يقترح جودمان في كتابه «لغات الفن» مقاربةً عامة
للاستعارة تؤكد على خاصيتها السياقية. أراجع هنا
السمات الأساسية لمعالجته وأقدم بعض التعليقات
النقدية دفاعًا عن نسخة منقَّحة من النزعة
السياقية. وأبدأ بعرضٍ لآراء جودمان.
(١) النزعة السياقية والاستعارة
يقول جودمان إن الاستعارة «مسألة تعليم كلمة
قديمة حيلًا جديدة؛ استخدام لاسم قديم بطريقة جديدة.»
٢ لكن هذا التوصيف، غير كافٍ؛ حيث إن
«كل تطبيق لمسند على حدث جديد أو موضوع حديث
الاكتشاف جديد؛ لكن هذا الإسقاط الروتيني لا
يكوِّن استعارة.» يُقدَّم التوصيف الإضافي على
النحو التالي:
في الإسقاط الروتيني، تستخدم العادةُ اسمًا
لحالة لم تُحسم بالفعل. والاستخدام العشوائي
لمصطلح صيغ حديثًا لا يعوقه بالقدر نفسه قرار
سابق. لكن الاستخدام الاستعاري لاسم على موضوع
يتحدَّى الإنكار السابق الصريح أو الضمني لذلك
الاسم على ذلك الموضوع. حيث توجد استعارة يوجد
تضارب: الصورة حزينة وليست مرحةً حتى رغم أنها
عديمة الإحساس ومن ثم ليست حزينةً وليست مرحة.
لا يكون استخدام المصطلح استعاريًّا إلا إذا
كان محظورًا إلى حدٍّ ما.
٣
ومع ذلك تتطلب الحقيقة الاستعارية، مميزةً عن
الزيف البسيط، أن يكون هناك بالإضافة إلى ذلك
«جذب ومقاومة أيضًا — جذب يتغلَّب على المقاومة.»
٤ إن وصف الصورة بالحزن يعني تقديم
توصيف حقيقي قادر على إبقاء الصراع مع انعدام
إحساس الصورة حيًّا، ويتضمَّن أنها ليست حزينة.
«لا يوجد شيء يمكن أن يكون حزينًا وليس حزينًا
إلا إذا كان لكلمة «حزين» مجالان مختلفان
للتطبيق. إذا كانت الصورة ليست حزينةً
(حرفيًّا) وحزينة (استعاريًّا)، فإن «حزينة»
تُستخدَم أولًا اسمًا لبعض الأشياء أو الأحداث
المناسبة، ثم لبعضها غير المناسب.»
٥ كيف يمكن إذن تمييز الاستعارة من
الالتباس، الذي يتميَّز أيضًا بمجالات مختلفة
من الاستخدام لمصطلح واحد؟
استخدام المصطلح
cape٦ لجزء من الأرض في مناسبة ونوع من
الملابس في أخرى يعني استخدامه في مجالات
مختلفة وحصرية بشكل متبادَل، لكنه ليس
استعاريًّا في أيٍّ من الحالتين. ما وجه
الاختلاف، إذن، بين الاستعارة والالتباس؟ أظن،
أساسًا، في أن الاستخدامات العديدة لمصطلح
ملتبس فحسب متماثلة تاريخيًّا ومستقلة؛ ولا
ينبثق أحدها من الآخر أو يسترشد به. في
الاستعارة، من الناحية الأخرى، مصطلح له امتداد
مستقر بحكم العادة يطبَّق في مكان آخر تحت
تأثير تلك العادة؛ هناك فراق للسابق وإذعان له.
حين يسبق استخدام للمصطلحِ الآخر ويشكله، يكون
الثاني استعاريًّا.
٧
تتطلَّب العملية التي «يوجه» بها استخدامٌ
للمصطلح استخدامًا آخر و«يشكله» تفسيرًا آخر.
يدخل جودمان مفهوم «المخطط» ومفهوم «الواقع».
يتألف المخطط من مجموعة من الأسماء البديلة،
ويتألف العالم من «المواضيع التي يصنفها
المخطط؛ أي من المواضيع التي يدل عليها على
الأقل اسم من الأسماء البديلة.» وتتمثل النقطة
الأساسية في أن الاسم لا يقوم بوظيفته منعزلًا
بل بانتمائه لعائلة. إننا نصنف بمجموعات من
البدائل. حتى ثبات الاستخدام الحرفي نسبي
لمجموعة من الأسماء: ما يعتبر أحمر، مثلًا،
يختلف إلى حد ما اعتمادًا على إن كانت المواضيع
تُصنَّف بوصفها حمراء أو غير حمراء، أو حمراء
أو برتقالية أو صفراء أو خضراء أو زرقاء أو
بنفسجية. إن حقيقة البدائل المعترف بها بالطبع
يحدِّدها بيان أقل ممَّا يحدِّدها عُرف أو سياق.
٨
يقول جودمان إننا نرى عادةً في الاستعارة
تغيُّرًا في عالم الاسم وأيضًا تغيُّرًا في
مجاله أو امتداده. «إن اسمًا مع أسماء أخرى
تكوِّن مخططًا ينفصل في الواقع عن العالم
الرئيسي لذلك المخطط ويُستخدَم لتصنيف عالم
غريب وتنظيمه. تقدم الاستعارة جزئيًّا بهذه
الطريقة حاملةً معها إعادة توجيه لشبكة كاملة
من الأسماء مفاتيح لنشأتها الخاصة وتطورها.»
٩
يتمثَّل الاقتراح المقدَّم هنا في أن
الاستخدام الجديد لاسم استعاري يوجِّهه جزئيًّا
موقعُه في المخطط كله، ويُنقَل هو نفسه بطريقة
تعكس استخدامه السابق: «تُنقَل مجموعة مصطلحات
من الأسماء البديلة، والتنظيم الذي تؤثر به في
العالم الغريب يوجِّهه استخدامها المعتاد في
العالم الأصلي.»
١٠
وبالنسبة لكيفية عمل مثل هذا التوجيه، لا
يقدِّم جودمان تعليقًا عامًّا، لكنه يؤكِّد
حقيقة أن الانتقال الحر لمخطَّط يقدِّم أحكامًا
قاطعة:
قد نطبق بإرادتنا مسندات درجات الحرارة على
الأصوات أو تدرج الألوان أو الشخصيات أو على
درجات الاقتراب من إجابة صحيحة؛ لكن
أي عنصر في العالم
المختار يكون دافئًا أو أدفأ من العناصر الأخرى
يكون محددًا بشكل كبير جدًّا. حتى حيث يُفرَض
المخطط على عالم بعيد الاحتمال ومختلَق، تحدد
الممارسة السابقة تطبيق الأسماء.
١١
ويحدث هذا لمجرد وصف الظاهرة الأساسية التي
تعنينا؛ أي النجاح الذي قد يصاحب الاتصال
الاستعاري. مسلِّمين بأن المخططات المتنقلة
بحرية تقدم أحكامًا قاطعة، تكمن المشكلة في
تفسير الكيفية. وأفسِّر استجابة جودمان لهذه
المشكلة بأنه اقتراح لمقاربة سياقية؛ لأنه
يقاوم بعزم شرط الإجابة العامة، مقدمًا بدلًا
من ذلك إيضاحات لمجموعة عمليات استعارية
متنوعة.
وهكذا يقترح أن التوجيه الذي تقدمه
الاستخدامات السابقة قد لا ينبثق، في بعض
الحالات، من الاستخدام الحرفي للمصطلح المطروح
بل من استخدامه الاستعاري: «ربما، مثلًا، كان
الاستخدام الاستعاري السابق للأرقام (بعدد
الذبذبات في الثانية) هو ما يوجِّه استخدامنا
لكلمة «عالٍ» للأصوات وليس الاستخدام الحرفي
بشكل مباشر طبقًا للارتفاع.»
١٢
وبالإضافة إلى ذلك، يقترح أن التوجيه قد لا
ينبثق فقط من الاستخدامات السابقة للاسم،
حرفيًّا أو استعاريًّا، بل أيضًا من الأمثلة
التي قدَّمها (حرفيًّا أو استعاريًّا). ويشير،
في هذا الصدد، إلى لعبة جومبريتش
١٣ عن «بنج
ping» و«بونج
pong». هدف
اللعبة استخدام هاتين الكلمتين الخاليتين من
المعنى على أزواج من المواضيع، والنتيجة
بالنسبة لكثير من الأزواج محددة بشكل مدهش.
يكتب جومبريتش:
إذا كانت هاتان [الكلمتان] كل ما لدينا
لتسمية فيل وقط، أيهما يكون بنج وأيهما بونج؟
أظن أن الإجابة واضحة. أو حساء ساخن وآيس كريم.
بالنسبة لي، على الأقل، الآيس كريم بنج والحساء
بونج. أو رمبرانت وواتيو؟
١٤ بالتأكيد في هذه الحالة يكون
رمبرانت بونج وواتيو بنج.
١٥
التوجيه المسئول عن الاستجابات المحددة في
هذه الأمثلة لا يمكن أن تنبثق من الدلالة
السابقة للكلمتين المطروحتين؛ حيث إنهما بلا
دلالة على الإطلاق. ويرى جودمان أنهما، رغم
ذلك، قدَّمتا أمثلةً لبعض الخصائص أو المسندات،
وأنهما الآن يحملان دلالة الأخيرة.
لا يعود استخدام هاتين الكلمتين إلى كيفية
استخدامهما لتصنيف الأشياء ولكن إلى الكيفية
التي صُنِّفتا بها — ليس إلى ما تدلان عليه من
قبل بل ما قدمتا له أمثلة من قبل. نستخدم «بنج»
للأشياء السريعة الخفيفة الحادة، و«بونج»
للأشياء البطيئة الثقيلة الفاترة؛ لأن «بنج»
و«بونج» تمثلان هذه الخصائص.
١٦
وحيث إن «بنج» و«بونج» ليسا لهما دلالة سابقة
يمكن، بالطبع، ألَّا تكون هناك استعارة
متضمَّنة في استخدامهما الجديد في اللعبة. لكن
التوجيه بضرب أمثلة في الماضي قد يؤثر أيضًا
على إعادة تعيين اسم دال، وهنا يكون التأثير
استعاريًّا.
ويبقى أن الاقتراحات السابقة لا تفسِّر كل
الحالات أو كل الخصائص المرتبطة بالانتقال
الاستعاري. ربما يساعد هذا التوجيه المنبثق من
استخدام استعاري سابق على تفسير الاستعارة
الحالية (بوصفها شاهدًا موجزًا لهذا
الاستخدام)، لكن من الصعب أن يفسر الاستعارة
السابقة. وقد تلعب الأمثلة دورًا مضيئًا، لكن
في حالة «بنج» و«بونج» على الأقل، تُقترَح
أمثلة استعارية: «بنج» ليست حرفيًّا
خفيفةً وحادة، وليست «بونج» ثقيلةً وفاترة؛
تفترض هذه الحالات استعارات لتفسير استعارات
أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تُفترَض الحالة
الأساسية للتوجيه بالاستخدام الحرفي السابق
لكنها لا تُفسَّر.
مقدمًا لنا جودمان نفسُه تعليقه على التأثير
التوجيهي للأمثلة في الماضي، يواصل كما
يلي:
كثيرًا ما تكون آلية الانتقال أقل شفافية.
لماذا تُستخدم [كلمة] «حزين» لصور وتُستخدم
«مرح» لأخرى؟ ما المقصود بقول إن استخدامًا
استعاريًّا «يوجه» بالاستخدام الحرفي أو «ينسج
على منواله»؟ يمكن أحيانًا أن نستنبط تاريخًا
مقبولًا: الألوان الساخنة ألوان النار،
والألوان الباردة ألوان الثلج. وفي حالات أخرى
لا يكون لدينا إلا أساطير خيالية بديلة. هل
تصادف أن الأرقام أعلى وأدنى لأن الأكوام تعلو
أكثر بوضع مزيد من الحجارة عليها (رغم حقيقة أن
الحُفَر تصبح أدنى بإخراج مزيد من المجارف
الممتلئة)؟ أو أعداد تنقش على جذوع الأشجار من
الأرض إلى أعلى؟ بصرف النظر عن الإجابة، هذه
كلها أسئلة خاصة عن أصل الكلمات.
١٧
اشتقاقية أم لا، تكون مثل هذه «التواريخ
المعقولة» المناسبة لسياقاتها الخاصة أحيانًا
كل ما يقدمه جودمان لتكملة التعليق السابق
الناقص عن العمليات الاستعارية. هل يمكن تقديم
شيء آخر؟ يكتب: «يفترض أننا نُسأَل، بالأحرى،
عن تعليق عام على الكيفية التي يعكس بها
استخدامٌ استعاري لاسمٍ استخدامَه الحرفي.»
ويعترف بوجود «تأملات موحية» في هذا السؤال،
مشيرًا للتوضيح إلى رأي يقول إن مجال الاستخدام
الحرفي لكثير من المصطلحات كان أوسع في البداية
وتم تضييقه، وما يبدو استخدامًا استعاريًّا
جديدًا ليس غالبًا إلا استعادةً لأرض سابقة.
ويستنتج أن هذا الرأي «من الواضح أنه لا يفسر
الاستخدامات الاستعارية لكل المصطلحات أو حتى
معظمها. نادرًا ما تتوفر إمكانية تتبع مغامرات
اسم بالغ إلى حرمان الطفولة.»
١٨
لدينا إذن تعليق ناقص عن مختلِف العمليات
الفعالة في التحول الاستعاري، واقتراح بمختلِف
التواريخ المعقولة، مع التصريح بأن تواريخ أخرى
قد تُنتَج في سياقات خاصة. وأبعد من ذلك، يواصل
جودمان أنه لا توجد نظرية عامة للتوجيه يمكن
تقديمها. وبشكل خاص، لا توجد إجابة عامة يمكن
البحث عنها في مفهوم التشابه.
هل القول بأن صورةً حزينة قول ملتوٍ بأنها
مثل شخص حزين؟ … لكن التشبيه لا يمكن أن يساوي
فقط القول بأن الصورة مثل شخص في سِمة أو أخرى؛
أي شيء مثل أي شيء آخر إلى حدٍّ ما. ما يقوله
التشبيه في الواقع إن الشخص والصورة متشابهان
في أن كلًّا منهما حزين، أحدهما حرفيًّا والآخر
استعاريًّا. وبدلًا من اختزال الاستعارة إلى
تشبيه، يتقلَّص التشبيه إلى استعارة؛ أو يمكن،
بالأحرى، التغاضي عن الفرق بين التشبيه
والاستعارة. سواء كان التعبير «إنه مثل» أو
«إنَّه»،
تشبِّه الصورةُ البلاغية الصورةَ
بشخص بالتقاط سمة مشتركة: ينطبق المسند «حزين»
على الاثنين، وإن يكن على الشخص بدايةً وعلى
الصورة اشتقاقيًّا.
١٩
ألَا يوجد إذن، نوع عام من التشابه بين
الأشياء التي ينطبق عليها مصطلح حرفيًّا
والأشياء التي ينطبق عليها استعاريًّا؟ يقترح
جودمان أن السؤال نفسه يمكن أن يُسأَل عن
الأشياء التي ينطبق عليها مصطلح حرفيًّا. بأية
طريقة تكون كل الأشياء الخضراء (حرفيًّا)،
مثلًا، متشابهة؟
لا يكفي أن تتمتع بخاصية أو أخرى مشتركة؛
ينبغي أن تتمتع بخاصية
معينة مشتركة. لكن أية خاصية؟ من
الواضح أنها الخاصية التي يحددها المسند
المطروح؛ أي إنه ينبغي استخدام المسند لكل
الأشياء التي ينبغي أن يستخدم لها. إن السؤال
عن سبب استخدام المسندات استعاريًّا يشبه إلى
حد بعيد السؤال عن سبب استخدامها حرفيًّا. وإذا
لم تكن لدينا إجابة جيدة في الحالتين، ربما
يكمن السبب في عدم وجود سؤال حقيقي.
٢٠
(٢) ملاحظات عن السياقية
ربما يكون من الجدير بالملاحظة أن استخدام
جودمان ﻟ [كلمة] «استعارة» (كما في قدر كبير من
الأدبيات المرتبطة بالموضوع) يتذبذب بين تفسير
عريض حقًّا، يغطي فيه فعليًّا كل صور الحديث،
وتفسير ضيق، يمثل فيه صورةً تشبه التشبيه إلى
حد بعيد. يغطي المفهوم العام للتحول التخطيطي
تنوعًا واسعًا من التعبيرات المجازية، ويقترح
جودمان تنظيمًا لهذا التنوع في قسم من مناقشته
بعنوان «صيغ الاستعارة.»
٢١ ومن الناحية الأخرى، في نقده
لنظرية الاستعارة بوصفها تشبيهًا ملتويًا، يرفض
اختزال الاستعارة إلى تشبيهٍ لصالح الرأي
القائل (اقتُبس سابقًا) بأنه «يمكن التغاضي عن
الفرق بين التشبيه والاستعارة.» ويستحق
الالتباسُ الاهتمامَ لكنه قد لا يكون ضارًّا
نظريًّا بمجرد ملاحظته. وقد تُعالَج التعبيرات
البلاغية أيضًا بشكل مفيد باعتبارها مجموعةً
تحت عنوان التحول التخطيطي؛ وقد عُزِلتْ تلك
التي تنتمي لمجموعة ذات أسس واضحة للتحول
نسبيًّا، وتحتاج البقية الصعبة جدًّا المرتبطة
بالتشبيه إلى اهتمام خاص وكانت، في الحقيقة،
بؤرةً معظم المناقشات النظرية.
ثمة سؤال أساسي بشأن معالجة جودمان عن الجدل
الذي يقدِّمه ضد اختزال الاستعارة إلى تشبيه.
فيما يتعلق بفكرة أن القول بأن صورةً حزينة
يعني القول بشكل ملتوٍ إنها تشبه شخصًا حزينًا،
يلاحظ جودمان أن التشبيه لا يمكن أن يفهم فقط
على أنه يؤكد أن الصورة تشبه شخصًا بطريقة أو
أخرى. إنه يقول:
ما يقوله التشبيه في الواقع إن الشخص والصورة
متشابهان في الحزن، أحدهما حرفيًّا والآخر
استعاريًّا … سواء كان التعبير «إنه يشبه» أو
«إنه»،
تشبِّه الصورةُ البلاغية الصورةَ
بشخص بالتقاط سمة مشتركة: إن المسند «حزين»
ينطبق على الاثنين، وإن يكن على الشخص بدايةً
وعلى الصورة اشتقاقيًّا.
٢٢
لكن المشكلة في هذا الجدل أن الاستعارة حالة
فرعية من الالتباس: وهكذا بينما قد توصف [كلمة]
«حزين» بشكل معقول بأنها اسم مفرد، من الصعب أن توصف بأنها
مسند مفرد؛
لأن وصفها بهذا الشكل يمكن أن يتضمَّن امتدادًا
مفردًا للاسم المطروح. ولا يمكن، من باب أولى،
أن يقال إن التشابه الذي ينسبه التشبيه الذي
نتناوله يتكوَّن من الاشتراك في المسند المشترك
«حزين»؛ حيث إنه لا يوجد مثل هذا المسند
المشترك. ويستتبع ذلك، في النهاية، أن التشبيه
لا يمكن أن يتشكَّل رغم كل شيء باعتباره يقول
(بصوت أحادي) إن الشخص والصورة متشابهان في
الحزن.
ويمكن اقتراح أن تأثير هذا الجدل قد يتحقق
دون اللجوء إلى المسند المفرد «حزين»: قد تكون
السمة المشتركة المطروحة أن الاسم «حزين» (رغم
إمكانية التباسه) ينطبق على كل من الشخص
والصورة. لكن هذا الاقتراح نفسه صعب؛ لأنه
بدلًا من دمج التشبيه بالاستعارة، كما سعت
المناقشة الأصلية، يمكن أن يحدث الدمج الآن
للتشبيه بالالتباس عمومًا. ويمكن تفويض
التشبيهات بتشبيه المواضيع إذا كانت تشير إليها
فقط نسخ متطابقة متباعدة. قد يقال بشكل مناسب
إن عربة الطفل تشبه فيلًا؛ حيث يوصف كل منهما
بشكل صحيح بنسخة متطابقة من
«
has a
trunk [له خرطوم أو صندوق]»؛
٢٣ ويمكن اعتبار أن قطعة ملابس شريطًا
ساحليًّا؛ لأن كلًّا منهما يسمى
cape. يمكن أن
تشتق التشبيهات من مصادفات اشتقاقية عمومًا بدل
أن تُشتق من علاقات وثيقة ترتبط بالاستعارة،
بدقة. ويمكن طمس الحد الفاصل بين التشبيه، كما
تخيلناه في المناقشة الأصلية، والتورية (يمكن
أن تولِّد التورياتُ تشبيهات).
وليس من المحتمل إعادة ربط التشبيه
بالاستعارة بمجرد اشتراط إمكانية تطبيق اسم
مشترك، بل بإمكانية تطبيق ذلك الاسم حرفيًّا
حينًا، واستعاريًّا حينًا؛ لأن مثل هذا الشرح
يمكن أن يفترض أن مفهوم الاستعارة يمكن تعليله.
ومن الناحية الأخرى، إن اشتراط قابلية استخدام
اسم مشترك بدايةً حينًا، واشتقاقيًّا حينًا،
يمكن أن يكون غير كافٍ بشكل مستقل. وتطبَّق
النسخ المتطابقة الملتبسة عرَضًا في أوقات
مختلفة أيضًا، ويمكن أن ترتبط بمعايير الانحراف
التاريخي أيضًا. ودون اعتماد غير مباشر على
مفهوم الاستعارة، كما أقترح، يمكن أن يكون فصل
تلك المعايير الخاصة بالاستعارة مستحيلًا
عمليًّا.
وهكذا يبدو أن مفهوم أن المسند «حزين»، أو
حتى مجرد الاسم «حزين»، يشير إلى سمة مشتركة
تؤسس التشبيه أو الاستعارة لا يمكن الدفاع عنه.
وكان الاقتراح الذي كنا نتناوله بأن الصورتين
يمكن أن يُفهما بوصفهما يشبهان الصورة بشخص
بالتقاط هذه السمة المشتركة. وبالنسبة لما يدعم
به التشابه، بالإضافة إلى ذلك، هذه السمة
نفسها؛ أي ما يميز مواضيع المسند «حزين»، رد
جودمان، كما رأينا، «بأنه ليس هناك سؤال حقيقي.»
٢٤ وهكذا كانت استراتيجيته ثنائية:
(١) لتفسير التشبيه الصريح وما تضمره
الاستعارة، يكتسب تأكيد الشبه بوصفه ملتويًا
(«لا يمكن أن يساوي التشبيه فقط القول بأن
الصورة مثل الشخص في وجه أو آخر؛ أي شيء مثل أي
شيء آخر إلى حد ما») تحديدًا بالإشارة الضمنية
للمشاركة الظاهرية في المسند «حزين، ثم (٢) رفض
أي سؤال آخر يتعلق بشَبَه مفترَض ليشكل أساس
المشاركة في هذا المسند. ومع ذلك ينبغي التنازل
عن (١) بسبب فرضيته الهشة لمسند مشترك
«حزين».
ومن المهم، بالإضافة إلى ذلك، أن نسجل
ملاحظةً عن صعوبة أخرى مع (١)، ترتبط بافتراضها
أن التشبيه يكتسب تحديدًا بالإشارة إلى أحد
مسنداته المتضمنة. وهذه الفكرة غير محتملة
بشكل مستقل عن الصعوبة التي أشرنا إليها للتو.
ولأن التشبيهات تكتسب التحديد عادةً بالإشارة
إلى مسندات لا تتضمَّنها، حتى حين تكون
المسندات المتضمنة (على عكس «حزين») قابلةً
للتطبيق بشكل غير ملتبس على أشياء يقال إنها
متشابهة. لنقول، كما قال المعلمون، إن طفلًا
مثل نبات صغير تعني أكثر بكثير من أن ننسب
الشباب لطفل كما ننسبه لنبات. وقد فُسِّر بأنه
يوصل أن هناك صفات أخرى مهمةً تنسب إلى
الاثنين، على سبيل المثال، أن الطفل والنبات
ينموان، ويتطلبان إشرافًا، ويستفيدان من بيئة
منضبطة، ويمران بمراحل تطور منظمة … إلخ. إن
التشبيه يمكن أن يأتي محددًا أو «بديلًا»، لكنه
لا يأتي عمومًا بإشارة وحيدة للمسندات
المتضمنة، حتى حين تطبَّق بشكل مناسب وغير
ملتبس. ثمة مسندات أخرى تُجلب من الخارج بطريقة
تختلف مع السياق.
يبدو أن هذه النقطة، بشكل مهم جدًّا، تحظى
باعتراف في مفهوم جودمان عن «التواريخ
المعقولة» المفسرة لبعض الاستخدامات
الاستعارية، مثلًا، «الألوان الساخنة ألوان
النار، والألوان الباردة ألوان الثلج.»
٢٥ هنا، لا يقول، رغم (١)، فيما يتعلق
بالألوان الساخنة والأشياء الساخنة، إنها
ببساطة متشابهة في السخونة، حرفيًّا في حالة،
وفي الأخرى استعاريًّا. إنه يعني الإشارة إلى
ارتباط بالنار لا الثلج بوصفها تعيينًا
آخر.
إذا أُسقِطتْ (١)، هل هناك استراتيجية بديلة
تلبي حافزها الأساسي وتحافظ على سماتها
السياقية؟ لقد نشأت من الاعتراف بأنه بينما قد
تعتبر الاستعارة تشبيهًا ملتويًا من حيث إنها
تُسقط أداة التشبيه «مثل»، يكون التشبيه نفسه
أكثر التواءً في إسقاط التعيينات المحدِّدة
لهذه الأداة. دون تعيين آخر، يكون مجرد الشبه
الذي يؤكِّده التشبيه تافهًا؛ يبدو أن (١)
تقدِّم طريقةً عامة لدعم هذا التعيين باللجوء
إلى مسند متضمَّن. ودون هذا اللجوء، هل يمكن
اقتراح طريقة أخرى للتغلُّب على عدم تحديد
الصورتين؟
الإجابة نعم. لا يقول التشبيه إن شيئًا يشبه
آخر في وجه فقط، ولا يقول بشكل متسق، كما
رأينا، إنهما متشابهان في المسندات المتضمنة.
لكنها ليست البدائل الوحيدة. قد يقول التشبيه
إن الأشياء متشابهة في أوجه بارزة أو مهمة في
السياق المطروح. ويعتمد مثل هذا التفسير بكثافة
على الأحكام السياقية المتضاربة أحيانًا بشأن
البروز والأهمية؛ إنه، على أية حال، ليس غير
محدِّد وليس تافهًا. وبالإضافة إلى ذلك، إن
عملية تعيين هذه الأوجه التي يُعتقَد أنها تدعم
التشبيه والخاصية الاستعارية محورية في ممارسة
الشرح.
أوضحنا بالفعل، في صورة الطفل والنبات،
الأسلوب الذي تُستدعى فيه المسندات غير
المتضمَّنة في تشبيه معين لتدعم أساسًا
تفسيريًّا له. ومن الواضح أن العملية نفسها تصح
بالنسبة للاستعارة أيضًا. سواء قلنا إن الطفل
مثل نبات
صغير أو الطفل نبات صغير لا يختلف الأمر بهذا
الشأن. تُدعَم المسندات المستدعاة بالطبع
بطريقة تعتمد على فهم للسياق؛ لا توجد صيغة
عامة (تشابه، أو غيره) لاستخلاصها. لكن قد تكون
هناك مبادئ محدودة تساعد في البحث عن مسندات
مناسبة؛ مكتسبة خلال الخبرة أو التوجيه، يمكن
أن تحسِّن القدرات التفسيرية للقراء.
تعتمد مقاربة صيغة مألوفة للاستعارة على مبدأ
التشابه الذي يكتمل بشرط أن يكون التشابه
تشابهًا مهمًّا. وهذا المبدأ لا يتجنب التفاهة
إلا بالاعتماد بكثافة على السياق. وهذا
الاعتماد بالتأكيد عيب في رأي يزعم تقديم صيغة.
وهو، مع ذلك، ليس عيبًا في رأي يرفض الفكرة
نفسها عن الصيغة، ويُصر على أن التفسير
الاستعاري يتطلب حكمًا سياقيًّا — ليس بالتأكيد
عن التشابهات المهمة لكن عن المسندات المهمة
التي تعمل لتعريف هذه التشابهات.
تقدِّم نسخة السياقية التي وضعنا خطوطها هنا،
بالإضافة إلى ذلك، تفسيرًا للتوجيه الذي
تقدِّمه التطبيقات الحرفية للتطبيقات
الاستعارية. إن النسخة الأسبق، كما رأينا، رأي
عن الاستعارة يعتمد على مفهوم مثل هذا التوجيه،
لكنه لا يقدم تفسيرًا له — إنه يرفض السؤال عن
سبب تطبيق المسندات كما تعمل استعاريًّا. إن
السياقية الحالية، التي تعتمد على السياق
لاقتراح المسندات المهمة، تتطلب أيضًا بوضوح
استيعاب الاستخدام الحرفي للمصطلح المطروح.
ولفهم الاستخدام الاستعاري على أنه يرتبط
بأشياء تتشارك تلبية مسندات مهمة سياقيًّا مع
تلك التي يلتقطها الاستخدام الحرفي.
٢٦ لا تكفي معرفة السياق وحده؛ ينبغي
أيضًا وضع الاستخدام الحرفي في الاعتبار. وهذا
الاستخدام لا يحدد امتدادًا استعاريًّا، لكنه
يُساهم في تحديده، وبتعبير آخر، إنه يوجه تفسير
الاستعارة، حين يكمله فهم سياقي صحيح.
(٣) الاستعارة والاستكشاف
في ابتكار استعارة يمكن للمرء نفسه أن يندهش.
جرت معظم المناقشات حول الاستعارة بالإشارة إلى
سياقات الاتصال، وسادت فرضية خطأ، وإن تكن
ضمنية؛ إن منتِج التعبير الاستعاري لديه مفتاح
خاص لفهمه ويمكن فقط للمستمع أو القارئ أن
يكافح ليعثر عليه. إن منتِج أي تعبير،
استعاريًّا أو غيره، قد يجد تفسير ما قال صعبًا
أو محيِّرًا وقد تُدهشه نتيجة التأمل في الأمر.
الدور التفسيري المتعلِّق بأي تعبير لا يتعارض
مع دور المنتج، حتى حين يكون هدف التعبير
اتصالًا مباشرًا.
لكن ينبغي قول كلمة خاصة بشأن استخدامات
الاستعارة بروح مدققة أو نظرية بشكل أساسي.
المتضمَّن هنا غالبًا الوظيفة الاستكشافية أو
الإرشادية للمقارنة. وكثيرًا ما يجهل المنظِّر
مقدَّمًا أساس المقارنة التي يطرحها، لكنه
يفترض، أو يخمن، أن تقاطعًا عامًّا معينًا
للفئات قد يتبين أنه مهم.
٢٧ لا تدل الاستعارة مجسدةً هذا الحدس
على تحديد مسبق لمنظِّر المسندات القابلة للنقل
من السياق المدقق للبرهان على صحة تعبيره. على
العكس، التعبير نفسه بمثابة
دعوة، للمنظِّر وآخرين،
لاستكشاف السياق بحثًا عن مسندات مشتركة مهمة،
جديدة أو قديمة، بسيطة أو معقدة. المسندات
المهمة في السياق المناسب ﻟ «تبديل» الاستعارة
أو تعيينها؛ أي إن هناك، بتعبير آخر، ارتباطات
نظرية مهمة يجب تشكيلها بين الفئات المتضمنة.
لا يتمثل التحدي في قراءة رسالة مجسدة، لكن في
العثور على، أو ابتكار، وصف مهم
للطبيعة.
قد تقودنا الدعوة التي يقدِّمها التعبير
الاستعاري إلى إعادة التفكير في مادة قديمة على
ضوء تصنيفات جديدة (العقل باعتباره كمبيوترًا)
أو إلى تأمل ظواهر مكتشفة حديثًا تتعلق
بالمتوفر فعليًّا (الثقوب السوداء في الفضاء
بوصفها مكانس كهربية). سواء كانت الغاية تجسيد
الجديد أو التعرف على المألوف، كثيرًا ما تكون
الاستعارة بمثابة مجس لارتباطات قد تحسن فهم
التقدم النظري أو تستهله.
يتجلى هنا، مرةً أخرى، الدور الخلاق للتعبير
الاستعاري؛ حيث إنه لا يقرر ببساطة نظائر، بل
يستدعيها من جديد، لمزيد من الفحوص المباشرة
وتجريبها. لا تتأكد مسبقًا، بالطبع، النتيجة
السعيدة لهذه الفحوص. بينما تزدهر بعض
الارتباطات، تضعف أخرى وتموت. التقدم في الفهم
إنجاز دائمًا، ولا يكون أبدًا نتيجةً
سابقة.
وهكذا قد نقترح أن منظِّر الاستعارة — أو
منتجها، بشكل أعم — لا يعرف ما يقول («معنى» ما
يقول). ولأن المصطلح الاستعاري المستخدم له
امتداد، لا يستطيع المنظِّر عادةً أن يوضح وقت
التعبير، وقد يعتمد مثل هذا التوضيح على مسندات
مهمة سياقيًّا محددة بهذا الشكل فقط في بحث
تالٍ. ومع ذلك ليست الورطة خاصةً بالاستعارة؛
حيث تكتسب صفاتنا الحرفية أيضًا تحسينًا
نظريًّا وتحديدًا بفحوص أخرى من الواضح أنها لا
تظهر وقت التعبير. ومن غير المحتمل أن يبدو مثل
هذا الوضع منطويًا على مفارقة إلا إذا تمسَّكنا
بتقسيم صارم بين المعنى والحقيقة. تبقى مع ذلك
عملية اكتشاف المزيد بشأن المعنى المقصود
واكتشاف المزيد عن العالم واحدة.