الفن والعلم والدين١
(١) تضارب العلم والدين
(٢) العلم والفن
(٣) الدين معرفي والفن وجداني؟
ثمة مقاربة تقليدية معروفة تحدِّد الإجابة في العالم السيمنطيقي، تؤكِّد أن الدين معرفي في فحواه بينما الفن وجداني. وهكذا يزعم الدين أنه، مثل العلم، يصف الواقع. إنهما يسعيان خلف الحقيقة، وكل منهما معرفي في أهدافه ومبادئه؛ وبالتالي يمكن فهم أن الاختلافات الناشئة بينهما حول حقيقة الواقع ولَّدت صراعًا. والفن، من ناحية أخرى، وفي تناقض مع آراء كونستابل وجومبريتش، ليس معرفيًّا، إنه عاطفي في فحواه، وظيفته حثُّ العواطف أو التعبير عنها أو التنفيس عنها وليس وصف الواقع. هدفه ليس نظريًّا، بل وجداني؛ ومن ثم لا يمكن بطبيعة الحال أن يتضارب مع التأكيدات الوصفية للعلم. ولو كان الفن مشروعًا معرفيًّا، لكان هناك لغز وراء عدم نشوب حرب بينه وبين العلم، كما كان الحال بالنسبة للدين.
ثمة مشكلتان تواجهان على الفور هذا الرأي التقليدي؛ الأولى: إذا كان الفن وجدانيًّا فقط أو وجدانيًّا بشكل أساسي، كيف نفسر حقيقة أن الفنانين كثيرًا ما فكَّروا في أنفسهم بمصطلحات مألوفة للعلماء؟ بشكل أكثر عمومية، كيف نفسِّر أهمية التجريب في الفن والمدخل لفهم ما يقدِّمه هذا التجريب؟ المشكلة الثانية: كيف نفسر الارتباطات القوية للفن مع الدين إذا كان الفن وجدانيًّا بشكل أساسي بينما يزعم الدين بأنه يصف الواقع؟ صحيح أن الفن بوصفه وجدانيًّا خالصًا يتناغم مع الدين بوصفه معرفيًّا. لا يمكن أن يتحدَّى التأكيدات العقائدية للدين أكثر ممَّا يمكن أن يهدِّد الاقتراحات النظرية للعلم. لكن الفن أكثر من أن يتناغم ببساطة بهذه الطريقة مع الدين؛ إنه يتمتع بارتباط حميم بالدين يتجاوز علاقاته السلمية بالعلم. كيف يمكن فهم هذه العلاقة الحميمة؟ يتطلَّب الرد على هاتين المشكلتين توضيحين للرأي التقليدي.
(٤) توضيحان للرأي التقليدي
أولًا، ينبغي رؤية أن الفن والعلم، ضمن أمور أخرى، مشروعان لحل المشاكل، رغم اختلاف أهدافهما. في مسار تطوير أوصاف صحيحة، ينبغي أن يبتكر العلم فرضيات ويختبرها، ويلاحظ ويصمِّم تجارب. في مسار إبداع مواضيع تحث العواطف أو تعبِّر عنها أو تنفِّس عنها بشكل مناسب، ينبغي على الفن أيضًا أن يبتكر فرضيات متنوعة ويجربها، ويلاحظ وينهمك في تجارب. تختلف المشاكل في كل حالة، لكن الجهود الخاصة بحل المشاكل متماثلة. وبالتالي يمكن فهم انهماك الفنانين في التجريب وسعيهم للفهم حتى لو كان هدفهم الأساسي حث العواطف والتعبير عنها والتنفيس عنها، وكان التجريب والسعي للفهم ثانويين بالنسبة لهذا الهدف؛ هكذا يدور توضيح للرأي التقليدي.
ثانيًا، بينما يزعم الدين بأنه يصف الواقع، لكن الأمر، على أية حال، لا يقتصر على هذا. يعبِّر الدين أيضًا عن توجُّه معياريٍّ وعاطفيٍّ للواقع الذي يصفه، ويشجِّع هذا التوجه. وهو، في ذلك، وجداني بقدر ما هو معرفي. يمكن، إذن، فهم أن الدين لا يتناغم فقط مع الفن، لكنه يرتبط به ارتباطًا حميمًا، مستخدمًا القوة الوجدانية للفن لتعزيز توجُّهه العاطفي المفضَّل، ويتكيَّف من جانبه مع التعبير عن المعاني الوجدانية التي تنقلها بشكل مستقل بعض الأعمال الفنية؛ وهكذا يدور التوضيح الثاني.
حين يؤخذ توضيحَا الرأي التقليدي معًا، يتم تفسير العلاقات الثنائية للفن مع العلم والدين. مع العلوم، يشترك الفن في روح حل المشاكل؛ ومع الدين، يشترك في قدرته على التعبير وحث الحياة العاطفية. وهكذا يتطلَّب الأمر تأمل الرأي التقليدي، وقد تم توضيحه، مرةً أخرى. الهدف الأساسي للفن، رغم تشابهه مع العلم في حل المشاكل، وجداني؛ ومن ثم لا يدخل في صراع مع الفرضيات المعرفية للعلم. ومن الناحية الأخرى، الغرض الأساسي للدين متمثلًا في البحث عن الحقيقة يُدخله في صراع محتمل مع الآراء العلمية بشأن العالَم؛ ومن هنا تنشب الحروب بين العلم والدين.
جادل جودمان بقوة للوصول إلى تفسير عكسي، مدفوعًا بالفضول وساعيًا للتنوير، مستخدمًا العواطف نفسها أدواتٍ للمعرفة. يكتب:
يُدعَم اكتشاف هذه المعرفة الجديدة، كما يبرهن جودمان، بمواصلة الفهم. يكتب:
توظِّف العواطف نفسها معرفيًّا في الفن. يكتب جودمان:
وهكذا إذا دُحض الرأي التقليدي نهائيًّا، واعتُبر الفن معرفيًّا بالأساس، نواجه مرةً أخرى المشكلة التي بدأنا بها. لماذا يتصارع الدين وحده مع العلم، ولا يتصارع معه الفن، بوصفه مشروعًا معرفيًّا مثل الدين؟
(٥) وظائف رمزية مختلفة؟
ربما نقترح أن الاختلاف الذي يجب البحث عنه في الوظائف الرمزية الخاصة متضمَّن في كل حالة، بدلًا من أن نلاحظ ببساطة أن كل مشروع من مشاريعنا الثلاثة معرفي في طبيعته. وبشكل خاص، لنتذكر أن جودمان يميِّز بين الدلالة وضرب الأمثلة والتعبير بوصفها صِيَغ مختلفة للإشارة الرمزية وأننا قد نلاحظ اختلافًا بين العلم من ناحية والفن من ناحية أخرى في صيغة الإشارة السائدة؛ أي إن الفحوى الدلالية تحتل دورًا أساسيًّا في العلم أكبر من الدور الذي يحتله في الفن، وضرب الأمثلة والتعبير أكثر بروزًا في الفنون من العلوم. مفترضين أن الدين أقرب إلى العلم من الفن فيما يتعلَّق بهذا، ربما نُغرى بحل المشكلة الأساسية على النحو التالي: العلم والدين في حالة حرب لأن الدلالة، بالنسبة للاثنين، الأداة الأساسية للمعرفة، بينما الفن ليس في حالة حرب مع أيٍّ منهما؛ لأنه، رغم أنه معرفي، يعمل أساسًا بضرب الأمثلة والتعبير.
(٦) ادعاءات بامتلاك الحقيقة
هنا تُطرح فكرة سيمنطيقية نفسها. إن اعتماد العلم والفن كليهما على الدلالة لا يكفي لإظهار صراع محتمل بينهما. لكي ينشب صراع نحتاج أيضًا ادعاءات بامتلاك الحقيقة، مجسدةً في تصريحات متضاربة. إن الدلالة وظيفة تقوم بها المصطلحات العامة أو المسندات وحدها، ولا شيء منها يكوِّن تصريحًا أو يتضمَّنه.
يتضمَّن العلم تصريحات كما يتضمَّن مسندات، وهي ما يتضمَّنه الدين. إنهما بالتالي قادران على تأكيد تصريحات متضاربة بشكل متبادل، ومن ثم تقديم ادعاءات متضاربة بامتلاك الحقيقة. لكن الصور، وهي توازي المصطلحات أو المسندات، يمكن أن تدلَّ لكنها لا تؤكِّد؛ لا يوجد، في الحقيقة، في التصوير ما يوازي التصريحات، ومن ثم لا توجد ادعاءات تصويرية بامتلاك الحقيقة. هنا، إذن، اختلاف حاسم بين الفن التصويري والدين يفسِّر توجُّههما المختلف من العلم: يقدم الدين والعلم ادعاءات بامتلاك الحقيقة لكن الفن التصويري لا يقدِّم ادعاءات من هذا القبيل.
لكن هل هذه المسألة واضحة جدًّا؟ تبنَّى جودمان الرأي القائل بأن «الصورة لا تقدِّم تصريحًا». ويكتب: «صورة السيارة الصفراء الضخمة القديمة المحطمة، مثل الوصف «السيارة الصفراء الضخمة القديمة المحطمة»، لا تسلِّم بأيٍّ من التصريحات التالية:
في الحالة الأولى من هاتين الحالتين، يمكن اعتباره الصورة، رغم أنها ليست تصريحًا ولا تتضمَّن حرفيًّا أي تصريح، مرتبطة بالتصريح «تشرشل مدخن سيجارًا» ربما بطريقة تناظر ما قيل من قبلُ عن الوصف؛ أي إنه إذا حكم على هذا التصريح بأنه زائف ونحن نحكم على الصورة بأنها تمثِّل تشرشل مدخِّنًا للسيجار، يمكن الاعتقاد بأن الصورة تقدِّم تصويرًا غير حقيقيٍّ لموضوعها. وفي الحالة الثانية، يمكن اعتبار الصورة، بطريقة موازية، مرتبطة بالتصريح «تشرشل رضيع»، رغم أن التصريح الأخير، بالطبع، يقدم ادعاءً بحقيقة استعارية لا حرفية.
لدينا هنا على ما يبدو إجابة للسؤال «أي أكثر؟» الذي وُجِّه من قبلُ لنظرية رودنر؛ لأن كل صورة من صور تشرشل ترتبط بأكثر من مجرد ادعاء بأنها تصور تشرشل. إنها ترتبط بالإضافة إلى ذلك بالادعاء بأن تشرشل يُصوَّر بوصفه كِيانًا، وهو ما قد يكون أو لا يكون صوابًا في الحقيقة. لكن النقطة المهمة ليست الصحة بل ادعاء الصواب. إن الادعاء في حالة حرفيًّا، وفي الأخرى استعاريًّا، وينبغي ألَّا تطمس الحقيقةُ النقطة الأساسية المتمثلة في أن التصريح هنا مرتبط بصورة. بقدر ما يمكن تعميم هذه النقطة، نعود مرةً أخرى إلى مشكلتنا الأصلية: إذا كان من الممكن تفسير فن تصويريٍّ بأنه مرتبط بادعاء الحقيقة، مثل العلم والدين، لماذا يحارب العلم الدين ولا يحارب الفن؟
وتتصاعد المشكلة، بالطبع، إذا لم نتأمل الفن التصويري وحده وتأملنا أيضًا الأنواع اللفظية أو الأدبية؛ لأن من الواضح أن هذه الأنواع تقدم تصريحات، حرفية واستعارية؛ وبالإضافة إلى ذلك، حتى حيث يكون الزعم الحرفي لتلك التصريحات زائفًا، قد يقدِّم الزعم الاستعاري ادعاءات بامتلاك الحقيقة. وهذه حقيقة تُدخل الفن مرةً أخرى في صراع محتمل مع العلم، لكن لا تنشب حرب كما يحدث حين يواجه العلم الدين.
(٧) إعادة النظر
توحي هذه النتائج بأننا أعدنا النظر بشكل أفضل في النقط التي بدأنا منها؛ لأنه سواء اعتبرنا الفن غير معرفي، كما يدَّعي الرأي التقليدي، أو معرفيًّا، كما ألححنا حديثًا، لا يوجد حل وشيك للمشكلة الأصلية. وينبغي أن نتساءل عن إمكانية تصور المشكلة الأصلية بشكل خطأ.
هل صحيح أن علاقات الفنِّ ودية مع كلٍّ من العلم والدين؟ هاجم الكتاب الرومانسيون في القرنين التاسع عشر والعشرين العلم؛ لأنه يدمر حياة الفن والثقافة، وهاجم أنصار العلم الجمالية العقيمة والانحطاط. وهاجم متدينون متشددون من انتماءات شتى، من وقت لآخر، المسرح والرقص والموسيقى والصور المحفورة، بينما سخر الفنانون الطليعيون من جمود المعتقدات الدينية. حدثت الانقسامات بين الفن والعلم، من ناحية، والفن والدين، من ناحية أخرى، بعمق شديد حتى إنها ألهمت مجموعةً من المنظِّرين الاجتماعيين للسعي إلى التغلب على مثل هذه الشروخ الثقافية باسم التعقل الاجتماعي.
صحيح أن العلم والدين لا يقتصران تمامًا على العالم اللفظي، يتطلب الاثنان تعبيرًا صريحًا في مواضيع ملموسة من العالم الفيزيائي — الأول في التجربة، والآخر في طقوس الرمزية الدينية — وهذا يجعلهما في اتصال تعاوني مع الفنان والحِرَفي. لكن مثل هذا الاتصال لا يحول تمامًا دون وقوع الصراع، أو حتى الحرب. يبدو أن هذا الخط من التفكير يدفعنا إلى استنتاج أن العلم في حرب ليس فقط مع الدين لكن أيضًا مع الفن، والدين في حرب ليس فقط مع العلم لكن مع الفن أيضًا. ونحتاج إلى التخلي عن فرضيتنا الأولية بأن هناك صراعًا بين العلم والدين فقط. يبدو أن علينا أن نقتنع ليس فقط بصراع واحد لكن بحرب يشنها الجميع ضد الجميع.
ولا يقلل من هذا الاستنتاج أن نشير إلى أن هذه الصراعات الأخيرة متفرقة وليست مستمرة، وأن الدين كثيرًا ما يتعايش في سلام مع الفن، ويتعايش الفن في سلام مع العلم. ولأن الشيء نفسه يصح على العلم والدين، الذي رغم اشتعال حالات الحرب في أحيان مختلفة، يعيشان أيضًا فتراتٍ متقطعةً من نعيم التوافق. ألَا يوجد إذن اختلاف يمكن ملاحظته؟ هل السؤال الذي كُنا نسعى للوصول إلى إجابة له مؤسَّس على الوهم؟ لماذا تبرز غالبًا بشكل خاص الحرب بين العلم والدين في مناقشات الثقافة؟
رأينا أن الإجابة على هذا السؤال لا تكمن، على أية حال، في القدرات السيمنطيقية؛ أي في اختلافات مفترضة بين الفن والعلم والدين فيما يتعلَّق بقواها المعرفية أو الرمزية. إذا كان الدين يقدِّم تصريحات، فإن الفن يفعل ذلك بطريقته الخاصة. الاثنان بطبيعة الحال قادران على تقديم تصريحات في صراع مع العلم.
(٨) علاقة السلطة
لكن ربما تكمن إجابة سؤالنا في البعد البراجماتي وليس السيمنطيقي؛ أي إن السياق الاجتماعي للتصريح المقدَّم في الفن يختلف عن السياق الاجتماعي للعلم والسياق الاجتماعي للدين. يتضمَّن الأسلوب في كلٍّ من العلم والدين، بكلمة واحدة، سلطة؛ ولا يتضمن الأسلوب في الفن سلطة. إن المبادئ التي يؤيدها الدين في مجتمع معين في وقت معين هي تلك التي تسنُّها السلطة الدينية المناسبة في ذلك الوقت. وبشكل مماثل، المبادئ التي تشكِّل كِيان العلم في مجتمع في وقت معين هي تلك التي تؤيدها سلطة الرأي العلمي للخبراء في ذلك الوقت. ولا يهم أن السلطة الدينية تتمركز غالبًا في المجتمع الديني أكثر ممَّا تتمركز سلطة العلم؛ أي إن السلطة العلمية أكثر انتشارًا. ولا يهم أن السلطة الدينية نفسها يتنوع تجسيدها في تنوُّع المجتمعات الدينية. والقضية الرئيسية أنه يوجد عادةً شيء من قبيل العقيدة الدينية الرسمية في كلٍّ من تلك المجتمعات التاريخية وشيء من قبيل الرأي العلمي للخبراء في كل تخصُّص في مرحلة معينة حاسمة.
يصف بولاني التقاليد العامة للعلم بأنها ترتكز على سلاسل ممَّا قد نعتقد أنها سلطة داخلية، وهذه السلطة الداخلية ضرورية لأن:
لا أحد يعرف أكثر من جزء ضئيل من العلم ليحكم جيدًا على مصداقيته وقيمته مباشرة. وبالنسبة للباقي عليه الاعتماد على آراء تقبل بشكل غير مباشر، بناءً على سلطة جماعة من الناس معتمدين بوصفهم علماء … ما يحدث هو أن كل من يعترف بعدد من الآخرين بأنهم علماء يعترفون به بدورهم عالمًا، وتشكل هذه العلاقات سلاسل تنقل هذه الاعترافات المتبادلة بشكل غير مباشر عبر المجتمع كله، وتمتد المنظومة إلى الماضي. يعترف أعضاؤها بمجموعة من الأشخاص بأنهم أساتذتهم ويستنبطون من هذا الولاء تقاليد مشتركة، يحمل كل منهم جزءًا خاصًّا منها.
رغم فردية العلم، إذن، إلا أنه مجسد في مؤسسات تمثل حكامًا للرأي العلمي الرسمية. وتؤدي هذه الحقيقة إلى نتيجة حاسمة بالنسبة لمشكلتنا. إنها تجعل من الممكن ألَّا نتكلم فقط عن هذا العالم أو ذاك بوصفه لا يتفق مع رجل الكنيسة هذا أو ذاك. ما ينشب هو صراع مؤسسي للعلم مع الدين حين تتصادم العقيدة الدينية الرسمية مع رأي علمي كفؤ. حتى حيث يكون عالم واحد هو الذي يحمل وطأة الصراع، فإنه يمثل الوسط الرسمي للباحثين والمجرِّبين العلميين.
من النتائج الطبيعية لهذه النقاط الخاصة بالتضارب أن العلم قد يكون تراكميًّا حتى إذا كان يخضع في الحقيقة للتطور ولا يتراكم دائمًا، وأن الإيمان الديني قد يتراكم بشكل مماثل، حتى إذا كان يخضع في الحقيقة للانشقاق والهرطقة. وهناك، فيما يتعلق بهذه الأمور، تنظيم شبه خطي لحالات الإيمان المشترك، بالاحتواء، في كلٍّ من العلم والدين. لكن الأمر ليس كذلك مع الفن؛ لأنه لا يوجد إيمان فني مشترك، حتى رغم إمكانية استخلاص سِمات أسلوبية سائدة في فترات معينة من التطور الفني. وبالإضافة إلى ذلك، لا تنمو هذه السمات بالتراكم. إن التطور الفني يحدث، لكن مبدأه ليس من مبادئ الاحتواء النسبي.
إن النزعة الفردية في الفن الحديث تعني أنه لا ينهمك في حرب مشتركة مع العلم أو مع الدين. لكن هذا لا يكفي للدلالة ضمنيًّا على سلام تام. إن عدم وجود صراع للبنى الرسمية للإجماع على الجانبين لا يعني أنه يمكن ألَّا تكون هناك هجمات بالجملة على الحريات الفنية من جانب الدين، أو تهديدات للمخيلة الفنية من بناء ضيق للحقيقة العلمية أو المنهج العلمي. إن ذلك لا يعني أن الفنانين لا يستطيعون تأسيس طوائف غير علمية ونشر الخرافة. ولا يعني ذلك، كما تشير حالة سلمان رشدي، أن بعض الأعمال الفنية لا يمكن أن يُفهم منها أنها تهدِّد المعتقدات الدينية. إذا برزت الحرب الحقيقية بين العلم والدين فإن ذلك يعود إلى أن بنى السلطة على الجانبَين في خطر بصرف النظر عن المبرِّرات الخاصة للحرب. لكن هناك، للأسف، طرقًا كثيرة لتعكير السلام. بدل الحرب المشتركة، كثيرًا ما تقع مناوشات متفرقة، نشوب متكرر للغارات والغارات المضادة، غزوات متقطعة وهجمات حرب عصابات. ليست هناك حرب كاملة للكل ضد الكل، وليس هناك أيضًا انسجام أو حتى هدنة.