ثغر كليوباطرة
(ألقى الناظم هذه القصيدة في الحفلة التكريمية التي أقامتها له (الجمعية الطبية المصرية) بالإسكندرية بصالة أتينيوس يوم ٢٦ ديسمبر سنة ١٩٢٨ قبيل انتقاله إلى العاصمة.)
أودِّع الثغر، لكن لم يزل فيه
بقية من هوى قلبي توافيه
واليوم زدتم فروضي من محبتكم
فلم يعد ذلك الشكران يكفيه
الذكريات لماضيه وحاضره
شتى، وأجملها من حسن ماضيه
من مجد (إسكندر) أو سحر فاتنة
أو نور جامعة أو من مغانيه
قد دام مسرح ألباب وأفئدة
ونبع فلسفة عُليا لجاديه
روح الجمال وروح العلم مذ عرفا
تجليا فيه، بل لم يبرحا فيه
الحسن في الجانب الشرقي يرمقكم
والعلم في الغرب وافاكم بأهليه١
جدتم سخاء بتكريمي فكرمكم
شعوركم فوق تقديري وتنويهي!
وكنتم الطب في أسمى مظاهره
نبلًا، وكم نال قبلًا حظ تأليه
من عهد (أمحتب)٢ دانت فراعنه
له، فكيف بمثلي دون تشبيه؟
أجدد العهد إجلالًا لرابطةٍ
الطبُّ فيها عزيز في تجليه
تفي الزمالة حقًّا من رعايتها
كما يسامي بها المرعيُّ راعيه
كم قلدتنا التآخي وهو جوهرة
فكلنا في تآخيه تباهيه
وازينت دائمًا عُليا رئاستها
بمن ندين لإخلاص يحليه
من نال حظ جميل في رعايته
يغنم كغنم الذي بالطب يحييه
صفحًا لكم في مغالاة أبجلها
ولا ذنوب لقلبي في تغاليه!
ولو نسيت — ولن أنسى — حقوق هوًى
فكيف ينسى فؤادي حفلة التيه؟
لي عزة في فخار من نبالتكم
والنبل ليس له ندٌّ يساميه
والآن فلتسمحوا لي في مداعبة
بذكر ماضٍ لذيذ في مجاليه
مودعًا لي جراثيمًا منوعة
مستنبتات بتقديسي وتأليهي
كم كنت أزرعها خوفًا فتنصفني
في حين خذلان مرجوٍّ لراجيه
أحيي الليالي لديها في مسامرة
كما يقضي هوى الصوفي لياليه
وكنت أحسب قربي من منابتها
حظًّا وفحصي غناها شبه ترفيه
والمجهر الصادق المحبوب يسعدني
كأنه الأدب العالي لتاليه
ما قلت يومًا له «أف» بل اتصلت
عيني بعين له فيما نلاقيه
بادلته نظراتي حين بادلني
علمًا ثمينًا، فهل أنسى أياديه؟
قد كان ملجأ أحزاني إذا اضطربت
نفسي من الخلق في لؤم تواليه
ما كان يجحد إخلاصي لصحبته
إن خان عهدي صديق لي أفديه
ولست أنسى (خليلًا) حين يزعجني
صياحه في تقاضيه وناديه!
ولست أنسى (عفيفي) في أشعته
مُسدَّدات إلينا دون تنبيه
حتى تُكهرب (محفوظًا) وتُرقصه
كما تُجنن (صبري)٥ في تشكيه
كلاهما طبه طب المسيح فما
أغنى أمام سهام من معاديه
و«العبد لله» مصدوعًا يبارزها
ولا سلاح له إلا كراسيه
واليوم قد بات هذا كله خبرًا
من بعد شكوى بمجلى الأنس أرويه
كذا الحياة فنون لا حدود لها
الجد فيها كهزل في مناحيه
وليس تبقى لذكرانا نقدسه
إلَّا جمال التآخي في تعاليه
١
إشارة إلى المؤتمر الطبي الدولي.
٢
الطبيب الشهير في تاريخ مصر القديم.
٣
الأميبات، والكلمة من وضع الأب الكرملي.
٤
أواريه: أخفيه.
٥
خليل كبير سعاة مستشفى الحكومة بالإسكندرية، والدكتور محمود عفيفي
رئيس قسم الأشعة بالمستشفى المذكور، والدكتور محفوظ رئيس قسم الرمد،
والدكتور صبري رئيس قسم الجلد. وموضع كل من القسمين الأخيرين وكذلك
المعمل البكتربولوجي فوق قسم الأشعة، وهذا ما تشير إليه الأبيات في
مداعبة.