الدائن العظيم
(نظمها الشاعر يوم ٢٨ ديسمبر سنة ١٩٢٨ قبيل مغادرته الإسكندرية ترحيبًا بالدكتور طه حسين حين كان يحاضر في الشعر العربي بمدرسة الليسيه الفرنسية بالشاطبي.)
أتجيز لي قبل الرحيل الداني
إنشاء إعجابي وحب جناني؟
رددت من قبل الثناء ورددت
بعدي السنون، فما اكتفى وجداني
حتى تلاقينا فضمخ مسمعي
لطف بإحسان على إحسان
وأصخت للأدب الصميم يزينه
نور الذكاء وشعلة العرفان
فسمعت أفصح منطق متسلسل
كتسلسل الألحان في الغدران
وسع القديم مع الجديد فأكسبا
من طبعه الفنان حلو معان
علمًا أراك، بروحه من عصره
ما طاب من حسن ومن ألوان
قد كنت تعجز بالكلام كتابة
حتى خطبت فخانني حسباني
تتدفق الألفاظ منك بعزة
كتدفق الإلهام من فنان
في تؤدة مرموقة كرشاقة
غنيت عن التزويق والإعلان
تستأسر الألباب في رفق كما
يستأسر الأحلام لطف غواني
غنيت غنى عن موقف وإشارة
بروائع التعبير والإيمان
فتتابع الغيب الذي جددته
من سالف الدولات والأزمان
لك عالم في ذهنك الجبار بل
قامت لديك عوالم الأذهان
ودرست أعصارًا دراسة جائل
فيها، وعدت لنا بحذق الباني
فخر لهذا الجيل عمرك مثلما
هو فخر ما يعتز في الإنسان
من كل موهبة تألق حولها
للعبقرية شائقات بيان
قل يا إمام العصر في نقد وفي
بحث وفي كد وفي إتقان!
يصغى إليك العائبون كأنهم
في أخذهم خروا إلى الأذقان
ونصيخ نحن إليك في إعجابنا
كالمنصتين إلى نبي حان
أحييت موتَى الغافلين وكم أرى
في الناس أمواتًا بلا أكفان!
ورفعت للتجديد راية نهضة
فاقبل أقل الدين من عرفاني