اللاوعي التكيُّفي
كانت وجهة نظر فرويد القائلة بأن الوعي هو قمة جبل الجليد العقلي غير دقيقة … فحجمه لا يتعدَّى حجم كرة ثلج على قمة هذا الجبل.
في الفصل السابق كنتُ قد أوضحتُ وصف داماسيو للعاطفة حال معالجتها على مستوى اللاوعي. ونظرًا لأننا نبحث عن تفسيرٍ للطريقة التي يمكن بها للتعلم الضمني من الإعلان التأثير علينا، بالإضافة إلى الكيفية التي يمارس بها التعلم الضمني تأثيره تلقائيًّا وعلى مستوى اللاوعي، يصبح من الأهمية بمكان الوصول إلى فكرة واضحة عن كيفية عمل عقولنا الواعية واللاواعية معًا.
يتبنَّى داماسيو الفكرة الثورية التي مفادها أن هناك تمثيلًا لأجسامنا داخل أدمغتنا، وقد أطلق على هذا التمثيل اسم الذات البدئية، ويصفها بأنها مجموعة من الخرائط التي تصوِّر أجسامنا بطريقة مفككة إلى حدٍّ ما. نحن لا ندرك تمامًا وجود هذه «الخرائط» لأننا ننتبه فقط إلى الصورة المركبة — إحساسنا بالعافية أو الراحة أو التوعُّك أو اليأس أو أي شعور آخَر قد تكون عليه حالتنا العاطفية ككل.
والمقصود بذلك هو أننا نتصرف كما لو أننا نمتلك جسدين؛ أحدهما لا ندركه تمامًا (الذات البدئية) والآخَر ندركه، والذي يُطلِق عليه داماسيو اسم الوعي الأساسي. ويقدِّم داماسيو أدلةً على أن العواطف والمشاعر تتشكل في الذات البدئية بينما تتشكل الأفكار في الوعي الأساسي. ونظرًا لأن النشاط الحادث في الذات البدئية دائمًا ما يسبق النشاط الحادث في الوعي الأساسي فإن ذلك يعني أن العواطف والمشاعر دائمًا ما تتشكل قبل المعرفة وعلى مستوى اللاوعي (داماسيو، ٢٠٠٠).
عادةً ما يستخدم علماء النفس مصطلح «اللاوعي» لوصف النشاط العقلي الذي يحدث دون مستوى الوعي. فقد تحدث المعالجة اللاواعية عندما تكون مستيقظًا (واعيًا) أو نائمًا (لا واعيًا) على حدٍّ سواء، وهذا يحمل شيئًا من التناقض بعض الشيء. لكنني أقتصر في استخدامي لمصطلح اللاوعي هنا على المعالجة التي تحدث دون مستوى الوعي عندما نكون مستيقظين. والسبب وراء ذلك هو أنني لا أعتقد في واقع الأمر أن الإعلان يمكن أن يؤثر علينا عندما نكون نائمين.
مشاعرنا تجاه الأشخاص والأشياء قد تمرُّ بمعظم التغيرات المهمة دون أن يكون لدينا أدنى درجة من الوعي، حتى يتم توجيه انتباهنا إلى التغيُّر الذي حدث فيها. (ويلسون، ٢٠٠٢)
وبعبارة أخرى، فقد تنبَّأ كاربنتر باكتشافات داماسيو المتعلقة بكيفية حدوث المعالجة العاطفية على مستوى اللاوعي منذ وقت طويل يُقدَّر ﺑ ١٥٠ عامًا.
وحقيقة أن الإدراك الحسي والتصور العاطفي مستقلان عن الوعي لا تهدد فعليًّا الرأي المؤكد عن كيفية صنعنا للقرار. ويقر داماسيو نفسه بأن العواطف لا تصنع قرارات بمفردها (داماسيو، ٢٠٠٠). والرأي المؤكد هو أن الإدراكات الحسية والمفاهيم تعزز ببساطة قدراتنا العقلية العليا وأن هذه القدرات العقلية العليا هي التي تتخذ القرارات فيما بعد. ويفترض هذا الرأي أن عقولنا تعمل بشكل يشبه المحكمة؛ حيث يتم تقديم التصورات والمفاهيم والتحليل إلى المحكمة ثم يقرر القاضي وهيئة المحلفين (نوع ما من المهام «التنفيذية» الواعية العليا) ما سوف يحدث.
لكن كما سنرى، فإن هذا الرأي المؤكد ربما لا يمثل الكيفية التي تعمل بها عقولنا على الإطلاق.
تعريف التفكير الواعي
جزء من المشكلة يتمثَّل فيما يمثِّله الوعي وما لا يمثِّله، والخطوة الأولى المهمة هي إدراك أن التفكير الأكثر تعقيدًا لا يتم باستخدام الكلمات، على عكس ما يحدث في قاعة المحكمة. ذات مرة قال العالِم الكبير أينشتاين إن الكلمات واللغة، في صورتَيْهما المكتوبة والمنطوقة، لم يكن لهما دور على ما يبدو في آلية تفكيره (هيدمان ١٩٤٥).
لا يمكن أن تكون الأفكار كلماتٍ وجُملًا إنجليزية، على الرغم من الاعتقاد الخاطئ الشائع بأننا نفكر بلغتنا الأم. تحقِّق الجمل الإيجاز من خلال إهمال أي معلومات يمكن للمستمع مَلْؤُها عقليًّا من خلال السياق. وفي المقابل، يمكن ألَّا تترك «لغة التفكير» التي صيغت بها المعرفة أي شيء للخيال؛ لأنها هي الخيال. (بينكر، ١٩٩٧)
المشكلة الثانية التي نُواجِهها في محاولة فهْم الوَعْي هي أنه بمجرد أن تسأل شخصًا ما عمَّا يُفكِّر فيه، يمكنك «تغيير» ما يُفكِّر فيه. كما هو الحال في دراسة الحالة الخاصة بجرو أندريكس، فالسؤال في حدِّ ذاته يدفع الأشخاص إلى تعديل تفكيرهم إلى «التفكير» أكثر وعلى نحو مختلف.
لتوضيح هذا الأمر، تأمَّل ما يلي: عندما تقوم بإعداد كوب من الشاي مضافًا إليه الحليب، فإنك تحتاج إلى التأكد من إضافة الكمية المناسبة من الحليب للحصول على التركيز أو «اللون» المناسب للشاي. إذن هنا يلعب كلٌّ من الحكم والقرار دورًا، ولكنك تتخذ هذه الأحكام والقرارات في كل مرة تُعِدُّ فيها الشاي.
كذلك تخيل لو أنني سألتُك عند مرحلة صبِّ الحليب عمَّا تفكِّر فيه. ستقول لي إنك تفكر في المقدار الذي يجب إضافته للحصول على اللون المناسب، ومن ذلك يمكننا أن نستنتج أن هذا العمل قد تمَّ بشكْل متعمَّد ومركَّز وواعٍ تمامًا، باستخدام المعالجة النشِطة. وهذا صحيح؛ لأنك من خلال طرحِي السؤال قد «حوَّلتَه» إلى عمل يتم بشكل متعمَّد ومركَّز وواعٍ تمامًا، باستخدام المعالجة النشطة. فإذا لم أطرح هذا السؤال فربما قمتَ بصبِّ الحليب تلقائيًّا دون تفكير نشِط على الإطلاق، وسيتم أي حكم اتخذتَه حول اللون في حالةٍ يمكن اعتبارها على أقصى تقدير حالة نصف وعي.
نظرية المسودات المتعددة
يصف دانيال دينيت المشكلة في كتابه «تفسير الوعي» (١٩٩٣). وتتلخص نظرية دينيت في أن عقولنا تصيغ ما يسميه مسودات متعددة باستمرار. وهذه المسودات عبارة عن مجموعات من الأفكار، بعضها فقط «يصنع» ما نطلق عليه الوعي؛ لذلك، وفي الحالة المذكورة أعلاه، إذا لم يسألنا أحد عمَّا نفكِّر فيه، فمن المحتمل جدًّا أن يتم تنفيذ العمل الخاص بإضافة الحليب دون وجود شيء يتم نقله على ما يبدو إلى عقولنا الواعية.
وبالطبع، إذا كنتَ تتصور أن لون الشاي كان داكنًا جدًّا، وهو تصوُّر يرتبط بمفهوم مذاق الشاي الذي يكون مُرًّا وقويًّا جدًّا، فإنك قد ترفع أيضًا هذه المجموعة من الأفكار إلى مستوًى أعلى من الوعي، مع إيلائها المزيد من الاهتمام، وإضافة المزيد من الحليب بحرص؛ لذا فما الذي يقرر أي مجموعة من الأفكار تحقق الوعي، وما هو مستوى الانتباه الواعي الذي تتلقاه هذه المجموعات من الأفكار؟
كما أوضحنا سابقًا، فإن الرأي الثابت هو أن هناك مهمة تنفيذية من نوعٍ ما تتم في عقولنا، وهي تحدد ما إذا كنَّا سننقل شيئًا ما إلى الوعي أم سنتركه في اللاوعي. يعتقد دينيت أن هذا «المكان الذي يتم فيه التفكير ويحدث فيه الوعي» بشكل افتراضي (دينيت، ١٩٩٣) يشبه المسرح الديكارتي (مرحلة ما بعد ديكارت الذي اعتبر التفكير بمثابة النشاط المميز للبشر). وفي رأي دينيت فإن هذا المسرح الديكارتي ببساطة ليس له وجود. وكما قال دينيت: «إن فكرة وجود مركز خاص في الدماغ هي فكرة سيئة ومستعصية تفسد محاولاتنا للتفكير في الوعي.» (دينيت، ١٩٩٣) وقال لاحقًا: إنه «لا يوجد ما يُسمَّى بالمسرح الديكارتي» (دينيت، ١٩٩٣).
لا يوجد «تيار وعي» واحد محدد؛ لأنه لا يوجد مكان مركزي ولا مسرح ديكارتي «تحدث فيه جميع عمليات التفكير». وبدلًا من وجود تيار واحد، توجد قنوات متعددة تحاول فيها دوائر خاصة، في صخب موازٍ، أن تقوم بالأشياء المختلفة المتعلقة بها، وصياغة مسودات متعددة في غضون ذلك. وتلعب معظم هذه المسودات المجزَّأة أدوارًا قصيرة الأجل في تعديل النشاط الحالي، ولكن بعضها يرتقي لمزيد من الأدوار الوظيفية. (دينيت، ١٩٩٣)
إذن فإن الافتراض الذي افترضه دينيت هو أن ما يحرِّك تفكيرنا وأفعالنا ليس الوعي ولكن عقلنا الباطن (اللاوعي). فعلى الأرجح لا يكون وعينا أكثر من مجرد «دليل» على مستوًى أعلى من المعالجة المستمرة داخل أذهاننا. ويمكنك تشبيه ذلك بجهاز كمبيوتر مزوَّد بشاشة. فجهاز الكمبيوتر يقوم بجميع عمليات التفكير والحساب والمعالجة وبعض من هذه الأشياء يتم عرضه على الشاشة، ولكنَّ الشاشة لا تتخذ فعليًّا أي قرارات أو تقوم بتنفيذ أي مهام.
أفكار دينيت ليست جديدة تمامًا؛ فقبل بضع سنين، أجرى بنجامين ليبيت سلسلة من التجارب على عدد من المرضى، وهذه التجارب كانت تبحث الفكرة الكاملة المتعلقة بطريقة عمل عقولنا (ليبيت وآخرون، ١٩٧٩). وقد اكتشف ليبيت أنه من خلال إثارة جزء معين من الدماغ يمكن أن يتولد لديك شعور ﺑ «تنميل» في يدك، واكتشف أيضًا أنه يمكنك الشعور بتنميل مماثل من خلال إثارة اليد كهربائيًّا على نحو مباشر؛ ومِن ثَم فقد مكَّنه هذا الأمر من مقارنة استجابة اليد التي تمت إثارتها مباشرة بالاستجابة الناتجة عن إثارة الدماغ. وقد فُسِّر هذا الأمر بأنه نظرًا لأن المُثير الذي أثار اليد قد احتاج وقتًا للانتقال إلى الدماغ وإخباره بالأمر، ينبغي أن يستغرق مثير اليد وقتًا أطول قليلًا (نحو ٥٠٠ ملِّي ثانية) من مثير الدماغ المباشر.
ولكن ليس هذا هو ما حدث، فقد أظهرتِ النتائج أن كِلَا المُثيرَيْن لوحظ أنهما حدثا في الوقت الذي تمت فيه إثارة اليد. وليس من المستغرب أن يكون المجتمع العلمي قد نظر إلى هذه النتائج باعتبارها حالة شاذة. وكما يصف دينيت ذلك الأمر، فإنه يشبه إلى حدٍّ ما وصول مسافر قادم من الضواحي إلى المدينة تمامًا في وقت وصول أحد الأشخاص القاطنين هناك بالفعل. وقد قام العقل بطريقة ما بإعادة مُثير الدماغ المباشر زمنيًّا إلى الوراء للنقطة التي كانت ستتم عندها إثارة اليد حال إثارتها. وهذا بالطبع لم يحدث أبدًا.
اقترح ليبيت أن التنميل قد حدث على مستوى اللاوعي وبعد ذلك تمت إعادته إلى الوعي بجانب إطار زمني تصحيحي جعله يبدو وكأنه متصل بالمثير المفترض لليد. يقول ليبيت نصًّا: «يبدو أن الشروع في تنفيذ عمل إرادي حر يبدأ من الدماغ على مستوى اللاوعي، قبل أن يعرف الشخص على مستوى الوعي أنه يريد القيام به.» (ليبيت، ١٩٩٩)
هذا الأمر ليس غريبًا كما قد يبدو؛ لأننا نعلم أن عقولنا تكون قادرة على القيام بجميع أنواع الوظائف التصحيحية. هل تتذكر من الفصل السادس ما تفعله أدمغتنا في بصرنا، حيث تسهِّل الرمشات التي تقوم بها أعيننا وتعدل كل شيء تعكسه العين على الشبكية في وضع مقلوب؟ ومع ذلك فقد تسبَّبت تجربة ليبيت في إثارة جميع أنواع الجدل مع ادِّعاء بعض المعلِّقين أنها تتحدى مفهوم الإرادة الحرة بأكمله. ولكن من وجهة نظر دينيت، فإن النتائج التي توصَّل إليها تتماشَى تمامًا مع نموذج المسودات المتعددة: فما يفعله الدماغ هو تشفير المثير بما يتوافق مع المنطق قبل أن يعرضه على الوعي.
وقد اعتبر دينيت تجربة ليبيت مَعِيبة؛ لأن الأشخاص الذين خضعوا للتجربة كان عليهم إصدار حكم صعب حول وقت حدوث الإشارة. كما أنهم لم يفعلوا أي شيء في الحقيقة، ولكنهم استجابوا فحسب للمثير الذي سبَّبه شخص آخَر. ويستشهد دينيت بتجربة أكثر أهمية وإثارة للاهتمام تُعرف باسم ناقل جراي والتر الدائري للمعرفة المسبقة.
تجربة جراي والتر وما قبل المعرفة
كان ويليام جراي والتر متخصِّصًا في الفسيولوجيا العصبية، وقد وُلد في ولاية كانساس ودرس في كامبريدج وعمل طوال حياته في المملكة المتحدة (جراي والتر، ١٩٦٣). كان من أوائل مستخدمي تخطيط كهربية الدماغ لتحديد مكان أورام الدماغ. وفي إحدى مراحل عمله مع المرضى كان يكشف لهم أجزاءً من الدماغ — الأمر ليس مروِّعًا كما قد تظن؛ فالدماغ لا يحتوي على أي أعصاب ولا يشعر بأي ألم.
وأثناء قيامه بعمله قرر أن يحاول إجراء تجربة مثل ليبيت. قام بإعطاء المرضى جهازًا لعرض الشرائح مزوَّدًا بناقل دائري للشرائح، وطلب منهم أن يتصفَّحوا الشرائح في أوقات فراغهم. وقد كانت لهم حرية تحريك الشرائح متى أرادوا، باستخدام زر ضغط بسيط.
ولكن كانت هناك خدعة، وهي أنه على الرغم من أن الناقل الدائري كان مزوَّدًا بزر يبدو عاديًّا بالنسبة لهم كي يضغطوا عليه من أجْل تحريك الشرائح، فإن الشيء الذي «لم» يتم إخبارهم به هو أن الزر كان وهميًّا. كان الناقل الدائري مهيأً بالفعل بحيث يتحرك عن طريق إشارة مكبَّرة تصدر من القشرة الحركية داخل أدمغتهم (جراي والتر، ١٩٦٣، في دينيت، ١٩٩٣).
يمكن للمرء افتراض أن المرضى لن يلاحظوا أي شيء خارج عن المألوف، ولكنهم في الواقع تفاجئوا بفعل التأثير، لأنه بدا لهم وكأن جهاز عرض الشرائح كان يتوقع قراراتهم. وقد ذكروا أنهم عندما كانوا «على وشك» الضغط على الزر، كان جهاز عرض الشرائح يحركها قبل أن يقرروا القيام بذلك فعليًّا، ويجدون أنفسهم يضغطون على الزر وهم يتخوفون أن يحرك الجهاز الشريحة مرتين. (دينيت، ١٩٩٣)
لتوضيح هذا الأمر، انظر إلى ما يحدث مع لاعبي التنس. سيُخبرك أي شخص يلعب تنس الدرجة الأولى أنه لا يمكن أن تلعب جيدًا إذا حاولت التفكير في كل تسديدة، فببساطة أنت لا تمتلك الوقت لاستنباط طريقة ضربك للكرة، ولا تمتلك القدرة العقلية على التفكير في جميع الحركات المعقدة اللازمة لرأسك وذراعيك وقدميك. ويقر لاعبو التنس المحترفون أنه فقط عندما يصبح اللعب غريزة تصبح قادرًا على اللعب جيدًا.
ولكن ليس هناك شك في أن لعب التنس هو نشاط معرفي، فعليك مراقبة وحساب الموقف والسرعة ومسار الكرة من تحركات خصمك وتوجيه ذراعيك وقدميك وجذعك للرد وفقًا لذلك. وبطبيعة الحال، عند مستوًى معين، تكون على دراية — أو بالأحرى، يتم جعلُك على دراية — بما قمتَ به. ولا يكفي تمكينك من «التفكير» فيما يجب عليك القيام به بعد ذلك، ولكن يكفي تمكينك من تخزين «صورة» عقلية من حركاتك لدراستها لاحقًا، ربما عند انتهاء النقطة.
في الواقع، ما يحدث هو أن عقلك يلعب اللعبة من أجلك ثم يُعيد إليك مقتطفات مختارة مما حدث؛ فهو يتصرف تمامًا مثل جهاز الكمبيوتر، فيقوم بأداء العمليات الحسابية المعقدة وإرجاع نبذة من المعلومات حول ما يقوم به عن طريق شاشة العرض.
إذن فالوعي، كما ذكرتُ سابقًا، ربما يكون من الأفضل اعتباره تقريرًا لمستوًى أعلى للنشاط العقلي، تمامًا مثلما يكون التغيير الذي يحدث على الشاشة هو تقريرًا للنشاط داخل جهاز الكمبيوتر. في لعبة التنس، ليس هناك وقت لمراقبة ما إذا كان ردُّ فعلك على اللعب يأتي أثناء أو بعد اللعب نفسه، لأن عقلك يكون مشغولًا جدًّا. إلا أن عقول المرضى في تجربة جراي والتر لم تكن مشغولة؛ لذلك فقد تمكَّنوا من ملاحظة الفرق بين أعمالهم الفعلية والتقرير العقلي لأفعالهم. وما لاحظوه هو أن التقرير العقلي الذي تم إرساله إلى وعيهم عن استعدادهم للضغط على الزر قد بدا فعلًا أنه حدث بعد اتخاذ عقولهم بالفعل قرار الضغط على الزر.
وبالأحرى فإن هذا الأمر يشبه شاشةً تستغرق وقتًا لعرض ما قام به جهاز الكمبيوتر بالفعل. والفرق هو أننا نقبَل فكرة أن الشاشة تعتمد على الطريقة التي يعمل بها جهاز الكمبيوتر، لكننا نفترض أن أفعالنا تعمل في الاتجاه المعاكس، ويحركها التفكير الواعي. وما تؤكده تجربة جراي والتر هو أن الوعي يقوم فقط بمراقبة المعالجة التحليلية التي حدثت بالفعل على نحو لا شعوري.
يمكنك في هذه المرحلة أن تتساءل عن علاقة ذلك بالطريقة التي يتم التعامل بها مع الإعلانات. تكمن النقطة المهمة في أنه على الرغم من أن هذه الذاكرة الواعية تدل على وجود نشاط تحليلي، يشير نموذج المسودات المتعددة الذي وضعه دينيت إلى أن «عدم وجود ذاكرة واعية لا يعني بالضرورة عدم حدوث أي نشاط تحليلي.» وبعبارة أخرى، قد نكون قادرين على معالجة إعلانات أكثر من قدرتنا على تذكرها وسردها.
هناك مثال آخَر قد يُسهِّل علينا أيضًا فهم هذا الأمر. يصف دينيت، كما وصفتُ سابقًا، عملية قيادة السيارة.
ربما تكون قد خضتَ تجربة القيادة لأميال أثناء انهماكك في محادثة (أو في مناجاة صامتة) ثم اكتشفتَ أنك لا تتذكر الطريق والمرور والخطوات الخاصة بقيادة سيارتك على الإطلاق. ولكن هل كنتَ غير واعٍ حقًّا بكل تلك السيارات المارة وأضواء الإيقاف والانحناءات الموجودة في الطريق؟ تعتبر ظاهرة «القيادة اللاوعية» على أفضل تقديرٍ حالةً من الوعي المتقلب مع فقدان سريع للذاكرة. (دينيت، ١٩٩٣)
وبعبارة أخرى، تدعم نظرية المسودات المتعددة التي وضعها دينيت فكرة أن مختلف أشكال العمليات المعرفية يمكن أن تحدث فيما يمكن أن نسمِّيه مستوى «الوعي المتقلب» دون أن ندرك أنها حدثت؛ لذلك فإن حقيقة أننا لا نُعِير مستويات عالية من الانتباه للإعلان، وأننا لا ندرك أن هذا الإعلان يُعرَض علينا، لا تعني أننا لم نتأثر بهذا الإعلان ولم نستخرج أي رسالة أو معنًى منه.
وهكذا يضيف نموذج دينيت بطريقة مختلفة إلى ما سبق أن الإعلان يمكن أن يؤثر عند مستوًى منخفض من الانتباه. فلا يمكننا فحسب التعامل مع العناصر العاطفية في الإعلان على نحو لا شعوري، ولكن يمكننا أيضًا أن نقوم بالمهامِّ التحليلية عليه عند مستوى الوعي المتقلِّب، تاركين أنفسنا دون ذاكرة نشِطة ودون إدراك أننا قد نكون أوْلَيْنا أي اهتمام على الإطلاق.
وتتوافق نظرية المسودات المتعددة التي وضعها دينيت على نحو جيد مع رأي داماسيو الخاص بالذات البدئية والوعي الأساسي. ويفسِّر ذلك السببَ وراء إمكانية أن يؤثر التعلم الضمني والذاكرة الضمنية إدراكيًّا ومفاهيميًّا على مستوى اللاوعي. كما أنه يفسر الكيفيةَ التي يمكن بها أن يتفاعل التعلم الضمني مع الذاكرة الدلالية على مستوى اللاوعي. ويفسر أيضًا الكيفية التي يمكن بها أن ترتبط العناصر المُدرَكة حسيًّا على مستوى اللاوعي، مثل الربط اللاواعي بين موسيقى الخطوط الجوية البريطانية وشركة الخطوط الجوية البريطانية دون تذكر هذا الارتباط الذي حدث، ويفسر الكيفية التي يتم بها إثارة العواطف لا شعوريًّا ونقلها عبر تكييفنا على العلامة التجارية لشركة الخطوط الجوية البريطانية، مع عدم تذكر أي عملية تكييف قد حدثت لنا. وباختصار، فإنه يوضح الكيفية التي يمكننا بها أن «نعرف» الأشياء و«نشعر» بها، على الرغم من عدم إدراكنا الواعي لعملية تعلمنا لها.
قد تكون لاحظتَ أنه في الفقرة السابقة تقع المعالجة على ما يبدو بين الوعي واللاوعي بطريقة عشوائية نوعًا ما. والسبب وراء ذلك هو أنه من الصعب فعليًّا التحديد الدقيق لأحد مستويَيِ الوعي هذين الذي يجري استخدامه في أي وقت محدد. فهل يعني ذلك أن المعالجة أصبحتِ الآن فوضوية؟
على الإطلاق. فإذا سلَّمنا بنظرية المسودات المتعدِّدة التي وضعها دينيت، فإن التمييز بين معالجة «الوعي المتقلب» ومعالجة «اللاوعي» يصبح غير مناسب لجميع المقاصد والأغراض. وفي نموذج دينيت، تحدث جميع عمليات المعالجة لا شعوريًّا والفرق الوحيد هو أن بعضها تتم إعادته لاحقًا إلى الوعي. ولكن حتى إذا تمَّت إعادته إلى الوعي فمن المحتمل جدًّا أنه سوف يُنسَى على الفور، كما في «الوعي المتقلب مع الفقدان السريع للذاكرة». وعلى أي حال، لن يكون هناك اختلاف فعلي فيما يتعلق بالتواصل الذي تمت معالجته لا شعوريًّا.
إن ما يحدث هنا هو أن التمييز بين معالجة الوعي المتقلب ومعالجة اللاوعي يصبح غير مناسب. ينظر بعض علماء النفس إلى هذا الأمر باعتباره هرطقة؛ لأنهم متشبِّثون بفكرة أن أي شيء تتم معالجته لا شعوريًّا لا يمكن أن يدخل ضمن الذاكرة الطويلة المدى. ولكننا نعرف أن الأمر ليس كذلك؛ فقد أظهر العمل التجريبي الخاص بشاكتر بوضوح تام أن المعالجة الضمنية (التي من ثَمَّ تكون لا واعية في الأساس) ترتبط بالذاكرة الدلالية. وفي نموذج دينيت، لا بد أن تكون تلك هي الحال لأن «جميع» عمليات المعالجة تتم لا شعوريًّا.
ولذلك يتمحور النقاش في واقع الأمر حول ما إذا كان التواصل المعالَج لا شعوريًّا أو بوعي متقلِّب يكون بطريقة أو بأخرى أقلَّ شأنًا أو تأثيرًا مقارنة بالتواصل المعالَج على مستوًى أعلى من الوعي وبمزيد من الانتباه. ربما نَمِيل إلى طرح هذا السؤال جانبًا بالإشارة إلى أنه في الفصل الثالث كنَّا قد أكَّدْنا على أنه، خارج الصناعة نفسها، لا يكاد يكون هناك أي شخص يُرهِق نفسَه بأن يُعِير أكثر من المستوى الأدنى من انتباهه للإعلان. ولكنني سأتناول المسألة بطريقة أكثر منهجية في الفصل الحادي عشر عندما نُلقِي نظرة على عملية صنع القرار.
دراسة حالة: سيجار هاملت
لتلخيص هذا الأمر برمته سأطرح عليكم مثالًا يتعلق بحملة إعلانية كانت فعَّالة على نحو مذهل.
بين عامي ١٩٦٦ و١٩٩٧، عندما كان الإعلان عن السيجار على شاشة التليفزيون في المملكة المتحدة لا يزال مسموحًا به، حقَّقتْ إحدى العلامات التجارية — وتسمَّى هاملت — نجاحًا هائلًا. فقد كان سيجارًا صغيرًا، ليس طويلًا كالسيجار الرفيع الطويل مثل سيجار كاستيلا أو بنما، وليس قصيرًا كالسيجار الصغير مثل بيكادور أو كافية كريم. ولكن الشيء الغريب في سيجار هاملت هو أنه يسيطر تمامًا على هذه الفئة من السيجار الصغير، وقد كافحت العلامات التجارية الأخرى للحصول على موطئ قدم في هذا القطاع.
حقق سيجار هاملت هذا المركز المهيمن باستخدام حملة دعائية تليفزيونية تحمل شعار «سيجار هاملت هو مفتاح السعادة». وعادةً ما كانت تَعرِض إعلانات العلامة التجارية هذه شخصًا يُعانِي أزمة من نوع ما ثم يواسي نفسَه بسيجار هاملت. وكان أحد أفضل هذه الإعلانات هو الإعلان الذي تمَّت إذاعته عام ١٩٧٩، والذي تم تصويره في ملعب للجولف.
وما أوَدُّ فعلَه هو أنْ أصحَبَكم في جولة لتحليل هذا الإعلان، واصفًا العمليات المختلفة التي أعتقد أنها تحدث. وأودُّ أن أفترض أنكم مثل معظم الأشخاص لا تُولُون الكثير من الانتباه للإعلان، وأن لديكم معرفة مبدئية برياضة الجولف. وهكذا عندما يبدأ الإعلان ترى مسطَّحًا أخضر من العشب وتضع ذاكرتك الدلالية تصورًا لهذا المسطح باعتباره ملعبًا للجولف مع وجود فخ رملي في الجانب. يحدث ذلك تلقائيًّا ولا شعوريًّا بشكل شبه مؤكد، ولكن إذا كنتَ تلعب الجولف فقد تُثار لديك مفاهيم إضافية، مثل السرور أو الإحباط أو حتى الغضب عندما تتذكر المباراة الأخيرة التي لعبتَها، وبعض سلاسل الأفكار هذه قد تنجح في الانتقال إلى الوعي لديك.
تركز الكاميرا على الفخ الرملي، وتدرك حسيًّا أن هناك شخصًا ما بداخله. يمكنك قول ذلك لأنه على الرغم من أنك لا تستطيع رؤية الشخص فعليًّا، فإنه يمكنك أن ترى مضرب الجولف الخاص به حيث يرفعه لتصويب تسديدة. كذلك فإنك تسمع الصوت الخاص بالمضرب وهو يضرب الرمال بشكل متكرر، وترى زخات الرمال تطير في الهواء. ولكنك «لا» ترى كرة تَظهَر على المسطح الأخضر. على مستوى تصورك، فإن الفخ الرملي عميق جدًّا (فلا يمكنك أن ترى رأس لاعب الجولف)، وإن هذا اللاعب يواجه الكثير من الصعوبات في إخراج الكرة، وبالطبع سيصبح محبَطًا للغاية. وقد يُسجِّل ذلك أيضًا في وعيك الخاص، وبالنسبة لعدد قليل من الأشخاص قد يكون من المثير للاهتمام إجراء القليل من المعالجة النشطة.
ثم ترى قبل التسديدة التالية مضرب الجولف وهو يهتز في الهواء. تعطيك هذه الحركة الاهتزازية للمضرب فكرة عن غضب لاعب الجولف وربما تهديده لكرته. تنطلق الخلايا العصبية المرآتية في دماغك وتشعر على مستوى اللاوعي بالإحباط الشديد الذي يشعر به لاعب الجولف، وقد ينتقل هذا الإحباط مرة أخرى إلى مستوى الوعي لديك، وقد تشعر أن هذه هي الضربة البائسة الأخيرة؛ فتقوم بتحليل فوري وواعٍ للاختفاء المستمر للكرة باعتباره إشارة إلى إدراك لاعب الجولف أخيرًا أنه لا توجد وسيلة تمكنه من إخراج الكرة.
والشيء التالي الذي سوف تدركه حسيًّا هو الصمت وصوت إشعال عود ثقاب، وبدء المعزوفة الموسيقية الجميلة لباخ «آير أون إيه جي سترينج». ثم ترتفع سحابة دخان من الفخ الرملي وتدرك عن وعي أن هذا هو إعلان سيجار هاملت. ستدرك ذلك لأن إعلانات هاملت دائمًا ما تستخدم هذه الموسيقى، ولأن الموسيقى تكون مميزة جدًّا، فإنها لا تحتاج إلى الكثير من الانتباه لإجراء هذا الربط. وتنطلق الخلايا العصبية المرآتية في دماغك وتحس بالسكون اللحظي نفسه الذي يشعر به لاعب الجولف، وتستشعر مواساة السيجار له. وقد تشكَّل في عقلك بشكل واعٍ ولحظي صورة له كأنك تراه من الجانب الآخر من الفخ الرملي، وهو يجلس تعيسًا على الرمال يدخن السيجار. وفي الوقت نفسه، تتأثر عواطفك بسماع معزوفة باخ الهادئة العذبة، وتشعر أنت شخصيًّا بشعور كبير من الهدوء والسكينة.
والشيء التالي الذي تراه هو الكرة وهي تَظهَر على المسطَّح الأخضر، فتقوم بتحليل هذا الأمر على أن لاعب الجولف قد استسلم وقذف الكرة إلى الخارج. ويضع هذا الأمر تصورًا بأن هذا الشخص وصل إلى مستوًى من الإحباط حيث عبر الحدَّ الصارم للسلوك الجيد الذي يشكل لعبة الجولف ثم مارس الغش. ولكن في الوقت نفسه يُثار مفهومان آخران: الأول هو التسلية، الذي يرتبط بسيجار هاملت، وهو شعور بأن العلامة التجارية لديها شخصية ذكية وبارعة تجعلك تحبها للغاية؛ والآخر هو أن تقوم بتحليل لحظي للفخ الرملي بأنه لا بد أن يكون شديد الانحدار ومن المستحيل على أي شخص عادي الخروج منه؛ ومِن ثَم يحق له أن يتصرف بالطريقة نفسها. من الناحية الأخلاقية، تتعاطف مع لاعب الجولف ويتولد لديك شعور بالموافقة على فعله. وتضطرم الخلايا العصبية المرآتية ويتولد لديك إحساس لا شعوري بالارتياح والسعادة لأن محنته (ومحنتك، إلى حدٍّ ما) قد انتهت. وفي هذه اللحظة تسمع وترى تعليقًا يحمل عبارة «سيجار هاملت هو مفتاح السعادة»، ويرتبط سيجار هاملت أو يقترن بالمعنى المادي للارتياح والسعادة اللذين تشعر بهما. وقد يحدث ذلك على مستوى الوعي، وإذا ما حدث ذلك فقد تكون قادرًا على معارضة ما يدَّعيه الإعلان وتفنيده. لكن المرجح أنه يحدث لا شعوريًّا؛ ومِن ثَمَّ إما أن تبدأ عملية تكييف لك أو تتواصل هذه العملية إذا كنتَ قد شاهدتَ إعلانات سيجار هاملت من قبل.
انتهى هذا الإعلان وعُرض إعلان آخَر. تمامًا كما في مثال القيادة غير الواعية الذي ضربه دينيت، الأرجح أن تُنسَى بسرعة معظم الذكريات الواعية التي تم تشكيلها. وما يتبقَّى هو شعور غير واعٍ بأن سيجار هاملت هو علامة تجارية ذكية وبارعة، وشعور بتكييفك مبدئيًّا على السيجار، وربط ذلك بالهدوء والسلام والسكينة والمواساة والارتياح والسعادة.
كيف يشجعك ذلك على شراء سيجار هاملت؟ سيتم التعامل مع هذا الأمر بمزيد من التعمُّق في الجزء الرابع. ولكن حاليًّا دعنا نفترض أنك تدخن السيجار من حين لآخر، أو على الأقل لا تكره تدخين السيجار. بعد أن ترى هذا الإعلان عدة مرات، ستبدأ في التكيُّف على ربط تدخين السيجار بالهدوء والسلام والسكينة والمواساة والسعادة. إذن في المرة القادمة التي تمر فيها بفترة من الغضب والإحباط، ألَا يجعلك هذا الإعلان تشعر أن أفضل وسيلة لمواساة نفسك هي تدخين سيجار؟
بالنسبة لاختيارك للعلامة التجارية، مشاهدة هذا الإعلان عدة مرات أيضًا ستجعلك تتكيف على ربط هذه المشاعر بعلامة تجارية واحدة على وجه الخصوص: وهي سيجار هاملت. ونظرًا لأن سيجار هاملت تم ربطه بشخصية بارعة وذكية تشعر أنها جذابة، قد تجد أيضًا من السهل تقبُّل المغالطة الشائعة التي تقول بأن السيجار ليس بضرر السجائر نفسه، وأنه لا يسبب الإدمان.
لذلك تقوم بشراء زجاجة بيرة وسيجار هاملت، ثم تشعل هذا السيجار وتجلس؛ ويا للعجب! عندما يدخل النيكوتين إلى رئتيك، تشعر شعورًا رائعًا بالهدوء والسلام والسعادة! يحدث كل ذلك دون أن تحتاج إلى أن تكون مدركًا أو متذكرًا لإعلان سيجار هاملت.
وتكون النتيجة السيئة وغير المتوقَّعة ألَّا يكون لديك أي سبب عقلاني لعدم إسعاد نفسك بتدخين سيجار هاملت، ويكون لديك حافز عاطفي قوي للقيام بذلك عندما تحتاج إلى بعض السلوى. وبغضِّ النظر عن الطبيعة الإدمانية للسيجار مقارنة بالسجائر، من السهل في هذه الظروف أن يصبح تدخين السيجار عادة لديك. وبعد مرور ١٥ أو ٢٠ عامًا قد تجد أنك، مثل صديقي الذي يدخن سيجار هاملت، قد أُصِبتَ بسرطان الحلق. وإذا كنتَ محظوظًا، مثله، فقد تنجو منه.