تمهيد

المستخلص

الرياضيات أرقى أشكال التفكير المنطقي وأعلى مدارج العقل الاستدلالي، والمدخل الحق للطرح العلمي الممنهج؛ لذا يحق اعتبار عطاء الحضارة الإسلامية الجزيل في مضمار الرياضيات، على مفترق الطرق بين الحساب والجبر وبين الجبر والهندسة، فضلًا عن الولوج في أعطاف فلسفة الرياضيات، إنما هو أثمن عطاءات العقل الإسلامي للتراث العلمي لنجد الرياضيات الإسلامية ضرورية لفهم أصول العلم الحديث وتطور ظاهرة العلم عبر الحضارة الإنسانية من ناحية، ولتأكيد مثول العقلانية والمنهجية العلمية في ثقافتنا العربية الإسلامية من الناحية الأخرى.

بادئ ذي بَدء يحتاج الأمر نظرة سوسيولوجية؛ أي نظرة إلى العلم من الخارج لاستكشاف عوامل تخلَّقت في البيئة الحضارية الإسلامية، جعلَتها ثقافة مُنجبة وحاضنة لهذا العطاء الرياضياتي، وتَسِم الرياضة بأنها «التعليم» بألف ولام العهد وفروع الرياضيات «علوم التعاليم»، وجعلت الرياضيات بدورها تحتلُّ مكانًا فسيحًا على مسرح العلم في الحضارة الإسلامية الذي كان نشطًا فعالًا منتجًا، يُعرض لأول مرة في تاريخ البشر مفهوم عالمية العلم — أهم سماته اللافتة — فتتشارك في صنعه الملل والنحل والأجناس والقوميات الشتى، ويقدم أول لغة علمية عالمية: العربية، التي أصبحت الآن الإنجليزية. يتبع هذا نظرة إبستمولوجية، داخل العقل العلمي لتعيين وضع الرياضيات في بنية العقل الإسلامي وفي نسقه المعرفي.

ومن هذه الخلفية المنهجية يمكن الانطلاق نحو تحديد معالم العطاء الإسلامي الرياضياتي وتاريخ الرياضيات في الحضارة الإسلامية: كيف بدأت؟ كيف اتجهت وسارَت؟ كيف نمَت وتطوَّرَت؟ وفاض عطاؤها الجزيل — في الرياضيات النظرية والعملية أو البحتة والتطبيقية معًا — درسًا وتدريسًا وتحليلًا وتمحيصًا وتنقيحًا وإبداعًا وابتكارًا وخلقًا وإضافة، ومن قبل ومن بعد ترجمة إلى العربية في البدايات، ثم ترجمة عن العربية في النهايات المفضية تاريخيًّا وجغرافيًّا ومنطقيًّا إلى ثورة العلم الحديث في القرن السابع عشر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤