رد على يوسف إدريس
لم يستطع د. يوسف إدريس مواصلة الصبر على جنوحي وعقوقي وقرر في نهاية الأمر أن يقوم بواجبه ويطلب من وزراء الداخلية والصحة والتعليم وسلطات الجامعة أن تعاقبني في صفحة كاملة نشرها الأهرام صباح الإثنين الماضي، وقد حفلت هذه الصفحة بكل ما يمكن أن يتردد في الحوار من فاحش القول وأرذله، لماذا؟
-
(١)
لأنني أكتب في الصحف مواضيع غير طبية وأنا طبيب، وما العيب في هذا؟ فالدكتور إدريس يكتب القصة ومؤهله ليس في الأدب أو الثقافة إنما هو بكالوريوس في الطب العام، وهو مؤهل لا يتيح لصاحبه أن يزاول الطب ولا الأدب، بينما مؤهلي ودرجاتي العلمية وأبحاثي تتيح لي أن أصبح أستاذًا في الجامعة، ورئيسًا للأكاديمية العالمية للجهاز الهضمي، ونائبًا لرئيس الجمعية العالمية لأساتذة القولون والشرج، ونائبًا لرئيس الجمعية العالمية للعقم، وعضو هيئة تحرير أربع مجلات علمية عالمية، ورئيس تحرير المجلة الطبية المصرية، وتجاربي وأبحاثي أتاحت لي الحصول على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٧٧م واختياري في الموسوعة الدولية الأمريكية وكذلك الإنجليزية للعلماء البارزين في عامي ١٩٨٥م و١٩٨٦م، وهذه المؤهلات والدرجات والمراكز من شأنها أن يكون لي أصدقاء ومعارف وصلات وعلاقات عامة، وتفسح لي المجال للتحدث مع كثير من الشخصيات، وهذا من شأنه أن يدفعني إلى الخوض في موضوعات كثيرة ليس من بينها الطب رغم أن الطب مهنتي.
ومن الطبيعي أن ما أكتبه لا يضيف إلى معلومات السيد يوسف إدريس شيئًا فهو عالم بارز، مسئول عن البشر ومنوط إليه تقييمهم وإصلاحهم والأخذ بيدهم، إنه الوصي عليهم وعلى العلم والعلماء، ومن الطبيعي أن يكون قد امتلأ بالعلم وفاض على جيرانه وأصحابه، وبالتالي لم يعد في حاجة إليه!
-
(٢)
والسبب الثاني لجنوحي وعقوقي وعدم رضاء د. إدريس عني هو ترشيحي لجائزة نوبل، وهو أمر كما يتضح من مقاله تم رغم أنفه ولم يعلم به، فأراد أن يتحقق من وقوعه، ثم أعلن في مقاله أن لم يكن ثمة ترشيح ولفق قصة على لسان صديقَين له، ولم يشفع كلامه بدليل واحد يثبت أنه يتحدث نيابة عن معهد نوبل.
والدليل الوحيد الساذج الذي يسوقه د. يوسف هو سؤاله لأحد أساتذة كلية الطب في جامعة السويد ولم يذكر اسمه لأنه لا وجود له بالطبع، حيث قرر هذا الأستاذ أنه لا يعرف أحدًا باسم أحمد شفيق مرشحًا لجائزة نوبل، ولم يذكر السيد إدريس صلة هذا الأستاذ بجائزة نوبل أو بلجنتها أو علاقته بالترشيح وشروطه.
لكن السيد يوسف إدريس لم يقتنع فسأل صديقًا آخر بدافع حرصه على المصلحة العامة — يدعى الدكتور عطية أستاذ الأدب العربي في جامعة استكهولم — فأغرق هذا الأستاذ في الضحك وحكى له قصة من قصص تشيكوف، تثبت روايتها إلى أي حد وصلت مهانة العلم والعلماء على يد الدكتور يوسف إدريس وصديقه.
والحقيقة أن عددًا من الهيئات العلمية العالمية رشَّحتني لجائزة نوبل، وقد عرضت مستندات الترشيح على مجلس كلية الطب جامعة القاهرة في جلسته المنعقدة بتاريخ ١١/ ٧ / ١٩٨٢م، وجاء في تقرير مجلس الكلية المرفق طيه ما نصه:كما توجه المجلس لسيادته «د. أحمد شفيق» بخالص التهنئة على ترشيحه لجائزة نوبل من جهات علمية كثيرة لها وزنها العلمي عالميًّا، سبق وقلنا إن الجهة الوحيدة التي لها حق الترشيح هي الأكاديمية السويدية وليس غيرها، مما يشرف كليتنا ويرفع اسمها عاليًا في الأوساط العلمية والعالمية، كما يشرِّف مصر جميعها أن يصل عالم من أبنائها البررة إلى هذا المستوى الرفيع الذي يحق لها أن تفاخر به. وليس معنى أنني لم أحظَ بالجائزة أنني لم أرشَّح، بل الأمر الذي يجب أن يعلمه د. يوسف إدريس أن ما بين الترشيح والحصول على الجائزة تمر عدة سنوات، فلم نسمع عن مرشح حصل على الجائزة في نفس السنة التي رُشِّح فيها.
-
(٣)
والسبب الثالث لجنوحي وعقوقي في نظر د. إدريس هو أنني أريد أن أكون عالميًّا ويبدو أنه غافل أو يتغافل، فلقد تعديت المحلية إلى العالمية منذ عشرين سنة على الأقل، وأبحاثي موجودة في المجلات والكتب العلمية، وتُدرَّس باسمي في كليات الطب في جميع أنحاء العالم، ويستطيع د. إدريس أن يقرأ فيها عمليات أحمد شفيق الجديدة والمسماة باسمه منذ الستينيات من هذا القرن، ونشير عليه بقراءة بعض الكتب الطبية ليرى بعينه كيف أن د. شفيق أصبح عالميًّا منذ أمد، وفيها أول عملية جراحية أطلق عليها الإنجليز «عملية شفيق» وكتاب التشريح الجراحي طبعة عام ١٩٨٣م، وكتاب العقم والدوالي طبعة عام ١٩٨٣م، وعشرات الكتب الأخرى، ومئات الدوريات العلمية العالمية، والتي لا يتسع المكان لسردها، وإلى جانب هذا المقال مرفق «قائمة» باكتشافات وابتكارات في الطرق الجراحية التي صارت تعرف باسم د. شفيق وتدرَّس لا في الأدب كما قد يتوهَّم بل في الأكاديميات الطبية والجامعات، سواء لطلبة كليات الطب أو الدراسات العليا. (ملحوظة: لا توجد قائمة مرفقة.)
وإذا تمعَّن د. إدريس في القائمة المرفقة لوجد أنني قمت باكتشاف تسعة أمراض جديدة لأول مرة في تاريخ العالم. (ملحوظة: لم يذكر اسمًا واحدًا فقط من التسعة أمراض.) كما قمت بوصف ثلاثين عملية جراحية جديدة، وكذلك عشر نظريات في توضيح بعض مسببات الأمراض المجهولة السبب، كما قمت باكتشاف صفات تشريحية وفسيولوجية جديدة، وفي اللستة المرفقة يجد د. إدريس أسماء الكتب والدوريات المنشور بها هذه الأبحاث، وسنة طبعها ورقم الصفحة. (ملحوظة: لا يوجد لِست أو قوائم.)
أما بالنسبة للممارسة الجراحية فيكفيني فخرًا أنه في الوقت الذي يهرع فيه آلاف المرضى من مصر إلى الدول الأجنبية في أوروبا وأمريكا لإجراء عملية جراحية لهم أو لمجرد الكشف عليهم، يتوافد عليَّ في القاهرة مرضى من أوروبا وأمريكا لكي أقوم بإجراء عمليات جراحية لهم، كما حضر إليَّ في شهر مايو الماضي مندوب جمعية الكولوستومي الأوروبية يطلب عقد اتفاقية لإجراء جراحات لآلاف المرضى الذين يريدون تحويل فتحة الإخراج من جدار البطن إلى مكانها الطبيعي، وقد قمت فعلًا بإجراء هذه الجراحة على بعض منهم، ومرفق صورة من الخطابات المتبادلة. (ملحوظة: لا يوجد أي مرفق. وما علاقة جراحة نقل بالمستقيم بالإيدز؟)
ولو كان د. إدريس قد حظي بشرف الجلوس في مقاعد الدرس أمامي لما اختار الأدب حرفة؛ فمعظم الذين تخرجوا من بين يدي صاروا مدرسين وأساتذة وعلماء (بالتواضع العلماء) وليس هذا ادعاء بأن الطب مهنة أفضل من مهنة الأدب، ولكنها على الأقل مهنة تفيد وتشفي الناس أوجاعهم بالحق لا الكتابة؛ فالأدب والصحافة يجب توظيفهما لما ينفع الناس، لا للادعاء عليهم وقذف النابهين منهم بالحجارة.
-
(٤)
والسبب الرابع لجنوحي وعقوقي في نظر د. إدريس هو الحلم؛ فيقول إني أحلم كثيرًا (ولم أفقد هذا) وهذا عيب خطير ينبغي أن تتحرك له أجهزة الداخلية — التي لم يكف عن تحريضها عليَّ — والواقع أننا كلنا نحلم بأن تكسو الخضرة أرض مصر، ونحلم بشفاء الناس، ونحلم بألا يضع د. إدريس يده في يد العقيد، وهو عدو مصر، وينتهك أقدس ما خلقه الله وهو الإنسان (كيف؟!) وأنا فعلًا أحلم بأن دواء السرطان الذي أزعم كشفه — كما يقول صاحبنا — أحلم بأن يحقق شيئًا لضحايا هذا المرض الخطير، وأحلم بأن يحقق عقاري MMI علاجًا شافيًا للإيدز، أحلم بأشياء كثيرة، أحلم بأن يشفيك الله فكلنا مرضى، ولكن لله وسائل وطرق، وكل الناس أيها الصديق يحلمون، بعضهم يحقق حلمه، وبعضهم يعجز، ومعظمهم يظل أسير حلمه إلى أبد الدهر، والعلماء هم أول الحالمين، فلم يسبق لعالم حقق كشفًا دون أن يحلم به لدرجة الجنون. (سبق وفرقنا بين حلم العامل الذي يدفعه إلى الجهد والعرق والتحقيق وحلم الفهلوي.)
-
(٥)
والسبب الخامس لجنوحي وعقوقي هو أني أتسلح بعدد من الأصدقاء والصديقات الصحفيين في مختلف الصحف والمجلات، حبب الله فيك خلقه؛ فأنا صديق لأناس كثيرين منهم من يعمل بالصحافة، ومنهم من يعمل بالأدب والهندسة والتجارة، أما أنني أشتري صداقة بعضهم بالمال، فلمَ؟ ولماذا تتهمهم يا سيد يوسف؟ هل شراء الصداقة بالمال طريقة مُثْلى للاحتفاظ بصديق؟ هل جربت هذا الطريق وسلكته؟ إنني أترك للصحفيين حرية الرد على هذا الاتهام الذي لا يجرؤ أحد يمسك قلمًا على قذف الشرفاء به، وهم زملاء لك، تضمك وإياهم نقابة واحدة، وحقل عمل واحد، كيف تجرؤ على أن تتهم زملاءك بالرشوة، والغرض، والهوى؟
(ملحوظة: الدكتور شفيق يفتح بيته الذي يسميه البيت الأبيض لموائد تُقام للصحفيين الإعلاميين حافلة بما لذَّ وطاب، ويقوم بعمل العمليات الجراحية لهم ولأقاربهم بالمجان، وهم ليسوا من «أصدقائه» ولكن من «عملائه».
أعلن عن هذا العلاج الجديد في زائير لكن تحت راية مصر واسمها وصورة رئيسها وفي وقت أغلق فيه عيادته، وألغى التزاماته، وترك أسرته، وعاش في زائير، يبحث ويعالج المرضى على مشهد من علماء العالم وباحثيه.)
ولقد خشي د. يوسف على الأهل والمواطنين من أن أكون قد نقلت جرثومة المرض إليهم وأنا عائد، وكان الأولى به قبل أن يذكر هذا السخف أن يشيد بي لتضحيتي — وأنا رب أسرة وأولاد — ألقيت بنفسي في أتون هذا الطاعون، محاولًا إنقاذ الناس، قد أنجح وقد أفشل، ولكني أحاول، فهل هذا جزائي؟ إن العالم هو الذي سيحكم عليَّ، والباحث لا يعرف النكوص أبدًا، فإذا فشل فلن يرحموه، ويكفيه فخرًا أنه حاول، في حين ظل الكثيرون يقولون ويجتمعون ويجترون الكلام، ويقولون اذهب أنت وكافح؛ فإنَّا ها هنا قاعدون.
ثم يتعجب د. إدريس من أن يكتشف باحث مصري عقارًا لمرض خطير يشغل العالم كله، ونحن نسأله ما العجب في هذا؟ أيكون العجب لأن المكتشف مصري (هذا لو كان الاكتشاف حقيقيًّا!) هل لو كان المكتشف أمريكيًّا أو فرنسيًّا زال العجب؟ يا للهوان والسخف، وحقًّا لقد هُنَّا على أنفسنا وعلى العالم ويحق لنا أن نتجرع كأس الهوان، والذي نعيشه اليوم، ونذوق مرارته.
•••
أتعرف معنى شراء الناس؟ أتعرف معنى أن تصنع منهم جنودًا مرتزقة يرفعون رايتك ويحاربون بسلاحك؟ يشهد الله على أنك ظالم لزملائك الصحفيين والكُتاب، وظالم لي وظالم لنفسك، وظالم لقلمك بأن يلوث قدسيته بالخوض في هذه المهاوي.
-
(٦)
والسبب السادس لجنوحي وعقوقي هو أني لست عالميًّا في نظرك كالعميد السابق لكلية الطب، والذي تخرج معك في نفس الدفعة (هذا غير صحيح فهذا يسبقني بثلاث سنوات)، وسلك طريقًا وسلكت أنت طريقًا آخر، وهو عظيم لماذا؟ هنا تظهر قمة موضوعيتك يا دكتور إدريس، ففي رأيك أن العميد السابق عظيم لأنه أوقفني عن العمل بسبب اكتشافي لدواء يشفي مرضى الروماتويد، أتقيس العظمة بهذا المقياس؟ أهذه هي الموضوعية أم الانحياز الصارخ؟ هل يصبح الأستاذ الذي يضطهد زميله عظيمًا؟ — الذي قدمه للتأديب عميد الكلية وليس مجرد أستاذ منافس — ويحول بينه وبين التمكن من البحث العلمي، هل هذه هي العظمة؟ وليقرأ معنا د. إدريس نص ما قاله مجلس تحقيق جامعة القاهرة، وقد استمر التحقيق سنتين كاملتين، استمع المجلس خلالهما إلى أقوال عميد كلية الطب وبعض أساتذتها، وإلى أعضاء هيئة التدريس بمعهد السرطان، وبعض أعضاء اللجنة التي شكلتها الهيئة العليا للأدوية، وقد انتهى المجلس إلى إصدار القرار التالي في ١٥ أبريل ١٩٨٧م: قرر المجلس براءة أ.د. أحمد شفيق الأستاذ بكلية الطب مما نُسب إليه. (وحذف عمدًا الفقرة التالية التي تقول: براءته من تهمة استعمال دواء جديد على المرضى مباشرة، فدافع عن نفسه بأنه دواء معروف وقديم.)
وجاء في حيثيات الحكم أنه قد استبان للمجلس من الأوراق أن أ.د. أحمد شفيق أجرى وفقًا لبروتوكول اتفق عليه مع أ.د. المرزباني الأستاذ بمعهد السرطان، مجموعة من التجارب العلمية — على مَن؟ — كما أجرى هو تجارب عملية على متطوعين انتهت إلى اقتناعه بفاعليتها كاكتشاف لدواء جديد لمرضى الروماتويد، نشر نتائجها في المجلة الطبية (عدد يناير ١٩٨٥م) قبل أن يدعو لمؤتمر صحفي يبشر بهذا الكشف، الذي يساعد في شفاء مرضى الروماتويد (لماذا لم يعرضه على علماء العالم أولًا وفي مجالات العلم ودورياته) وأن المجلس يقتنع بأن ما أعلنه من اكتشاف دواء جديد لم يكن ادعاء منه بشيء لا أساس له من الواقع، أو نابعًا من فراغ، بل كان نتيجة أبحاث أجراها، وقدَّر صلاحية نتائجها كأساس لدواء جديد لمرضى الروماتويد.
وذكرت الحيثيات أيضًا أن اللجنة التنفيذية لدواء الروماتويد المشكَّلة برئاسة رئيس هيئة الأدوية انتهت إلى إيجابية مرحلة الأبحاث قبل الإكلينيكية التي أُجريت على الدواء الذي أعلن اكتشافه، وأوصت بمواصلة الدراسات الخاصة بإعداد المادة في الشكل الصيدلي المناسب تمهيدًا لبدء المرحلة في اللجنة التنفيذية لدواء الروماتويد المشكَّلة برئاسة رئيس هيئة الأدوية، انتهت إلى إيجابية مرحلة الأبحاث قبل الإكلينيكية التي أُجريت على الدواء الذي أُعلن اكتشافه، لبدء المرحلة الإكلينيكية، الأمر الذي يدل على أن ما أُعلن اكتشافه من دواء له أساس علمي.
والواقع أن شركة تنمية الصناعات الكيماوية بالتعاون مع الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية وبعض المراكز العلمية بجمهورية مصر العربية قامت بإجراء الأبحاث قبل الإكلينيكية على دواء الروماتويد؛ وذلك بناءً على قرار اللجنة العليا للأدوية في جلستها بتاريخ ١١ / ٣/ ١٩٨٥م وشكَّلت لجنة بحثية تنفيذية برئاسة أ.د. محمود درويش نائب رئيس جامعة القاهرة وعميد كلية الصيدلة سابقًا، وانضم إلى هذه اللجنة أساتذة من كليات الطب والصيدلة والمركز القومي للبحوث، وبعد حوالي عامَين من إجراء الأبحاث على دواء الروماتويد توصلت اللجنة إلى أن الدواء له أثر مضاد للروماتويد، وله أثر مانع للالتهابات، كما أنه ليس له آثار سامة. (ملحوظة: استقال الأستاذ الدكتور نعمان محمد الأستاذ بكلية الحقوق ورئيس لجنة التأديب؛ للتلاعب الذي استشعره من أعضاء المجلس في صالح أحمد شفيق.)
-
(٧)
هذا فيما يختص بالروماتويد، أما الإيدز فأمره أخطر يا سيدي، وهذا سر عقوق د. أحمد شفيق السادس والسابع والثامن … والأخير أيضًا، وبادئ ذي بدء، لا يمكن لطبيب معالج أو أستاذ أو باحث أو حتى شخص ما أن يجد جديدًا ينفع الناس ويصمت دونه؛ فالفيصل في كل أمر من الأمور هو الفعل ونتيجة الفعل، ونسي أن يقول إن الفيصل الأهم هو موافقة الجهات العلمية المختصة على الدواء وعلى عدم خطورته، وليس الكلام؛ فالكلام كثير يا د. إدريس وأنت خبير بصناعته، ولكن الفعل هو القليل.
في هذه المرة يا سيد إدريس لم أستأذن العميد السابق العظيم، وبالطبع لم أستأذنك، باعتبارك وصيًّا على العلم والعلماء والأمن ووزارة الداخلية والصحة؛ لأنك أنت وأستاذك — هذه المرة — خارج اللعبة تمامًا فلا علم لك ولا معرفة بشيء، وأنت لم تخض تجربة أناس يموتون حولك كل ساعة في زائير، ولا اجتمعت ولا التقيت بعلماء وباحثين انقطعوا عن العالم، على أمل أن يستخلصوا عقارًا ينقذ هذه الملايين التي تتردَّى كل يوم، أنت بعيد ومدعٍ وخارج عن الموضوع تمامًا إذا زعمت أنك قرأت أو رأيت، وما ذكرته في مقالك عن مرض الإيدز لا يمت إلى العلم بِصلة، معلوماتي في هذا الشأن منقولة بالحرف من عدة أبحاث عالمية معتمدة عن مرض الإيدز، ويا ليتك كنت قرأت لتعرف المزيد عن هذا المرض، قبل أن تتصدى لباحث قضى أشهرًا بين مرضى الإيدز يدرس ويبحث. ومن السخف والهوان أن ينشر هذا الكلام غير المسئول في صحيفة محترمة، في وقت ينتظر فيه العالم والعلماء نتائج تجربة هائلة على الأشخاص، موضوعين تحت الملاحظة بعد تعاطيهم العقار المصري MMI منذ تسعة أشهر، فإذا ما عاشوا لأكثر من عام فقد نجح العلاج، وإلا فسوف أحاول من جديد.إن مرض الإيدز أو طاعون القرن العشرين، الذي تتصور أنه كارثة كونية، أنه كما كتبت في مقالك لا يمكن أن تمتد إليه يد لتنقذ من براثنه آلاف البشر، هذا الطاعون كأي طاعون آخر تصدى له العلماء وانتصروا عليه وحققوا نجاحات باهرة، والعجيب أنك تُنكر على مصري أن يدلو بدلوه في مرض الإيدز، واستكبرت أن يحدث هذا من باحثين في دول العالم الثالث، ولو حدث ذلك من عالِم أمريكي أو فرنسي لباركته وأشدت به (ذلك أن العالم هناك مقيد بقيود البحث الجاد الحديدية، وليس سبهللة كما هو في مصر).
ولا يمكن الحكم الآن على الأعمال والابتكارات والخطوات التي يقوم بها عشرات من العلماء والباحثين لاكتشاف عقار جديد للقضاء على الإيدز — الكل يعمل — وأنا أيضًا أعمل، ولندع الأيام القادمة تحكم على أعمالنا.
ولن يثبط من عزيمتنا ما كتبه وما يمكن أن يكتبه د. إدريس، وقد يستهوي الفئران حتى تخرج من جحورها لتقضم من طرف الثوب أو تلطخه، والدكتور إدريس يسخر من ابتكاري لجراحة تجعل مريض السرطان يتبرَّز من الطبيعي الذي خلقه الله، لا من جانبه كما كان متَّبعًا، وأنت تسخر من ابتكاري — بتوفيق من الله — لعشرات الجراحات المماثلة لخدمة المرضى، فلن تكون جديرًا بأن تعرف أكثر. (ملحوظة: العكس صحيح فقد أشدت به كجراح شرج عظيم.)
لقد قلت كل هذا بدلًا من أن تشد أزر باحث من أبناء وطنك.