ملخص لمحضر اجتماع اللجنة العلمية المكلَّفة بمناقشة الدكتور أحمد شفيق بشأن دواء الروماتويد
- (١)
وزارة الصحة، بصفتها المسئول الأول عن صحة المواطنين وسلامتهم، ممثلة في الهيئة العليا بالأدوية وغيرها من جهات الاختصاص بالوزارة.
- (٢)
نقابة الأطباء، بصفتها التجمع النقابي للمشتغلين بمهنة الطب، ومن بينهم د. شفيق، ترعى مصالحهم وتحافظ على المستوى اللائق بحسن أدائهم لعملهم قبل إخوانهم من المواطنين.
- (٣)
كلية طب قصر العيني خاصةً، وجامعة القاهرة عامةً، بصفة الدكتور شفيق أستاذًا بها، منتميًا إلى أعضاء هيئة التدريس، ومن ثم تُحسب عليهم تصرفاته، على المستويَين العلمي والأخلاقي، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا (معاذ الله) فشر.
- (٤)
الجمعية الطبية المصرية، وشُعَبها التي تعد بالعشرات، بصفتها التنظيم الشامل والأم لكل الأنشطة العلمية للأطباء على اختلاف تخصصاتهم.
- (٥)
أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وبها مجلس خاص ببحوث الصحة والدواء، كما أن بها الهيئة المختصة بتسجيل براءات الاختراع.
- (٦)
نستطيع أن نُضيف إلى كل من ذكرناهم هيئات أخرى لا يحصرها العد، كنقابة الصيادلة، أو كمجلس الشعب مثلًا، وغيرهما كثير ممن يهتمون بصحة الناس وسلامتهم.
(٢) في إطار هذا التصور المتعدد الأبعاد، رحَّبت عندما دعيت للقاء أ.د. شفيق مرتَين: مرة يوم الأحد ٣ فبراير ١٩٨٥م مدعوًّا من الهيئة العليا للدواء بصفتي عضوًا بلجنتها العلمية ورئيسًا للجنتها المختصة بالأمراض الباطنة، ومرة ثانية يوم الثلاثاء ٥ فبراير ١٩٨٥م مدعوًّا من السيد الأستاذ الدكتور عميد كلية طب قصر العيني بصفتي رئيسًا لقسم الأمراض المتوطنة ورئيسًا لمجلس قسم الأمراض الباطنة الخاصة بالكلية. وسأركز فيما يلي على ما دار في اللقاء الثاني.
(ب) (١) بدأ اجتماع اللجنة المشكَّلة من رؤساء الأقسام المعنية برئاسة السيد العميد بكلمة قصيرة من أ.د. عبد المنعم حسب الله، وكيل الكلية، قال فيها إن كلية طب قصر العيني، بصفتها أعرق مدرسة للطب في المنطقة، وبصفتها قلعة للأداء الطبي الممتاز علمًا وخلقًا، تُرحب بروح البحث العلمي والاكتشاف المبتكر والتجريب الخلَّاق، وهي في الوقت ذاته تحرص على المُثل العليا للطب وآداب المهنة كما توارثها الأطباء منذ أبقراط الذي يقسمون قسمه عند تخرجهم.
(٣) عن تجاربه الإكلينيكية للدواء الجديد في الآدميين، قال الأستاذ الدكتور أحمد شفيق إنه جرَّبه في ٢٢ مريضًا بمرض الروماتويد وكانت النتائج مذهلة إذا قورنت بالأدوية التقليدية كالكورتيزون، والأدوية غير الكورتيزونية من مضادات الالتهاب، والعلاج بالذهب … إلخ. وأذكر أنه قال أيضًا أنه جرَّبه في علاج تقرُّح القولون غير النوعي.
- (١)
أربعة مرضى بالسرطان الغُددي اختفت فيهم الأورام تمامًا بعد العلاج.
- (٢)
ثلاثة مرضى بسرطان الكبد الأولى تم تشخيصهم بالموجات فوق الصوتية (ولكن لم تؤخذ منهم عينات من نسيج الكبد بإبرة البزل) وهم جميعًا في طريقهم إلى الشفاء بعد علاجهم بالدواء الجديد.
- (٣) مريض بسرطان المستقيم المصحوب بثانويات سرطانية في الكبد (كما ظهر بفحص الموجات فوق الصوتية)، أُجريت له أولًا عملية تفميم للقولون Colostomyh ثم أُعطِي الدواء الجديد، فبدأ الورم الأول في المستقيم والأورام الثانوية في الكبد في التضاؤل.
- (٤)
مريضة بسرطان الغدة الدرقية المصحوب بانضغاط في الشريانين السباتيين، أعطيت الدواء الجديد حقنًا في الورم ذاته فتساقط الورم وعاد الدم إلى التدفق في الشريانين السباتيين.
(٥) أستأذن قارئ هذا الملخص أن أضيف إليه معلومة أخرى أذاعها علينا أ.د. أحمد شفيق في لقاء ثالث يوم الأحد ١٠ فبراير ١٩٨٥م مع الهيئة العليا للدواء، وذلك استكمالًا للمجالات التي يقول سيادته إن الدواء الجديد أثبت فاعليته فيها، قال سيادته في هذا الاجتماع الثالث إن دواءه الجديد أثبت أيضًا أنه مضاد للفيروسات كلها فقد شُفِي به مرضى مصابون بالالتهاب الكبدي الفيروسي، وكذا شُفِي به تاليل الجلد.
(ﺟ) (١) بعد أن استعرض أ.د. شفيق أبحاثه، قام السادة الزملاء رؤساء الأقسام المختلفة بسؤاله كل فيما يخصه، بدأ بالتخصصات العلمية المعملية: أ.د. الهواري في الفارماكولوجيا، أ.د. ندا في الباثولوجيا، أ.د. نبيل البلقيني وأ.د. أسامة سليمان في النواحي السرطانية، أ.د. نوال عفيفي في الباثولوجيا الإكلينيكية. ثم استكملت الاستفسارات في التجارب الإكلينيكية من السادة الأساتذة: عبد العظيم رفعت في الجراحة، د. حسين عبد الفتاح عبد العظيم، د. محمد عبد الرازق في الأمراض الباطنية، د. عدلي الشربيني في التخدير، د. أحمد خالد في الروماتيزم والعلاج الطبيعي، وطبعًا لن أتعرض لما قالوه بالتفصيل، فهو مرة أخرى أقدر على ذلك مني، ولكن أكتفي في هذا الجزء من العرض بذكر بعض ما لفت نظري في مناقشاتهم مع الأستاذ الدكتور أحمد شفيق.
(٢) سأل أ.د. الهواري عما إذا كانت الدراسات الفارماكولوجية المتعارف عليها قد أُجريت على هذا الدواء الجديد، مثل تحديد تركيب المادة الفعالة، وطريقة قياس تركيزها في الدم، وغيرها من الدراسات الأخرى والتي تشمل امتصاص الدواء وتوزيعه في أجزاء الجسم المختلفة، ومدى «سميته» على المدى القصير والمدى الطويل، وطريقة تعقيمه والطريقة المثلى لإعطائه، وهل أُجريت عملية دراسات للتأكد من خلوه من التأثير على الأجنَّة وإحداث التشوهات أو السرطانات.
وكانت إجابة أ.د. شفيق عن هذا التساؤل مزدوجة، قال أولًا إن هذا الجزء من البحث قام به زميله أ.د. مرزباني الموجود حاليًّا بالسعودية، وإنه لا يستطيع الإجابة عن هذه التساؤلات لأنها ليست من تخصصه ولا يعرف عنها شيئًا، فلما قيل له إن أ.د. مرزباني متخصص في الكيمياء التخليقية وليس في الفاروماكولوجيا، قال ثانيًا إن هذه الدراسات لا داعي لها في الحقيقة لأن دواءه الجديد ما هو إلا مادة معروفة مستعملة في أغراض أخرى ولم يُعرَف عنها أنها أحدثت آثارًا ضارة من قبل.
قلت له عندئذٍ، إذن الدواء الجديد ليس جديدًا بالمعنى المفهوم، بل هو استعمال جديد لدواء قديم، فأمَّن سيادته على ما استنتجته، فقلنا له: إذن لماذا حرصك الشديد على السرية؟
(٣) سأل أ.د. نبيل البلقيني عما إذا كانت الفئران التي استُعمِلت في التجارب من نوع «الاستيلاء الداخلي» لأن أي دراسة تُجرى على فئران من غير هذا النوع تعتبر مرفوضة علميًّا لعدم تجانس الحيوانات، ومن ثَم يستحيل مقارنة استجابتها للمادة التي يُراد دراستها، وقال أ.د. نبيل إنه متأكد أن مثل هذه الحيوانات اللازمة للدراسة التجريبية السليمة لا توجد في معهد الأورام القومي، ولا في أي مكان آخر في مصر إلا في معامل النامرو الأمريكية بالعباسية.
(٤) سألت الأستاذة الدكتورة نوال عفيفي أسئلة كثيرة فنية عن الجلوبيواينات المناعية التي كانت مدخل أ.د. أحمد شفيق إلى تجربة الدواء في الآدميين المصابين بأمراض الكولاجين، وأعترف أنا شخصيًّا بأني استفدت كثيرًا من أسئلتها هذه، وتعلمت منها في هذه الفترة القصيرة الكثير، وإن كان أ.د. شفيق قد آثارته هذه الأسئلة وعلَّق عليها محتدًّا بقوله إن أ.د. نوال تعامله كما لو كان تلميذًا، فلم أتمالك نفسي من أن أقول له إننا جميعًا أمام العلم تلامذة أبديون! وإن مهنتنا تتطلب منا دائمًا أن نصغي جيدًا إلى ما يقوله الآخرون في التخصصات الوثيقة الصلة بعملنا، وإن هذه هي الفائدة التي نجنيها من عرض أبحاثنا وآرائنا على الزملاء في التخصصات المختلفة ومناقشتها معهم بصدر رحب لا يجزع من النقد قبل نشرها على الملأ. وذكَّرته بقول أستاذنا المرحوم أنور المفتي عندما كان يقول لنا — نحن تلامذته — يا أولادي الطب مالوش كبير! أنا في حاجات في الطب أتعلمها من تمرجية.
ومما أذكره أيضًا من مناقشة الدكتورة نوال تعجُّبها من وصف أ.د. شفيق لدوائه الجديد بأنه يجمع بين كونه صفتَين لا يمكن أن يجتمعا في دواء واحد، وقالت إن هذا الجمع بين النقيضَين شيء مستغرب.
ومن المعروف أن مرضى الروماتويد يتأثرون كثيرًا في أعراضهم بالعوامل النفسية، ثم إن المرض نفسه مرض متقلب، يتميز بنوبات من الحدة وأخرى من التحسن التلقائي حتى بدون أي دواء؛ ولذلك يجب متابعة المريض مدة طويلة تمتد سنوات قبل الحكم على أي علاج جديد بأنه فعال، فما بالك بأن يقال إنه يشفي تمامًا، فيا ترى ما هي أطول مدة تتبع فيها أ.د. شفيق مرضاه بعد علاجهم بدوائه الجديد؟
وكان رد أ.د. شفيق: أطول مدة تتبعت فيها مريضًا كانت ثلاثة شهور.
(٦) قال أ.د. أحمد خالد (والعهدة على الراوي) إنه عاين حالتين ممن تعاملوا مع علاج أ.د. أحمد شفيق الجديد، وإن إحدى الحالتَين كانت شقيقة أحد السادة أعضاء هيئة التدريس بالكلية، وكانت تعاني من خُراج بالفخذ إثرَ حقنها بالدواء الجديد، وإن الحالة الثانية قالت إنها لم تتحسن بعد علاجها بالدواء الجديد، وطلب منا سيادته أن نعفيه من ذكر أسماء الحالتين حتى يستأذنهما في ذلك.
(٧) فقال أ.د. عدلي الشربيني: «القول المأثور يقول: البينة على من ادَّعى. لماذا لا يأتي لنا أ.د. أحمد شفيق بالاثنتين والعشرين حالة التي عالجها ويعرضها علينا ليقنعنا؟» واعترضت أنا على هذا الاقتراح لأكثر من سبب: فأولًا إنَّا لم نعاين هذه الحالات قبل العلاج حتى نحكم على مدى ما أصابها من تغير بعده؛ وثانيًا لأننا سنعتمد في تقييمنا على ما يقصه علينا مثل هؤلاء المرضى من أعراض ذاتية دون الحكم بمقاييس موضوعية كالتي أشار إليها أ.د. حسين عبد الفتاح؛ وثالثًا لأن مدة العلاج والتجارب لم تتجاوز في أقصاها ثلاثة شهور، وهي فترة قصيرة جدًّا للحكم على أي علاج في مرض مزمن ومتقلب كمرض الروماتويد، وهو ما أشار إليه أيضًا أ.د. حسين عبد الفتاح كما سبق.
(٨) عبَّر أ.د. عبد العظيم رفعت عن حرجه عندما سأله الناس عن الدواء الجديد، بصفته رئيسًا لقسم الجراحة الذي ينتمي إليه أ.د. أحمد شفيق مكتشف الدواء، فكان رد أ.د. عبد العظيم لا أدري عنه شيئًا!
(د) (١) فيما يخصني في هذه الجلسة وما دار فيها من مناقشات، ركَّزت كلامي على المبادئ العامة، قلت لولا أنه لفت نظري في المناقشات عمومًا محاولة الزملاء استكناه طبيعة الدواء ومعرفة سره، وذكَّرني ذلك ببرنامج يُذاع في محطة الإذاعة البريطانية اسمه «عشرون سؤالًا» يحاول فيه المتسابقون معرفة موضوع مجهول لهم من خلال سؤالهم لصاحب السر ٢٠ سؤالًا لا تزيد، ويبدأ السؤال الأول عادة ما يلي: «معدن أم نبات أم حيوان؟» وقلت لهم إن د. شفيق تفضَّل وقال لهم إنه من مصدر حيواني، وإنه ليس مادة جديدة بل هي مادة معروفة من قديم، وإنما هو يستعملها في أمراض لم تُستعمل فيها من قبل، وقلت إنني أربأ بمناقشاتنا أن تنجر إلى نوع من حل الألغاز، والأحاجي، لأن القضية أهم من ذلك بكثير، إنها قضية المنهج العلمي في المقام الأول؛ لأن العلم يتميز بمنهجه أكثر مما يتميز بنتائجه واكتشافاته فهل اتبع أ.د. أحمد شفيق هذا المنهج في بحثه واهتدى به في التوصل إلى نتائجه واكتشافاته؟ بالتأكيد لا، هناك منهج معروف ومعترف به عالميًّا في إجراء التجارب قبل الإكلينيكية والإكلينيكية على أي عقار جديد قبل الإعلان عنه كدواء يدخل الترسانة العلاجية، فهل اتبع أ.د. شفيق هذا المنهج خطوة خطوة في بحثه؟ بالتأكيد لا!
(٢) وقلت ثانيًا: إن حرص أ.د. شفيق على سرية دوائه لا يرجع بالتأكيد إلى رغبته في الشهرة؛ فهو الجراح الأشهر (المرشح لجائزة نوبل) والذي قام بالجراحات الرائدة في نقل الأعضاء من الموتى وزرعها في الأحياء كما سمعت رغم كارثة النتائج، ولا إلى رغبته في الكسب المادي، فهو غني عن ذلك على قدر علمي، ولكن الباعث إلى حرصه على السرية كما أتصور هو خوفه من أن يُنتزَع منه سبقه العلمي، وهو حق مشروع لكل عالم يعرف قدر اكتشافه، إذن لماذا لا يعطي أ.د. شفيق دواءه الجديد رقمًا كوديًّا يسجله ثم يقوم بعرض نتائجه على المحافل العلمية من دوريات وجمعيات ومؤتمرات لمناقشته مناقشة مستفيضة، لا شك أنه سيكون أول المستفيدين منها، قبل اللجوء إلى وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون، هل هذا هو السلوك الأمثل للعلماء، الذين عُرف عنهم التواضع والزهد في الدعاية والبُعد عن الأضواء وعدم التهافت على الشُّهرة، والإمعان في الدقة والنقد الذاتي والحرص على استطلاع رأي زملائهم وأندادهم، والاستماع إلى ملاحظاتهم والاستفادة منها في تصحيح مسار أبحاثهم، والاعتزاز بأن يكونوا قدوة صالحة ومثالًا يُحتذى لتلاميذهم في الكد في طلب الحقيقة والبحث عن المعرفة.
إن هذا الدواء الجديد حتى لو ثبتت فائدته فيما بعد، وحتى لو تأكد ما يقول صاحبه إنه من أخطر اكتشافات القرن العشرين، وإنه لا يقل أهمية في ذلك عن البنسلين فقد وُلد ولادة غير شرعية، وإلا تصوروا معي ماذا يكون الحال لو جاء أي دجَّال وأعلن في مؤتمر صحفي أو إعلامي عن اكتشافه لعلاج حاسم للسرطان ووقفنا نحن الهيئة الطبية والعلمية المسئولة في مصر لا نحرك ساكنًا إزاء هذا الادعاء، ماذا يكون الحال؟ ستعجز مطارات مصر كلها عن استيعاب المساكين القادمين من كل أنحاء العالم جريًا وراء الأمل الكاذب، وستمتلئ جيوب الدجال بالمال، ثم ماذا؟ فضيحة عالمية لمصر والطب المصري.
(٣) وقلت ثالثًا إن حكاية أ.د. شفيق هي في رأيي القشة التي قصمت ظهر بعير؛ فقد أظهرت بوضوح مدى العلاقة غير السليمة بين الدوائر الطبية ووسائل الإعلام، وهي قضية معقَّدة وشائكة سبق أن تعرضت لها منذ سنوات في برنامج تليفزيوني بمناسبة يوم الطبيب، وكان الحوار بيني وبين نقيب الأطباء السابق أ.د. حمدي السيد وقام بتقديمها الأستاذ سمير صبري، وخلاصة رأيي في هذه القضية أنها علاقة مشبوهة تنقصها الموضوعية العلمية ولا تبتغي وجه الله؛ فالأطباء من ناحية بعضهم على الأقل يبغون الشهرة السريعة وترويج العيادات، ووسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون تجري وراء الإثارة وملء الصفحات بالأخبار، والذين يدفعون ثمن هذا وذاك هم المرضى المساكين الذين يتعلقون بأي بارقة أمل في الشفاء، والعملية كلها بالفروض والشللية والعلاقات الشخصية المريبة، وأي متتبع للمقالات والبرامج الطبية المقروءة والمسموعة والمرئية سيكتشف بسهولة أن وراءها حملات منظمة لدفع أطباء بعينهم إلى المقدمة، كما لو كانوا يتمتعون بأبونيهات دائمة تفتح لهم أبواب وسائل الإعلام على مصراعيها، وسيكولوجية الإعلام معروفة؛ قُل للناس يوميًّا «اشرب كوكاكولا» حتى يأتي يوم ينسى الناس فيه أن هناك شيئًا اسمه الماء، ولا يشربون إلا الكوكاكولا، نفس الأسلوب السيكولوجي المعتمد على الإلحاح والإيحاء المستمر يؤدي في النهاية إلى قولبة سلوك الناس وضمان تسييرهم في الاتجاه المرسوم مسبقًا.
هذه هي القضية باختصار، ولا أحد يتصدى لعلاجها؛ لا نقابة الأطباء، ولا الجمعية الطبية المصرية ولا الجامعات، وأخشى أن أقول إن السبب في ذلك أن البعض من أفراد هذه الهيئات والقائمين على تسيير سياساتها هم أنفسهم شركاء ضالعون في هذه العلاقة المريضة ومستفيدون منها، وأنا شخصيًّا لا أعتقد أن هذه المعضلة ستُحَل في المستقبل القريب؛ لأنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بواقع المجتمع المصري والأمية السائدة بين أفراده، وانعدام وجود رأي علمي نقدي منزَّه عن الغرض، وسيطرة قيم الربح السريع بأي وسيلة على أي قيم أخرى مما يعتز بها العلم والطب على مر العصور.
أنا لا أطالب بأن يكون العلم كهنوتًا وأن نكون نحن سدنته، بل إني أحلم باليوم الذي يصبح فيه العلم ملكًا لكل مواطن، وأن يصبح المنهج العلمي هو أسلوب تفكيرنا ونمط حياتنا اليومية، ولكن هكذا تسير أمورنا الآن.
هذه باختصار، يا حضرات الزملاء هي القضية الرئيسية، وما حكاية الأستاذ الدكتور أحمد شفيق إلا صورة لما وصلت إليه من تأزُّم.
وإذا كان الدكتور أحمد شفيق قد استطاع بمساعدة بعض الزملاء الذين لقَّنوه إجابات تلغي عنه العقوبة، فإن هذا المحضر وحده يكفي لكشف مدى «علمية» العالم العالمي عن المادة التي يجربها بمنتهى الجرأة واللامسئولية على مرضاه المساكين.
بقي أن يُحاسَب الدكتور أحمد شفيق محاسبة علمية على عقاره المزعوم لعلاج الإيدز.