الندى الرطيب في الغزل والنسيب
«كان من أخصِّ ما جرى على ألسنة العرب الكِرام: الشِّعر مِلح الكلام. فهاموا به هُيامَ قيسٍ بلَيْلاه، وأقبلوا عليه إقبالَ أبي نُوَاسٍ على حُميَّاه، فخاضوا عُبابَه واستخرجوا دُرر المعاني، ونَظَموا عِقدًا لجِيد الزمان، فأصبح — بعد أن أقفرَت منهم الديار، وعفَتِ الآثار، وبعد أن عبِثَت أيدٍ بكُتبهم أيامَ الأندلسِ وبغدان — خيرَ ما يُستدَل منه على ما لهم من الفضل، بل أصبح مِرآة نرى فيها تاريخهم وعوائدهم، علاوةً على أن الشِّعر من أرقِّ ما تَصبو إليه النفوس.»
الشعر ديوان العرب، ومن أهم الفنون التي تميَّزَت بها الحضارة العربية، فلم تقتصر أهميتُه الأدبية والعلمية على كونه نوعًا من الفنون اللُّغوية الرائعة فحَسْب، بل هو أيضًا من أهم الأدوات التي تُستخدَم شاهدًا تاريخيًّا على مرِّ العصور العربية، فأصبح كالمِرْآة التي نستشفُّ بها صورة الماضي كأننا نراها اليومَ في عصرنا الحديث؛ فنطَّلِع على عادات العرب وحياتِهم خلال الدول والقرون المتعاقِبة. وفي هذا الكتاب، يُوضِّح المؤلِّفُ أهميةَ الشعر بالنسبة إلى العرب، مبيِّنًا أغراضَه من غزَل وعِشق وهجاء وفخر وغيرِ ذلك، ثم يُفرِد لموضوع الغزَل النصيبَ الأكبر من صفحات الكتاب، مستشهِدًا بأبياتٍ شعرية للعديد من الشعراء، وموضِّحًا أسبابَ كتابتهم لتلك القصائد ومُناسَباتها.