخ المتطابقة التي تُحدث
التردد المطروح؛ ويبقى ما يشكِّل حلًّا للتردد
غير واضح.
ينتج ريموند، دارسٌ معيَّن للرواية، نموذج
«ألجرنون»، يتركنا متردِّدين بشأن كيفية
استخدامه للمركَّب، «وصف ألجرنون» إن كان، بشكل
خاص، يدل على أجزاء من رواية جونز
Jones أم أجزاء من
رواية سميث Smith. حاسمًا
الأمر بعد وهلة لصالح جونز، نأخذ نماذج مركَّب
ريموند «وصف ألجرنون» للدلالة على أجزاء من
رواية جونز. لكن كيف يؤثر هذا الحسم المتعلِّق
بالمركب على حالة أصل نموذج ريموند عن
«ألجرنون»؟ يبقى صحيحًا الآن، كما كان من قبل،
أنه يحدث أيضًا في كل تلك المركَّبات التي تدل
على أجزاء من رواية سميث. وبالإضافة إلى ذلك،
لنفترض أن لدينا دارسًا آخر، جورج، ينتج أيضًا
نموذج «ألجرنون» ويدل نموذج المركب «وصف
ألجرنون» على أجزاء من رواية سميث وليس رواية
جونز. لنسمِّ نموذج «ألجرنون» لريموند
A1 ونموذج جورج
A2؛ ولْنسمِّ
مركَّب ريموند
K1 ومركَّب
جورج K2. ومن
ثم تقرَّر أن يكون
K1
وK2 متباعدَين
امتداديًّا، لكننا نريد أن نقول إن هذا التباعد
للمركبات يتدفَّق داخليًّا أيضًا، مؤثرًا على
«معاني» A1
وA2. نريد،
باختصار، أن نميِّز الأخير على أساس
K1
وK2، لكن هذا
بدقة ما لا نستطيع أن نفعله؛ لأن
A1 يحدث في
المركَّبين، وكذلك
A2.
وحيث إن السمات التركيبية تعجز عن القيام
بالتمييز المطلوب، لربط
A1 ﺑ
K1 وليس
K2،
وA2 ﺑ
K2 وليس
K1، يفترض
مفهومًا جديدًا للمركَّبات المتوازية يحدد بشكل
أكثر براعةً ممَّا يسمح به التمييز التركيبي.
وقد رأينا أن المفهوم الحقيقي للمركبات
المتوازية، كما طُرح في الأصل؛ حيث يتعلَّق
الأمر بالنسخ المتطابقة، ينهار نتيجةً لانتقالية علاقة
النسخ المتطابقة. المطلوب إذن هو اللجوء إلى
مفهوم آخر غير مفهوم علاقة النسخ
المتطابقة.
تحدَّثنا بالفعل عن التعليم باعتباره يقدِّم
رابطًا ما بين النموذج والمركب؛ ترتبط العادات
التي تحكم استخدام النموذج بتلك التي تحكم
استخدام المركبات. إن التساؤل عمَّا إذا كان
نموذج «ألجرنون» معيَّن يرتبط ﺑ
K1 أو
K2، كما قد
يُقترح الآن، يعني التساؤل عمَّا إذا كانت
العادات التي تحكم نموذج «ألجرنون» المطروح
يرتبط خلال التعليم بالعادات التي تفضِّل
K1 أو
K2. هل يمكن
صياغة هذا التعليق بشكل أكثر تحديدًا؟ هل يمكن،
بالإضافة إلى ذلك، تحريره من الاعتماد على
فرضية المركَّبات الملائمة المتوفرة لمنتج
النماذج الأصلية؟ في مثال مقطع «لينوس» الذي
ناقشناه من قبل، على سبيل المثال، تخيَّلنا
أننا متردِّدون بشأن إن كان الاسم يُشير إلى
الطفل لينوس من أرجوس أم إلى لينوس بن إسمنيوس،
وميَّزنا هذا التردُّد باعتباره يتعلَّق بدلالة
«وصف لينوس» عند مؤلف المقطع المذكور. لكن ربما
لا يكون هناك مثل هذا المركَّب في سياق المؤلف،
ويكون الحديث عن ارتباط عادات «لينوس»ﻪ بعادات
«وصف لينوس»ﻪ متكلَّفًا.
يمدنا اعتبارٌ آخر لموقف التعليم بمفتاح.
لاحظنا أنه إذا ميَّز طفلٌ مصطلح «القنطور» عن
كل شيء، يبقى أننا لا نستطيع الحكم إن كان قد
استوعب الأمر كله لنكون على ثقة من قدرة الطفل
على فرز صور القنطور بشكل صحيح. والآن في فرز
مثل هذه الصور، لا يستخدم الطفل عادةً المركب
«صورة قنطور»، بل يستخدم المصطلح الأصلي
«قنطور». وبالإضافة إلى ذلك، نطلب، بشكل طبيعي،
من الطفل أن يحدِّد القنطور في صورة معينة،
ويُتوقَّع أن يستخدم المصطلح نفسه «القنطور»
لجزء مناسب من الصورة. هذه الاستخدامات شبه
الدلالية للمصطلح نسميها «اختيار الإشارة»،
ورغم أنها لا تدل حرفيًّا على صور القنطور أو
أجزاء القنطور، إنها توظَّف هنا، بطريقة
تُذكِّر بالاستعارة؛ لأنها تختار إشارات
القنطور. في حالة «القنطور» المنعدم الدلالة
(حرفيًّا)، يبدو توظيف اختيار الإشارة مرتبطًا
بوضوحٍ بتعلُّم هذه الدلالة نفسها.
لكن استخدام اختيار الإشارة لا يقتصر على
القناطير أو الأطفال. كثيرًا ما يُطلب من الطفل
تحديد الأشجار والكلاب والسيارات، مثلًا، في
الكتب والمجلات المصورة. وفي تسميتنا المعتادة
لصورة رجل «رجلًا» (وليس صورة رجل)، نستخدم
مصطلح «رجل» ليس للإشارة إلى رجل بل صورة، ونحن
هنا نستخدم المصطلح ليس لِمَا يدل عليه ولكن
لِمَا يُشير إلى ذلك المصدر. وقد حذَّرَنا
علماءُ المنطق بحماسٍ شديد من خلط الاستخدام
بالإشارة حتى إننا نتغاضى عن هذا التوظيف
للمصطلحات في التعليم الفعلي وفيما يتبعه من
ممارسة لغوية. ويمكن القول بأن الاستخدامات
الدلالية واختيار الإشارة مترابطة بشكل حميم،
حتى إن أحدها يوجِّه أحيانًا تعليم الآخر
والعكس بالعكس، وهي عملية تُشبه في أهميتها
طُرق نقل الظواهر المميزة للاستعارة.
تأمَّل العلاقة بين كلمة «رجل» وصور رجل؛ لا
تُستخدم الكلمة فقط لاختيار الرجال لكنها
تُستخدم أيضًا لتصنيف صور الرجال. تدل «رجل»
حرفيًّا على الرجال وتدل «صورة رجل» حرفيًّا
على صور الرجل، لكن «رجل» تُنقَل أيضًا وتطبَّق
باختيارٍ للإشارة على صور الرجل. إذا برع شخص
في الاستخدام التقليدي لمصطلح «رجل»، يُتوقَّع
منه بشكل طبيعي أن يطبِّقه بشكل صحيح ليس فقط
للإشارة إلى الرجال ولكن أيضًا في فرز صور
الرجال، وأجزاء من جسم الرجل في مثل تلك الصور؛
أي إن العادات التي تحكم استخدام الشخص لنماذج
«الرجل» في التطبيق على الرجال تفترض لتوجِّه
تطبيقه لمثل هذه النماذج (وربما يوجِّهها هذا
التطبيق) على إشارات الرجل.
٣٣
عائدين الآن إلى ريموند وجورج، لا يكمن
الاختلاف في معنى نماذجهما الخاصة «ألجرنون» في
امتداداتها الأولية، لكن في تطبيقاتها لاختيار
الإشارة × أي إن
A1 يختار إشارة
الامتداد K2
وA2 يختار
إشارة الامتداد
K2. بافتراض
وجود جزء من رواية جونز أو بورتريه مناسب
لبطله، نسأل إن كان ريموند أو جورج مستعدًّا
لاستخدام نموذج «ألجرنون» له بطريقة نقل اختيار
الإشارة. وتردُّدنا فيما يتعلَّق بمقطع «لينوس»
بشكل مماثل، تردُّد بشأن ما تختار الأوصاف أو
الصور أو الأشكال الأخرى بمكوِّنها لنموذج
«لينوس». نسأل عن أية إشارات جعلت عادات المؤلف
تقوده، أو يمكن أن تقوده، إلى الإشارة باستخدام
هذا النموذج أو نُسخ مناسبة لهذا المصدر.
ويماثل هذا أيضًا نماذجنا غير القابلة للتقسيم،
نماذج «القنطور الأخضر»؛ رغم خلوها من الالتباس
الأولي، قد تختلف في اختيار ما تشير
إليه.
وهكذا تُعاد صياغة التباس المركَّب
الاشتقاقي، الذي قُدم في البداية بوصفه جزءًا
من الالتباس الأولي للامتداد الثانوي (أي
للمركبات)، بوصفه تنوعًا في اختيار الإشارة
يميِّز النماذج الأصلية نفسها. ونرى أن النسخ
المتطابقة قد تختلف في اختيار الإشارة رغم
تعذُّر التمييز بينها تركيبيًّا؛ ويمكن أن
نخمِّن أن نسخةً ما، وليس أخرى، ترتبط في
اختيار الإشارة بامتداد خاص لمركَّب ملتبس في
تفسيرنا. قد تختلف إذن نسخة غير مركَّبة في
المعنى عن أخرى لها الامتداد الأساسي ذاته، من
خلال الاختلاف في اختياره للإشارة. وإذا قيل إن
تصوُّر التباس المركَّب الاشتقاقي لا يزال
يعتمد على مفهوم
المركبات المتباعدة امتداديًّا
لتفسيره، لا
يفترض أن يشترك في التصور أو تفسيره منتجو
النسخ المتطابقة التي نُعنى بتأويلها. قد نُصدر
حكمنا بالمركَّبات المتوفرة لنا؛ ولا نحتاج
أيضًا إلى أن ننسب المعرفة بهذه المركَّبات أو
استخدامها للمستخدمين الذين طرحنا نسخهم
المتطابقة. لكننا قد نستنتج أن التباعد
الامتدادي الذي تمثِّله تلك المركبات يتدفق
داخليًّا ليميِّز معاني النسخ المتطابقة المكوِّنة.
٣٤