رثاء إله
أبكيك أنت كما يبكي الوجود مُنًى
عند الشتاء فما يحظى بسلوان
أبكيك ملء هوى شعري، وملء سنا
فكري، وملء مدى حسي ووجداني
أنت النوافح، بل أنت الجوارح، بل
أنت الحياة بإحسان وإحسان
أبكيك أنت وما زلت الخلودَ وما
حوِّلت عنك بلا حب وإيمان
أبكيك أنت على رغمي، كذا وبلا
رغم، فإنك لي نور كنيران
لم يصف حبك لي إلا ليخذلني
عمري فأنفقه ألحان أشجاني
كم من حسود يعاديني ويحسبني
حرًّا سعيدًا فيؤذيني بعدوان!
لم يدر ثورة مقهور ولوعة محـ
ـسور يكفنها في طي كتمان
لم يدر زفرة أنغامي، ولوعة أحـ
ـلامي، وشدة آلامي وحرماني
أقضي الحياة شريدًا مثل مغترب
قد ظل ما بين بركان وخلجان
جنى المحيط عليه بالحياة سوى
حياة معتزل في صخرة عان
والناس تغبط مرقاه وتحسده
سلاحفٌ ونسورٌ دون حسبان!
وهو الذي ما له جدوى السمو، ولا
حظ النعيم ولا تقدير قربان
لم يبق عيشي الذي يدعو البكاءَ له
فإن عيشي وموتي الآن سيان
لكنني حين أبكي في الصموت بلا
دمع وكلي تباريح لغصان
أبكي بكل وجودي من مضت فمضت
عنها مآثر إبداعي وإتقاني
إن تغنَ عنها — ولن تغنى — فلم خلقت
نفسي؟ وما سر تغريدي وألحاني؟
وكيف أصبح شدوي كله حرقًا
ولم يصف ملكها غيري بأوزاني؟
ماتت بدنيا الورى موتًا وإن خلدت
في طي لبي بأوجاعي وأحزاني
وصار شعر بكائي بعث سيرتها
وإن يكن هو تقطيعي وفقداني
أبكيك أبكيك إذ أبكي هواي كما
يبكي القتيل المنى من حُمق ديَّان!
خلقتِ دنيايَ خلقًا ثم ما برحت
يداك عونًا على هدمي وخسراني
فكنت مثل إله هدَّ صولته
فهد مهجته في هدِّ سلطان
وصار يرثيه مخلوق يقدسه
فقد حكى فانيًا من ليس بالفاني!