الأقواس أو الذكرى الغامضة
(مترجمة عن نظم الشاعر الفرنسي الشهير إدمون روستان، نقلها نثرًا إلى العربية الأستاذ حسن صالح الجداوي، ووضعها نظمًا بشعر مرسل صاحب الديوان.)
(١) الترجمة النثرية
لقد كنا هذا المساء تحت سنديانة باسقة
(سنديانة ربما لم تكن إلا شجيرة الزيزفون!)
وكنتُ — حبًّا في أن أجثو عند ركبتيك على الأرض —
قد تركت كرسيَّ الهزاز يتموج وحده
وكنت كالشقراء كالصور المنشورة بالمجلات
وكان كرسيك يهتز بك كالزورق في الماء
وكان يغني فوق الشجرة بلبل
(بلبل ربما لم يك إلا عصفورًا!)
وكانت تبلغ آذاننا نغمات موسيقية نائية
(نغمات ربما لم تكن إلا ضجيجًا!)
وكان فرع الشجرة الأخضر المتدلي نحونا يعصف به الهواء
أشبه بعازف يلعب على قيثارة
وكانت السماء كلها كصفحة حمراء
وكنا نلمح على بعدٍ خيال أشجار يهتز على لجين بحيرة
(بحيرة ربما لم تكن إلا مستنقعًا!)
وبينما الأمل يبسط جناحيه
(أمل ربما لم يَكُ إلا رغبة)
كانت ملابسك تلمس خدي
وأصبعي تحاول أن تمسكها
وكنت أحاول أن أتبين عدد ثنايا ردائك
وكنا — وقد أذهلنا الحب — نتبادل أحاديث
(أحاديث ربما لم تَكُ إلا كلمات!)
وصعدت على ملابسك حشرة سوداء
كبقعة الحبر على الصحيفة البيضاء
ورمى الخوف بك بين ذراعيَّ
(خوف ربما لم يَكُ إلا وسيلة!)
وأفضنا بأسرارنا في الظلام
وخُيل إليَّ أنني أرى بعينيك الحانيتين الحائرتين
روحًا عميقة دقيقة الإحساس
(روحًا ربما لم تك إلا نظرة!)
(٢) الترجمة النظمية
كنا بذاك المساء تظلنا سنديانه
(وربما هي كانت شجيرة الزيزفون)
وكنتُ من فرط حبي الدنوَّ من ركبتيكِ
أجثو وأترك كرسي يموج ملء اهتزازه
وكنت شقراء كالصورة تختار زينة صحف
وكان يهتز كرسيك مثل هزَّة زورق
وكان سحرًا يغني على الشجيرة بلبل
(وربما لم يكن ذا إلا مُغنٍّ حقير!)
وكان يبلغ أذنينا صوتٌ بعيدٌ غِنائي
(وربما لم يكن ذا إلا ضجيج ثقيل!)
وقد كان ذلك الغصن الذي تدلَّى إلينا
في وسط عصف الهواء كعازف القيثاره
أما السماء فكانت كصفحةٍ حمراء
وكان في البعد يبدو خيال أشجار هُزَّتْ
على لجين البحيره
(وربما هي في حقيقةٍ مستنقعْ!)
وحين كان جناحا الرجاء يمتدَّان
(وربما كان هذا الرجاء أبسط رغبه!)
كانت ثيابك هذي باللطف تلمس خدي
وأنملاتي افتتانًا قد حاولت مسكها
وكم تحايلت حتى أدري ثنايا ثيابك
وكان والحب يقضي على النهى بالذهول
لنا حديثٌ مبادَلْ
(وربما كان هذا الحديث لفظًا يسيرًا!)
ثم اعتلت فوق ملبوسك حشرةٌ سوداء
كانت كبقعة حبر بصفحة بيضاء
فلذتِ بين ذراعيَّ وقد رمى بك خوف
(وربما كان هذا في الحق محض وسيله!)
وفي الظلام أفضنا بسرنا دون حد
وكنت ألمح روحًا عميقة حساسه
في نور عينيك هاتين بحيرةٍ وبعطف
(وربما هذه الروح لم تكن غير نظره!)