الزعيم «أحمد» يصدر الأوامر
لقد رأى «عثمان» كان يقف فوق دائرةٍ نحاسيةٍ، تتوسط مساحة من البلَّور الرائق، وتظهر مياه المحيط أسفل البلور، بينما كانت أسماك القرش تدور حول بعضها، استعاد بسرعةٍ صورة أسماك القرش التي لقِيَها في المحيط. خارج مساحة البلور، كان يجلس رجلٌ متوسط الجسم، بينما يقف حوله اثنان عرفهما على الفور. لقد كانا «براك» و«ديك». قال الرجل: حسنًا يا «جيم»، إن لك مكافأةً. لقد أخبرني «براك» بتفاصيل ما فعلت. أعرف أن هذا اﻟ…! ولم يكمل جملته. فقد صمت وهو ينظر إلى «عثمان»، ثم أكمل بعد لحظة: أعرف أنه كاد يقتلك، ولذلك استدعيتك، حتى تقدمه بنفسك طعمًا للقروش. هيه. ما رأيك؟
ابتسم «أحمد» ابتسامةً هادئةً وهو يقول: كما ترى أيها الزعيم! ظهرت الدهشة على وجه «براك» فقال: «جيم»، ماذا بك؟
شعر «أحمد» للحظةٍ سريعةٍ أن موقفه أصبح شائكًا، وأن «براك» يمكن أن يكشفه. قال وهو يسعل: لا شيء يا سيدي! صمت «براك»، وهو ينظر له بإمعانٍ، ثم قال بعد لحظةٍ: هل أصابتك نوبة برد؟
أجاب «أحمد» وهو يسعل: يبدو هذا يا سيدي! ابتسم «براك» في خبثٍ، ثم انحنى على الزعيم، وهمس في أذنه بشيءٍ. استطاع «أحمد» أن يفهم ما قيل بتأثير ملامح الرجل، الذي ظهرت على وجهه الدهشة، فلم يستطع إخفاءها. نظر بسرعة إلى «عثمان» الذي كان يبدو هادئًا. ولم يكن يمنعه شيء من الحركة. وضع الرجل يده على زِرٍّ بجواره. ثم نظر إلى «عثمان»، وقال: والآن … وقبل أن يُكمل جملتَه، قال «أحمد» مبتسمًا: أليس هذا حقي أيها الزعيم؟!
ضحك الرجل ضحكةً رفيعةً، فقال «براك»: إنها لحظةٌ نادرةٌ. أعطِه هذا الحق أيُّها الزعيم! ضحك الرجل مرةً أخرى. وقال «براك»: دعني أُهنئك أولًا أيها العزيز «جيم»، فهذه أول مرة يصل إلينا غريبٌ!
ترك مكانه، واتَّجه إلى «أحمد»، حتى اقترب منه. نظر «أحمد» إلى «عثمان» نظرةً سريعةً فهمها. وقف «براك» بجوار «أحمد» وسأله: «جيم»، هل تذكر كلمة السر في تلك الليلة التي قبضت فيها على هذا الشاب؟ فكر «أحمد» قليلًا. ثم نظر إلى «براك» مبتسمًا، وقال: لا أذكرها يا سيدي. إن من تقاليدنا أن ننسى كلمة السر في اليوم التالي! ضحك الزعيم … وابتسم «براك»، ثم قال: هل تذكر مطعم «السمكة الحمراء»؟ أظن أننا … ولم يكمل جملته، فقد ضربه «أحمد» ضربة قوية في بطنه. في نفس الوقت الذي قفز فيه «عثمان» قبل أن تفتح الدائرة النحاسية، وضرب الزعيم بقدمه ضربة أطاحت به هو ومقعده. ولم يكد يتحرَّك «ديك» حتى كان «أحمد» قد طار في الهواء، وضربه ضربةً جعلته يتراجع بسرعة، ثم يصطدم بجدار الحجرة. طار «عثمان» لينزل فوق «براك» الذي كان يتألَّم، ثم أمسك بذراعه، ولواها بقوةٍ جعلت «براك» يدور حول نفسه، حتى أصبح مواجها ﻟ «عثمان» الذي ضربه ضربةً جعلته يترنَّح.
كان الزعيم قد ضغط على زر الإنذار، فأسرع «أحمد» إليه، ورفعه بين يديه، ثم ألقى به بقوةٍ في اتجاه الدائرة النحاسية المفتوحة، فسقط داخلها بين أسماك القرش، التي اتجهت نحوه بسرعةٍ. كان «ديك» يتحامل على نفسه، بينما كان «عثمان» يقفز في اتجاهه مندفعًا نحو الأرض، لكن «ديك» كان قد أمسك بمقعد الزعيم ثم هوى به على «عثمان» الذي نام على ظهره، ثم تلقَّاه على قدمه، وعندما قفز واقفًا، كان «ديك» قد سدَّد لكمةً قوية أصابت وجهه، فطار في اتجاه الدائرة النحاسية المفتوحة، وسقط قريبًا من فتحتها … فأسرع «ديك» خلفه، إلَّا أنَّ «أحمد» كان قد قفز على ساقي «ديك» فأمسك بهما، وسقط به على الأرض، بينما قام «عثمان» في نفس الوقت الذي أخرج فيه «براك» خنجرًا حادًّا، وقفز ناحيته. وقف الاثنان وجهًا لوجه. كانت أسماك القرش لا تزال تدور في الماء في انتظار طعامٍ جديدٍ. سدَّد «براك» ضربةً إلى «عثمان» الذي أمسك بيده، ثم لواها بحركةٍ بارعةٍ، جعلت الخنجر يقع على الأرض. كان قد تخلَّص من «أحمد» وأصبح قريبًا من الخنجر. أسرع يُمسك به، إلَّا أنَّ «أحمد» كان أسرع منه، فقد قفز ونزل فوق ذراعه، فصرخ، غير أن صرخة أخرى كانت أعلى، صدرت من «براك» الذي أمسك به «عثمان»، ونام على الأرض، وهو يُطيح به في الهواء فينزل في فتحة الدائرة النحاسية، ليجد أسماك القرش في انتظاره. ما إن رأى «ديك» ذلك حتى رفع يديه مستسلمًا. في نفس الوقت، كانت أصوات أقدام كثيرة تقترب. قال «أحمد» بسرعة: أوقفهم! تردَّد «ديك»، فقفز «أحمد» إليه، وفي حركة مثيرة، كان قد دفع به في اتجاه الفتحة. ظهر الفزع على وجه «ديك»، فصرخ: سوف أوقفهم! أسرع إلى اللوحة التي كانت بجوار الزعيم، وضغط زرًّا. فبدأت أصوات الأقدام تهدأ، ثم توقفت. ضغط زرًّا آخر، فبدأت تتحرَّك مبتعدةً. وقف «أحمد» و«عثمان» حول «ديك» الذي كان ينظر لهما في خوف، بينما كانت يده تتسلل إلى لوحة الأزرار. وعندما اقتربت من أحدها، أسرع «عثمان» فسدَّد الخنجر الذي كان في يده، فانغرس بجواره، حتى إنه سحب يده بسرعةٍ. نظر «أحمد» حواليه، فرأى ستارةً معدِنيةً، ذهب إليها، وحاول أن يُحركِّها فلم تتحرَّك. غير أنه وجد في الأرض زرًّا، فداس عليه. انفتحت الستارة، فرأى حجرة مكتب رائعة. دخل في حذرٍ، واختفى داخلها ثم أرسل رسالةً سريعةً إلى الشياطين. في نفس اللحظة، سمع صوت شيءٍ يصطدم بالحائط، وعندما قفز إلى الباب، كانت السيارة المعدنية قد أُغلقت. لقد داس «ديك» على أحد الأزرار عندما كان «عثمان» يتقدَّم منه، فضربه ضربةً قويةً جعلته يصطدم بالحائط. لكنه قام بسرعةٍ، قبل أن يتحرَّك «عثمان»، وضربه بتمثالٍ حديديٍّ لسمكة. إلَّا أن «عثمان» قفز من مكانه، فطاشت الضربة. طار «عثمان» في الهواء وهو يسدِّد ضربة قوية بقدمه في وجه «ديك» الذي استطاع أن يتفاداها ليصبح قريبًا من لوحة الأزرار، وقبل أن يضع يده عليها، كان «عثمان» قد قفز ضاربًا اللوحة التي طارت واصطدمت بالمقعد المُلقَى على الأرض.
ارتفعت صَفَّارةٌ عالية، فعرَف «عثمان» أنَّ أحد الأزرار قد اصطدم بيد المقعد. في نفس الوقت كان «ديك» قد أسرع إلى باب الحجرة هاربًا، إلَّا أن الباب فُتح في نفس اللحظة، وظهر به حارسان بملابسهما. فصرخ «ديك» فيهما: اقبضا عليه! وفي هدوءٍ، قال أحدهما، وهو يُغلق الباب: حتى لا نلفت نظر أحدٍ يا سيدي! وفي لمح البصر كان الحارسان يُقيِّدان «ديك» من ذراعيه بذراعَيهما. لقد كان الحارسان هما «خالد» و«بو عمير»، نظر لهما «ديك» في فزعٍ وهو يقول: ماذا تفعلان؟ إنني آمركما بالقبض عليه! عندما ابتسم «بو عمير»، كان «عثمان» قد أسرع إلى الستارة المعدنية. داس زر الأرض، فانفتحت وظهر «أحمد». وقف «ديك» ينظر في دهشة إليهم، غير أن «أحمد» قال له: أنت في أمانٍ يا سيد «ديك»، نحن لن نُؤذيَك، فقط عليك أن تتعاونَ معنا!
نظر «ديك» إليهم وقال: من أنتم؟
ابتسم «أحمد» وقال: نحن من رجال «بول داوسون»! ظهرت الدهشة على وجه «ديك»، وقال: «بول داوسون» الزعيم! لقد أصبح طعامًا للقرش و… قطع كلامه دقَّات على الباب الذي كان يقف خلفه بين «خالد» و«بو عمير»، توقفت الدقَّات قليلًا، ثم عادت من جديد. همس «أحمد» إلى الداخل! تقدَّموا جميعًا إلى حجرة المكتب، فدخلوا وهم يسوقون «ديك» أمامهم. أغلقوا باب المكتب، وأسرع «أحمد» يُزيل الماكياج، في الوقت الذي كان يقف فيه «ديك» ووجهه للحائط. وبسرعةٍ وضع ماكياجًا يشبه «بول داوسون»، ثم خرج إلى الحجرة الخارجية، وجلس إلى المقعد بعد أن أعدَّ ترتيبا سريعًا للحجرة، ووضع أمامه منضدة صغيرة، كان التمثال الحديدي للسمكة موضوعًا عليها. ثم ضغط زرًّا، فانفتح الباب. دخل بعض الرجال، كان يبدو عليهم الاهتمام الشديد. قلَّد «أحمد» صوت «بول» وهو يقول: لعلكم دُهشتم لتأخركم عند الباب! صمت لحظةً ثم قال: لقد كُنت أُجري تعديلًا في الأدوار. إن «براك» قد خاننا، واضطررت لإلقائه في مزرعة القروش، وعيَّنت بدلًا منه مساعدًا جديدًا، سوف أُقدمه لكم الآن. لقد استدعيتكم لأعرف مخزون البترول عندنا خصوصًا بعد العملية الأخيرة، وهل جاءت طلباتٌ جديدةٌ؟ نظروا إلى بعضهم قليلًا، فقال: «أحمد»: هناك خائنٌ آخر؛ إنه «ديك». إنهم سيبيعون جزءًا من البترول في عُرْض المحيط، لهؤلاء التجار الذين يجوبون الماء بحثًا عن صيدٍ رخيصٍ، وسوف ينال جزاءه الآن أمامكم! وقف، وتحرَّك إلى باب الستارة المعدنية في هدوء، ثم ضغط الزرَّ الأرضي، فانفتحت، فنادى، وهو ينظر إلى «خالد»: «موني، هيَّا، حتى أقدمك للرجال!» تقدَّم «خالد» في جِدٍّ، بعد أن تخلَّص من ملابس الحراس … كان يبدو في هيئة جادة. التفت «أحمد» وقال: «موني» مساعدي الأول! تقدَّم «خالد» حتى وقف عند لوحة الأزرار. نظر «أحمد» إلى حجرة المكتب، ثم قال بصوت هادئ تمامًا: هيَّا، أيها الخائن «ديك»!
ظهر «ديك» بين «عثمان» الذي ارتدى ملابس الحُرَّاس وبين «بو عمير». ظهرت الدهشة على وجه الرجال، وقال أحدهم: «ديك»، إنه نموذجٌ للصديق المخلص. كيف يتَّضح أنه خائن. أخرج «أحمد» مسدسه، ثم قال: تقدَّم يا «ديك»، وقِفْ حيث تعرف. سوف أسألك بعض الأسئلة. فإن كنت صادقًا، فسوف تبقى معنا … وإلَّا! لم يُكمل كلامه. كان الذهول يبدو على وجهه. مشى في هدوءٍ حتى اقترب من الدائرة النحاسية المفتوحة. ضغط «أحمد» زرًّا فأغلقت. ثم نظر بسرعة إلى «خالد» الواقف بجواره، ففهم ماذا يعني. ظلَّ «ديك» في مكانه لا يتحرَّك. فقال «أحمد»: خطوة واحدة يا «ديك»! تقدم «ديك» حتى أصبح وسط الدائرة النحاسية، في نفس الوقت، كان «خالد» يضغط زرًّا، فتح فوهة الدائرة، فسقط «ديك» سريعًا. نظر «أحمد» إليهم، وهو يقول: هذا جزاء الخيانة! صمت لحظة ثم قال: «موني»، أرجو أن ترسل رسالة لعميلنا؛ حتى يأتيَ ليتسلَّم الكمية التي طلبها!
فهم «خالد» ماذا يعني، فانصرف إلى الحجرة الداخلية. قال أحد الرجال: لقد أرسل عميلنا في «باريس» يطلب شحن ٢٥٠ ألف طن إلى شركة «كوم» الفرنسية، فهي في حاجةٍ إلى هذه الكمية بسرعة. وقال إن ثمن الشحنة قد وُضع في البنك فعلًا! ابتسم «أحمد» وهزَّ رأسه قائلًا: هذا طيب. إن عميلنا في باريس رجلٌ نشيطٌ! نظر إلى الشياطين لحظة، ثم قال: إنني في انتظار تقاريركم الآن! تحرَّك الرجال، فقال بسرعةٍ: لحظة من فضلكم! دخل «خالد» وهو يقول: العميل في الطريق أيها الزعيم!
هزَّ «أحمد» رأسه وقال: أرجو أن أجتمع بكم في حجرة مكتبي بعض الوقت قبل أن تُعدُّوا التقارير، فسوف أُضطر إلى تغيير سياستنا التجارية. ابتسم ثم قال: «التجارية … وغيرها.»
ابتسم الرجال، وأخذوا طريقهم إلى الحجرة الداخلية، في نفس الوقت الذي كانت يد «خالد» تمتد … لتضغط زرًّا، أغلق الستارة المعدنية.
التقت أعين الشياطين في ابتسامةٍ متبادلةٍ، وقال «بو عمير»: لقد كانت مغامرة هادئة!
ابتسم «عثمان» وقال: هادئة فيما عدا سمك القرش! مرَّ بعض الوقت، وبدأت بعض الأصوات تأتي من داخل الحجرة الداخلية … في نفس الوقت الذي ظهرت فيه أصوات طائرات تقترب. رفع الشياطين أصابعهم علامة النصر … وقال «أحمد»: إلى اللقاء …
ابتسموا جميعًا، بينما كان «أحمد» يستقبل رسالة رقم «صفر» تقول: «أُهنئكم و… إلى اللقاء كما قُلت.»
نقل «أحمد» الرسالة إلى الشياطين فابتسموا، وهم يأخذون طريقهم مغادرين الحجرة …