(١) ما ليس التباسًا
تحتاج المشكلة إلى تفكير دقيق؛ لأن وصف الصور
بالالتباس مرن جدًّا بدرجة لا تجعله مجال
اهتمام نظري. الصورة التي تمثل شيئًا غير
مألوف، أو بعيد الاحتمال، أو خياليًّا، أو
مستحيلًا، قد تُدهِش شخصًا أو تفاجئه لكن ذلك
لا يعني أنها ملتبسة بالضرورة أكثر من أي تمثيل
مناظر بالكلمات. وهذا الوصف ليس مجرد تعميم أو
إبهام يختلط بالالتباس. صورة نقار الخشب في
سلسلة كتب باترسون
٣ بعنوان «دليل الحقل للطيور شرق
جبال روكي» تصنع إشارةً عامة لنقاري الخشب،
لكنها مع ذلك ليست ملتبسة.
٤ وصورة الحسون ليست ملتبسةً حين
يتردَّد المرء بشأن إن كان الطائر الذي في
الجدول حسونًا أم لا.
يتجاوز عادةً الاستخدامُ اليومي لمصطلح
«ملتبس» هذه النقاط الدقيقة، سواء فيما يتعلَّق
بالصور أو الكلمات. ومن المعروف جيدًا أن
الالتباس اللغوي كثيرًا ما يختلط بالإبهام أو
التعميم في الحديث العادي. وبينما من الصعب
اعتبار وصف حالات مستحيلة فيزيائيًّا، مثلًا،
«ماء يتدفق إلى أعلى» ملتبسًا، فإن صورًا لتلك
الحالات كثيرًا ما تُعتبر ملتبسة، كما شهدت
لوحة «الشلال
Waterfall»،
طباعةً على حجر لإشر،
٥ وفيها يرسم ماءً يتساقط من ارتفاع
ليُدير ساقية، ثم يتدفق صاعدًا إلى ارتفاعه الأصلي.
٦ إن عدم وجود مسار للماء يُجيب على
مثل هذه الصورة لا يتضمَّن أن هناك تردُّدًا
بين دلالة وأخرى. لا تدل صورة حورية الماء،
التي تشبه التعبير «نصف امرأة نصف سمكة»، على
شيء، وليست أكثر التباسًا من التعبير.
يمكن الاعتراض بأن هناك تضاربًا بين التوقعات
تولِّده صورة حورية الماء، يثير كل نصف توقعات
ينتهكها الآخر، لكن في مثل هذا التضارب لا توجد
بذرة التباس. قد تكون الصورة واضحةً تمامًا في
طريقة رسمها، وهي في الحقيقة واضحة بما يكفي
للحكم عليها بأنها منعدمة دلاليًّا. بشكل
مماثل، أي تصريح في شكل
«p وليس
p» يمكن أن
يقال إنه يولِّد توقعات متضاربة، كل نصف ينتهك
التوقعات التي يثيرها النصف الآخر. لكن هذا لا
يعني أن التعبير ملتبس؛ إنه في الحقيقة واضح
بما يكفي لأن يكون زائفًا بوضوح.
(٢) الالتباس والتردد
يتكوَّن الالتباس الأولي
(E-ambiguity)
elementary في
تنوُّع امتدادي عبر نسخ متطابقة، قد تكون كل
منها محددةً بشكل كامل في تطبيقها. وهكذا، على
سبيل المثال، أنتج نقشان ﻟ «الآن» في وقتين
مختلفين نسختين متطابقتين مترابطتين لكنهما
متباعدتان امتداديًّا، ومن ثم ملتبستان
التباسًا أوليًّا في علاقة كل منهما بالأخرى،
ولا تقدِّم أي منهما مشكلةً تفسيرية.
٧ اشتقاقيًّا، يمكن اعتبار كل نسخة
من «الآن» ملتبسةً التباسًا أوليًّا (بشكل
قاطع) في كونها ملتبسة التباسًا أوليًّا في
علاقتها بالأخرى، رغم أن أيًّا منهما لا تُحدث
أي تردُّد. وفي المقابل، يمكن حقًّا أن يؤثِّر
التردد على نموذج مفرد، محصور بين قراءات
متنافسة، كل منها تنافَس ليقع عليها الاختيار،
تفسيرًا وحيدًا. هنا لدينا التباس تفسيري
I-ambiguity
يتضمَّن تأرجحًا أو ترددًا تفسيريًّا، وليس
مجرد تضارب للتوقعات بين الأجزاء.
٨
من الواضح الآن أن الالتباس الأولي يتعذَّر
تطبيقه على الصور؛ حيث إن الصور ليس لها نظام
هجائي وبالتالي فهي لا ترتبط بنُسخ متطابقة.
لكننا قد نعتقد أن من المعقول أن نمد مفهوم
الالتباس التفسيري للصور القابلة لتفسيرات
متنافسة. إن توليد أجزاء الصورة لتوقعات
متضاربة لا يتضمَّن أن مثل هذا التذبذب أو
التردد يؤثِّر عليها أو على أجزائها؛ إن مثل
هذا التضارب الداخلي قد يحسم تفسير الكل، كما
رأينا. ومع ذلك، في حالات الالتباس التفسيري
يبقى الوصف أو الصورة معلَّقًا بين تفسيرات
متضاربة، كلٌّ منها يقدِّم فهما جيدًا إلى أقصى
حدٍّ في سياقه.
وينبغي، بالمناسبة، إضافة أن مشكلتنا الحالية
تهتم بالصور بشكل خاص؛ أي بالتمثيل الذي يعمل
في ظل فرضيات تفسيرية، بصرف النظر عن شكلها أو
نهجها. مثل هذه التقاليد تُفيد في استبعاد بعض
التفسيرات باعتبارها خطأً، حتى إذا سمحت، كما
في الحالات الملتبسة تفسيريًّا، ببقاء تفسيرات
متنافسة. رغم أن بقع رورشاخ
٩ تولِّد تفسيرات مختلفةً ممن يُطلَب
منهم تفسيرها، من الصعب على هذا الأساس
اعتبارها ملتبسةً تصويريًّا؛ حيث إنه لا يوجد
من التفسيرات التي تُطرح تفسير مستحيل. إن بقع
الحبر، بوصفها أدواتٍ تشخيصية، تتقبَّل أي
تفسيرات وكلَّ التفسيرات التي توضع لها.
الآن، إن مد المفهوم
العام للالتباس التفسيري (أي
التنافس التفسيري) من اللغة إلى الصورة أمر؛
ومد تحليل ذلك المفهوم أيضًا أمر مختلف تمامًا.
ولأن الالتباس التفسيري يتضمَّن الالتباس
الأولي، فإن التردد بشأن النموذج يتدفق من تنوع
نوعه؛ أي من تنوع الامتداد ضمن نُسَخه
المتطابقة. وهكذا، بالنسبة لنموذج
x ملتبس
تفسيريًّا بتفسيرين متنافسين، يُعتبر كل تفسير
x متماثل في
الأبعاد مع نسخة ما من نسختيه المتباعدتين
z
وy، بالترتيب.
ومرةً أخرى، مثل هذا التعليق غير متوفر للصورة
الملتبسة؛ حيث إنها ليس لها نُسَخ متطابقة،
متباعدة أو سواها.
ومع ذلك، يمكن وضع تطبيق لامتداد التحليل
المطروح؛ أي ابتكار علاقة أكثر مرونة ممَّا قد
يقوم به النَّسْخ لربط الصورة الملتبسة بأخرى
متباعدة بشكل تبادلي. إن التقاليد الفعَّالة
للتصوير، بصرف النظر عن حقيقتها عامةٌ في
منظورها. إنها تربط الصورة بالصور الأخرى التي
رآها المرء. بالإضافة إلى ذلك، بالاتحاد مع
المفاتيح السياقية، يُتوقَّع، أحيانًا، أن تدعم
التفسيرات المتضاربة للصورة نفسها.
تُرشدك هذه التقاليد الخاصة بالتصوير، مثلًا،
في قراءة خريطة شارعي الوعر، لكنني تركت الأمر
غامضًا بشأن ما إن كانت الدائرة، التي تحدِّد
أين يجب أن تلف، تشير إلى النور الأحمر أو
الأصفر الوامض — رغم أنه من الواضح أنه ينبغي
أن تكون إحداهما، وكانت الخرائط المماثلة التي
قدَّمتُها لك في أحيان أخرى استخدمَتِ الدائرة
أحيانًا للنور الأحمر وحده، وأحيانًا أيضًا
للأصفر. وقد تمثِّل حدودُ شكلٍ إنساني في صورة
شخصًا أو سقوطًا لظل على حائط؛ ويمكن تفسير
الصورة بالطريقة نفسها بصرف النظر عن الطريقة
التي تتبعها تقاليد التفسير بوصفها تقاليد
فعالة في سياقٍ ما.
بالإضافة إلى ذلك يتطلَّب عادةً التباس
X، بوصفه
مميزًا عن إبهام نقش كلمة
x، ومشتملًا
على مجرد التردد في قابليته للتطبيق في حالات
معينة، أن يكون مُرْضيًا إلى أقصى حدٍّ رغم
توفر الحلول المتضاربة لمثل هذا التردد، التي
يرتبط كل منها بنُسَخ متباعدة
z
وy. وبشكل
مماثل، لا يتضمَّن مجرد التردد بشأن قابلية
تطبيق الصورة أنها ملتبسة، لكنه يتضمَّن نوعًا
من الإبهام. وبالإضافة إلى ذلك، لتكون الصورة
ملتبسة، نحتاج إلى حلول للتردُّد مُرْضيةٍ إلى
أقصى حد، حلول رغم تضاربها، كل منها قابل
للارتباط بصور أخرى غير تلك الصورة
المطروحة.
كثيرًا ما يتذبذب المتفرِّج بين تلك
التفسيرات المتضاربة، مجرِّبًا هذا حينًا، وذاك
حينًا، محاوِلًا الاستقرار على تفسير. وحيث
يكون تفسيرًا مفردًا التفسيرُ الصحيح، قد ينتهي
التردد المطروح؛ أحيانًا، بتوسيع السياق
الأصلي، واستدعاء معلومات جديدة. وهكذا تكون
حالات من هذا النوع مماثلةً لالتباس التفسير في
حالة اللغة؛ حيث يمكن حل تضارب التفسيرات فقط
بالاختيار بينها. وأناقش، فيما بعد، المعنى
المتعدد (التباس المعنى
M-ambiguity)؛ حيث
تكمن المشكلة في كيفية المُواءمة في الوقت ذاته
بين تفسيرات متنافسة وليس الاختيار بينها.
١٠ لكننا نحتاج بدايةً إلى مواجهة
مشكلة جديدة.
(٣) ما وراء الامتدادات: التعليق
والإيضاح
تمَّت مناقشة التباس الصورة حتى الآن فيما
يتعلَّق بالتفسيرات المتضاربة، مفهومة
امتداديًّا. لكن الصور قد تكون ملتبسةً حتى لو
كانت التفسيرات المتضاربة المطروحة متماثلة
الامتداد. إذا كانت هناك صورة لقنطور أو هرميس،
من الصعب امتداديًّا فهم التردد بين هذه
التفسيرات المتنافسة؛ لأن الصورة الخاضعة
للتفسير لا تدل على شيء.
من المتصوَّر أن الالتباس، في بعض الحالات،
قد يُلقَى على
جزء من الصورة، يكون هو نفسه
متردِّدًا بين امتدادات مختلفة. وهكذا، في
مثالنا السابق، قد يكون الجزء الحاسم في الصورة
متردِّدًا بين الدلالة على قرن حيوان أو أذن
حيوان. ويمكن لهذه الحالات أن تساوي النماذج
المسندة المركَّبة بالمكونات الملتبسة
تفسيريًّا؛ حيث يكون امتداد هذه المكونات، وليس
المركبات نفسها، في خطر.
١١ وهكذا قد يتعرَّض، مثلًا، نموذج
«قنطور أخضر» معين لقراءات امتدادية متنافسة؛
أي بوصفه يدل على أشياء معينة ملونة، أو يدل،
بالأحرى، على أشياء عديمة الخبرة. وبمد هذه
الفكرة العامة إلى الصور، يمكن أن نعتبر أن
الالتباس التصويري يشمل حالات تتردَّد فيها
أجزاء الصورة امتداديًّا، حتى لو لم يتأثر
امتداد الكل. لكنها أكثر بكثير من أن نتوقَّع
أن يكون في كل حالة من هذا النوع الذي يهمنا
مثل تلك الأجزاء المترددة. وعلينا أن نبحث عن
تعليل للالتباس التصويري لا يعتمد على امتدادات
متضاربة، سواءً للكل أو لأجزائه.
ومن الجدير بالملاحظة أن المشكلة لا تعتمد
على امتدادات منعدمة لكنها تعتمد بالأحرى على
تماثل الامتداد، الذي يقدَّم له المثال السابق
عن الصورة المنعدمة إيضاحًا تقليديًّا. بتأمل
مكعب نيكر أكثر — وتحديدًا صورة مكعب نيكر —
التي تُعتبر ملتبسةً على نطاق واسع.
١٢ يمكن أن تؤخذ هذه الصورة، ولنفترض
أنها صورة مكعب شفاف لرسم المكعب كما يُرى من
أعلى أو كما يُرى من أسفل. وعلى أية حالة، يمكن
فهم أن الصورة تدل على مكعبات (شفافة) بشكل
عام، وبافتراض مثل هذا الفهم، تكون التفسيرات
المتنافسة متماثلة الامتداد بوضوح. ولا يبدو
لصق الالتباس المفترض في أي جزء أمرًا سهلًا.
وهكذا تكون الدلالة ثابتةً والتفسير مختلفًا.
في تفسير ما، تدل على مكعبات وهي صورة لمكعب
يُرى من أعلى، بينما، في تفسير آخر، تكون صورة
لمكعب يُرى من أسفل. ما يتذبذب هنا ليس دلالة
الصورة بل تصويرنا لها، ليس امتدادها بل
بالأحرى لنوعها.
كل من هذا التصوير يربط في الواقع الصورة محل
التساؤل بالصور الأخرى، والصور التي يصنِّفها
تصوير تختلف، عمومًا، عن تلك الصور التي يصنفها
الآخر. لكن النقطة الجوهرية هي أن لدينا هنا
مصدرًا آخر للالتباس غير امتداد الصورة أو
دلالتها. إننا نتعامل في هذه الحالة مع نوعها؛
أي مع
وصفها أو
تصويرها، أو بشكل بديل، مع
طريقة
عنونتها. لنقول إننا لا نستطيع أن
نقرِّر إن كنا ندعو شيئًا ما «صورة هرميس» أم
«صورة قنطور» يعني أن نصوغ المسألة من حيث
الوصف أو التصوير؛ والسؤال هنا ليس عمَّا تدل
عليه الصورة، لكنه بالأحرى، عمَّا إذا كان يدل
عليها هي نفسها أو يصوِّرها مسند آخر من هذه
المسندات المركبة. لنقول إننا لا نستطيع أن
نقرِّر إن كنا نسمي الصورة «هرميسًا» أم
«قنطورًا» يعني أن نشير بالأحرى إلى طريقة
عنونتها؛ لأن هذين الاسمين الأخيرين، رغم
مواءمتهما كعنوانين، لا يدلان على شيء. إنهما
يختاران الإشارة
إلى الصور أو الرموز الأخرى التي
يناسبانها باعتبارها عناوين.
١٣ وبشكل مماثل، قد يكون «مكعب يُرى
من أسفل» و«مكعب يُرى من أعلى» بمثابة عنوانين
متنافسين لصورة المكعب، قد نتأرجح بينهما.
لكنهما (على عكس «صورة لمكعب يُرى من أسفل»
و«صورة لمكعب يُرى من أعلى») لا
يدلان على الصورة، التي
ليست مكعبًا.
هناك مزية للتعبير عن المسألة فيما يتعلَّق
بالعنونة أو، بشكل أكثر عمومية، باختيار الإشارة بدلًا
من التصوير.
لأن الالتباس خاصية من خصائص الرموز تؤثر على
إشارتها؛ أي أسلوبها في الإشارة، يبدو أمر غريب
في اعتبار صورة ملتبسة ليس على أساس إشارتها بل
على أساس إشارة رموز أخرى إليها. يقال، مثلًا، إن القول
بالانتماء إلى دلالة مصطلح، مثلًا «صورة
هرميس»، ليس شيئًا يميِّز الإشارة الخاصة
للصورة. لكن حالة اختيار الإشارة مختلفة؛ لأنه
إذا كان الرمز
x يختار
الإشارة إلى رمز آخر
y، يكون العكس
صحيحًا أيضًا. وهكذا، إن القول بأن رمزًا (صورة
مكعب، مثلًا) اختارته بعض الرموز الأخرى
(مثلًا، «مكعب يُرى من أعلى» و«مكعب يُرى من
أسفل») للإشارة إليه يخبرنا بشيء ما عن الوظيفة
المرجعية الخاصة للرمز (أي، رمز صورة
المكعب).
إن اختيار الإشارة عام تمامًا بوصفه علاقةً
بين رموز متنوعة. لا يختار مصطلح «رجل» الإشارة
إلى صورة رجل فقط ولكن إلى أوصاف رجل أيضًا،
على سبيل المثال كلمة «رجل»؛ وتختار صور رجل
الإشارة إلى أوصاف الرجل وأيضًا صور رجال
آخرين. وهكذا يكون مصطلح «اختيار الإشارة» أوسع
من المصطلح العامي «عنونة» الذي طُرح من قبل؛
حيث إن كلمةً قد تصلح عنوانًا لصورة، لكن صورةً
قد لا تصلح عنوانًا لكلمة. إذا بحثنا عن مصطلح
أضيق ليعمل بشكل مخالف لمصطلح «عنونة»، قد
نستخدم «إيضاح»، وكل منهما علاقة فرعية لاختيار
الإشارة. وهكذا يوضح العنوان الصورة التي يختار
الإشارة إليها. ويختار رسم تخطيطي لمضخة في
معجم أو موسوعة الإشارة إلى مادة الكلمة
«مضخة»، وتختار الإشارة إلى الرسم بالكلمة،
تأتي عنوانًا له، ويوضِّحها. وعلينا أن نحرص
على عدم خلط الإيضاح، مصورًا بهذا الشكل، ﺑ
«
تلبية
الهدف» أو ﺑ «
ضرب الأمثلة» بمصطلح جودمان. لا
يلبي الرسم التخطيطي لمضخة؛ لأنه ليس مضخة، هدف
المسند «مضخة» لكنه يوضِّحه فقط. والرسم
التخطيطي، من باب أولى، ليس مثالًا ﻟ «مضخة»،
ولا يلبي الهدف فقط، لكنه لا يشير إليها أيضًا.
١٤
التردُّد بشأن إن كانت [كلمة] «هرميس» أو
«قنطور» عنوانًا لصورة يعني، إذن، أن هناك
ترددًا بشأن إن كانت الصورة توضِّح «هرميسًا»
أو «قنطورًا». ولا يرتبط هذا الالتباس الذي
يؤثر على مرجعية الصورة بما تدل عليه، بالطبع،
لكنه يرتبط بما توضِّحه أو، بشكل أعم، بما
يُختار للإشارة إليه. إن التردد بشأن العنوان
هو بالتالي تردد مع التردد بشأن الصورة؛ إنه ذو
حدين.
قد يقال شيء مماثل عن الإبهام. إذا لم أستطع
أن أقرر إن كان عنوان صورة مخلوق يشبه قطًّا
بريش «قطًّا» أم لا، لا أستطيع بالقدر نفسه أن
أقرر إن كانت الصورة توضح «قطًّا» أم لا.
الإبهام متبادَل ولا يكمن في العنوان وحده.
التردد هنا هو بشأن ربط العنوان («قط») بالصورة
أم لا — نستخدمه له أو نحجبه عنه — في مقابل
حالات الالتباس التي كنا نناقشها؛ حيث كان
التردد بشأن استخدام عنوان («هرميس») بدلًا من
آخر («قنطور») للصورة. ومع ذلك، سواء كان
التردد نتيجة إبهام أو التباس، لا يؤثر على
العنوان فقط، لكنه يؤثر على الصورة
أيضًا.
(٤) تعدد المعنى
ناقشنا حالات التردد مفترضين صحة تفسير وحيد،
لكن من الصعب معالجة صورة مكعب نيكر بهذه
الطريقة. يبدو أنها تحمل التفسيرين المتنافسين
كليهما. صورة البطة-الأرنب تماثلها بهذا الشأن.
١٥ التذبذب بين التفسيرات المتنافسة
في هاتين الحالتين دائم؛ أي إن التنافس لا يحل
لصالح تفسير ما، لكنه يروض — أي يُعتبَر جزءًا
من وظيفة الرمز المطروح. ويشمل الالتباس هنا في
الوقت ذاته تعدد المعاني وليس التردد بين معنًى
وآخر.
صورة البطة-الأرنب
(D-R) ليست
صورة بطة وأرنب أو صورة بطة أو أرنب. على عكس
المثال الأول، لا يمكن تحليلها بأنها تحتوي
جزءًا من صورة بطة وجزءًا من صورة أرنب. وعلى
عكس الأخير، إنها لا ترحِّب عادةً بكل بطة
وأرنب في مرجعيتها بدلًا من أن تقبل البط فقط
أو الأرانب فقط. إنها تتذبذب — يبدو حينًا أنها
تقبل البط وتستبعد الأرانب، ويبدو العكس
أحيانًا. تقول لكل بطة ولكل أرنب نعم ولا
أيضًا.
ليست صورة البطة-الأرنب صورة بطة أو صورة
أرنب، لكننا لا نستطيع أن نقرِّر أية صورة هي.
إننا نُغرَى بالقول إنها صورة بطة (ككل)، تدل
على كل البط وعليه فقط، وأيضًا صورة أرنب
(ككل)، تدل على كل الأرانب وعليها فقط، وطول
الوقت نعرف تمامًا أنها لا هذه ولا تلك،
واعتبارها الاثنتين، بالإضافة إلى ذلك، تناقض
ذاتي.
ويمكن طرح فرضية التعدد المتزامن للمعاني على
النحو التالي: حيث إن المرء لا يستطيع أن يرى
صورة البطة-الأرنب صورة بطة و
صورة أرنب في الوقت
ذاته، علينا هنا التعامل مع تذبذب بين المعاني
وليس تعددًا متزامنًا لها؛ ويمكن، بالإضافة إلى
ذلك، معالجة مثل هذا التذبذب بتشريح الزمن؛ أي
بتمييز إشارات الأجزاء الزمنية للصورة.
وبالتالي يمكن، مثلًا، حل الالتباس الظاهر
ليافطة محمولة «ممنوع الانتظار هنا»، بنسبة
الإشارات المختلفة لكل شريحة زمنية مع موضع مختلف.
١٦
لكن هناك أسبابًا متنوعة تعمل ضد هذا المسار
في الشاهد الحالي؛ أولًا، إذا اعتبرنا حقائق
تذبذب الإدراك حاسمةً في السؤال المطروح
أمامنا، يمكن إثبات أن تشريح الزمن نفسه غير
كافٍ؛ لأن، على عكس يافطة «ممنوع الانتظار
هنا»، الإشارة التي تحدِّد التغيرات مع كل تغير
في الموضع ثابتة في كلِّ موضع عبر المراقبين،
ويمكن أن تحمل صورة البطة-الأرنب إشاراتٍ
متناقضة في كل لحظة ممَّا يجعل المراقبين
المختلفين يرونها بشكل مختلف. ويمكن أن يتطلَّب
الأمر أن تكون الإشارة نسبيةً ليس فقط بالنسبة
للزمن ولكن أيضًا بالنسبة للمراقب، وهذا ما
يحدث بالنسبة للتعقيد الذي يمكن أن يكون
التعامل معه عسيرًا.
ثانيًا، تذبذب إدراك صورة البطة-الأرنب جزء
من وظيفتها بطريقة تختلف عن الإشارة المتغيرة
ليافطة «ممنوع الانتظار هنا». تعمل اليافطة
بشكل جيد تمامًا حتى لو لم تُزَل أبدًا، وقد
أفهم وظيفتها بشكل جيد تمامًا في هذه الحالة.
لكنني لو لم أرَ قط صورة البطة-الأرنب
باعتبارها صورة بطة لكن فقط باعتبارها صورة
أرنب، يمكن ألَّا أفهم النقطة الحاسمة في
وظيفتها.
ثالثًا، صورة البطة-الأرنب تشبه كثيرًا، في
هذا، تورية مكتوبة، تفسيرات متضاربة قد تتذبذب
في العقل بشكل مختلف بالنسبة للقراء المختلفين.
هنا، لا نقول إن كل شريحة زمنية للتورية تحمل
معنًى ما بالنسبة لكل قارئ في وقت محدَّد
يُضمِر فيه كل منهم المعنى المطروح. إننا،
نستخلص من التواريخ المختلفة للقُراء التي
توضِّح نقطةً حينًا، وأخرى حينًا، وتتناول
التورية الثابتة وهي تحمل معانيها المتضاربة في
الوقت ذاته. ويمكن تعميم القضية لتشمل التورية
بالإضافة إلى النصوص التي تشيد بوصفها أعمالًا
ثابتة بتفسيرات متعددة ومتضاربة. وهكذا يُنظر
إلى صورة البطة-الأرنب هنا باعتبارها تنقُل
معنيين متضاربين في الوقت ذاته، ولا تتمثَّل
القضية في اعتبار أحدهما وحده صحيحًا، لكن في
فهم الاثنين والحفاظ عليهما.
تقدِّم التورية الملتبسة المعنى أمثلةً واضحة
للظاهرة العامة لتعدُّد المعنى.
١٧ يتمثل تحدي النموذج الملتبس المعنى
في التهديد بالتضارب. إذا افترضنا أن للنموذج
x في إطار
الجملة
F
امتدادين مختلفين، ينتمي موضوع لامتداد ولا
ينتمي لآخر، ومن ثم يدل
x على الاثنين
ولا يدل عليهما. قد نفسر النموذج
x بأنه ليس له
امتداد خاص به، وهكذا يتفادى تهديد التضارب؛
لكن حيث إنه ينسخ نموذجين متباعدين امتداديًّا
z
و
y، يتحدان
بالتتابع في
F
إطار
x،
ويُنتجان جملتين محتملتين مختلفتين، فإنه ينجح
في هذا المعنى المزدوج. لا يمكن مد هذه
الاستراتيجية لتفسير صورة البطة-الأرنب، بقدر
اعتمادها على النَّسْخ، وهو غير متوفر للصور
كما يتمثل في اللغات.
لكن ربما يُقترَح أن تقوم هنا علاقة أكثر
مرونةً من النَّسْخ بتأثير مماثل، كما في
الحالة التي ناقشناها من قبلُ عن صورة يمكن
تفسيرها بطرق مختلفة في ظل تقاليد فعالة
للتصوير. ويمكن إذن أن نقول، مثلًا، إن النصف
الأيمن من صورة البطة-الأرنب يرتبط بصور أخرى
رآها المرء لأذن الأرانب وترتبط بقدر مساوٍ
بصور أخرى رآها المرء لمناقير البط. ويمكن إذن
اعتبار أن النصف الأيمن من صورة البطة-الأرنب
ليس له امتداد خاص، لكن يمكن رؤية أنه ينقل
معنيين بارتباطه، كما وُصِف، لصور لها امتداد
مختلف.
تتمثل صعوبة هذه الفكرة في أن المفهوم
المطلوب للصورة المحتملة يمكن ألَّا يطبَّق
بشكل مماثل على مفهوم الجملة المحتملة؛ لأنه،
على عكس الجملة المحتملة، حيث يحتاج
z فقط أن يكون
نسخةً متطابقة من
x ليتحد مع
F، إطار
x، لتكوين مثل
هذه الجملة — يبدو كل ما سوى ذلك غير مناسب،
ومن ثم، مجرد موضع نسبي خطأ يعوق التكوين
الفعلي للجملة — ولا يمكن قول الشيء نفسه على
صورة أذن أرنب ترتبط بمرونة بصورة
البطة-الأرنب. وقد يتطلَّب الأمر، مثلًا،
بالإضافة إلى ذلك أن تكون بحجم وشكل مناسبين
لتكوِّن صورة بالاتحاد مع النصف الأيسر من صورة
البطة-الأرنب. ولا يمكن تقديم تفسير لصورة
البطة-الأرنب بالاعتماد على توفر مثل هذه الصور
المترابطة بشكل مناسب تمامًا.
يمكن اقتراح فكرة إمكانية الاكتمال باعتبارها
تقدِّم تفسيرًا واعدًا بشكل أكبر. إن صورة
البطة-الأرنب، اذا اعتبرناها صورة بطة أو صورة
أرنب، صورة رأس حيوان، دون جسد. وهكذا فهي
قابلة للاكتمال بطرق بديلة، بحيث تشكِّل صورة
بطة أو صورة أرنب. لنفترضْ، إذن، أننا أخذنا
صورة البطة-الأرنب، مكمَّلةً بمنطقة سفلية
مشكَّلةً بصورة مناسبة، لتكوِّن صورةً محتملة
لبطة، بينما نأخذ صورة البطة-الأرنب، مكمَّلةً
بمنطقة أخرى، لتكوِّن صورةً محتملة لأرنب.
نفسِّر بعد ذلك تعدُّد معنى صورة البطة-الأرنب
على النحو التالي: كجزء من صورة محتملة لبطة،
تدل على رأس بطة، وكجزء من صورة محتملة لأرنب،
تدل على رأس أرنب.
الخطأ القاتل في هذه الفكرة أن إمكانية
الاكتمال تقدِّم تعدُّدًا للمعنى حيثما نظرنا.
يتبيَّن أن أي خط مستقيم قصير مفرد ملتبس
المعنى؛ حيث إنه الجزء المشترك لعدد لا نهائي
من صور محتملة متباعدة. إن صورة البطة-الأرنب،
بالإضافة إلى ذلك، قابلة للاكتمال بطرق لا
تُحصى؛ بحيث تقدم صورًا مختلفة تمامًا عن صور
البطة وصور الأرنب. أخيرًا، إن صورة مكعب نيكر
ليست ناقصةً بطريقة صورة البطة-الأرنب ولا يمكن
تفسيرها، حتى افتراضيًّا، طبقًا لخطوط هذا
الاقتراح.
تشير هذه الصعوبات إلى الحاجة إلى اتجاه
جديد. ربما تكمن المشكلة في أننا كنا نتبع خيوط
اللغة بإحكام شديد، واتخذنا، بشكل خاص، التورية
مثالًا لنا وسعَينا إلى تحديد موضع مختلِف
حوامل الدلالات المتنافسة التي تبدو متضمَّنة.
وانطلاقًا من القسم السابق، نفسِّر الآن تعدُّد
المعنى باختيار الإشارة بدلًا من الدلالة،
ويرتبط المفهومان بشكل أكثر مرونةً ممَّا
افترضنا في البداية.
وهكذا قلت من قبلُ إننا نلجأ إلى قول إن صورة
البطة-الأرنب صورة بطة، تدل على كل البط وعليه
فقط، وصورة أرنب أيضًا، تدل على كل الأرانب
وعليها فقط، ونحن نعرف طوال الوقت أن اعتبارها
الاثنتين ينطوي على تناقض ذاتي. بالطبع؛ حيث
إنه لا توجد بطةٌ أرنب، فإن القول إن صورة
البطة-الأرنب تدل على البط وعليه فقط متضارب مع
دلالتها على الأرانب وعليها فقط. لكن — وهنا
النقطة الحاسمة — القول بأن شيئًا ما صورة بطة
يعني أن نميِّز نوعه؛ وهذا التمييز لا يتضمَّن
أن صورة البطة-الأرنب تدل على كل البط وعليه
فقط. ناقش جودمان، مثلًا، حالة صورة رضيع
تمثِّل، أي تدل على، تشرشل، وأيضًا حالة صورة
تدل على حصان وهو يسقط لتكون صورة حصان؛ حيث
إنها تمثِّل الحصان ببقعة خفيفة عن بعد.
١٨
بمجرد كسر الارتباط بالدلالة، لا يكون هناك
تضارب في افتراض أن صورة البطة-الأرنب صورة بطة
وصورة أرنب. وبتعبير يتعلَّق باختيار الإشارة،
قد نقول إن «البطة» و«الأرنب» كليهما (لكن ليس
البطة والأرنب) عنوانان مناسبان للصورة، التي
توضحهما كليهما، تختار الصورة وكل عنوان
الإشارة إلى بعضهما، رغم أن أي عنوان، بالطبع،
لا يختار الإشارة إلى الآخر. بالنسبة للدلالة
يمكن أن تُقرَّر بشكل مستقل بالنسبة لكل صورة
للبطة-الأرنب: يمكن أن نقرِّر، مثلًا، أنها بلا
دلالة، أو تدل على البط والأرانب معًا، أو أن
لها امتدادًا آخر في سياق ما. إن خاصية صورة
البطة-الأرنب هي أنه حيث إن معظم صور البط وصور
الأرانب تقتصر على عنوان من الاثنين، يوضع لها
العنوانان؛ وبالإضافة إلى ذلك، يتباعد
امتداديًّا، ويختلف أيضًا في مجال اختياره
للإشارة، عن الآخر.
يمكن معالجة صورة مكعب نيكر بشكل مماثل،
«مكعب يُرى من أسفل» و«مكعب يرى من أعلى» كل
منهما بمثابة عنوان مناسب للصورة، بينما يتباعد
امتداديًّا عن الآخر. لا يوجد هنا تردُّد بين
الدلالات المتنافسة (كما لاحظنا من قبل)، لكن
ملاءمة العنوانين المتباعدين للصورة.
وهكذا يتجاوز التباس المعنى، مفهومًا فيما
يتعلَّق باختيار الإشارة، التفسير الامتدادي
للتورية، وقد ناقشناه من قبل. يقدِّم مفهوم
تعدد المعنى،
وفيه يختار رمز معين الإشارة المتزامنة إلى
تعليقات متباعدة، يقدم طريقةً عامة لفهم كيف
يمكن أن يحمل عمل مفرد، في الوقت ذاته، تفسيرات متضاربة.
١٩
أتصور أن جزءًا على الأقل من سحر الأعمال
الملتبسة المعنى ينبثق من شبهة التضارب، الخوف
من (وربما الأمل في) تصدع المنطق. اقترحتُ أن
خلط الدلالة باختيار الإشارة يشكِّل أساس
مجموعة متنوعة من الظواهر التي وصفها علماء
النفس والأنثروبولوجيا، من قبيل نسبة القوى
العلية للكلمات، وسحر الكلمة … إلخ.
٢٠ وربما يثير الخلط المتأصل بعمق
الشعور بأن مصطلحات بدلالات متميزة لا يمكن،
منطقيًّا، أن تختار الإشارة إلى الرموز نفسها،
أن صورة، على سبيل المثال، لا يمكن أن تمثل في
وقت واحد عناوين متباعدة. ورغم ذلك، حين يبدو
أن صورةً تفعل ذلك، يتداعى المنطق، وتكون
النتيجة ساحرة.
ينبغي إضافة كلمة أخيرة هنا تتعلَّق بظاهرة
الاستعارة التصويرية؛ حيث إن الاستعارة في
اللغة نوع من الالتباس، نموذج استعاري يفسَّر
في ضوء نسخة متطابقة سابقة ملتبسة، من الواضح
أن الاستعارة التصويرية تتطلب معالجةً مختلفة.
لا يمكن أن ننقل ببساطة التحليل اللغوي إلى
حالة تصويرية؛ حيث إن مفهوم النسخة المتطابقة،
كما رأينا، لا يوجد هنا. لكن يُفترض في حالات
الاستعارة التصويرية أن الصورة المطروحة يمكن
أن «تُقرأ» حرفيًّا واستعاريًّا أيضًا. كيف
نفسر هذا الموقف؟
هنا صورة جمجمة، تشير الصورة استعاريًّا إلى
الموت. الصورة حرفيًّا صورة جمجمة لكنها، بشكل
استعاري فقط، صورة موت. إنها تحمل العنوان
«جمجمة» حرفيًّا، ممثِّلةً «الجمجمة» حرفيًّا
لكنها تمثل «الموت» استعاريًّا فقط، وتكون
«الجمجمة» نفسها استعارةً للموت. ويمكن لهذا
الوصف، بدوره، أن يفهم على النحو التالي: تحمل
الصورة العنوانين كليهما، «الجمجمة» و«الموت»،
في الوقت ذاته، لتكون ملتبسة المعنى، بعنوان
يمكن تمييزه بوصفه حرفيًّا بالنسبة إلى
الآخر.