يهتم، في
هذا الفصل، بظاهرة اللعب، وخاصةً هذا الشكل من
اللعب الذي يبدو فيه الطفل منهمكًا في اعتبار شيء
شيئًا آخر، يبدو مثلًا أنه يعرِّف عصا مكنسة بأنها
حصان. في هذا الموقف، لا يبدو ببساطة أن الطفل ينقل
المصطلح «حصان» إلى عصا مكنسة، مقدِّمًا طريقةً
ميسرة لتركيز الانتباه على عصًا باستخدام جديد لاسم
قديم. ولا يبدو أن الطفل يخطئ ببساطة، معتبرًا
العصا شيئًا من نوع يسميه حاليًّا «حصانًا». يبدو
أن الطفل يفعل شيئًا مختلفًا وأكثر تعقيدًا،
منكبًّا على العصا بلجوء خيالي إلى الأحصنة أو
ربما، بالتركيز على الأحصنة باستخدام خاص للعصا.
على أية حال، يستدعي مزاج الطفل توضيحًا
سيمنطيقيًّا؛ أي تعليقًا على الكيفية التي قد تفهم
بها وظيفة الإشارة في مثل هذه اللعبة.
(١) الحصان الدمية عند جومبريتش
ناقش جومبريتش موضوع تماهي اللعب بشكل مثير
للفضول في مقاله «تأملات في حصان دمية».
٣ كيف نفهم اعتبار الطفل ظاهريًّا
عصا المقشة حصانًا؟ يرى جومبريتش، أولًا، أن
موقف الطفل ليس عملًا تجريديًّا يفصِّل فيه
أولًا شكلًا من الخيول من أمثلته الحيوانية ثم
يعيد تمثيله بعصا المقشة. يقول جومبريتش: «فكرة
التجريد نفسها بوصفها عمليةً ذهنية معقدة تهبط
بنا في أمور عبثية غريبة … يعمل ذهننا، بالطبع،
بالتمييز لا بالتعميم، ولفترة طويلة يسمِّي
الطفل كل ذوات الأربع بحجم معين «جي جي
gee-gee» قبل أن
يتعلم تمييز السلالات و«الأشكال».»
٤ ربما يعترض المرء بأن هذه المناقشة
ليست مقنعةً تمامًا؛ حيث إن عصا المقشة، وهي
ليست من ذوات الأربع، لا تقع تحت المصطلح
الأصلي العام «جي جي»؛ ليرى في النهاية أنها من
هذا النوع. هناك قفزة حتى من الفئة الأكثر
اتساعًا «جي جي» إلى عصا المقشة، وهذه القفزة
أبعد ممَّا يمكن تمييزه، وهي ما يحتاج إلى
تفاوض. كيف تحدث هذه القفزة؟
يرد جومبريتش بأن عصا المقشة لا
تمثِّل حصانًا؛
تصبح حصانًا.
تتحول من عصا مكنسة إلى حصان حين «يعتبر الطفل
قدرتها على القيام بدور «البديل» مزية.
٥ الحصان الدمية لا يمثل الفكرة
الأكثر عموميةً عن طبيعة الخيل … إذا دعا الطفل
عصا حصانًا فمن الواضح أنه لا يقصد شيئًا من
هذا القبيل. ليست العصا علامةً تدل على مفهوم
الحصان وليست صورةً لحصان معين. بقدرة العصا
على أن تكون «بديلًا» تصبح حصانًا في ذاتها،
تنتمي لفئة «الجي جي» وربما حتى تستحق اسمًا
خاصًّا بها.
٦
يجب التخلي عن الفرضية العامة بأن صورة «تشير
بالضرورة إلى شيء خارجها».
لا نحتاج إلى تضمين شيء من هذا القبيل حين
نشير إلى صورة ونقول «هذا رجل». بدقة يمكن
تفسير هذا التصريح بأنه يعني أن الصورة نفسها
عضو من فئة «الرجال». وهذا التفسير ليس بعيد
المنال كما قد يبدو. إن الحصان الدمية يمكن
ألَّا يخضع هنا لأي تفسير آخر.
٧
ابتكر الطفل حصانًا، وهي الفكرة الرئيسية
التي يريد جومبريتش تأكيدها حتى لو بدا
متطرفًا، وكما يقول: «فكرة أن الفن «إبداع» لا
«تقليد» مألوفة بشكل كافٍ»، وقد انتشرت … منذ
عصر ليوناردو، الذي أكد أن الرسام «سيد
Lord كل شيء»، إلى
عصر «كلي»،
٨ الذي كان يريد أن يُبدع كما تفعل
الطبيعة
Nature. لكن
النغمات الأكثر رزانةً للقوة الميتافيزيقية
تختفي حين نترك الفن للدمى. «يصنع» الطفل
قِطارًا من بضع كتل أو بقلم رصاص على ورقة.
٩
التبديل، في رأي جومبريتش، يتناسب بالطبع مع
الوظيفة. يتحد البديل، ملبيًا وظيفةً مهمة
لأعضاء فئة، بتلك الفئة.
ربما لم يكن «أول» حصان دمية … صورة على
الإطلاق. كان مجرد عصًا يمكن أن تكون حصانًا؛
لأن المرء يستطيع أن يمتطيها. كان
العامل المشترك وظيفةً
ولم يكن شكلًا. أو، بشكل أدق، إن أي جانب شكلي
يلبِّي الحد الأدنى من المتطلبات للقيام
بالوظيفة — يمكن أن يكون أي موضوع «قابل
للامتطاء» بمثابة حصان.
١٠
وبشكل مماثل، يحل الحصان أو الخادم الطيني
clay، المدفون في
مقبرة الشخص العظيم، محل الحي. ويحل الوثن محل
الرب … الوثن بديل للرب في العبادة والطقوس؛
إنه رب من صنع الإنسان بدقة كما يكون الحصان
الدمية حصانًا من صنع الإنسان؛ مزيد من الشك
فيه يعني الانهماك في الخداع.
١١
قد يسبق الإبداعُ الاتصال، في رأي جومبريتش.
الطفل المبدع الذي صنع حصانًا.
ربما كان يريد ألَّا يريه لأحد. ربما كان
مجرد بؤرة لخيالاته وهو يعدو به، رغم أنه من
المرجح أنه كان يقوم بهذه الوظيفة بالنسبة
لقبيلة يمثل لها الحصان الروح الحارسة للخصوبة
والقوة. يمكننا أن نوجز أخلاقيات «مجرد قصة»
بقول إن البديل قد يسبق التصوير، وخلق التواصل.
١٢
(٢) تأملات في جومبريتش
ماذا يعني الطفل حين يدعو عصًا «حصانًا»؟
ينكر جومبريتش أن العصا «علامة تشير إلى مفهوم
الحصان» ويقترح بدلًا من ذلك من منظور قابليتها
للامتطاء، يمكن أن تكون العصا بديلًا و«تصبح
حصانًا في ذاتها.» لكن كيف نفهم هذا الاقتراح
بالضبط؟
هل يؤمن الطفل ببساطة بأن العصا قابلة
للامتطاء وبالتالي تكون، بهذا المعنى الفريد
وحده، حصانًا؟ ومن ثم يمكن ألَّا يكون هناك،
على عكس اقتراح جومبريتش، شيء بعيد المنال بشأن
اعتقاد الطفل على هذا النحو؛ ويمكن أن يتفق
الكبار على أن العصا قابلة للامتطاء، حتى لو
كان ذلك بمعنًى ممتد فقط. ويمكن الآن لإبداع
الطفل لحصان ألَّا يكون أكثر من تنقيحه للطريقة
التي تستخدم بها [كلمة] «الحصان» عادة. إن
صناعة حصان يمكن ألَّا تساوي سوى تغيير الطفل
للموضوع. يمكن توجيه ملاحظات مماثلةً إلى فكرة
أن الطفل يستخدم مصطلح «الحصان» للعصا
استعاريًّا،
وتعتمد الاستعارة ضمنيًّا فقط على إدراك الطفل
لقابلية العصا للامتطاء. ولأن هذا الفهم
الاستعاري لكلمة «حصان» يمكن أن يكون شفافًا
تمامًا حتى بالنسبة للكبار؛ ما يسميه جومبريتش
خلق الطفل لحصان لا يساوي سوى تعديل ما تشير
إليه الكلمة.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن التعبير عن مفهوم
العصا بديلًا لحصان، نظرًا فقط للفهم المنقح
للمصطلح. العصا ليست بديلًا لموضوع قابل
للامتطاء؛ إنها موضوع قابل للامتطاء يحل محل
حصان، بالمعنى المعتاد للكلمة. ولا تحل العصا
محل حصان استعاري؛ إنها حصان استعاري، تحل محل حصان،
بالمعنى الحرفي للكلمة. وينبغي أن يلجأ الطفل
إلى الفهم الحرفي لكلمة «حصان» إذا كان عليه أن
يستخدم قابلية الحصان للامتطاء صراحةً أو
ضمنيًّا بوصفها وظيفةً تتضمن العصا. وينبغي أن
يعرف الطفل حقيقة القطار العادي ليصنع قطارًا
من المكعبات. وإذا كان للعصا أن تكون «بؤرةً
لخيالاته وهو يعدو بها»، فينبغي أن تكون خيالات
ليس لِمَا يقبل
الامتطاء فقط بل للأحصنة؛ يتخيل الطفل
الأحصنة، وليس العِصي. وفي النهاية يعترف
جومبريتش بقدرة العصا على أن تمثل لقبيلة «حصانًا
حارسًا للخصوبة والقوة»؛ هكذا يستدعي جومبريتش،
دون أن يدري، مفهوم الأهمية مرةً أخرى.
افترضْ، إذن، أن جومبريتش يفسر اعتقاد الطفل
بشكل آخر. لا ينقِّح الطفل الفهم العادي لكلمة
«الحصان»، ولا يستخدمها استعاريًّا لعصا
المقشة. إنه يؤمن بأن العصا صارت حرفيًّا
حصانًا، «بأنها تنتمي لفئة «الجي جي»». من
منظور الطفل، وليس من منظورنا، إنه أبدع حصانًا
ولم يحول معنى الكلمة فقط. بشكل افتراضي؛ لأن
اعتقادات الطفل والكبير هنا في تضارب صريح يضع
جومبريتش علامة تنصيص حول كلمة «يصنع» حين يكتب
«يصنع» الطفل قطارًا من بضع مكعبات أو بقلم
رصاص على ورقة.» يظن الطفل أنه صنع قطارًا
لكننا نعرف أفضل.
هذه الطريقة في النظر إلى اقتراح جومبريتش
ينبغي رؤيتها في ظل حقيقة أنه لا يقصر الأمر
ظاهريًّا على الأطفال الصغار وحدهم، ينطبق
إيمانه المفرط في السمات على الكبار أيضًا كما
توحي إشاراته إلى «ليوناردو» و«كلي». بالإضافة
إلى ذلك، يقول إن «الوثن … رب من صنع الإنسان
بدقة كما يكون الحصان الدمية حصانًا من صنع
الإنسان»، وهو هنا لا يضع علامات تنصيص حول «من
صنع الإنسان» ليميز آراء الوثنيين الكبار عن
آرائنا. أخيرًا، يصرح، بطريقة عامة تمامًا
تشملنا جميعًا ظاهريًّا، كبارًا وأطفالًا «حين
نشير إلى صورة ونقول «هذا رجل»»، علينا أن نفسر
العبارة بأنها تعني «إن الصورة نفسها عضو في
فئة «الرجال»». ويبدو هذا التفسير أنه يعتبر
بجرأة أن صورة الإنسان، حرفيًّا، إنسان، وأن
إبداع مثل هذه الصورة عمل من إبداع الإنسان.
وهذه النتيجة، بوضوح، يتعذر الدفاع
عنها.
وينطوي مفهوم البديل الذي يقدمه جومبريتش
ليشرح هذا الإبداع على صعوبات أيضًا، وقد أشرنا
بالفعل إلى بعضها. يكتب جومبريتش: «أي موضوع
«قابل للامتطاء» يمكن أن يكون حصانًا»، واضعًا
مرةً أخرى علامات تنصيص حول الكلمتين
الحاسمتين. هل يثير بهذه الوسيلة بعض الشك بشأن
الهُوية الوظيفية لامتطاء الحصان وامتطاء
المقشة؟ إنه يتحدث عن «الجانب الشكلي [الذي
يلبِّي] الحد الأدنى من متطلبات أداء الوظيفة»
لكنه لم يحدده. هل هذه الوظيفة قابلة للتحديد
سلفًا أم إن الطفل، بامتطاء العصا والعدْو بها،
يعتبر للمرة الأولى أن العصا تمثل حصانًا،
ويعتبر نشاطه ممثِّلًا لعملية امتطاء الحصان؟
هل «العامل
المشترك» الوظيفي ليس إلا عاملًا
شكليًّا، يتوفر هناك منذ البداية لنعثر عليه،
أم إنه يقحم في عملية التمثيل؟
إن مفهوم الوظيفة يخضع لاختزال كبير ونحن
ننتقل من امتطاء عصا المقشة إلى عدد من حالات
الكبار عند جومبريتش. يقول جومبريتش: «الوثن
يعمل بديلًا للرب في العبادة والطقوس.» هل
علاقة الطقوس بوثن مثل علاقتها بروح إلهية؟ هل
الدور الطقسي لوثن، ينقله ويعالجه الكهان أو
يحمله حشد في موكب، مثل موكب الرب؟
مرةً أخرى، يصرِّح جومبريتش بأن الخادم
الطيني «يحل محل الحي»؛ تحل صورة رجل محل رجل.
لكن، في هذه الحالات، ما الوظائف المشتركة التي
يُفترض أن عمليات التبديل هذه تتأسس عليها؟ ما
أدنى من أشكال السلوك الذي ننقله باتجاه رجل
حي، إلى لقطة صغيرة له؟
الآن، إذا رفضنا رأي جومبريتش لهذه
الاعتبارات واعتبارات مماثلة، فإننا نحتاج إلى
أن نتناول بجدية من جديد فكرة المقشة بوصفها
تمثيلًا بالنسبة للطفل. يمكن، بالطبع، أن نتفق
مع جومبريتش في التخلي عن الآراء التقليدية
لهذا التمثيل التي نرى أنه يتأسس على محاكاة
وعلى الهُوية الشكلية، كما نثير أيضًا شكوكًا
بشأن مفهومه المفضل عن الهُوية الوظيفية. نقول
إن عصا المقشة، مع ذلك، تدل على الأحصنة أو
تشير إليها. لكننا نحتاج إلى أن نواجه من جديد
السؤال الذي بدأ منه بحث جومبريتش. إذا لم تكن
عصا المقشة حصانًا، كيف يسميها الطفل في اللعب
حصانًا؟ كيف يكون الأمر كذلك؟ يدرك الطفل أن
الحصان الدمية مجرد عصًا، لكنه يكف عن الإشارة
إليها بوصفها عصًا تمثل حصانًا. كيف نفسِّر
الحالة الذهنية للطفل؟
(٣) تنامي فهم الطفل
قلنا إن عصا المقشة تشير إلى الأحصنة.
بالعدوِ على عصا مقشة، يتخيل الطفل أنه يمتطي
حصانًا لا عصًا، رغم أن الطفل يعرف أنه يمتطي
عصًا وليس حصانًا. يستخدم الطفل العصا ليعتقد
أنها حصان حقيقي. العصا أداة لمخيِّلة الطفل،
وليست غايتها. ماذا يعني الطفل إذن بتسمية
العصا «حصانًا»؟
رفضنا بالفعل فكرة أنه ببساطة يستخدم كلمة
«الحصان» استعاريًّا للعصا. وحيث إن مثل هذا
الاستخدام لا يعني ببساطة بدء دلالة جديدة
لكلمة قديمة، فإنه لا يعني بالتالي تقديم طريقة
جديدة للإشارة إلى العصا. إذا كان الهدف
استمرار استدعاء المعنى الحرفي لإشارة
استعارية، فإنه ينبغي التأكيد على أن هذا
الاستدعاء لا يستمر طويلًا. حين تموت استعارة،
يتبخر هذا الاستدعاء، ولا يترك سوى إشارة حرفية
جديدة. في الشاهد الحالي، يمكن أن تكون الإشارة
إلى العصا وحدها؛ ويمكن ألَّا تكون هناك إشارة
إلى الأحصنة كما فهمت في البداية، أو انعكاس
لحقيقة أن الطفل لا يركِّز على العصا بل على
الأحصنة، بالمعنى الحرفي. على عكس رأي
جومبريتش، لا يبدع الطفل حصانًا حرفيًّا، أو
حتى استعاريًّا.
هل يمكن أن نوحد مفهوم الاستعارة مع مفهوم
الإشارة بالعصا إلى أحصنة؟ هنا، تتبدى فكرة
جومبريتش عن ضرب أمثلة استعارية. ضرب الأمثلة
هو علاقة عينة باسم يُستخدَم لها ويشير إليها؛
مثلًا، علاقة شريحة ملونة في محل أدوات باسم
اللون الذي تفي بشروطه. ضرب الأمثلة انتقائي؛
لا تُستخدم العينة للإشارة إلى كل اسم ينطبق
عليها، لا تشير الشريحة، مثلًا، إلى حجم
الشريحة الملونة أو شكلها، مثلًا، رغم أنه
ينتمي إليها حقًّا. لضرب مثال لاسم ينبغي أن
تلبي العينة شروطه وتشير إليه أيضًا.
الآن، لا ينطبق مصطلح «الحصان»، حرفيًّا، على
عصا المقشة. وهكذا، لا يمكن للعصا أن تقدِّم
مثالًا لاسم «الحصان»، حرفيًّا. لكن، يمكن
النظر إلى [كلمة] «حصان» بوصفها تُستخدم للعصا
استعاريًّا كما اقترحنا بالفعل، وبالإضافة إلى
ذلك، يمكن النظر إلى العصا بوصفها تقدِّم
مثالًا ﻟ «الحصان» بشكل استعاري؛ أي إن العصا
تشير إلى الاسم الاستعاري «الحصان» الذي ينطبق
عليه بشكل صحيح. وهكذا نكون قد فسَّرنا تسمية
الطفل العصا حصانًا بطريقة تعكس حقيقة أن مخيلة
الطفل تركِّز على الحصان لا العصا. يمكن تسمية
العصا حصانًا لأنها استعاريًّا حصان. لكن العصا
ببساطة لا تلبي
شروط الاسم الاستعاري «الحصان»؛
إنها رمز يشير دوره إلى الاسم الاستعاري
«الحصان» الذي يدل عليها. وفي توظيف هذا الرمز،
يُقاد الطفل إلى التفكير في «حصان» ﻪ المشار
إليه استعاريًّا.
لكن ثمة خلل في هذا النمط من التفكير. لاحظنا
أن الطفل يستخدم العصا ويعتبرها حصانًا
حقيقيًّا، لكن الإشارة إلى «حصان» بشكل استعاري
تعني الإشارة إلى اسم لا يدل على الأحصنة
حرفيًّا لكنه يدل على العِصي. وحقيقة أن الاسم
الاستعاري ﻟ «الحصان» له نُسخ حرفية غير
متماثلة الامتداد ليس علاجًا لهذا الوضع. وإذا
كان لنا أن نسمح للعصا بأن تشير إلى تلك النسخ
المتطابقة، ينبغي أن نحتاج إلى أن نسمح للعينات
بأن تشير عمومًا إلى نسخ متطابقة غير متماثلة
الامتداد للأسماء التي تُستخدم حقًّا لهذه
العينات. صندوق معسكرات الأطفال لا يقدِّم
مثالًا لأسماء
trunk كما تُستخدم
في محلات اللعب فقط، لكن أيضًا لأسماء
trunk١٣ كما يستخدمها حُراس حدائق
الحيوانات للأفيال. يمكن أن يسيطر الالتباس
بشدة. وهكذا يفشل هذا الاقتراح في عبور الفجوة
بين العصا والحصان بالمعنى الحرفي، وهي بؤرة
تفكير الطفل. لقد تحرَّكنا في دائرة تبدأ من
العصا وتعود إلى العصا.
نبدأ من جديد. على عكس جومبريتش، نعتبر أن
عصا المقشة تشير إلى الأحصنة أو تمثلها أو تدل
عليها. إنها إشارة للحصان مع صور الأحصنة،
وتماثيل الأحصنة، وأوصاف الأحصنة. يمكِّننا فهم
أن العصا إشارة للحصان من استخدامها أداةً
للتركيز على الأحصنة. يميِّز الكبار طريقتين
للإحالة إلى الإشارات، واحدة عن طريق الدلالة،
والأخرى عن طريق اختيار الإشارة. ويمكن الدلالة
على كل إشارة من الإشارات السابقة إلى الحصان
بمركبات من قبيل «تمثيل الحصان»، «صورة الحصان»
… إلخ. وبشكل بديل، يمكن عنونة أي منها؛ أي
الإحالة إلى الإشارة اختياريًّا بوصفه «حصانًا».
١٤
سواء كان الطفل يسمِّي العصا «حصانًا»
بالإشارة اختياريًّا، أو يستخدم المصطلح
اختصارًا للمركب «تمثيل حصان»، يمكن حل المشكلة
التي نتناولها. وينبغي أن نفهم ما يجعل الطفل
يسمِّي العصا «حصانًا» ونشرح في الوقت ذاته كيف
تكون العصا، وهي تقوم بوظيفة رمز دلالي، أداةً
تجعل الطفل يركِّز انتباهه على الأحصنة لا
عليها هي نفسها. لكن هذه المفاهيم قد تبدو،
بالنسبة للطفل الصغير على الأقل، معقدةً جدًّا.
ربما يحفِّز الاعتراض على نسب أمور بالغة
التعقيد للطفل البحثَ الاستهلالي لجومبريتش عن
تعليق أبسط. وإذا شاركنا جومبريتش في مخاوفه
بهذا الشأن، هل يمكن إذن أن نُنقذ بذرة الفكرة
التي نتناولها ونحن نبسِّط تصوُّرنا للعملية
الذهنية عند الطفل؟
إننا
نحتاج إلى تجنُّب افتراض أن الطفل يتمتَّع
بالفعل بقدرة الكبار على التمييز بين الدلالة
واختيار الإشارة أو أنه على وشك اكتساب هذه
القدرة. بدلًا من ذلك، نفترض أن الطفل لا يعرف
التمييز في البداية. وهكذا يطبق مصطلحًا دون
مبالاة على شواهده، وبشكل متزامن على علاماته
المُصاحبة. وهكذا تُستخدم [كلمة] «الحصان»،
بالنسبة للطفل، للأحصنة، وتُستخدم أيضًا، وبشكل
مساوٍ، لصور الأحصنة وعلى ما يتعلق ﺑ «الحصان».
باختصار، لا يعترف الطفل بتمييزنا بين الإشارة
الدلالية للرمز وتلك المتعلقة باختيار
الإشارة.
لا يرغب الطفل فقط في تسمية حصان «حصانًا»،
لكنه يرغب أيضًا في أن يسمي ما يمثِّل حصانًا،
مثلًا، عصا مقشة، «حصانًا». وبالنسبة للطفل
تكون صورة حصان مجرد حصان آخر؛ مجرد عضو من فئة
الأشياء التي قد تسمَّى بدقة «حصانًا». لكن
ينبغي وصف هذا الامتياز لبصيرة جومبريتش بمعرفة
أن هذه الفئة أوسع بكثير من تلك المرتبطة
بدلالة المصطلح كما يستخدمه الكبار؛ أنها تشمل
ما ينبغي أن نسميه أحصنةً وما ينبغي أن نسميه
إشارات إلى أحصنة. ولا يحتاج الطفل، في صناعة
ما يسميه حصانًا من عصا مقشة، إلى أكثر من أن
يعتبرها ما يمكن وصفه بتمثيل حصان. إن بعض
الأشياء التي يسميها أحصنةً تمثِّل، من منظورنا،
أشياء أخرى.
لكن هذه المرحلة من فهم الطفل متقلبة. يقع
الطفل تحت ضغط ليغيِّر فهمه؛ لأن المقشات حالة
للأحصنة يرفضها الكبار في وسطه. يواصل الطفل
أيضًا، في عملية اكتساب المصطلح العادي «حصان»
واستيعابه، تعلُّم مصطلح متمِّم «ما ليس
حصانًا». وهكذا يقع الطفل تحت ضغط الاتفاق مع
الكبار في رفض أن المقشة حصان.
الاستراتيجية الأولى التي قد يتبناها الطفل
لمواجهة هذا الضغط أن يقسِّم مجموعةً كبيرة من
الأشياء التي يرغب في أن يسمِّيها «حصانًا» إلى
أحصنة حقيقية
و
أحصنة
مزعومة. ومن ثم يمكن للطفل أن
يفسِّر رفض الكبار أن المقشة حصان باعتباره
مجرد رفض أنها حصان حقيقي، مقرًّا بأنه حصان
نوع مزعوم. ويعتبر الطفل الأحصنة المزعومة
أنواعًا من
الأحصنة. بالطبع، الحصان المزعوم لا يتنفس أو
يأكل تبنًا أو يعدو، لكنه في هذه الأوجه، يختلف
فقط عن الأنواع الأخرى من الأحصنة. رغم كل شيء،
الأحصنة البنية تختلف عن الأحصنة السوداء،
والأحصنة العربية عن أحصنة إلبرفيلد
١٥ … إلخ؛ وعصي المقشات مجرد نوع
آخر.
تحدِّد هذه الاستراتيجية المرحلة الثانية
الحدسية لفهم الطفل، وربما تساعد لبعض الوقت
على مقاومة ضغط رفض الكبار، وخاصةً تسليم
الكبار بأن عصا المقشة ليست حصانًا حقيقيًّا،
لكنها مجرد حصان مزعوم، ويتركها رغم ذلك. لكن
الضغط يبدأ
من جديد بمجرد توفر الفرصة والإرادة للكبار
لتوضيح الأمر. ولأن الكبار يُصرون حينذاك على
أن الحصان المزعوم ليس حصانًا على الإطلاق؛ لا
يصبح نوعًا من الأحصنة إلا بقدر ما تصبح البطة الفخ
١٦ نوعًا من البط أو طالب الطب
متخصصًا في الطب.
في النهاية يفصل الطفل، مستسلمًا لهذا الضغط،
الأحصنة عن أشكال تمثيل الأحصنة، ومنها عصا
المقشة. يتبيَّن أن العصا لم تعد حصانًا على
الإطلاق، رغم الاعتراف بأنها تمثِّل حصانًا.
يميِّز الطفل، في الواقع، بين المجال الدلالي
للمصطلح العادي لدى الكبار، «الحصان»، والمركب
العادي لدى الكبار «تمثيل الحصان». وفي هذه
المرحلة، حين يسمِّي عصا المقشة «حصانًا»، تكون
قوة إشارة الطفل مختلفةً تمامًا عن قوة فهمه في
البداية. إنها الآن إشارة اختيارية، عنوان لعصا
المقشة باستخدام كلمة لموضوعها المُعلَن
المزعوم، بالضبط كما قد نُعنون صورة شجرة ﺑ
«شجرة».
مع بزوغ التمييز الأساسي بين الدلالة واختيار
الإشارة تأتي أدوات متنوعة لتثبيته في العقل،
بما في ذلك استخدام المركبات الصريحة لمصطلحاتٍ
لتدل على
أعضاء خاصة باختيار
الإشارة. وتتوفر هذه المركبات
باهتمام خاص، حتى لو لم تكن مطلوبةً في
الاستخدام العادي.
وحتى بعد توفُّر التمييز الأساسي، يبقى الخطأ
ممكنًا. ربما يحول دونه اهتمام خاص أو يتم
التخلص منه بعد حدوثه باللجوء إلى التمييز، وهو
الآن جزء من الذخيرة الذهنية. لكن يبقى تشوُّش
التمييز خطرًا دائمًا نظل معرَّضين له
جميعًا.
للعودة إلى قصتي الحدسية، تظل عصا الطفل تكبر
في المخيلة، كما يشير جومبريتش، ربما تكتسب
العصا عينين، وعُرفًا، وأذنين، ولجامًا … إلخ؛
١٧ أي إن «العينين» و«العُرف»
و«الأذنين» و«اللجام» قد تُدعَم، في تحليلنا
الحديث بمواضيع مناسبة لاختيار الإشارة. تبدأ
طريقة التمثيل في تولي الأمر والارتباط بشواهد
واستخدامات أخرى. وينمو تجمُّع من اختيارات
الإشارة تتفاعل فيه عناوين الأعضاء إبداعيًّا
معًا لتشكِّل عائلات من التمثيل، تتحول العصا
وملحقاتها إلى عرض رمزي ثري. اكتشف الطفل في
هذه المرحلة، بصرف النظر عن عمره الفعلي،
الاحتمالات التكوينية للعب.
(٤) الخيال والإبداع
يتحدَّث جومبريتش عن الحصان الدمية باعتباره
بؤرة خيالات الطفل وهو يعدو به. يتخيَّل الطفل،
كما لاحظْتُ من قبل، أنه يمتطي حصانًا، لا
عصًا، رغم أنه يعرف أنه يمتطي عصًا، لا
حصانًا.
السؤال الذي أطرحه الآن هو: لماذا يحتاج
الطفل عمومًا إلى استخدام العصا بوصفها بؤرة؟
إذا كان يمكن لهذه المخيلة أن تتغلَّب على
الحقيقة الواضحة بأنه لا يمتطي حصانًا بل عصًا،
لماذا لا يتخيَّل ببساطة أنه يعدو على حصان
حقيقي، حتى دون استخدام العصا بؤرة؟ من المؤكد
أننا، في أحلام النوم وأحلام اليقظة أيضًا،
تسيطر علينا خيالات دون أي أنشطة فيزيائية
تمثِّل أدوات لها. الإجابة البسيطة: ليست هناك
في الحقيقة ضرورة لأدوات للخيال، لكن حين تتوفر
تقوم بوظائف إضافية في خدمة المخيلة والتفكير
الإبداعي.
إنها تقدم، أولًا، مصادر مستقرةً للخيال،
ودونها يكون سريع الزوال، وعابرًا، ومتقطعًا.
عصا المقشة، بوصفها تمثيلًا للحصان، أداة
متوفرة ومعتادة لاستدعاء الأحصنة إلى العقل،
ولا تقل عن الحالة مع صورة لحصان، أو وصف
لحصان. لا يحتاج الخيال بشأن الأحصنة أن
يتولَّد داخليًّا وتلقائيًّا؛ لأنه يمكن أن
يُستدعى بتمثيل فيزيائي مستقل.
ثانيًا، تفتح طبيعة هذا التمثيل نفسه
الاحتمالات لأشكال مترابطة من التمثيل. وكما
لاحظنا من قبل، تنعكس عملية تمثيل طوال إجراءات
القيام بالتمثيل، مؤثرةً أيضًا على رأينا في
المواضيع الأخرى الممثلة. إن تسمية عصًا مقشة،
باختيار الإشارة، كما يسمَّى حصان، كما رأينا، يوحي
بطرق لتمثيل ملحقات مثل العينين والعُرف
والأذنين واللجام … إلخ. وهكذا لا يكون
الاختيار الأولي للإشارة إلى العصا بوصفها
حصانًا
خاملًا ومغلقًا على نفسه. إنها توجِّه أيضًا
إبداع أشكال أخرى للتمثيل، وهكذا تغذَّى
المخيلة بطرق لا يمكن التنبؤ بها.
أخيرًا، إعادة تعيين وظيفة عصا المقشة، حتى
لفترات محدودة، من تلك الأداة المفيدة في تنظيف
المنزل إلى تمثيل حصان، فعل مهم. إنه ينتزع
التوصيف النمطي لعصا المقشة ويحفر إدراكًا
مختلفًا لها، وفي الوقت نفسه يشجِّعنا على رؤية
الأحصنة بعيون جديدة. وبذلك يساعد على تخفيف
تشدُّدنا السيمنطيقي وولائنا الإدراكي. إن
تحويل منظورنا للمواضيع، والسماح لنا برؤية شيء
بوصفه شيئًا آخر، سمة أساسية للإبداع في اللعب،
وأيضًا في تلك اللعبة المعقَّدة التي تسمَّى
الفن.