الدين والتنمية في مصر١

مقدمة

كان الدين في مصر دائمًا هو تاريخها. فمنذ الفراعنة القدماء حتى العصور الحديثة كان الدين محورًا في الحياة المصرية. كان فرعون ابن الله، وكانت روحه إلهية، وكان الكهنة طبقة قوية تملي قوانينها وتقاليدها على الدولة، وكان الشعب يطيع قوانين الدولة باعتبارها قوانين إلهية، وبنى الشعب الأهرامات تعبيرًا عن عواطفه الدينية. كانت الطبيعة أيضًا إلهية. فالنيل والشمس والعجل والحيوانات الأليفة آلهة. وكان للعلم والفن وظائف دينية. وكان للاستقرار السياسي والاجتماعي أو عدمه أسس دينية. ولم يتغير الوضع عما هو عليه طول تاريخ مصر.

وفي مصر الحديثة، ظهر نمط مثالي للعلاقة بين القيادة السياسية وبين علماء الدين. فقد فصل محمد علي أولًا بعض العلماء الذين عارضوه واضعًا بذلك حق الدولة في تعيين رجال الدين أو فصلهم وفي القضاء على كل أنواع المعارضة الدينية. ثم طلب ثانيًا من العلماء تأييد برنامجه عن طريق إصدار فتاوى وتبرير القرارات السياسية للدولة باستخدام الدين. ثم استبدل ثالثًا بالصفوة الدينية صفوة عسكرية جاعلًا الأولى في خدمة الثانية ومؤسسًا بذلك الدين في خدمة الدولة. ولكن في نفس الوقت فإن السيد عمر مكرم هو الذي ترأس حركة تنصيب محمد علي واليًا على مصر باسم شعبها، أي إن الحاكم يأتي ببيعة أهل الحل والعقد ولكن هذا النموذج لم يستمر في تاريخ مصر الحديثة وظل نموذجًا شرعيًّا خالصًا في تراثنا القديم.٢
ويقتصر مفهوم الدين هنا على تصور القيادة السياسية للدين وكيف استخدمته من أجل تحقيق التغير الاجتماعي والسياسي سواء مباشرة أو من خلال أجهزة الإعلام والمؤسسات. ولما كان نمط القيادة السياسية في مصر منذ ١٩٥٢م حتى ١٩٨٧م وما زال على مستويات مختلفة نمطًا «زعاميًّا» Charismatic فقد كان تصور القيادة السياسية للدين قوة حركية فعلية في استخدام الدين كعامل للتنمية. ولهذا السبب تم استبعاد تحليل «ثقافة الجماهير» و«الوقائع الدينية» لأنها هي الحوامل والأوعية لتصور الزعامة للدين. لقد فرض المنهج الوصفي نفسه ليبين أولًا القرارات الدينية الرئيسية، وليبين ثانيًا العامل الديني وأثره على التنمية. الأول وصف ثابت Static والثاني وصف حراكي Dyanmic. ولما كنا نتعامل مع التصور ووعي الجماهير كان التحليل الفينومينولوجي ضروريًّا ليبين الدين باعتباره «قصدًا» لدى القيادة السياسية. الدين هو صورة الشعور Noesis والتنمية مادته Noema. وبتعبير آخر الدين هو الوجه الذاتي للشعور والتنمية وجهه الموضوعي. وفي المعارك الاثنتي عشرة التي استخدمت فيها القيادة الدين كعامل في التغير الاجتماعي والسياسي يظهر بناء دائم: الفعل ورد الفعل، الهجوم والدفاع. يظهر الدين كآليات دفاع ضد هجمات من الداخل ومن الخارج على النظام السياسي. وباختصار فإنه سيتم تطبيق منهج مشترك يقوم على التحليل الفينومينولوجي والبنائي لوصف الدين وأثره في التنمية.

ولسنا في حاجة إلى تحديد مسبق لمفهومي «الدين» و«التنمية»؛ إذ يستعمل مفهوم «الدين» هنا في معناه الواسع الذي يشمل العقيدة والشعائر والنظم والقوانين والقيم … إلخ. ويستخدم مفهوم «التنمية» أيضًا في معناه الواسع الذي يشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.

وقد اتبعت طريقة عرض المادة العلمية بأقل قدر ممكن من التدخل، فتركت ناصر يتكلم بنفسه بما في أسلوبه من خطابة وحماس وتكرار. يشفع ذلك بعض التعليقات والحكم عليه. الأساس هو خطب ناصر وكلماته وأحاديثه حتى يشارك القارئ في نفس التجربة، ويشعر من الداخل بوضع الدين في فكره السياسي. وبالرغم من عيوب هذه النقطة التي «تعرض» ولا «تحلل» إلا أنه بها يستطيع القارئ أن يتذوق المادة الخام للبحث ويشارك في الحكم عليها. وكان الهدف العملي القريب أن تقرأ أجيال جديدة في عصر الثورة المضادة في السبعينيات الخطاب السياسي الذي كان يعبر عن حلم الستينيات.

أولًا: التطور الديني في مصر الحديثة

إن أثر الدين على الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر الحديثة يمتد إلى ما قبل ١٩٥٢م. ودون ما حاجة إلى الرجوع إلى محمد علي وبداية مصر الحديثة فإنه يكفي وصف الاتجاهات الدينية الأساسية التي ظهرت مباشرة قبل ١٩٥٢م.

(أ) الاتجاهات الدينية قبل ١٩٥٢م

إنه من السهل وصف الاتجاهات الدينية في مصر قبل ١٩٥٢م؛ إذ يحكم هذه الاتجاهات بناء ثلاثي يضم طرفين متعارضين وطرفًا أوسط. الأول الاتجاه المحافظ أو التقليدي الذي تمثله المؤسسة الدينية أو الجماعات الدينية مثل الإخوان المسلمين. والثاني الاتجاه العلماني أو الليبرالي الذي تمثله الجماعات المناهضة للمؤسسة الدينية مثل الليبراليين والعلمانيين والماركسيين والغربيين بوجه عام. والثالث الاتجاه الإصلاحي أو التجديدي الذي يتراوح بين الاتجاهين المتعارضين السابقين.٣
  • (١)
    يمثل الإخوان المسلمون أقوى الاتجاهات الدينية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. كانت أيديولوجيتهم الإسلامية الجذرية، ولكن ليست بالضرورة يسارية، في جوهرها كلية، فالإسلام يؤخذ كله أو يترك كله. وعلى الواقع أن يكيف نفسه طبقًا للإسلام لا أن يكيف الإسلام نفسه طبقًا للواقع. وكانت أيديولوجية حركية قادرة على تجميع أعضائها من كل الطبقات الاجتماعية في خلايا مطيعين لرؤسائهم ومكونين لأنظمة شبه عسكرية. وكانت أيديولوجية تقوم على التعصب، ترفض أي شكل من أشكال الحوار مع الجماعات والأيديولوجيات السياسية الأخرى. وكانت معادية للماركسية، تربط الماركسية بالإلحاد والمادية، وإن لم تكن معادية للاشتراكية بالضرورة. فالإسلام له رؤيته الخاصة للعدالة الاجتماعية وله نظمه الاقتصادية الخاصة به. ومن ناحية أخرى كان الإخوان المسلمون معادين للاستعمار. شاركوا في حرب فلسطين في ١٩٤٨م. وكانوا قوة أساسية في الصراع ضد الاحتلال البريطاني لقناة السويس في ١٩٥١م. وكانوا معادين للملكية التي كلفتهم زعيمهم في ١٩٤٩م.٤

    والمؤسسة الدينية هي أحد الأشكال الهابطة والفاسدة أحيانًا للاتجاه المحافظ. فقد كانت دائمًا وحتى بعد ١٩٥٢م، المبرر المعتاد للموقف الرسمي للنظام السياسي في كل وقت. وكانت تستخدم دائمًا ضد الخصوم السياسيين ويطلق عليهم أوصاف الخوارج والملحدين. كان كبار رجال الدين بصفتهم موظفين في الدولة مجرد مبررين للقرارات السياسية لأي نظام. وقد أفتوه بأن الملك من نسل النبي، وبالتالي فمن حقه أن ينصَّب خليفة للمسلمين!

    ولم يمنع ذلك بعضهم من الحفاظ على التراث الديني الصحيح. فقد رفضوا كل أنواع الضغط من النظام السياسي لتبريره أو لتأييده. بل إنهم على العكس أصدروا بيانات مضادة تعارض القرارات السياسية. وقد تم فصلهم أو استبعادهم.٥
  • (٢)
    ويمثل الغربيون اتجاهين أساسيين: الماركسية والليبرالية. فقد اعتبر الماركسيون الدين طبقًا للتصور الناقص الذي ينقل عادة عن ماركس أنه أفيون الشعب. الدين مظهر من مظاهر التخلف، وعامل من عوامل الاستغلال، ومضاد للعلم. ولكن بعض الماركسيين الآخرين اعتبر الدين «صيحة المضطهدين» وهي نصف العبارة التي قالها ماركس ونسيها الناس ورأوا فيه عاملًا ممكنًا للتغير الاجتماعي والسياسي.٦
    أما الليبراليون فإن البعض منهم نظر إلى الدين من وجهة نظر وضعية أي وسيلة غير علمية للمعرفة، ومرحلة تاريخية في تطور الإنسانية. ونظر البعض المستنير منهم إلى الدين على أسس عقلية وإن لم تكن عقلية خالصة. ورأى فريق ثالث في الدين تعبيرًا وجدانيًّا خالصًا أقرب إلى الوجودية ومقولاتها في السر والتناقص واللامعقول. وهي كلها اتجاهات غربية امتدت داخل الفكر العربي المعاصر.٧
  • (٣)
    أما الاتجاه الإصلاحي أو التجديدي فإنه قد توقف وانتهى وعاد إلى الاتجاه السلفي كما هو الحال عند رشيد رضا أو الاتجاه المحافظ عند حسن البنا.٨ كما انتهى إلى الليبرالية تقليدًا للغرب عند علي عبد الرازق وخالد محمد خالد. وقد أصبح الاتجاه التقدمي بعد ١٩٥٢م التطور الطبيعي للاتجاه الإصلاحي المتوقف. ويؤيد ذلك ما يذكر الميثاق في باب «جذور النضال المصري» والتأكيد على دور الفتح الإسلامي في تأهيل الثورة المصرية، وكيف أن الإسلام كشف لها هذه الحقيقة وأعطاها ثوبًا جديدًا من الفكر والوجدان الروحي في إطار التاريخ الإسلامي. وعلى هدي رسالة محمد قام الشعب المصري بأعظم الأدوار دفاعًا عن الحضارة الإنسانية. ثم أتى الغزو العثماني فدخلت مصر عصور الإسلام، وظهرت عوامل الضعف والتفتت التي فرضتها الخلافة العثمانية استعمارًا ورهبة باسم الدين والدين منها براء. ثم ارتفع صوت محمد عبده في الفترة الأخيرة ينادي بالإصلاح الديني، وارتفع صوت لطفي السيد ينادي بأن تكون مصر للمصريين، وارتفع صوت قاسم أمين ينادي بتحرير المرأة.٩ بل إن الاشتراكية الديمقراطية تنتسب أيضًا حسب رأي بعض أساتذة جامعة طنطا من الذين عهد إليهم كتابة الأيديولوجية الجديدة في عصر الثورة المضادة في السبعينيات إلى محمد عبده ولطفي السيد وأحمد أمين وطه حسين والعقاد ومن إليهم من هذا الرعيل العظيم.١٠

(ب) التكوين الديني للضباط الأحرار

يعكس التكوين الديني للضباط الأحرار نفس الاتجاهات الدينية الرئيسية التي كانت موجودة قبل ١٩٥٢م. فقد كانت الثورة مجرد انقلاب في النظام السياسي. استمرت الاتجاهات الدينية الرئيسية قبل الثورة وبعدها مع اشتداد حدة الصراع بينها. فقد حاول كل اتجاه الحصول على أكبر قدر ممكن من التأثير على النظام الجديد. كان عبد المنعم عبد الرءُوف وكمال الدين حسين أظهر ممثلين للاتجاه المحافظ عند الإخوان المسلمين. وكان يمثل التيار الماركسي الديني خالد محيي الدين. وكان الدين لديه ينحو نحوًا صوفيًّا موروثًا عن طريق المماثلة، فقد كان جده أحد مشايخ الطرق الصوفية. وكان أحمد حمروش أحد أعضاء حدتو ومن الضباط الأحرار في نفس الوقت. أما باقي الضباط الأحرار فكانوا يدورون في فلك ناصر. وكان ناصر يجمع في شخصه عديدًا من الاتجاهات. فقد كان في وقت ما على اتصال بالإخوان المسلمين. عرف حسن البنا ولكنه لم يكن عضوًا في جماعته. وقد اتُّهم في الجيش بأنه على اتصال بالبنا يعمل في حركته السرية. ويدرب الفدائيين التابعين له. واتُّهم أيضًا بالعنف وإلقاء القنابل. وقد اعترف ناصر بأنه عرف الإمام، وأنه لم يكن لديه أي اعتراضات على تدريب الفدائيين الإخوان لتحرير فلسطين.١١ وقد كان ناصر بالفعل ذا علاقة وطيدة بالبنا. وقد تعود أن يخطر زملاءه بالمناقشات التي عقدها معه. وظل على علاقة بالإخوان بعد وفاة البنا. ولكن هذه الاتصالات لا تجعل ناصر ضابطًا حرًّا ذا اتجاه ديني. فقد اتصل ناصر بالإخوان باعتبارهم جماعة سياسية أكثر من كونها جماعة دينية مثل اتصالاته بالجماعات السياسية الأخرى. وقد اعترف ناصر أيضًا فيما بعد أنه قد تأثر بالنبي محمد وبالمسيح. ولكنه كان يعني بذلك أنه رجل متدين عادي دون حماس ديني خاص.١٢ وكان ناصر أيضًا على اتصال بالدوائر الماركسية كما كان عضوًا في حزب مصر الفتاة. وبالرغم من عدم وضوح انتمائه الأيديولوجي أو غياب أية أيديولوجية له على الإطلاق فإنه يمكن تحديد التكوين الديني لناصر على نحو سلبي. لم يكن محافظًا مثل الإخوان ولا راديكاليًّا علمانيًّا أو ماركسيًّا أو ليبراليًّا.
ولكن بعض الضباط الأحرار كانوا أعضاءً عاملين في الإخوان المسلمين كما كان البعض الآخر من المتعاطفين معهم. وقد كان هناك تعاون وثيق بين الثورة والإخوان قبل اندلاع الثورة، كما كان هناك تشابه بين منشورات الضباط الأحرار وبرامج الإخوان فيما يتعلق باستقلال البلاد والتحرر من الاستعمار الإنجليزي والقضاء على الإقطاع والفساد ونقد الحزبية. ولما قامت الثورة ظن الناس أنها ثورة الإخوان. فقد أفرجت الثورة عن المعتقلين السياسيين من الإخوان؛ لأنهم مواطنون كافحوا الظلم، واتجهت إليهم الثورة لأنهم قوة ربيت على الحق، كان يرجى منهم خير كثير.١٣ اعتمدت الثورة على شعبية الإخوان وعلى اتصالهم بالجماهير فوجدت فيهم معبرًا نحوها. وبالرغم من بقاء الصلة بين الثورة والإخوان في بدايتها إلا أنها سببت غضب القوى الكبرى على الثورة. وبالإضافة إلى اشتراك الضباط الأحرار من الإخوان مثل عبد المنعم عبد الرءوف ليلة الثورة فقد أرسل الإخوان آلافًا من أنصارهم في الشوارع لحراسة السفارات والقنصليات والأحياء الأجنبية والتعبير عن التأييد الشعبي للثورة. كان الإخوان عيون الثورة على الداخل والخارج في البداية.

(ﺟ) القرارات الدينية الرئيسية أو أثر التنمية على الدين

يبين هذا العرض التاريخي للقرارات الدينية الرئيسية في مصر منذ ١٩٥٢–١٩٧٧م كيف أن الدين لم يكن خارج التنمية، وكيف كانت التنمية شاملة تضم الدين أيضًا. كما يبين أثر التنمية على الدين أكثر مما يبين أثر الدين على التنمية. ومعظم هذه القرارات جمهورية مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون تطوير الأزهر. والبعض منها قرارات وزارية بناءً على توجيهات من الرئيس مثل البرامج الدينية في أجهزة الإعلام. لم تنشأ هذه القرارات في معظمها بناءً على معارك سياسية بل بناءً على رغبة في الإصلاح، وغالبًا لم تحدث لها معارضة في الداخل أو في الخارج.

(١) إلغاء المحاكم الشرعية

صدر القانون رقم ٤٦١ لسنة ١٩٥٥م بشأن إلغاء المحاكم الشرعية كما تنص على ذلك المادة الأولى «تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والوقف والولاية عليه وجميع الجرائم إلا ما استثني بنص خاص». كما صدر القانون رقم ٤٦٢ لسنة ١٩٥٥م بشأن إلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم المحلية وإحالة الدعاوى التي تكون منظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية. وتبين المذكرة الإيضاحية السبب في هذا الإلغاء وهو أن تقضي قواعد القانون العام أن تكون سيادة الدولة تامة ومطلقة داخل بلادها. كما تقضي بأن يخضع جميع السكان على اختلاف جنسياتهم لقوانين البلاد ومحاكمها ولجهة قضائية واحدة بصرف النظر عن نوع المسائل التي تناولتها خصوماتهم أو القوانين التي تطبق عليها. وقد كان الحال في مصر قبل إصدار هذا القانون عكس ذلك، تعدد الجهات القضائية دون صلة أو رابطة بينها؛ محاكم شرعية، وقضاء عالٍ، ثم أصبح لكل طائفة قضاؤها الخاص. فنشأ تنازع بين المحاكم. وبعد إلغاء الامتيازات كان من الطبيعي خضوع الرعايا الأجانب للقوانين الوطنية تحقيقًا للسيادة القومية. كانت للطوائف غير الإسلامية أربعة عشر مجلسًا لا تنعقد إلا في فترات متباعدة، وقوانينها باليونانية والعبرية أو السريانية أو الأرمنية أو القبطية التي لا يفهمها غالبية المتقاضين. ولما كانت الثورة قد قامت لتحقيق أهداف البلاد في الإصلاح والقضاء على الفساد في شتى نواحيه، فإن العقبات المتقدمة ما كانت لترد الحكومة عن أداء واجبها في إقامة صرح القضاء. وهي مطالبة بتوفير سبل التقاضي لجميع رعاياها دون تطرف أو تحيز. ولهم قبلها ما يقتضيها بأعباء الإصلاح ولو لم يصادف هوى البعض. وليس للحكومة أن تسلم بوجود هيئات قضائية داخل الدولة تملي عليها إرادتها أو تناهض سياسة الإصلاح فيها أو تتحكم في طريق الإصلاح.١٤ ولم تظهر أية معارضة من جانب رجال الدين. بل على العكس قام شيخ الأزهر مع بعض المشايخ بتهنئة ناصر على أخذه هذه «الخطوة التحررية» نحو إصلاح النظام القانوني في مصر. لم يحبذ الإسلام نظامًا قانونيًّا خاصًّا لتطبيقه بين الناس. كما أن الإسلام لم يضع أية قواعد لتحديد الصلة بين الحاكم والمحكوم أو تحديد المسموح به من غير المسموح به! إن أساس القانون الإسلامي هو أساس أخلاقي وليس أساسًا شرعيًّا! فبدلًا من الضبط الشرعي هناك الوعي الخلقي! ولقد تم إلغاء المحاكم الشرعية ليس باسم الدين بل للقضاء على مآسي المحاكم الشرعية ومضارها على الناس. ومع ذلك ظلت المآسي قائمة في قانون الأحوال الشخصية.

(٢) قانون الأحوال الشخصية

صدر القانون رقم ٦٢٨ لسنة ١٩٥٥م ببعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف والتي تختص بها المحاكم بمقتضى القانون السابق. فهو قانون مكمل له. فبعد إلغاء المحاكم الشرعية اقتصرت القوانين الشرعية على قانون الأحوال الشخصية. وينص قانون الإلغاء على أن الأحكام في المنازعات التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية تصدر طبقًا لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة عدا الأحوال التي وردت بشأنها قواعد خاصة.١٥ وتنص المادة الأولى على أنه يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في قضايا الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الجزئية، وفي كل قضية أخرى تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالوقف وإلا كان الحكم باطلًا. وما زال النقاش دائرًا حول قانون الأحوال الشخصية. وقد رفعت السلطة السياسية يدها عنه حتى تبين مقدار ما يتمتع به الناس من حرية وديمقراطية. تركت الجدل لرجال الدين لتكون لهم اليد العليا في مثل هذا الموضوع اللاسياسي. فقانون الأحوال الشخصية قانون خاص لا شأن له بالحياة العامة الاجتماعية أو السياسية. فالخير والشر والتقدم والتأخر كلها مسائل تقليدية لا شأن لها بالسياسة! لم تدخل القيادة السياسية معركة قانون الأحوال الشخصية وتركتها لرجال الدين نظرًا لأنها لا ينتج عنها أي مضمون سياسي. وبناءً على استفسار من أحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية لشرح الميثاق عن المقصود بمساواة المرأة بالرجل وما مداه وحدوده، وهل ستكون مقيدة بالقيود الشرعية وخاصة في الميراث، وهل يتعارض ذلك مع الأديان، أجاب ناصر بأنه لا يتدخل في الشرائع السماوية وعلاقتها بالأحوال الشخصية ولكن يجب مساواة المرأة بالرجل، ويجب أن تأخذ فرصة كي تحافظ على نفسها وتعمل. فالمرأة التي تعول أولادًا أو المرأة المحتاجة إلى عمل أو غير المتزوجة قد تنحرف، ولكن فرصة العمل للمرأة حماية لنفسها وللمجتمع. والمرأة أساس المجتمع لأنها تمثل الأم والأخت والزوجة. لا تعني المساواة أن تتزوج المرأة بأربعة كما أثار البعض في الصحف لأن ذلك ضد الأسس الاجتماعية والأديان. قد تكون المرأة في الوزارات، وقد تكون عضوًا في مجلس الأمة. وهي موجودة في مؤتمر القوى الشعبية. المرأة تتعلم وتبني، وهي نصف المجتمع. أما في النواحي الدفاعية فهذا أمر آخر. وهنا تبدو النظرة النسبية للمرأة من جديد وتحديد نشاطها في ميدان دون ميدان.

أما فيما يتعلق بالنواحي الشرعية فإن تعدد الزوجات تتم ممارسته بطريقة خاطئة؛ إذ يكذب الرجل على زوجته الثانية ويخبرها بأنه غير متزوج. وهذا ليس من الشرع أو الدين. هذه أشياء ممكن إصلاحها بعد بحثها. فليتزوج وليكن صادقًا ويقول إنه متزوج وطلق أو تزوج اثنتين أو ثلاثًا حتى لا يغرر بفتاة بريئة مسكينة قد تكون أخت كل مواطن أو ابنته. هذه هي الشريعة. فالفتاة التي تتزوج ثم تكتشف أن زوجها متزوج من قبل تكون حياتها قد انتهت تمامًا. الممارسة الحقيقية للشريعة هي سبيل الإصلاح دون المساس بها. ولكن لا تكون العصمة بيد المرأة، وهذا الموضوع متروك للشريعة تدلي فيه برأيها. إنما المهم أن يكون للمرأة حياة كريمة وشريفة. ولكن وزير العدل يحبذ أن تدخل المرأة قاضية في جميع المحاكم ما عدا الجنايات والنقض سيرًا في رفع القيود المهنية على المرأة.

وفي مناقشات المؤتمر القومي ذكرت د. زينب السبكي أن المرأة شاركت الرجل في الحروب منذ أيام الرسول، ولكن الرئيس لم يرد ولم يعقب مما يدل أن الدين لم يكن لديه سلاح في معركة مساواة الرجل بالمرأة، بل لم تكن معركة على الإطلاق بل مجرد تعبير عام وإقرار لواقع بديهي خالص.١٦ وبعد ١٩٧٠م لم يعد موضوع المرأة هو حقوقها بل إيمانها. فقد نشأت المرأة العربية على الأرض التي كانت مهبط جميع الرسالات السماوية، فأخذت عنها الإيمان العميق بالله. كانت خديجة أول من تلقى نبأ الوحي والرسالة. وهناك أسماء بنت أبي بكر وغيرها في التاريخ العربي الإسلامي القديم والحديث، طريق المرأة هو طريق الحرية والحق والفضيلة والإيمان. إن المرأة المثقفة المؤمنة أغلى جوهرة تُهدى لأمتها لما تضيفه على بيتها وأبنائها من هدي الإيمان الذي يشع في الأسرة كلها نورًا. وقد شهدت مصر الإسلامية من فضليات النساء الكثيرات.١٧
ولكن في موضوعات أخرى لم تحدث معارك قبل تحديد النسل. صحيح أنه أنشئ مركز السكان وتنظيم الأسرة، ولكنه لم يتجاوز إجراء بعض البحوث عن توزيع السكان في مصر. ولم تنشأ توعية دينية من أجل تحديد النسل، ولم تصدر أي فتوى رسمية في صفه. ولكن ذلك لم يمنع من تقلبات المنظرين فيه تؤيده، وتورد فيه الحجج النقلية والعقلية، وترد على الحجج المضادة، ولكن لم تشتعل المعركة. وذلك لأن القيادة السياسية تركت الأمر مفتوحًا على الخيار ولم تأخذ فيه جانبًا دون جانب، مما يدل على أن الدين كعامل في التنمية لم يكن حاسمًا أو مقصودًا.١٨

(٣) إلغاء الوقف

لقد صدر قانون إلغاء الوقف رقم ٦٢٨ لسنة ١٩٥٥م من أجل استثمار قطع كبيرة من الأراضي ومبالغ كبيرة من المال بدلًا من إبقائها بلا استثمار أو زيادة خدمة للناس وانتفاعًا بها وحرصًا على بقائها وزيادتها. وبالتالي شيدت أبنية عديدة، واستثمرت الأموال في البنوك. فزادت الأعمال الخيرية وأصبحت أكثر نفعًا خاصة في مشاريع الإسكان. وأصبح الوقف ليس فقط موضوعًا للاستهلاك بل أيضًا موضوعًا للاستثمار. ولم تحدث معارك حول هذا الموضوع. بل إنه بعد ١٩٧٠م ظهر تسيب في أموال الوقف وممتلكاته، وحدثت سرقات ومبايعات صورية وعمولات فيما يسمى بقضية المغربي التي يحتمل أن يكون الشيخ الذهبي قد ضحى بحياته بسببها. فقد كان أول من نبه على هذه الاختلاسات.

(٤) قانون تطوير الأزهر

صدر قانون تطوير الأزهر في ٥ يوليو ١٩٦١م رقم ٦٠٣ بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها معترفًا بالأزهر وبهيئاته، وإلغاء للقوانين السابقة رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦م. فالأزهر «هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره. وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا وفي الآخرة. كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية، وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها. وتعمل على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين متفقهين في الدين، يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والزيادة والقدوة الطيبة، وعالم الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية والعربية والأجنبية.١٩

الهدف إذن من التطوير هو حفظ التراث وتنقيته ونشره، ونشر الدعوة الإسلامية وإظهار الدور التقدمي للإسلام في رقي الشعوب، وبيان حضارة العرب والاعتزاز القومي بها. والأهم من ذلك كله إعداد جيل جديد من العلماء يجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا، أو كما يقال بلغة القدماء بين علوم النقل وعلوم العقل. ولكن يظل الأزهر تابعًا لرياسة الجمهورية، ويعين وزيرًا لشئون الأزهر بقرار جمهوري، وبالتالي فهو ليس هيئة مستقلة. ومن ثَم يسهل على الدولة إعطاء توجيهاتها إلى شيخ الأزهر. وهو أيضًا معين بقرار جمهوري تتجمع السلطات كلها في يده. فهو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام. وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته. وفي نفس الوقت هو موظف في الدولة يأتمر بأوامرها، ويبرر قراراتها. ويرأس المجلس الأعلى للأزهر. وإن لم يكن شيخ الأزهر قبل تعيينه عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، وهو الشرط الوحيد لتعيينه، فإن لرئيس الجمهورية الحق في تعيين شيخ أزهر من خارج المجمع ويصبح بقوة التعيين عضوًا في المجمع، أي إن هذا الشرط الوحيد وهو شرط العلم، ليس ملزمًا لرئيس الجمهورية. ولشيخ الأزهر حق مقاضاة نظَّار الأوقاف. كما يُعيَّن وكيل الأزهر أيضًا بقرار جمهوري ويشترط أن يكون عضوًا بالمجمع. ولكن رئيس الجمهورية له الحق في تعيين الوكيل من خارجه. بالتالي يصبح عضوًا في المجمع بقوة القرار الجمهوري. لذلك يثار هذه الأيام سؤال: لماذا لا يتم انتخاب شيخ الأزهر من المجلس الأعلى للأزهر أو من مجمع البحوث الإسلامية أو من هيئة كبار العلماء أسوة بانتخاب بابا روما؟

ويشمل الأزهر الهيئات الآتية:

(أ) المجلس الأعلى للأزهر. ويتكون من شيخ الأزهر وله رياسة المجلس، ووكيل الأزهر، ومدير جامعة الأزهر، وعمداء الكليات بجامعة الأزهر، وأربعة من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يختارهم المجمع ويصدر بتعيينهم قرار جمهوري بناءً على ترشيح شيخ الأزهر لمدة سنتين، وأحد وكلاء الوزارات أو الوكلاء المساعدين من وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والعدل والخزانة بقرار من الوزير المختص، ومدير الثقافة والبحوث الإسلامية، ومدير المعاهد الأزهرية، وثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة في شئون التعليم الجامعي يكون أحدهم على الأقل من أعضاء المجلس الأعلى للجامعات ويُعيَّن بقرار من الوزير المختص بناءً على أخذ رأي المجلس وترشيح الأزهر لمدة سنتين. ويختص المجلس الأعلى للأزهر بالتخطيط، ورسم السياسة العامة للأزهر، ورسم السياسة التعليمية، والنظر في الميزانية، واقتراح إنشاء الكليات والمعاهد، وقبول الأوقاف والوصايا والهبات، والنظر في كل مشرع قانوني أو قرار جمهوري يتعلق بالأزهر، والنظر في منح العالمية الفخرية، وتشكيل اللجان الفنية الدائمة، وتدبير أموال الأزهر، والنظر في كل ما يعرضه عليه شيخ الأزهر.

(ب/ج) مجمع البحوث الإسلامية وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية. وهي الهيئة التي تقوم بالبحث والدراسة وتحقيق أهداف الأزهر العلمية «تعمل على تجديد الثقافة الإسلامية، وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يجدُّ من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة».٢٠ ويتألف المجمع مما لا يزيد على خمسين عضوًا من كبار علماء الإسلام يمثلون جميع المذاهب الإسلامية، منهم عشرون من خارج الجمهورية العربية المتحدة. يعينون بقرار من رئيس الجمهورية. يرأسه شيخ الأزهر، ونصف الأعضاء متفرغون.

(د) جامعة الأزهر، وتختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي وبالبحوث، وتحقق رسالة الأزهر المنصوص عليها في الباب الأول. وتتكون من كليات للدراسات الإسلامية، وكلية للدراسات العربية، وكلية المعاملات والإدارة، وكلية الهندسة والصناعات، وكلية الزراعة، وكلية الطب. ويجوز إنشاء كليات أو معاهد أخرى بقرار من رئيس الجمهورية. وتتكون كل كلية من عدة أقسام. اللغة العربية هي لغة التعليم إلا بقرار من مجلس الجامعة ينص على لغة أخرى. والتعليم بالمجان للطلاب المسلمين بصرف النظر عن جنسياتهم. ويجوز توقيع العقوبات التأديبية على أعضاء هيئة التدريس ابتداءً من الإنذار واللوم حتى العزل والحرمان. وكل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس أو لا يلائم صفته كعالم مسلم أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه ونزاهته يكون جزاؤه العزلَ. وكل من يخلُّون بواجباتهم أو يتصرفون تصرفًا لا يلائم صفتهم كعلماء مسلمين يطلب نقلهم إلى وظائف أخرى خارج نطاق الأزهر.

(ﻫ) المعاهد الأزهرية. وتشمل الأقسام الابتدائية وتسمى المعاهد الإعدادية، والأقسام الثانوية وتسمى المعاهد الثانوية. وتقوم مدرسة تحفيظ القرآن مقام المرحلة الأولى. والغرض من المعاهد الأزهرية «تزويد تلاميذها بالقدر الكافي من الثقافة الإسلامية، وإلى جانبها المعارف والخبرات التي يتزود بها نظراؤهم في المدارس الأخرى المماثلة ليخرجوا إلى الحياة مزودين بوسائلها وإعدادهم الإعداد الكامل للدخول في كليات جامعة الأزهر ولتهيأ لهم جميعًا فرص متكافئة في مجال العمل والإنتاج كما تهيأ لهم الفرص المتكافئة للدخول في كليات الجامعات الأخرى. وتذكر القيادة السياسية هذه الإنجازات في خطبها السياسية تأكيدًا على دورها في التنمية الدينية. فبعد خمس سنوات من قيام الثورة وفي التعليم الديني كانت ميزانية الأزهر ١٫٣٩١٫٥٥٠ جنيهًا وأصبحت ٢٫١٥٣٫٦٠٠. وكان للأزهر ٢٥ معهدًا أصبحت الآن ٣٧. وكان فيه ٢٢٫١٣٥ طالبًا أصبح فيه ٣١٫٥٥٦ وفي مصر الآن من البلاد العربية والإسلامية ٢٠٠ عالم ومبعوث. ويبني الأزهر مدينة للبعوث الإسلامية وتتكلف مليوني جنيه.٢١ وقد تم رصد خمسة ملايين جنيه لمشروعات الأزهر الجديدة في الخمس سنوات القادمة، وإنشاء معاهد زراعية وتجارية وصناعية لأول مرة تابعة للأزهر.٢٢

وفي ١٤ مايو ١٩٧٥م تم بحث تعديل قانون تطوير الأزهر، وذلك بتقديم المجلس الأعلى للأزهر مشروعًا بتعديل بعض مواد قانون التطوير ١٩٦١م. ويستهدف التعديل دعم المركز الديني العالمي للأزهر وتمكينه من أداء رسالته في الداخل والخارج.

وقد حدثت عدة شروح وهوامش على القانون من بعض المسئولين. فقد أعلن د. البهي وزير الأوقاف عن تخرج أئمة متخصصين للمصانع والمؤسسات العمالية بعد إدخال الدراسات الجديدة في جامعة الأزهر لتخريج أزهريين مؤهلين متخصصين للعمل أئمة ومصلحين وروادًا عماليين في المصانع والمؤسسات والنوادي العمالية. كما تقرر إنشاء شعبة جديدة للدعوة العمالية لهذا الغرض من الخريجين الممتازين في كليتي أصول الدين والشريعة الإسلامية، وسيدرس هؤلاء الخريجون جميع النظريات الاقتصادية العالمية دراسات مقارنة مع المبادئ الإسلامية. كما سيدرسون الخدمة الاجتماعية العمالية، ونظم العدل والإنتاج، والقانون العمالي، واللغات، والمواد التعاونية. وكان السيد حسين الشافعي قد أعلن من قبل بعد وضع حجر الأساس لجامعة الأزهر أنها مقر جديد، وتجعل الفكر الإسلامي إيجابيًّا وفعَّالًا يتصدى لكل تحديات المستعمرين ضد الإسلام والمسلمين في شجاعة وحزم لا يعرف الهزيمة ولا التردد. إن تطور الأزهر يعتبر عملًا ثوريًّا تقضي به الثورة على آثار المستعمر. فقد أعادت الثورة العقيدة إلى المجتمع. ولا بد للقوة من عقيدة تدفعها، كما لا بد للعقيدة من قوة تحميها. وسوف يعطي هذا التطوير الطالب الأزهري مزيدًا من الطاقات العلمية والإسلامية.٢٣

(٥) المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

أُنشئ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في ١٩٦٠م. وامتد نشاطه إلى جميع أرجاء العالم الإسلامي والوطن العربي وجميع القارات للتعريف بالإسلام وإحياء التراث الإسلامي. وقد نشر المجلس موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي سدت فراغًا كان موجودًا. ويصدر شهريًّا سلسلتين: الأولى «دراسات في الإسلام»، والثانية «كتب إسلامية». كما يصدر كل أول شهر مجلة «منبر الإسلام». وبجانب طبعتها العربية تصدر طبعات أخرى بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية. وقد جمع المجلس القرآن الكريم جمعًا صوتيًّا (المصحف المرتل)، وأوفد بعثات الوعظ والإرشاد وتعليم اللغة العربية وأنشأ المراكز الإسلامية في أرجاء العالم. وابتداءً من يونيو ١٩٦٠م حتى يوليو ١٩٦٠م تم توزيع أربعة ملايين نسخة من المطبوعات على العالم الإسلامي، وثمانية آلاف نسخة من القرآن المرتل، وسبعمائة ألف أسطوانة صلاة. هذا بخلاف ما تم توزيعه داخل الجمهورية العربية المتحدة.

وينقسم المجلس إلى عدة لجان: لجنة التعريف بالإسلام، لجنة إحياء التراث الإسلامي، لجنة الخبراء، لجنة إحياء مصادر كتب السنة، اللجنة العامة للقرآن والسنة، لجنة تجديد مبادئ الشريعة الإسلامية.

وقد أنشئ هذا المجلس نظريًّا كجزء من وزارة الأوقاف ولكنه عمليًّا يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة مثل «المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية»، «ولجنة الطاقة الذرية»، «وأكاديمية البحث العلمي». وكان الغرض من إنشائه البحث عن الأحلاف في أول الثورة المصرية ومحاولتها الخروج عن حدود مصر، وفي وقت لم تبرز فيه القومية العربية بعد وكانت الوحدة الأفريقية مجرد افتراض. ونظرًا لأن الدول الأفريقية المستقلة كانت معدودة على أصابع اليد الواحدة فإنه لم يعد أمام الثورة المصرية إلا الدائرة الثالثة، دائرة العالم الإسلامي. ولم يتجاوز نشاط المجلس عن مبنى جميل في حي راقٍ، وهو حي الزمالك، ومركز مرموق ومؤسسة غنية، لا تخضع للرقابة واسم واسع الشهرة في العالم الإسلامي أو المسيحي الغربي. كان السادات أول رئيس له، وعويضة آخر رئيس اتُّهِم بمخالفات مالية وفساد إداري ومقدم الآن للمحاكمة. لم يتعدَّ نشاط المجلس بعض الرحلات والزيارات للبلاد الإسلامية وتبادل البعثات الدينية مع بعض المؤسسات الدينية الأخرى مثل السكرتارية لغير المسيحيين في روما التي تمت إقامتها بعد المجمع المسكوني الحادي والعشرين الأخير. وعلى أحسن الفروض أعطى المجلس مئات من نسخ القرآن والكتب الإسلامية خاصة للبلاد الإسلامية غير الناطقة بالعربية، ومجلة منبر الإسلام، وهي مجلة تقليدية لا أثر لها على الحياة الدينية أو السياسية في مصر، وسلسلة الكتب الإسلامية سواء من التراث القديم أو من المؤلفات المعاصرة، سواء باللغة العربية أو باللغات الأوروبية من أجل عرض الإسلام، عقيدة وشريعة إلى المسلمين غير الناطقين بالعربية أو إلى غير المسلمين في الغرب بوجه عام، وذات طابع تقليدي. أما موسوعة «ناصر» للفقه الإسلامي فإنها دائرة معارف تقليدية للفقه الإسلامي، ولا صلة لها بالثورة إلا من خلال اسم ناصر.٢٤

ويبدو من أسماء الكتب القومية التي نشرها المجلس مثل «الميثاق الوطني»، «شريعة العدل شريعة الله»، «وحدة الهدف قبل وحدة الصف»، «دراسات في الميثاق»، «رسالة إلى اليمن»، «إخوان الشيطان»، «وثيقة للتاريخ» … إلخ الهدف السياسي منه، وملاحقته للأحداث السياسية، وسيره في ركاب السلطة، تملي عليه ما يفعل، وتوجه نشاطه.

ودخل المجلس معركة الإسلام والاشتراكية ليس بالضرورة بتوجيه من السلطة، ولكن لأن الخادم يعرف من تلقاء نفسه ما يريده السيد. فقد صدرت في سلسلة الرسائل والدراسات الإسلامية: «دراسات في الإسلام»، «الإسلام والمذاهب الاقتصادية»، «اشتراكية الإسلام واشتراكية الغرب»، «الربا بين الاقتصاد والدين»، «مجتمعنا الجديد والشريعة الإسلامية»، «الفرد في المجتمع الإنساني»، «الملكية الخاصة وحدودها في الإسلام»، «المساواة في الإسلام والمدنية الغربية»، «دعوة الميثاق الوطني من دعوة الإسلام»، «النظام الاقتصادي والإسلام»، «الإسلام والتحرر من الجوع»، «الإسلام ومنهجه في الاقتصاد والادخار». ومن سلسلة كتب إسلامية صدر: «الاشتراكية العربية في حدود الإسلام والواقع العربي»، «التكامل والضمان الاجتماعي في الإسلام»، «فلسفة الحرية في الإسلام»، «أثر التشريع الإسلامي في الوحدة العربية»، «الحرية عند العرب»، «العمل في الميثاق». وكلها صدرت في وقت المد الاشتراكي العربي.

(٦) التربية الدينية

لقد نص الدستور المصري لسنة ١٩٥٦م ولسنة ١٩٦٤م الصادر في ٢٥ مارس على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة؛ إذ تقول المادة الخامسة: الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية. لذلك أصبحت التربية الدينية إجبارية في كل المدارس للمسلمين والأقباط على السواء. وتقول المادة السابعة: «الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية». ويعلل الرئيس ذلك بأن مصر من أكثر البلاد تمسكًا بالدين باعتراف كل الناس. فإن القانون الجديد للتعليم جعل تعليم الدين بالنسبة للديانات المختلفة مادة أساسية؛ لأن الدين هو الوازع. لقد تعلم الناس الدين من الأسرة، وتعلموا الفرق بين الحلال والحرام، وتوارثوا هذا أبًا عن جد. فالمسلم لا يكون مسلمًا بالبطاقة ولكن بالتعليم وحفظ القرآن. ويظهر نفس الموضوع بعد ١٩٧٠م. فردًّا على سؤال طالبة لماذا لا يُدرس الدين في الجامعات نظرًا لاحتياج الشباب للناحية الدينية، ولماذا لا تحسن مستوى اللغة العربية التي هي في انهيار مستمر لدرجة امتلاء الكتب الجامعية بأخطاء لغوية وبالرغم من وجود مجمع اللغة العربية وهو مجرد برج عاجي يعيش بعيدًا عن مشاكل اللغة؟ استحسن الرئيس السؤال، وأثنى على صاحبته، وكلف د. شمس بتولي تنفيذه بالنسبة للدين واللغة العربية والتربية القومية قبل السنة الدراسية القادمة. وهنا تبدو المزايدة المتبادلة من السائل والمجيب، وإغفال الواقع العربي ذاته بكل مشاكله، وطلب حماسي مكشوف. وتزداد حمى التربية الدينية بعد ١٩٧٠م. فقد أنشئت لجنة التربية الإسلامية لبحث التربية الإسلامية ومناهج تعليمها ومراجعة شاملة لكتبها. أصبحت التربية والأخلاق مادة أساسية للتعليم في المدارس بقرار آخر من المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا! ودعا الأزهر لتطوير التعليم الديني بالجامعات. واقترح جعل مادة التربية الدينية من مقررات الجامعة على كل المستويات وفي كل الكليات. وتم تكليف الأزهر بتولي التوجيه الديني بالجامعات لتصحيح المفاهيم وتعبئة الشباب دينيًّا والقضاء على الفراغ الديني لديهم وعلى الانحرافات الأخلاقية البارزة. كما أصبح من واجباته التصدي لمحاولات الغزو الفكري والإلحاد، وإدانة الشغب! ويشكل لجنة لمواجهة حوادث ١٨ / ١٩ يناير ١٩٧٧م دفاعًا عن الحكومة، وتأييدًا لقرارات زيادة الأسعار التي تخلت عنها الحكومة فيما بعد. وقد بلغ الأمر الذروة بموافقة مجلس الدولة بتاريخ ٦ / ٨/ ١٩٧٧م على مشروع قانون بإقامة حد الردة القاضي بإعدام المرتد عن الإسلام عمدًا بقول صريح وبفعل قطعي وبعشر سنوات لمن ارتد أكثر من مرة، وبعقوبات رادعة إذا وقعت الردة من قاصر! وتثبتت الردة بالإقرار مرة واحدة أو بشهادة رجلين ومنع المرتد من التصرف في أمواله!

وفي الحمية الدينية الأخيرة أصبحت عبارة تطبيق أحكام الشريعة تجلب التصفيق والمزادة واستجداء الشعبية الرخيصة. ففي أبريل ١٩٧٦م أُعطيت توجيهات لوزارة الثقافة والإعلام في اتجاه تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وفي أغسطس من نفس العام ظهرت برامج في أجهزة الإعلام للتعريف بالشريعة الإسلامية تمهيدًا لجعلها مصدرًا للتشريع. وناقش مجلس الشعب قانون تحريم الخمر وقطع يد السارق تمهيدًا لإصدار قانون يستثنى منه العرب والأجانب خدمة للسياحة!

وتشمل مقررات الدين بالمرحلة الابتدائية القرآن والعقائد والعبادات والسيرة والتهذيب. ويشمل التهذيب في السنة الأولى محبة الوالدين والرفق بالحيوان، وفي السنة الثانية محبة الإسلام والنظام وآداب المنزل، وفي السنة الثالثة النظام وآداب الطريق والمدرسة وحب الأصدقاء والجيران والصدق، وفي الرابعة يبرز موضوع الادخار. وفي المرحلة الإعدادية تقدم التربية الدينية نفس الأقسام الخمسة، يضم التهذيب موضوعات المحافظة على المرافق العامة، وأدوات الإنتاج، والاعتدال في الإنفاق، والحد من الاستهلاك، وآداب الصحبة، والأخوة والتضامن الإسلامي. وفي الصف الثالث الإعدادي يتسع التهذيب أكثر فأكثر ويشمل احترام العمل والإخلاص فيه، والمحافظة على أدوات الإنتاج وصيانتها، والمحافظة على الأموال العامة ورعاية الآخرين والبعد عن الإيذاء، وآداب المعاملة في البيع والشراء، وحفظ الودائع ورد الأمانات. ويتضح من موضوعات التهذيب الموضوعات الاجتماعية التي أبرزتها الثورة. وبالإضافة إلى التربية الدينية هناك أيضًا التربية القومية. يشمل منهج الصف الخامس الابتدائي تعريفًا بالجمهورية العربية المتحدة ونظام الحكم في الدولة. ثم تتحدث عن المقومات الأساسية للمجتمع وعلى رأسها التمسك بالدين والأخلاق. ولكن تظل باقي المواد مثل ثروة الوطن والمشكلات القومية والوطنية والقوات المسلحة والثورة لها الأغلبية على المواد الدينية. ولا يشمل القرار في المرحلة الإعدادية شيئًا من القيم الدينية بل كلها مقومات الثورة وتاريخ الثورات المصرية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والقومية العربية. ثم تظهر بعض القيم الدينية في المرحلة الثانوية المستحدثة من ورقة أكتوبر مثل دولة العلم والإيمان، والتمسك بالقيم الروحية والدينية.٢٥ ويدل هذا التمييز بين التربية الدينية والتربية القومية بالرغم من تداخلهما على النزعة الإصلاحية النسبية التي تدخل بعض الجوانب الاجتماعية في التربية الدينية وتدخل بعض القيم الدينية في المقررات القومية دون التوحيد الشامل بينهما كما هو الحال في الثورات الأكثر جذرية.

(٧) الموضوعات والبرامج الدينية في ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام

لقد امتد نشاط القطاع العام إلى ميدان الثقافة والإعلام. فقد أنشئت الدار القومية للطباعة والنشر والتي تسمى الآن «الهيئة العامة للكتاب»، وزادت كمية النشر للكتب الدينية. وأصبحت سلسلة «تراثنا» من أشد الكتب رواجًا مما يدل على أن المثقفين لم يجدوا شيئًا يقرءُونه أفضل من تراثهم القديم. كانت التنمية الاقتصادية موازية لسلفية الثقافة. كما أُنشئت عدة سلاسل إسلامية لعرض وجهات النظر الإسلامية في الموضوعات السياسية والاجتماعية التي تثيرها القيادة السياسية مثل التحرر من الاستعمار، العدالة الاجتماعية، المساواة. وقد راجت هذه الكتب مما يدل على أن التنمية في المجتمع من الداخل ذات أثر فعال. كما ظهرت عدة مجلات إسلامية جديدة وبالرغم من طابعها التقليدي إلا أنها تعبر عن الحماس الديني للمثقفين.

وقد خصصت الصحف اليومية صفحات خاصة للدين يوم الجمعة من كل أسبوع. وبالرغم من طابعها التقليدي أيضًا إلا أنها تعبر عن الرغبة في التغير من خلال الاستمرارية. وقد أخذت إحدى هذه الصفحات الدينية مرة الموضوع على نحو جدي، وبدأت في نقد التجارة بالدين والطرق الصوفية ورجال الدين فتوقفت في الحال وعزل محررها. وهذا يدل على أن أي عمل جاد في الدين كعامل للتنمية أكثر مما يتطلبه النظام السياسي. فالدين يأتي خلف التنمية وليس قبلها. تأتي المبادرة من السياسة ويترك التبرير للدين.

وفي أجهزة الإعلام أُنشئت محطة خاصة للقرآن الكريم، ففي ٢١ / ٣/ ١٩٦٤م بدأت إذاعة القرآن إرسالها لكافة المسلمين. وهي متخصصة في إذاعة القراءات مع الشرح والتفسير للقرآن الكريم. واستمر معدل إرسالها من ٦٤ / ٦٥ حتى ٦٦ / ١٩٦٧م بمعدل ١٤ ساعة يوميًّا. كما أذيعت برامج دينية خاصة مثل «نور على نور»، وأخيرًا «العلم والإيمان». ويؤذن للصلوات الخمس اليومية في الإذاعة والتليفزيون. وتذاع صلاة الجمعة والأعياد بحضور القيادة السياسية على رأس الاحتفالات والمواكب الرسمية. وكان الهدف من هذه اللمحات الدينية هو إضفاء الشرعية على القيادة السياسية بمشاركتها الجماهير في شعائرها الدينية. وفي مناقشات المؤتمر القومي العام يؤكد الرئيس على أعمال الثورة بالنسبة للدين، والإكثار من المواد الدينية في الإذاعة والتليفزيون، وعلى إنشاء محطة خاصة لإذاعة القرآن والتفسير. وفي ١٤ مايو ١٩٧٧م فتح اكتتاب لصالح إذاعة القرآن الكريم لتطوير إذاعة القرآن على مدى ٢٤ ساعة يومية بدون توقف. ووضع حسين الشافعي في ١٤/ ٣/ ١٩٦٤م الحجر الأساسي لإنشاء دار القرآن، وخُصصت له ميزانية ١٥٠ ألف جنيه لنشر التراث القرآني.٢٦

وقد قام مكتب الشئون الدينية بالاتحاد الاشتراكي العربي بمهمة مماثلة. وكان الهدف من إنشائه إعداد البحوث المختلفة فيما يختص بالعلاقة بين الدين والاشتراكية اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا حتى يؤمن كل فرد بأن اشتراكيتنا علمية لا تتنافى مع تعاليم الإسلام. وكذلك التصدي للفئات الضالة المعرقلة من الرجعيين، من يستغلون الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم وكشف خروجهم على الدين ومفاهيمه، وكذلك القضاء على الإسرائيليات التي يراد بها الإضرار بالإسلام وصيانة الدين من دعايات المستشرقين. ويعقد المكتب عدة اجتماعات أسبوعية مع علماء الإسلام من مفتشي المساجد وأئمتها ورجال الوعظ والإرشاد ومشايخ أروقة البعوث الإسلامية والمهتمين بالمسائل الدينية من أساتذة الجامعات وغيرهم من العلماء والمثقفين ورجال الدين المسيحي وذلك لشرح المفاهيم الاشتراكية والرد على معارضيها. كما يعقد المكتب اجتماعات عامة بأكبر عدد ممكن من علماء المسلمين ورجال الدين المسيحي. بالإضافة إلى عدة اتصالات فردية عن طريق زيارات الكبار من رجال الأزهر والأوقاف والبطريركية القبطية ولبعض الجمعيات الإسلامية. وكانت خطة المكتب تنظيم محاضرات خاصة وعامة للربط بين الحقائق الدينية والمقاصد الاشتراكية، وإعداد ندوات لها صبغة اشتراكية روحية، وإعداد منشورات وتوزيعها تربط بين الاشتراكية والدين، والاستعانة بالأعياد الدينية كشهر رمضان وعيد رأس السنة الهجرية والمولد النبوي لإلقاء محاضرات أو عمل ندوات لربط المناسبة الدينية بخير المجتمع، وإعداد مناهج دراسية لعلماء الإسلام بالاتفاق مع المسئولين بالأوقاف لربط الخطب والمواعظ بالتعاليم الإسلامية الصحيحة التي تتضمن كل ما يحتاج إليه البشر في حياتهم الاجتماعية والسياسية، والعمل على تقوية فعالية الهيئات الإسلامية وربطها مع مكتب الشئون الدينية. واستعمال نشاطها لإبلاغ الفكر الاشتراكي إلى الشعب، والاتصال بالشعوب الإسلامية في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكيتين، وتوثيق الصلة بقيادة الهيئات الشعبية فيها لنشر الوعي الديني والمناهج الصحيحة. وقد أُنشئت جرائد جديدة ومجلات شهرية من أجل الدعوة الجديدة. فنشرت مجلة «الاشتراكي» عدة مقالات عن الدين لخدمة المعركة مثل مناهج التاريخ الإسلامي، وهي الجريدة التي تصدرها أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي، أمانة التنظيم السياسي وتوجيه الدين.

(٨) تنظيم الطرق الصوفية

على الرغم من أن القيادة السياسية لم تمنع الطرق الصوفية من الاشتراك في الاحتفالات الدينية العامة فإنها حاولت إعادة تنظيمها بتنقيتها من مظاهر الشعوذة والفساد التي انتشرت فيها. وقد كانت هناك عدة محاولات آخرها صدور القانون رقم ١١٨ لسنة ١٩٧٦م بشأن نظام الطرق الصوفية باسم رئيس الجمهورية محددًا أهداف الطرق الصوفية وتنظيماتها بأنها التربية الدينية والروحية بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، والدعوة إلى العمل بها بالوعظ والإرشاد، وتنظيم الذكر الصوفي. كما تحدد المادة الثانية بأنه: «لا يجوز لأعضاء الطرق الصوفية القول بعقائد أو إتيان أفعال أو إقامة موالد أو احتفالات أو أذكار تخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب».٢٧ ويلتزم رجال الطرق الصوفية في ممارسة أنشطتهم بما يتفق مع الكتاب والسنة والمبادئ الصحيحة. والسلطة العليا «المجلس الأعلى للطرق الصوفية». وهي هيئة لها شخصيتها المعنوية المستقلة. وأغراضها «دينية وروحية واجتماعية وثقافية ووطنية، وتلتزم في كل نشاطها بكتاب الله وسنة رسوله». ويتم تشكيل هذا المجلس من شيخ مشايخ الطرق الصوفية وعشرة أعضاء من مشايخ الطرق الصوفية المنتمين لعضوية المجلس وممثل الأزهر وممثل لوزارة الأوقاف وممثل لوزارة الداخلية وممثل لوزارة الثقافة وممثل للأمانة العامة للحكم المحلي والتنظيمات الشعبية. ويعين شيخ مشايخ الطرق الصوفية بقرار من رئيس الجمهورية من بين مشايخ الطرق الصوفية المنتمين لعضوية المجلس الأعلى للطرق الصوفية.

ويجب أن يبلغ الرئيس محاضر الجلسات إلى الوزراء الممثلة وزارتهم في المجلس وذلك خلال خمسة أيام من تاريخ الجلسة. ولا يجوز إنشاء أو تنظيم أية طريقة صوفية جديدة إلا إذا كانت لا تشابه طريقة من الطرق الموجودة في اسمها أو اصطلاحها. ويصدر بذلك قرار من وزير الأوقاف وشئون الأزهر بالاتفاق مع وزير الداخلية بناءً على موافقة المجلس الأعلى للطرق الصوفية. وعند خلو منصب الشيخ يعين الابن الأكبر ثم أخوه ثم ذو القربى ثم كبار رجال الطريقة، ويعين شيخ الطريقة نوابه وخلفاءه وخلفاء الخلفاء بسائر المحافظات. ويُعد بمقر كل طريقة سجلات بأسماء أعضاء الطريقة والنواب والخلفاء وخلفاء الخلفاء. ويجب تقديم هذه السجلات لمشيخة الطرق الصوفية ولغيرها من السلطات المختصة للاطلاع عليها عند طلبها. وينظم القانون الأنشطة الصوفية والموالد والمواكب ومجالس الذكر والاحتفالات الدينية والمعاهد الصوفية الإسلامية.

ويلاحظ على هذا القانون الرغبة في جعل نشاط الطرق الصوفية مطابقًا لأحكام الشريعة وتخليصها من الانحرافات ومظاهر الشعوذة والفساد. ولكن يلاحظ أيضًا رغبة القيادة السياسية في السيطرة عليها وذلك بتعيين شيخ مشايخ الطرق الصوفية بقرار جمهوري وبوجود ممثل للسلطة السياسية، سواء من وزارة الأوقاف أو من وزارة الثقافة أو من وزارة الحكم المحلي أو من وزارة الداخلية، وهو الأهم من أجل الحفاظ على الأمن العام. كما أن تبليغ الوزراء بمحاضر جلسات المجلس الأعلى للطرق الصوفية وتسجيل أسماء الأعضاء والخلفاء لتقديمها إلى السلطات يجعل الطرق الصوفية تحت عين وبصر السلطة السياسية. بل إن نظام الخلافة على مشيخة الطرق هو نظام وراثي خالص، الابن الأكبر، فالأخ، فذو القربى. لم يمس إصلاح الطرق الصوفية طابعها الأوتوقراطي، بل كان هدف السلطة السياسية وضعها تحت المراقبة حتى لا يستغلها أحد لأغراض سياسية مناوئة وحتى تستغلها القيادة السياسية لصالحها الخاص في احتفالاتها ومواكبها مما يفيض على السلطة السياسية الشرعية الدينية الواجبة أمام الشعب المتدين وأمام الناس.

(٩) حركة بناء المساجد وتوجيه الأئمة

وقد وصل الإكثار من بناء المساجد لدرجة التنافس بين الحكومة والمواطنين، وبين رجال الحكومة أنفسهم وبين المواطنين فيما بينهم. فبناء مسجد جميل عظيم في ميدان عام علامة على الوجود الفعلي للقيادة السياسية ودليل على إنجازاتها. وقد ينافس مسئول المسئولين الآخرين في المساهمة في بناء المساجد قرارًا أو تبرعًا أو رعاية لإثبات أفعاله الحسنة أثناء ولايته من أجل إعادة انتخابه أو تعيينه. وحملة التبرعات في حقيقة أمرها حملة حكومية لأنها تتم بموافقة وزارة الشئون الاجتماعية. وأكثر المساهمين في بناء المساجد هم الفنانون ورجال الأعمال لأسباب عديدة. إذ يريد الفنانون، بصدق أو عن سوء نية، أن يبينوا أن الفن قد أرجعهم إلى الله! أما رجال الأعمال فإنهم يريدون مباركة الله لأعمالهم والإكثار منها ووقايتهم من الحسد، أو يغطون بها أعمالهم اللاشرعية وتلاعبهم في الأسواق. وقد يهدف البعض من ذلك إلى إلغاء الضريبة العقارية إذا ما جعل أحدَ أدوار عقاره مصلًّى! وتوضع الأنوار ومكبرات الصوت على رءوس المآذن أو حول أسطح المساجد. ويقول الناس ساخرين من كثرة المساجد: بين كل مسجد ومسجد يوجد مسجد. ولا تُبنى المدارس والمستشفيات بنفس الكثرة. يعني الدين هنا فقط دور العبادة وليس عاملًا للتنمية مع أن عديدًا من الأمثلة العامية تجعل خدمة المجتمع أولى من بناء المساجد، مثل: «اللي محتاجه البيت يحرم على الجامع». وقد شيدت وزارة الأوقاف منذ الثورة ١٥٠٠ مسجد جديد، وأثثت كثيرًا من المساجد القديمة، وأمدتها بمكتبات ومقرئين. كما وضعت حوالي ١٦٠٠٠ مسجد تحت الإدارة المالية للوزارة. وبالرغم من أن هذا النشاط الزائد في بناء المساجد لا يصدر بقرار جمهوري إلا أنه يعبر عن تيار أساسي للقيادة السياسية وهو الحرص على الإسلام الشعائري الذي يبتعد عن الإسلام السياسي.

وقد استعملت الخطب في صلاة الجمعة من أجل التوجيه السياسي. وأصبحت وزارة الأوقاف ترسل نماذج من الخطب الدينية لأئمة المساجد من أجل إشراف مركزي على دور العبادة نظرًا لاتصالها بالناس وخطورتها في توجيه الرأي العام إيجابًا أم سلبًا. والغالب على الموضوعات المرسلة الموضوعات التقليدية مثل الطهارة، والصلاة، والإيمان، وقليل منها في السياسة باستثناء المعارك السياسية التي تخوضها القيادة السياسية باستخدام الدين. ولكن هذا التوجه الديني لم يحدث أثرًا كثيرًا لأن صورة خطيب المسجد أمام الناس هي أنه يخاف قول الحق، ويؤثر السلامة في حديثه. ولكن الموضوعات التقليدية التي توزعها وزارة الأوقاف على خطباء المساجد هي في حد ذاتها قرار سياسي بتحجيم أثر الخطباء في توجيه الرأي العام والقضاء على حريتهم في اختيار الموضوعات واستقلالهم في طريقة تناولها.

ومنذ أبريل ١٩٦٨م بدأت وزارة الأوقاف إصدار سلسلة دينية باسم «مكتبة الإمام» عن الإدارة العامة للدعوة تتضمن خطب الجمعة المذاعة ونشرات التوعية الدينية. «ولقد حرصتْ على تقديم هذه السلسلة في مجموعتها الأولى تأكيدًا لأهمية الرسالة التي يضطلع بها المسجد في مجال الربط بين الدين والحياة، وإبرازًا للدور الكبير الذي يقع على عاتق الإمام في هذه المرحلة الحاسمة من حياة شعبنا المؤمن بربه ووطنه وعروبته، المتمسك بقيمه الروحية والأخلاقية، المتفاني في سبيل مبادئه وأهدافه، الصامد في معركته المقدسة، معركة الحق والشرف والكرامة حتى يتحقق له النصر بإذن الله». الغرض من هذه السلسلة هو تجنيد الأئمة والوعاظ ليكونوا بمثابة المدافعين عن نفس المبادئ والقيم والعقيدة التي يدافع عنها الجيش. فبعد الهزيمة في ١٩٦٧م تحولت المعركة من جيش يقاتل إلى دولة تدعم المعركة بعنصر هام من عناصر تكوينها وهو الدين والإيمان. ولكي تؤثر في هذه الجماهير العريضة تم اللجوء إلى الحماسة الدينية من خلال رجال الدين وأئمة المساجد. «إن الإمام جندي في جيش الدعوة لا يقل أثره عن أخيه الجندي الرابض على أرض الميدان. هذا يجاهد بالسلاح وذلك بتدعيم العقيدة والإيمان. وكلاهما يجاهد في سبيل وطن واحد ومبادئ واحدة. فلا جرم أن يكون رجال الدعوة وأئمتها بمثابة الجيش الروحي الذي يشارك في صنع النصر وصنع المستقبل بالعقيدة والإيمان». وفي هذه الفترة التي يقف فيها الوطن ممثلًا لقوة الحق والسلام صامدًا أمام قوى الظلم والطغيان فإنه أحوج ما يكون إلى التعبئة الروحية الرشيدة التي كُرست لها كل وسائل الإعلام وكل أجهزة الدعاية حتى حاربت الملائكة معنا في معركة النصر، معركة رمضان. ولم تمر مناسبة دينية إلا وأقيمت الاحتفالات، وذكرت العبر والمواعظ التي من الممكن أن تفيد. «لقد مرت بنا خلال الشهور الماضية نغمات من هذا الفيض الغامر استروضنا منها عظمة الإسلام وروعة القرآن وسمو تعاليمه حين احتفلنا بمواسم كريمة مباركة كذكرى الهجرة النبوية الكريمة». لقد كان الاحتفال يتم على المستوى الشعبي ولكنه الآن على المستوى الشعبي والرسمي وبكل أجهزة الدعاية واستحداث احتفالات أخرى مثل ذكرى مرور أربعة عشر قرنًا على بدء نزول القرآن. هذه الاحتفالات والمناسبات الدينية ترتبط بالمناسبات القومية المصيرية كما ترتبط بمعركة التحرير والنصر. فمن توفيق الطالع أن الاحتفال بهذه المناسبة الدينية قد تم في نفس الوقت لمناسبة قومية سيكون لها أبعد الأثر في حياة الشعب الصامد وتقرير مصيره وهي صدور بيان ٣٠ مارس الذي قرر فيه الرئيس أن لا صوت أعلى من صوت المعركة. وإذا كان الرئيس قد حدد خطة العمل في كافة المجالات القومية لحشد جميع الطاقات الجماهيرية على طريق العمل الديمقراطي لكسب معركة التحرير والنصر بما يحقق للمجتمع العربي دعم المكاسب الاشتراكية ودفعه إلى مزيد من الصلابة والقدرة والصمود، فإن الدين يأتي بعد ذلك ليقوم بدور هام في هذه الفترة الصعبة التي يمر بها الشعب. وليس أولى من بيوت الله أن تكون أول مكان لتزويد دعوة القائد إلى الإعداد للمعركة والاستجابة لندائها. وليس أولى من خطب الجمعة والدروس الدينية التي تلقى في بيوت الله في جميع أنحاء الجمهورية أن تكون مجالًا لإبراز هذه القيم والمعاني السامية التي تنطوي عليها رسالة الإسلام الخالدة. إن رسالة الإمام في المقام الأول هي التعريف بالأصول الصحيحة للدين الحنيف، وتعبئة القوى الروحية والمعنوية حول الغاية الشريفة التي يجاهد في سبيلها وتمت المعركة من أجلها. ولكي يقوم رجال الدين بهذه المهمة ولكي يكونوا تعبيرًا عن طبيعة هذه المرحلة تمت صياغة هذه النماذج لخطب الجمعة والنشرات الدينية لكي تكون أصداءً قوية تعبر عن طبيعة المرحلة التي يجتازها الشعب في هذه الفترة على أساس فهم مشكلات المجتمع المعاصر والربط بينها وبين مصادر الإسلام وتوجيهاته. وتتولى الوزارة إصدار مجموعة الخطب والنشرات وتقوم بطبع مختارات من الخطب التي أعدها السادة الأئمة في مختلف المحافظات حتى تكون هذه السلسلة مجالًا لإبراز الكفاءات الممتازة من بين الأئمة الشبان.

ويعرض د. عبد العزيز كامل نائب وزير الأوقاف لموضوع «الهجرة والتغير» بتناول شخصيات الهجرة وتوزيع الأعمال والتنظيم العملي وصورة الهجرة وأهدافها مستخدمًا هذه العناصر في الاستعداد الإيجابي لبناء الفرد المسلم الذي ظهرت الحاجة إليه بعد الهزيمة. وهو ما تحتاج إليه البلاد في المرحلة التي تجتازها الآن، صعودًا فوق النكسة، وتجمعًا من أجل الهدف الكبير، واستنقاذ الأرض السليبة، واستعادة للحق الأصيل. ويقوم الشيخ علي الرفاعي بنفس الشيء في خطبة ألقاها بمسجد عمر مكرم في ٢٩ / ٣/ ١٩٦٨م بعنوان «الهجرة منطق المسلمين إلى النصر». ويربط الخطيب بين تعامل النبي مع اليهود وغدرهم في زمنه وبين غدر اليهود والصهيونية الحالي. «إن الصهيونية الباغية ما زالت تدبر الفتن وتمكر بالمسلمين وتحاول أن تجد لها مكانًا في أرض العروبة، وها هي ذي آخر محاولاتهم الدنيئة حيث اعتدوا على العرب الآمنين وشنوا عدوانهم بتأييد من الاستعمار. فالقتال الذي بيننا وبين اليهود لم يكن من أجل وطن سُلب فقط، وإنما هو قتال مقدس يجب أن يشارك فيه كل مسلم بنفسه وماله. ففي انتصار الأمة العربية على اليهود انتصار للإسلام». وفي خطبة للشيخ إبراهيم جلهوم بمسجد السيدة زينب في ١٥/ ٤ / ١٩٦٨م عن تعبئة القوى المادية والمعنوية لمواجهة المعركة فيقول: «إن الواقع الذي نحيا فيه هذه الأيام يحتم علينا أن نكون في تعبئة كاملة مادية ومعنوية لمواجهة هذا العدو الغادر الذي يحاول بكل سبيل أن يسلبنا حقنا ويغتصب مقدراتنا. إن المعركة كما تُخدم بالمال والسلاح فإنها تُخدم أصدق خدمة بالعمل الجاد المخلص». وهناك خطب كثيرة عن الثبات والصبر كطريق إلى النصر. وكلها لشحذ الهمة وتعبئة الجماهير. ولكنها لم تتجاوز الوعظ الديني السياسي الذي سرعان ما يتبخر بمجرد مغادرة المصلين المساجد شأنه شأن الوعظ الديني التقليدي تمامًا. فالواقع ذاته لا يعد للمعركة، ورجل الشارع يقف متفرجًا. لم يُطلب منه شيء فعلي إلا من إقامة ساتر على منزله أو طلائه زجاج سيارته باللون الأزرق أو وضع أشرطة لاصقة على زجاج النوافذ!

وتهدف خطب عديدة إلى التركيز على الصلة الوثيقة بين الإيمان والعمل، بين العقيدة والسلوك. ففي خطبة الشيخ عبد الرحمن النجار في مسجد كفر الدوار في ٣/ ٥/ ١٩٦٨م بعنوان «تكافل العقيدة والعمل» يقول: «العقيدة لا بد لها من أن تتجسد في عمل إيجابي. وكما أن العمل من مظاهر تكريم الإنسان فالثورة كذلك صورة راقية من صور رفع مستوى الجماهير إلى مستوى المسئوليات العامة. والواجب علينا مقابلة هذا التكريم بكلمة الحق نقولها في برنامج ٣٠ مارس وفيمن يمثلنا، وأجمل واجبات التحرير والنصر وآمال ما بعد التحرير النصر. ويطبق الإيمان في المجتمع في صور متنوعة في صورة دعوة إلى مواجهة الأعداء والتصدي للمعتدين والكفاح من أجل إزالة آثار العدوان واستخلاص الحق السليب، وفي صورة كفاح ضد طغيان رأس المال واستغلال الكادحين الذين يبذلون عرقهم وجهدهم ويذهب ناتج عملهم إلى غيرهم.»

كما أصدرت وزارة الأوقاف عدة نشرات عن «العدالة والمساواة في الإسلام»، «تعبئة جميع القوى لإحراز النصر»، «قداسة العمل في الإسلام وتأمين حقوق العاملين»، وبمناسبة عيد الفلاحين «الأرض والزراعة»، «أبناؤنا في دور العلم» عن الإسلام والعلم لتوجيه أئمة المساجد نحو الموضوعات الثورية الجديدة واكتشافها في الإسلام.٢٨
كما صدرت نشرات عدة عن الشورى في الإسلام من أجل ربط الدين بالحياة. كما جمعت عدة نماذج من الخطب في «زاد الخطيب» مركزة على القيم الاجتماعية الجديدة مثل الجهاد، والنصر، والإنفاق، والعلم والعمل، والتحذير من الإسراف، والحد من الاستهلاك، والعدل الاجتماعي، والثورة على الظلم والاستغلال، وتنظيم الأسرة، والأماكن المقدسة … إلخ. والعجيب أن بعض موضوعات الخطب لا صلة لها بالواقع السياسي على الإطلاق مثل «الشورى وأهميتها ومكانتها في الإسلام»، مما يؤكد أن الوعظ الديني السياسي لا أثر له ولا فاعلية. فلا يعقل أن يدعو النظام التسلطي لمبدأ الشورى. الشورى تربية على المشاركة في العمل، وتوثيق الروابط بين قوى المجتمع المؤمن وقياداتها على أساس مستوى أخلاقي رفيع. ومبدأ الشورى مطلوب في كل الأوقات. وإذا كان لازمًا في الأوقات العادية فهو في أوقات الشدة والحرب ألزم. الشورى تأكيد لمسئولية المجتمع، ومشاركة للقيادة في التغلب على النكسة، ومواجهة المرحلة القادمة في برنامج يحدد انطلاق الطاقات إلى العمل في طريق واضح. كما ألقى الشيخ عبد الرحمن شمس الدين محمود في مسجد الإمام الشافعي في ١٢ / ٤/ ١٩٦٨م خطبة عن «الشورى من خلال الإسلام» قائلًا: «الديمقراطية الإسلامية هي النظام المطبق لحصانة الفرد وصلابة الجماعة. وليس هناك بين يدي الله فرق بين الراعي والرعية، وبين الكبير والصغير إلا بدعوة العقيدة والإيمان بها إيمانًا لا يرقى إليه الشك والعمل الصالح. فالمسلمون في شتى بقاع الأرض أمة واحدة يشد بعضهم أزر بعض فيما يعود عليهم بالخير، ولكل منهم رأيه في سياسة أمره وفيما يساس به، وليس من الإسلام الاستئثار بالرأي ولكنه شورى بين العاملين. إن المشورة بين الراعي والرعية أصل من أصول الحياة الصالحة في الإسلام. وإن نصيحة الرعية ومعاونتها لولي الأمر واجب فرضه الله على جميع أفراد الأمة. تعني الشورى أن أمر الشعب بيده فعليه أن يرتفع إلى هذه المسئولية ويقول رأيه بصدق وإخلاص. فلو غيَّر إنسان رأيه واختار من لا يصلح كان شاهدًا للزور».٢٩

ثانيًا: دور الدين في معارك التنمية

بيَّن العرض التاريخي السابق أن الدين كموضوع مستقل كان موضع الاهتمام، ودخل في عملية التنمية كأحد مظاهر البناء الاجتماعي. ولكن ظل محدود الأثر، يتم التعامل معه على نحو سطحي وكأنه موضوع اقتصادي أو سياسي في حاجة إلى إصلاح وإعادة بناء عن طريق القرارات الجمهورية أو الوزارية. كان الدين غاية والتنمية وسيلة. ولكن دخل الدين أيضًا كعامل مؤثر في عمليات التنمية خاصة في المعارك السياسية، فأصبح الدين وسيلة والتنمية غاية. لم تعد القرارات الجمهورية تجدي بل حلت محلها توعية الناس واستعمال الدين كأساس أيديولوجي لتبرير الأنظمة الاجتماعية والسياسية الجديدة.

ويمكن التمييز بين ثلاث مراحل في دخول الدين معارك التنمية:
  • (أ)

    المرحلة الأولى: من ١٩٥٢–١٩٦٠م وهي المرحلة التي تم فيها استخدام الدين من أجل تحويل الانقلاب العسكري أو الحركة المباركة في يوليو ١٩٥٢م إلى ثورة شرعية تقوم على التضحية والجهاد، تناهض الاستعمار، وتقضي على الإرهاب والتعصب، وتعمل للوحدة العربية، وتحارب الطائفية، وتقف أمام الماركسية والإلحاد. وقد استُخدم الدين في تأييد هذه القيم الجديدة الثورية من أجل سد النقص النظري عند الضباط الأحرار ومن أجل الارتباط بالجماهير التي أيدت الثورة في بدايتها عن طريق صياغة عدة شعارات ظلت مع الثورة منذ بدايتها حتى الآن.

  • (ب)

    المرحلة الثانية: من ١٩٦١–١٩٦٦م وهي المرحلة التي بلغ فيها استخدام الدين في معارك التنمية الذروة، سواء في البناء الاشتراكي بعد قرارات يوليو في ١٩٦١م، ومعارك الإسلام والاشتراكية أو في مقاومة الحلف الإسلامي والرجعية العربية لمحاصرة القوى الثورية العربية. وهنا يظهر الدين كأسلوب للدفاع عن النظام الاشتراكي ضد تهم الكفر والإلحاد وكهجوم على الحلف الإسلامي باعتباره صورة أخرى لحلف بغداد الاستعماري القديم.

  • (جـ)

    المرحلة الثالثة: من ١٩٦٧–١٩٧٧م وهي المرحلة التي ابتدأت بهزيمة ١٩٦٧م وانتهت فيها كل المعارك، وظهرت فيها قيم سلبية جديدة مثل الإيمان والصبر والقضاء والقدر، تحول بها الدين من معركة خارجية إلى انفعالات وعواطف داخلية. فانتهى المد الثوري، وسادت الاتجاهات المحافظة من أجل الإبقاء على النظام السياسي الذي عاد بلا مقومات إلا من شعارات دينية تتملق أذواق الجماهير.

(أ) المرحلة الأولى: الدين والثورة الوطنية ١٩٥٢–١٩٦٠م

(١) الاتحاد والنظام والعمل

ويتضح الاتجاه الإسلامي عند محمد نجيب قائد الثورة. فبالرغم من أنه رفع شعار «الاتحاد والنظام والعمل»، إلا أنه بيَّن أن هذه القيم قيم إسلامية خالصة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، وتاريخ الصحابة والتابعين، ونظم الخلفاء الراشدين، وسلوك حكام المسلمين الأوائل. لا بد أن يكون الجميع يدًا واحدة لا فرق بين مسلم ومسيحي. لذلك ألغيت الألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان والمستمدة من الأرستقراطية الكاذبة التي هي لازمة من لوازم عهود الطغيان. فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. لقد أراد العهد البائد تفريق الأمة شيعًا وأحزابًا، تناحرًا على المغانم. ولكن العهد الجديد يدعو للوحدة حرصًا على الصالح العام وعملًا بقول الرسول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». لقد علمنا الرسول التسامح والأخوة، وشاء الله أن يؤلف بين القلوب، ويحفزهم على العمل، وينظم الصفوف. تريد الثورة التطهير، الخلاص، وتعمل من أجل الإصلاح والتعمير، كما تريد خلق المواطن الصالح. ولكن الوحدة السبيل إلى ذلك، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.٣٠

ولكن لما كانت الزعامة الفعلية لعبد الناصر فقد ظهرت القيم الثورية مثل الثورة والتحرر والتضحية والجهاد منذ بداية الثورة في أقواله وأحاديثه. واعتمد في الدعوة لها على تراث الشعب الديني الذي لا يحتاج إلى إقناع أحد به. وقد كان اللجوء إلى الدين هو وسيلة كل زعيم جديد يريد أن يحصل على شرعية من الشعب.

(٢) الثورة ضد الفساد والتحرر من الاستعمار

إن ثورة الضباط الأحرار ليست بالجديدة. فقد سبقتها ثورة رجال الدين على طول تاريخ مصر. كان رجال الدين يقودون مصر، ويحملون شعلة الحرية وينادون بالجهاد دائمًا. وقفوا في وجه نابليون، وكانوا أسبق الناس للاستشهاد. كافح الأزهر أيام الحملة الفرنسية. وقاسى رجاله وعُذبوا وقُتلوا وشُردوا. واقتحم المحتلون الأزهر، ولم يتأخر الأزهر في الدفاع عن العروبة والإسلام. واستمر يحمل الرسالة حتى سلمها إلى الجيش في ثورة عرابي الذي قام متسلحًا بروح الأزهر يطالب بحقوق الوطن. ثم اشترك رجال الدين في ثورة ١٩١٩م واستشهد رجال الأزهر. وقد كان غرض الاستعمار دائمًا القضاء على قوة الجيش والقضاء على قوة رجال الدين.

في مصر إذن قوتان: قوة الجيش وقوة العلماء، قضى الاستعمار بعد ثورة عرابي على قوة الجيش ثم اتجه للقضاء على قوة العلماء؛ لأن الأزهر كان مشعل الحرية في الدول الإسلامية كلها. فثورة الجيش موجهة ضد الاستعمار لتحرير البلاد ولإعادة رجال الدين إلى قوتهم الأولى. لذلك يجب أن يتفق الجيش مع الأزهر، ويتوحد الضباط الأحرار مع العلماء من أجل استئناف الجهاد حتى تعود لمصر حريتها واستقلالها وحتى تتحرر مصر من كل فساد داخلي أو طغيان خارجي.

إن أمام الأزهر عملًا كبيرًا، فرسالته ليست في مصر وحدها بل في العالم الإسلامي كله. ورسالته ليست في العاصمة وحدها، بل في القرى والنجوع من أجل النصح والإرشاد بدلًا من الشكوى من الاستعمار أو إلقاء العبء على الحكومة وحدها، وحتى لا تصبح صلة الشعب بالقادة كما قال قوم موسى له: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ.

أراد الضباط الأحرار البحث عن سابقة لهم فوجدوها في علماء الأزهر، فعملوا على أخذ شرعيتهم من شرعية رجال الدين. فالثورة واحدة، سواء قام بها الجيش أو الأزهر. وبالتالي أصبح الدين ممثلًا في علماء الأزهر وسيلة لتبرير الثورة وإضفاء الشرعية عليها. ولقد حافظت مصر على رسالة الإسلام عبر القرون وعبر كل هجمات المستعمرين على الإسلام، وبدأت المجلات الدينية تنشر مقالات عدة عن نهاية الاستعمار.٣١

فإذا كان في الأزهر رجال قاموا بالثورة وكان الدين لديهم مقاومة للاستعمار، فقد كانت الخلافة العثمانية من ناحية أخرى نموذجًا لاستغلال الدين ضد الجماهير والتستر وراءه من أجل الإبقاء على الظلم والطغيان. قام الاستعمار التركي تحت اسم الدين والخلافة، نظرًا لتدين الشعب، وتلاعب به باسم الدين، وكانت أسوأ فترة في تاريخ مصر. عمل الخليفة العثماني باسم الدين على بث الرشوة وإفساد الضمائر واستخدام فئة صغيرة ضد عامة الشعب. استبد وتحكَّم في الرقاب. فقاسى المصريون ذل الفقر تحت اسم الخلافة وبريقها. تم خداع الشعب باسم الدين، وهو أمضى سلاح، حتى أصبحت مصر مزرعة للخليفة. فلما ثار الشعب اصطفى الخليفة بعض المصريين لتفتيت قوى الشعب. وبقي الاستعمار التركي في مصر حوالي ٤٠٠ سنة ذاق فيها المصريون العذاب باسم الدين. ولم يكن اسم الدين إلا المخدر الذي خدروا به هذا الشعب الأمين. ثم دخل الإنجليز فوجدوا الخديوي يحكم باسم الخليفة، فأغرقوا إسماعيل، ممثل أمير المؤمنين بالدين. ثم ثار عرابي، واعتبره الخديوي والإنجليز خارجًا على الدين، «كان كل فرد في هذا الشعب يتمسك بدينه فكانوا دائمًا يخدعونه باسم الدين ثم بدأ الشعب ينسى القيم الروحية، وبدأت مرحلة الخداع والتضليل. وكان السلطان يستمد قوته من الإنجليز. خدع العثمانيون الأمة العربية تحت اسم الدين وتحت اسم الخلافة وتحت اسم أمير المؤمنين وسيطروا عليها مدة ٥٠٠ سنة وعاثوا في أرجائها فسادًا بالتحكم والسيطرة».

وقد صاغ الميثاق هذا الدافع الثوري في الدين في إحدى عباراته وهي «أن رسالات السماء كلها في جوهرها كانت ثورات إنسانية استهدفت شرف الإنسان وسعادته، وأن واجب المفكرين الدينيين الأكبر هو الاحتفاظ للدين بجوهر رسالته». ولكن بعد ١٩٧٠م يصبح رجال الأزهر حفظة الإيمان دون أي مضمون ثوري. فرجال الأزهر هم الذين حافظوا على رسالة محمد . كما أن ضباط الشرطة حفظة على الأمن. وكانت جامعة الأزهر طوال ألف عام منارة للهدى وللمعرفة والبحث.٣٢ إن حمل أمانة النضال واحدة سواء كانت من أصل رسالات علوية مقدسة أو كانت آمالًا إنسانية، فالرسالات السماوية سواء الإسلام أو غيره من الرسالات والثورات التي غيرت وجه الإنسانية واحدة. لقد حافظ شعب مصر على الدعوة الإسلامية عبر التاريخ، وناضل الأزهر للحفاظ على رسالة الإسلام حية وعلى قوة الإسلام ومقوماته. كان الإسلام مستهدفًا عبر التاريخ للاستعمار والغزاة. واليوم تواجه الأمة الإسلامية أخطر معاركها. إذ يستهدف الغزو القيم التي أرادها الله في رسالته وهي غزوة صليبية تحت اسم الصليب لا بد من مواجهتها، وهي غزوة الصهيونية مع الاستعمار.٣٣

(٣) الجهاد والتضحية

لما كانت الثورة في حاجة إلى تجنيد الجماهير، وفي حاجة إلى البذل والعطاء فإن القيادة السياسية أبرزت بعض القيم الدينية مثل الجهاد والتضحية في المناسبات الدينية المختلفة، وفتحت الطريق أمام الوعظ الديني السياسي، وتأويل الموضوعات الدينية من عقائد وقصص ونصوص تأويلًا سياسيًّا. فعيد الأضحى مثلًا يعني الطاعة والتضحية في سبيل الله. كما أن عيد الفطر هو عيد الصوم والصبر والجهاد. فقد ضحى إبراهيم بابنه طاعة لله: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. كما تدل القصة على الامتحان الذي يضع الله فيه المؤمنين والاختبار الذي يمكنهم اجتيازه لمعرفة مدى إيمانهم، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين. كذلك الأمة في السياسة عندما تجتاز الأمة محنة قاسية ومعركة عنيفة في سبيل تحرير البلاد من بطش الاستعمار وقسوته وظلم الاستبداد وهوانه. تهيب القيادة السياسية إذن بالناس، وتدعوهم إلى العمل والتضحية والجهاد، فطريق الله وطريق التضحية واحد، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.٣٤

وحياة الرسول نفسها حياة تضحية وجهاد. فقد أتى الإسلام برسالة تحرر للإنسانية جميعًا من الذل والعبودية والمادية لتعتنق روحانية السماء. وكان الرسول وحيدًا في غار حراء يعبد الله تاركًا قومه حتى جاءته الرسالة، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. ثم جاء الوحي، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، ثم يقول الرسول لزوجه: «انقضى يا خديجة عهد النوم والراحة فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس وأن أدعوهم إلى الله وإلى عبادته فمن ذا أدعو؟ ومن ذا يستجيب لي؟» ثم امتدت يد الغدر إلى الرسول وأعلن الباطلُ الحرب عليه. ولكن الرسول جاهد وجعل الحرب شرعه، وقاتل المشركين. ثم فتح الله عليه مكة وعفا عن أهله ولكنه انتقم ممن أضلوا الناس. وحال المسلمين اليوم كحالهم بالأمس. تحكمت فيهم يد الاستعمار، أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. لقد آن للأمة أن تحطم قيود الاستعمار وتدك حصون الظلم والطغيان، «والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين»، والله أكبر والعزة لمصر، والله أكبر وتحيا الجمهورية!

وهنا يبدو الوعظ الديني السياسي خطابي النزعة، لا يفترق عن الوعظ الديني التقليدي في سماته، مجرد معانٍ عامة وعواطف شعبية مألوفة سرعان ما تتبدد بعد انتهاء الحفل ودون تغيير فعلي لنفسية الجماهير ودون إيجاد وسائل عملية وقنوات شعبية لمشاركتهم السياسية من أجل الجهاد ومقاومة الاستعمار. وقد بدأت شعارات دينية تأخذ مضمونًا سياسيًّا من «الله أكبر والعزة لله» إلى «الله أكبر وتحيا مصر». وهو ما سيسبب النزاع بين الثورة والإخوان فيما بعد وحتى الآن.

وقد ظهرت هذه القيم في فلسفة الثورة في تنبيه عبد الناصر زميله كمال الدين حسين وهما في فلسطين من أن ميدان الجهاد الأكبر هو مصر والتذكير بآيات القرآن مثل، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، والدعاء الشعبي الذي يوكل أمر الجهاد إلى الله مثل «يا رب يا متجلِّي، أهلك العثملِّي»، وأن الجهاد هو قدر هؤلاء الضباط الأحرار.٣٥
لقد جاء الإسلام وحرر النفوس من الذل والعبودية، ومنح الإنسانية الحرية والعدالة والمساواة، ووطد بذلك دعائم السلم نظامًا للمجتمع العالمي الذي طالما نادت به الثورات في جميع بقاع العالم حتى اليوم يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إن الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان هي الحرية والعدالة والعزة والكرامة والسلام. لقد عقد المؤمنون تجارة مع الله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وهي تجارة لن تبور، إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ. الإسلام صبر وجهاد وما فرضت العبادات على المسلم إلا لإعداده لخوض المعارك دفاعًا عن دينه ووطنه وحريته وعزته. ولكن لم يحافظ المسلمون على هذا التراث العظيم واستذلتهم الشهوات ونسوا الله. تفرَّق المسلمون، وتفكك العرب، فتسرب إليهم الضعف، واستسلموا للذل والطغيان، وأصبحوا رحماء على العدو أشداء على أنفسهم، وتركوا طريق الحق والتعاون، طريق الصبر والجهاد والتضحية. راح الاستعمار يضرب في كل مكان معتمدًا على الخونة والمنافقين من أبناء البلاد مثل يوسف خنفس ورجال الحكم وعلى رأسهم توفيق في مصر ومثل الجلاوي في المغرب، بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ جَمِيعًا. إن العالمين العربي والإسلامي يقفان أمام عدو واحد هو الاستعمار، ويتهاويان أمام مرض واحد هو الفرقة والتخلي عن الجهاد، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. طريق الاستعمار طريق الذل والعبودية، وطريق التحرر طريق العزة والحرية. إن الكلام لغو أما الإيمان فعمل، وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا. وجب إذن تطهير القلوب، وتطهير الصفوف من الخونة، لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا. والتاريخ يشهد على توحد العرب لا فرق بين مسلمين ومسيحيين من أجل مقاومة الاستعمار الذي أتى تحت شعار الحروب الصليبية. فطريق الأمس هو طريق اليوم، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. ويختم ناصر كلمته بدعوة إلى الأحرار في كل دولة عربية وفي كل الشعب العربي وفي كل مكان، «هبوا وجاهدوا في الله حق جهاده واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة».٣٦ ويستمر ناصر في بيان أهمية الجهاد في كل الأديان. إذ تتحقق أماني الشعوب بالجهاد وليس بالأحلام والمنى، وقد أعطت المسيحية درسًا في الجهاد، بجهاد المسيح واضطهاده وتصدي الحواريين والمؤمنين به للإمبراطورية الرومانية في عنفوانها وانتصارهم عليها. طريق الجهاد هو طريق العمل والفداء. كما كافح محمد ثلاثة وعشرين عامًا بالرغم من أن الله كان باستطاعته نصر الإسلام في الحال دون تعذيب للنبي ودون اضطهاد للمسلمين. ولكن الحكمة الإلهية أرادت جعل طريق الجهاد وحده هو الطريق، والعمل وحده هو الإيمان، والفداء وحده هو الإخلاص.

ويتضح من ذلك أن الإسلام كان مجرد وعظ عام تتداخل فيه موضوعات الحرية والمساواة والعدالة والكرامة والوطنية دون معانٍ محددة ودون تحديد لمواقف معينة أو لنظم اجتماعية محددة، كما يفعل خطباء المساجد، كما تظهر موضوعات الوحدة بين المسلمين والعرب قبل أن تبدأ معارك الوحدة العربية في ١٩٥٨م. كما يكثر الاستشهاد بالآيات القرآنية مما يدل على نقص في التأصيل النظري لاستخدام الدين، يُكتفى بالاعتماد على سلطة الكتاب. وكان من الطبيعي أن يعتمد أصحاب السلطة السياسية على حجج السلطة الدينية. كما تظهر بعض قيم عامة مثل الإيمان والصبر وهي التي ستتحول فيما بعد إلى قيم للدفاع عن الذات في فترة الانحسار الثوري بعد الهزيمة في ١٩٦٧م.

ويستعمل ناصر التفرقة المشهورة بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر من أجل استمرار الثورة واعتبار ما تحقق منها جهادًا أصغر وما لم يتحقق بعد جهادًا أكبر ليحمس الناس على العمل بصرف النظر عن الصدق التاريخي للحديث أو الصدق النظري للأولويات. فقد أخبر ناصر الجزائريين في اجتماع الدار البيضاء أن الجهاد الأصغر قد انتهى وهو مقاومة الاستعمار وتحقيق الاستقلال، وأن الجهاد الأكبر قد بدأ وهو جهاد النفس. الجهاد الأصغر هو ما قام به الجزائريون في الماضي على أرض المعركة، والجهاد الأكبر هو ما سيقومون به في المستقبل من أجل إعادة بناء البلاد وبدء عملية التنمية. كان المسلمون الأوائل يتهافتون على الجهاد. إما النصر أو الاستشهاد.٣٧ ولكن في مرحلة الانحسار الثوري كما هو الحال في أواخر الستينيات يستعمل ناصر هذه التفرقة من أجل البقاء على الذات. فإذا كان الجهاد الأصغر هو مقاومة الاستعمار والقضاء على الاحتلال فإن الجهاد الأكبر يكون مقاومة النفس والقضاء على شهواتها. فالصيام انتصار على النفس وشهواتها.٣٨ وبالرغم من ضعف هذا الحديث كما نبه على ذلك علماء الحديث المحدثون والإخوان المسلمون نظرًا لخطورته على مقاومة الاستعمار واعتبار ذلك جهادًا صغيرًا، وتحويل الجهاد كله إلى الداخل إلى داخل الفرد دون الخارج في المجتمع والتاريخ، فإن الاعتماد على ذلك الحديث لا يخدم السياسة مما يجعل الوعظ الديني السياسي أقرب إلى الوعظ الديني منه إلى التوعية السياسية. ويبدو أن هذه التفرقة تظهر في وقت ضعف النظام حتى تحول المعركة من الخارج إلى الداخل. فكلما تأزم الموقف في الخارج ظهرت الرغبة في الانتصار السريع في الداخل، وإرجاع كل مشاكل الواقع الخارجي إلى شهوات النفس الإنسانية.

وبمناسبة عيد العمال الذي اتفق أيضًا مع عيد رأس السنة الهجرية. يضع ناصر مضمون الأول في صورة الثاني، ويصبح العيد حاملًا لمعاني الإيمان والعمل في سبيل المبدأ والعقيدة. وبعد ١٩٧٠م كادت أن تختفي هذه القيم باستثناء بعض المناسبات مثل المولد النبوي والكلمات العامة بلا موقف سياسي محدد. فاحتفال المسلمين بذكرى مولد النبي عظات عن حياة النبي وكتاب الله، الشجاعة في الذود عن العقيدة والدفاع عن الوطن بالروح والمال والدم.

إن كل هذه القيم الدينية الجديدة التي برزت في الخطب السياسية كانت نوعًا من ملء الفراغ الأيديولوجي لدى الضباط الأحرار، دون أن تكون معارك فعلية يُستخدَم فيها الدين. كانت نوعًا من الكلام والتعبير من أجل الاتصال بالجماهير. فما أسهل أن يتم ذلك عن طريق الدين كقالب توضع فيه آمال الشعوب في التحرر من الاستعمار كمضمون. ولم تكن هناك حاجة إلى جدال نظري لأن هذه القيم واضحة بذاتها تعبر عن أماني الجماهير ببساطة ووضوح. ومن ثَم اختفت التأويلات المضادة. ومع ذلك يختفي هذا المضمون الثوري للإسلام بعد ١٩٧٠م إلا من بعض الإشارات العامة مثل: كان الإسلام وما زال ثورة كما يأمر الدين، وكما قاسى المسلمون طوال القرون الماضية.٣٩

ويستجيب رجال الدين لدعوة الضباط الأحرار ويتبدلون معهم التراشق بالزهور. فمثلًا أصدر الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون في العيد الرابع عشر للثورة بيانًا يبين فيه أن الثورة أعادت إلى مصر وجهها العربي الإسلامي. ويستعرض حال مصر قبل الثورة وبعدها، ويبين التغير الجذري الذي شمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويبرر الثورة بأنها من مظاهر رحمة الله بعباده. فكلما اشتد الكرب جاء الفرج من عند الله. وقد أحس الجيش بذلك يوم عبر عن إرادة التغيير في هذا الشعب. فقام بدك معاقل الظلم، وتقويض أركان الفساد. فكان الله معه، والشعب من ورائه. وعاد إلى مصر وجهها العربي المسلم، تعلو جبينها عزة وكرامة وسيادة على أرضها.

ملكت مصر نفسها، وقاد زمامها أبر أبنائها وأخلص قادتها. أقاموا الحكم على نظام جمهوري أساسه قول الله: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ. تسير الثورة بروح وطنية عربية إسلامية ويقدم الخير لها نصرة للدين والدنيا. لقد امتدت يد الثورة الإصلاحية، وردت للبلاد وجهها العربي المسلم، وشملت الحياة كلها بالخير والصلاح.٤٠ والحقيقة أن هذا نموذج للتبرير والخطابية والتأييد، وغياب النقد، وضياع المبادرة. ففي الوقت الذي كان لا يأمن الإنسان على نفسه، وبعد ما قاسى الإخوان في ١٩٦٥م، يمدح شيخ الأزهر ديمقراطية الثورة، وينسبها إلى الشورى!

(٤) التقدم والشورى

وتصدر إدارة التوجيه المعنوي (قسم التوعية الدينية) بوزارة الحربية عدة كتيبات عن الدين والجهاد طبقًا للآية: وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ يتصدرها قول الرئيس: «إيمان كل جندي بالدين وبالمبادئ والقيم هو أساس توعية الجندي». كما تضع على الغلاف آية قرآنية توحي بالموضوع مثل: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ. وتضم السلسلة القرآن والحديث والسيرة. كما تتحدث عن الموضوعات السياسية مثل الحرية وتأصيلها في التاريخ الإسلامي كما تتحدث عن الدستور والأخلاق وتعطي نماذج مشرقة من التاريخ الإسلامي وتمد الجنود بنماذج من خطب الجمعة.٤١
كما أصدرت أمانة الفكر والدعوة والشئون الدينية بالاتحاد الاشتراكي العربي عدة دراسات عن الدين والثورة. فكتب الأستاذ أحمد حسن الباقوري «الدين والتقدم» مبينًا دعوة الإسلام إلى العلم النظري والتجريبي وقدرة الإسلام على الوفاء بحاجات الأمة، وأن الوحدة الوطنية من وحدة العقيدة والإسلام والاشتراكية وأخيرًا الإسلام والمرأة. وقد صدر كتاب من هذه الأمانة للحديث عن الدور التقدمي للإسلام في التاريخ. فيذكر د. طعيمة الجرف في «ديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة» أن بلاد الشرق الإسلامي قد عاشت مع الإسلام وعلى أساسه تجربة ديمقراطية خصبة. فهو دين الله في إطار مبادئ العدل والمساواة والشورى والتعاون وإصلاح المجتمع. السيادة في الإسلام للأمة، والأمة تمارس سيادتها من خلال مؤسسات شرعية، الخليفة على رأسها، والبيعة الصحيحة هي السند الشرعي الوحيد لسلطته. وفي محاضرات المرحلة الأولى لمنظمة الشباب الاشتراكي العربي يشار إلى «منهج الإسلام في تربية الفرد وبناء الجماعة» من أجل تصحيح فهم التصور الإسلامي وتخليصه من الشبهات، وتحديد خصائص المنهج الإسلامي وهي التكامل والواقعية والإيجابية بالالتقاء مع الحياة والمنهج والاعتماد على العقل، والتكامل الاجتماعي كأساس للعلاقات الاجتماعية.٤٢ وقد قام مكتب الشئون الدينية بأمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي بهذه المهمة.
وقد صدرت عدة مؤلفات تشرح وضع الدين في «الميثاق» وتتمشى مع العبارات الإنشائية العامة التي تجعل الدين حركة تقدمية في التاريخ وتبين كيف كان الأزهر حصن الإسلام وكيف دخل الدين في مراحل الكفاح وكيف يواجه الدين مفاتن الحياة. كما صدرت عن أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي سلسلة «الاشتراكي» و«الدين والحياة» مبينًا صفة الإسلام بالعلم وبالتطور شارحًا فقرات الدين في الميثاق، ومثيرًا لنماذج في التاريخ الإسلامي القديم، وأخيرًا كاشفًا عن بعض الانحرافات باسم الدين. كما أصدرت «الاشتراكي» عددًا خاصًّا هو العدد ٣٥ عن «الميثاق» بمناسبة ذكرى صدور ميثاق العمل الوطني وبها دراسة للدكتور عبد العزيز كامل عن «الدين في الميثاق». وفي خلال شهر رمضان عقد الاتحاد الاشتراكي عدة ندوات عن الإسلام وتطور المجتمع، أحكام الصيام، ليلة القدر وزكاة الفطر وأحكامها.٤٣

(٥) حرية المواطن وحرية الوطن

وتعود القيم الدينية الثورية التي ظهرت في أول الثورة من ١٩٥٢–١٩٥٤م، وتظهر من جديد بمناسبة ثورة اليمن في سبتمبر ١٩٦٢م حتى ١٩٦٤م. فتظهر قيم الحرية والتحرر مضافًا إليها النظام الجمهوري الجديد وحكم الشعب بالشعب ومضافًا إليها القيم الاشتراكية الجديدة. فقد كانت معركة الإسلام والاشتراكية في أوجها. لقد قامت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م في مصر وهي تحمل الشعارات التي خرج بها الإسلام على العالم وأولها الحرية، حرية الفرد وحرية الوطن. ولا يمكن للوطن أن يكون حرًّا إذا لم يكن الفرد حرًّا. وكان لا بد من تحرير الفرد من سيطرة الإقطاع ورأس المال وكل أنواع السيطرة حتى يستطيع أن يقول نعم متى يشاء وأن يقول لا متى يريد. وهذا تثبيت لدعائم الإسلام التي استطاعت الخلافة في سنين طويلة أن تنزعها وأن تحجبها عن المسلمين فيتحرر الفرد والوطن من الاستعمار البريطاني. وهذا هو الجهاد والذي نادى به القرآن والذي دعا إليه محمد عليه السلام، الجهاد في سبيل الوطن والجهاد في سبيل الله. كان كل فرد يجاهد لا ابتغاءً للشهرة بل لمرضاة الله، ولا ابتغاءً لثراء أو جاه ولكن ابتغاء حرية الوطن العربي.٤٤
وبالمثل لقد قضت ثورة اليمن بقيادة السَّلال على الرق والعبودية وهما ما زالا عند فيصل في السعودية. ثم خشي فيصل من ثورة اليمن. ولولاها لظل الرق والعبودية لديه حتى الآن. فسعود هو اليهودي التائه لضرب الثورة العربية. ولكن أتى حكم الأئمة فتوقف اليمن عن التطور، ضاعت حريته، استبد الأئمة الذين اتخذوا من الدين شعارًا وهم في حقيقة الأمر لا يعملون من أجل الدين لأن رسالة محمد عليه السلام هي رسالة الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. رسالة محمد أن يكون الأمر شورى. لا أئمة ولا ملكية ولكن جمهورية. كل فرد من أبناء هذه الجمهورية يشعر بحقه في الحرية والحياة، وله الحق في أن يكون رئيسًا للجمهورية وأن يتولى أي منصب من المناصب. وفرق كبير بين اليمن التي تلقت دعوة الإسلام لنشرها في ربوع الأرض، واليمن تحت حكم الأئمة. لذلك قال الله تعالى: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً. لقد رفع الأحرار في اليمن راية الحرية والإسلام ويقاومون الظلم والذل حتى تمكنت منه الإمامة الفاسدة فاستطاعت أن تعزل اليمن عن العالم وتجعله دولة متأخرة تعيش في الظلام. ثار الأحرار في اليمن بقيادة علمائه، وكانت السجون مملوءة بالأحرار من العلماء الشرفاء ورجال الجيش والمجاهدين. وكلما تم التوحيد والتآلف بين القلوب كانت الإمامة تعمل على زرع البغضاء والفرقة. ويقول الله: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ. إن الإسلام دين الحرية، وعلماء الإسلام رسله في الأرض، واجبهم الجهاد من أجل الحرية ومن أجل المسلمين لأن الإسلام دين الحرية. فهو الذي رفع راية الحرية، وانطلق من الجزيرة العربية حتى عمَّ مشارق الأرض ومغاربها، وحرر الإنسان من الرق والعبودية والتفرقة والإقطاع وكل المساوئ التي حلت بالأرض. وحين قام محمد برسالته ينادي بالإسلام فإنه كان يعني القضاء على الإقطاع والاستبداد والإمامة التي تمكنت في تلك الأيام تحت اسم الأسر كأسرة بني سفيان وأسرة قريش، والتي تصدى لها محمد العبد الضعيف القوي برسالته التي كانت تهدف إلى التآلف بين قلوب العرب والمؤمنين جميعًا لأن عزة العرب عزة للإسلام. ولكن استطاعت الإمامة أن تبعد اليمن وتعزله عن العالم. ثم تمكنت الخلافة باسم الدين أن تكبل العالم الإسلامي بغلال الرجعية. فعادت الإمامة تحت اسم الحكم العثماني الذي كان يدعي أنه يحكم باسم الدين، ولم يكن الدين إلا وسيلة وذريعة كما كان الحال في مصر لأن الإمبراطورية العثمانية كانت تحمل اسم الدين فقط ولم تكن تعمل من أجل الدين. كانت تعزز الإقطاع، وتثبت سيطرة الأسر، وتفرق بين الناس، وتبيح الرق والعبودية في حين أن الإسلام ينادي بالمساواة والحرية والقضاء على العبودية.٤٥
استغلت بريطانيا فساد حكم الأئمة وإرهابهم وقطع الرءوس والاعتقال، واستغلت حالة التأخر التي وصل إليها اليمن، وكل يمني بريء منها لأنها لم تحدث إلا بسبب الأئمة الذين أرادوا أن يضعفوا اليمن ويتحكموا فيه ويذلوه. لقد استطاع الاستعمار أن يزحف على اليمن شبرًا شبرًا من عدن بسبب عزله وتأخره عن العالم، ولما كان اليمن في يوم من الأيام رافعًا راية الإسلام والحرية فقد ثار من جديد، وكتب الله له النصر في ٢٦ / ٩ / ١٩٦٢م للقضاء على الإمامة. لم تبقَ الثورات السابقة إلا عدة أيام لتحالف الإمامة والرجعية والاستعمار ضد الأحرار وضد الحرية. ولكن هذه المدة استطاعت الثورة ضرب الأئمة أمام الله وأمام التاريخ، وأن يستشهد الثوار خير من أن يعيشوا تحت ظل الإمامة وعبوديتها، أي تحت ظل التأخر، تأخر اليمن عن العالم بأكثر من ألف عام. ولما كانت إرادة الله فوق كل إرادة فقد انتصرت ثورة اليمن الأخيرة رغم تحالف الإمامة مع الرجعية والاستعمار. وكان الإنجليز باستمرار أشد الناس عداوة للمؤمنين وللمسلمين وللإسلام والعرب. فقد تصدت بريطانيا في القرنين الماضيين للمسلمين والإسلام في جميع بقاع العالم حتى تضعفه وتقضي على قوته وعلى راية الحرية والقوة التي يرفعها الإسلام. فالإسلام دين الثورة ولا يمكن للإمامة الفاسدة المتحالفة مع الرجعية والاستعمار أن تقف أمامه. وبانتصار الثورة يتحقق الإسلام دين الحرية والمساواة، دين الرفعة والتقدم، دين العمل السوي والعمل السليم. لم تكن الإمامة تمثل حكم الشورى بل كانت تمثل مبدأ الحكم الفردي والسيطرة والتحكم ومبدأ السيف وقطع الرقاب. بل لم يكن هناك أساس للشورى. أما اليوم فإن ثورة مصر قامت على الإسلام، الأمر شورى بينهم، هناك مجلس الأمة، وحركات شعبية، وحق كل فرد في أن يقول رأيه. وبهذا ترسي دعائم الإسلام. كان اليمن رافعًا لواء الإسلام ولواء الحرية في مشارق الأرض ومغاربها حتى تكتل عليه الأئمة وأذاقوه سوط العذاب وحبسوه بين حدوده ومنعوه من أن ينشر رسالة الحرية والإسلام في العالم ولكن أراد الله أن تنتصر، بقوتها العربية وقوتها الإسلامية الأصيلة.٤٦ لقد أرادت الرجعية والاستعمار عزل اليمن عن الحضارة والتطور ولكن ثورة اليمن حرمت على الاستعمار وعملائه أرض اليمن العربي المسلم. أراد الاستعمار وقف تطور اليمن والإسلام، دين التقدم والتطور. وقد استطاع الإسلام في وقت قصير في أيامه الأولى أن يهزم أقوى الإمبراطوريات، الفرس والروم. وامتد في جميع أنحاء العالم لأنه دين الحق والحرية والعدالة والمساواة. وقد أعطى محمد عليه السلام المثل الأعلى في العدالة والحرية والتقدم. يقول البعض إن الإسلام دين رجعي والحقيقة أن الإسلام دين تقدمي. دين التطور والحياة. الإسلام يمثل الدين والدنيا ولا يمثل الدين فقط. بعد الثورة الإسلامية الكبرى الأولى سارت اليمن في هذا الطريق ونشرت الإسلام في ربوع آسيا. فقد تلقف شعب اليمن رسالة محمد، وسار بها في مشارق الأرض ومغاريها ليبشر من أجل الدين وليعمل من أجله، فنجح في رفع راية الدين وراية الإسلام. لقد كان اليمن دائمًا منذ قامت الدعوة الإسلامية رافعًا راية الإسلام والحرية في كل مكان. واليمن مشهور عنه الذكاء والمعرفة وحب الله. نشر أبناء حضرموت الإسلام في ربوع آسيا كلها. وقد صاغ «الميثاق» هذه الحقيقة في عبارتين: الأولى «لقد كانت جميع الأديان ذات رسالة تقدمية ولكن الرجعية أرادت أن تحتكر خيرات الأرض لصالحها وحدها، أقدمت على جريمة ستر مطامعها بالدين، وراحت تلتمس فيه ما يتعارض مع روحه ذاتها لكي توقف تيار التقدم»، والثانية «أن جوهر الرسالات الدينية لا يتصادم مع حقائق الحياة وإنما ينتج التصادم في بعض الظروف من محاولات الرجعية أن تستغل الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم وذلك بافتعال تفسيرات له تتصادم مع حكمته الإلهية السامية.٤٧

(٦) الديمقراطية والنظام الجمهوري

لم يورث الإسلام بحال من الأحوال ابنًا عن أب، وأبًّا عن جدٍّ، ولكن نادى بأن يكون الحكم للشعب وألا تكون الولاية وراثية. وقد حكم بعد النبي أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب؛ لأن المسلمين اختاروهما وبايعوهما. فالإسلام يعني حرية الفرد وكرامته، أن يكون له رأي فيمن يحكم، وأن تكون هناك مساواة بين الجميع. فأي شخص في الدولة له الحق في أن يحكم إذا اختاره الناس بغض النظر عن نسبه وحسبه وعائلته وقبيلته. يكفيه أنه مسلم له حق المساواة والحرية. هذا هو الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، أن يكون لكل فرد في وطنه كل الحق. ليس بالإسلام حكم وراثي، وليس به تمييز مسلم عن مسلم، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. وقد صدرت عدة مؤلفات عن شريعة الإسلام في العمل والعمال مبينة فضل العمل وحقوق العمال، وأن كل إنسان بعمله.٤٨
والنظام الجمهوري هو الذي تتحقق فيه كل هذه المبادئ الإسلامية «الشورى، والديمقراطية، والمساواة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». النظام الجمهوري هو الذي يحقق العزة للعرب وللإسلام. فالجمهورية تعني أن الشعب يختار بإرادته الحرة الحاكم الذي يتولى شئونه. تعني الجمهورية أن أي شخص من أبناء اليمن له الحق في أن يحكم اليمن طالما كانت هذه هي إرادة شعب اليمن. وهذا هو الإسلام في كل معانيه، الإسلام في عهوده الأولى. تعني الجمهورية أن يختار الشعب الحاكم. الإسلام أول من نادى بأن يكون الكل سواءً، أحرارًا. ولذلك قامت الجمهورية.٤٩ ويمكن لكل مسلم أن يتصدى للحاكم. وقد تصدى المسلمون لعمر وقالوا له: «لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمناه بالسيف». ليس بالإسلام كهنوت وليس به عادات يريد البعض إدخالها في عقول الناس. تعني الجمهورية أن الشعب يستطيع أيضًا أن يعزل الحاكم إذا انحرف عن مصلحة الشعب وعن إرادته، وهذه هي تعاليم الإسلام.٥٠ والثورة هي الطريق لتوثيق النظام الجمهوري، الثورة هي الطليعة التي تفتح الطريق. الثورة تقوم للتغيير وتضع الأساس للبناء الجديد. وقد تولت الثورة مسئولياتها على أساس أن تكون هناك حرية للفرد وللإنسان العربي المسلم، وأعلنت الجمهورية. فالجمهورية لا تعني الفرد لأن الفرد يمر بحياته، وحياته محدودة، ولكن المهم هو الأساس الذي سيستمر في المستقبل.
وقد كثر المنظرون للديمقراطية وتأصيلها في الشورى الإسلامية دون المساس بالواقع أو نقده أو بيان المسافة بين المبادئ السامية المعلنة والواقع الفعلي المرير. ثم جاءت الاشتراكية الديمقراطية أخيرًا تنتسب أيضًا إلى الشورى في الإسلام وإن كان الإسلام لم يفرض نظامًا تقوم به الشورى وإنما تركه للاجتهاد إلا أنه حرص كل الحرص على روح الشورى أو روح الديمقراطية.٥١

(٧) التضامن بين الشعوب

وقد كتب الجهاد على جنود مصر من أجل الحق الإلهي للإنسان العربي في أن يحيا بالحرية والعدل. لقد تعرضت الجمهورية في اليمن لعدوان استعماري رجعي لأن الاستعمار والرجعية لا يريدان اليمن القوي الذي يهدد نفوذ الاستعمار والرجعية. وحينما طلبت الثورة في اليمن معاونة الجمهورية العربية المتحدة لم تتردد لأن الثورة في مصر تؤمن بعزة العرب جميعًا كأساس لعزة الإسلام. لم تتردد في تلبية النداء، وأرسلت فلذات أكبادها لمعاونة ثورة اليمن وللقتال معها جنبًا إلى جنب ضد الاستعمار والرجعية. إن جبال اليمن تحمل قبسًا من نفس الشعلة المقدسة التي يحج إليها المسلمون في عرفات، نفس الروح العظيمة التي اختبرت بها العناية الإلهية قدرة البشر على التضحية من أجل العقيدة وفاءً للرسالة الإنسانية والتقدم. ويعاهد جيش مصر على هذه الأرض المقدسة على طرد بريطانيا من عدن ومن كل الجنوب العربي. وعلى مصر دين لله وعلى اليمن دين لله أيضًا في مساعدة الإخوة الذين يكافحون الاستعمار في جنوب اليمن. إن على مصر رسالة نحو الإخوة العرب والمسلمين وهو شد الأرز والمساعدة على أن يرسوا في بلادهم دعائم الإسلام الحقيقية التي قامت عليها الحرب والتي قامت عليها المساواة والتي مكنها الله فانتصرت في فترة قصيرة فجابت ربوع الأرض في مشارقها ومغاربها. فلا غرابة أن تنتصر الثورة اليمنية في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م فتحالف الاستعمار والرجعية ضدها كي تنتكس البلاد مرة أخرى. لذلك جاءت الثورة المصرية للمساعدة تنفيذًا لأمر الله. لم تحارب الثورة المصرية في بلد غريب بل في بلد إسلامي شقيق.٥٢ إن جنود مصر حضروا إلى اليمن واستشهدوا في سبيل الله من أجل رسالة الله لا من أجل منفعته بل من أجل مبدأ. فسارعوا لملاقاة الله من أجل رفع راية الحرية وراية الإسلام وراية الدين. جزاؤهم عند الله وليس عند الناس، وهي الجنة. لقد خرج جنود الإسلام الأوائل للقتال في سبيل الله وللاستشهاد في سبيله من أجل رفع راية رسالتهم. وهؤلاء هم الذين حضروا إلى اليمن ليقاتلوا جنبًا لجنب من أجل رفع راية الإسلام والدين والحرية ومن أجل تثبيت دعائم الدين. فالله وحد بين الإخوة وبين الأمة. إن حرية الوطن تعني حرية الأمة الإسلامية، وقد ساعدت مصر الثورات التحررية في العالم كله لأنها بذلك ترسي دعائم الدين وترفع راية الإسلام الذي نادى بالحرية.٥٣
ولا يظهر الإسلام فقط كعامل مساعد بين الشعبين من أجل نصر الثورة المصرية للثورة اليمنية بل يظهر أيضًا كعامل وحدة بين الشعبين من أجل الوحدة العربية. فقد رفعت الثورة المصرية شعارات ثلاثة: الحرية والاشتراكية والوحدة، وهي شعارات إسلامية. فالإسلام دين الحرية والاشتراكية والوحدة. فقد وحد الإسلام بين العرب جميعًا في حين فرق الاستعمار بينهم، وإرادة الله فوق إرادة الاستعمار. لا بد أن تعود الوحدة مرة أخرى حتى لا يكون هناك يمني وسوري ومصري وعراقي، فالكل عرب، وفي أيام الإسلام الأولى لم تكن هناك فواصل بين المواطن اليمني والمواطن المصري. فقد هاجر كثير من أبناء اليمن من الجزيرة العربية واستقروا في مصر وأصبحوا مصريين. زحفت عائلات بأكملها من اليمن إلى مصر مثل بني محمد وبني حسين وبني علي. فالإسلام ينادي بتوحيد الأمة العربية بعد أن أقام الاستعمار بينها الحدود، وثورة اليمن هي رفع لراية الوحدة الإسلامية ولنشر الإسلام شرقًا وغربًا، ورفع لراية الحرية وهي راية الإسلام. وستتجه الثورة نحو جنوب اليمن لتحرره أيضًا تحت راية الإسلام. سترفع الثورة راية الوحدة الوطنية حتى لا يتمكن الاستعمار من أن يفرق بين أبناء الوطن الواحد تحت أسماء الحزبية أو الطائفية. فالكل عرب لا فرق بينهم لأن كل فرد يعرف واجبه، وهدفه هو الحرية والاستقلال.٥٤
إن الإسلام يقتضي تضامنًا وأخوة بين الأشقاء والعمل من أجل عزة العروبة وعزة الإسلام ضد محاولات الاستعمار فتفتيت وحدة العرب. ينادي الإسلام بالتعاون على البر والتقوى، وهي تعاليم الإسلام، البر بالأبناء وبالعائلات، البر بالأمة، وتقوى الله في جميع الأمور. تعني التقوى أيضًا التخلص من الأنانية والفردية. تعني التقوى أيضًا رفض كلام الاستعمار وأعوانه ونبذ لغة المال لأن من يقبل لغة المال يخون قضيته ووطنه. تعني التقوى بناء البلاد من أجل صالح الأبناء ومن أجل الحاضر والمستقبل. هذه هي تعاليم الإسلام البسيطة الواضحة. والعفو من مبادئ الإسلام. وعندما دخل النبي مكة منتصرًا لم ينتقم من أعدائه بل قال اذهبوا فأنتم الطلقاء. وأعطى مثلًا كبيرًا كيف تتغلب الحكمة على الرسول القائد حتى تتحقق الوحدة الوطنية ويجمع شمل العرب. فطريق الحكمة لا طريق الانتقام، طريق العروبة وطريق الإسلام هو أن تتبع اليمن المثل الذي أعطاه محمد، مثل الوحدة الوطنية وتآلف القلوب والتوحيد بينها. لقد ألَّف الله بين قلوب اليمنيين بقيام الثورة لأن الاستعمار والرجعية والإمامة يهمها الإفساد بين الناس. فقد كان سلاح الاستعمار دائمًا هو التفرقة بين المواطنين. مهمة العلماء الأحرار أن يكونوا أحرارًا ومهمة العلماء الثوار أن يكونوا دائمًا ثوارًا يعملون من أجل رسالة الله حين ألف بين القلوب فانتصرت الثورة. فالتآلف هزيمة لبريطانيا. هذه هي رسالة الدين، رسالة الجهاد كما جاهد محمد من قبل. لقد تآمرت بريطانيا على المسلمين في جميع أنحاء العالم، تآمرت على العرب وأرادت أن تذلهم لأنها كانت تعتقد أن ذلة العرب إنما تذل الإسلام في جميع أنحاء العالم.٥٥

(٨) التعصب والإرهاب

كانت المعركة الحقيقية التي استخدم فيها جمال عبد الناصر الدين هي معركته مع الإخوان المسلمين التي بلغت ذروتها في ١٩٥٤م ثم عادت من جديد في ١٩٦٥م أي في بداية المد الثوري ثم في نهايته وبداية الانكسار. وبالرغم من وجود علاقة وطيدة بين الإخوان والثورة من خلال اتصالات ناصر بحسن البنا ووجود بعض الضباط الأحرار من الإخوان المسلمين مثل عبد المنعم عبد الرءُوف ومساهمة الإخوان ليلة الثورة وبعدها في تأييد الثورة والدفاع عنها إلا أن الصراع ظهر بينهما حتى وصل إلى درجة القطيعة في ١٩٥٤م. ولم يكن صراعًا على مبادئ أو نظم بل كان صراعًا من أجل السلطة. وقد بدأ ذلك قبل الثورة عندما طلب عبد المنعم عبد الرءوف انضمام حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين حتى تؤمن الجماعة حياة الضباط الأحرار ومستقبلهم في حالة فشل الثورة. ولما رفض ناصر لأن المسائل الوطنية لا ترهن بموضوعات شخصية استقال عبد المنعم عبد الرءُوف قبل الثورة بستة أشهر. وكان الضابط أبو المكارم عبد الحي رئيس التنظيم الإخواني بالجيش وفي أول يوم للثورة قد طلب أسلحة لتوزيعها على الإخوان تأييدًا للثورة، ولكن رفض عبد الناصر بالرغم من إبدائه استعدادًا للتعاون. وعرض عليهم الاشتراك في الوزارة ولكن حدث التصادم بعد ذلك.

ولم تحل الجماعة بالرغم من صدور قانون حل الأحزاب. فقد تقدم الإخوان بثلاثة شروط الأول: أن لا يصدر قانون إلا إذا أقره الإخوان، والثاني: ألا يصدر قرار إلا إذا أقره الإخوان، وهذا يعني أن يحكم الإخوان من وراء الستار وأن يفرضوا وصايتهم على الثورة. فالصراع بين الثورة والإخوان كان صراعًا على السلطة ولم يكن صراعًا على المبادئ. أراد الإخوان فرض وصايتهم على الثورة، والثورة لا تقبل الوصاية بل تقبل التعاون. وفرق بين الوصاية والتعاون.٥٦ أما الشرط الثالث فقد كان في ظاهره تطبيق الإسلام ولكن في حقيقته أيضًا فرض الوصاية على الثورة، فقد طلب حسن الهضيبي أن يفرض ناصر الحجاب في البلد، وأن يغلق المسارح ودور السينما. وهذا معناه أن يصبح ناصر الحاكم بأمر الله من جديد، ولماذا لم يبدأ الهضيبي بعائلته وابنته تذهب إلى كلية الطب غير محجبة؟ كان الطلب من الإخوان يدل على ضيق أفق، وذلك بتطبيق الشريعة الإسلامية على نحو جنسي، وكأن الفضيلة ليست إلا الجنس والشراب، وكأن تغيير المجتمع لا يأتي إلا بقرار من السلطة. كان رجال الثورة وقادة الإخوان يشاركان في نفس العقلية وهي البداية بالسلطة. فرجال الثورة هم أصحاب السلطة الجديدة. وعند الإخوان أن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.٥٧
ومن هنا جاء اتهام الإخوان بالأطماع الشخصية وبالحقد. وبأنهم كانوا ضحية الحزبية البغيضة. حاولوا هدم الثورة من أجل السلطة، والثورة هي التي أخرجتهم من السجون وحققت العزة القومية. واستغل الإخوان الدين، وخدعوا الناس باسم الدين. أرادوا محاربة الثورة في كل مكان. اعتقد الهضيبي أن الثورة قد انتهت وأخذ الإخوان يضللون الناس ويبثون أحقادهم بالأساليب الحزبية القديمة التي هدمت مصر، ومكنت الاستعمار وأعوانه منها، فالإخوان جزء من العهد البائد الذي لن يعود بعد الثورة حتى ولو كان باسم الدين والإسلام والمسلمين. لقد احتكر الإخوان الدين. والدين لم يكن احتكارًا بل تآلفًا ومحبة وتسامحًا وتعليمًا. لم يكن حقدًا أو تعصبًا. ولم يُعطَ لفئة محدودة أو لجماعة متعصبة وخارجة على الدين. هذا هو الكفر والإساءة إلى سمعة الدين والإسلام. إن الهضيبي يتآمر ضد الثورة لأنه يعلم أن رجالها يعبرون عن أهداف الشعب وآماله. وفي الوقت الذي كان يبث فيه الهضيبي الحقد والبغضاء في نفوس الإخوان كان قادة الثورة يعملون لصالح الشعب. الدين محبة وتعاون لا بغضاء ولا كراهية. إن الإخوان لا يمثلون شعب مصر، ولكن الثورة هي التي تمثل شعب مصر. إن الثورة لا يمكن أن تترك الإسلام نهبًا للخداع والضلال. فذاك ضد صالح الدعوة الإسلامية. وإن دور أهل الرأي والعلم إنقاذ الإسلام من الخادعين والمضللين وألا يُترَك الإسلام لفئة من نهازي الفرص. وفي مؤامرة ١٩٦٥م بلَّغ أحد المواطنين عنهم. والثورة لا تهتم بالمؤامرات والاغتيالات بل ببناء الجيل الجديد والقيادات الشابة التي لا تخشى الإرهاب.٥٨
ومن أجل السلطة كوَّن الإخوان المسلمين جهازًا سريًّا مسلحًا من أجل الانقضاض على الحكم بالرغم مما يرفعونه من شعار الديمقراطية. لقد عمل حسن البنا هذا النظام السري ليحارب الملك فاروق وإبراهيم عبد الهادي. ثم جاء الهضيبي وحله. ومنذ ذلك الوقت والإخوان يسبحون بحمد ولي الأمر الآتي من قوله! إن هذا النظام السري لا يستخدم لصالح الشعب، للقضاء على الملكية والاستعمار بل ضد الشعب حقدًا على حكام مصر الوطنيين باسم الدين. كما أنه ضد الحرية والديمقراطية. وهذا يدل على انتهازية الإخوان وانتظارهم الفرصة السانحة للانقضاض على الحكم مستغلين طيبة الشعب ومحققين شهوتهم في التحكم والسيطرة والحقد والاستغلال. يستغلون الشباب باسم الدين لتحقيق أغراضهم الخاصة.٥٩ يتبع الإخوان سياستين إحداهما ظاهرة غرضها التضليل واستغلال البسطاء باسم الدين، والأخرى خفية تهدف إلى السيطرة على القوات المسلحة وقوات البوليس وتكوين جهاز سري للقيام بعمليات الإرهاب. وهم بهذا لا يبغون قيام الدين، ولكن يبغون التحكم والاستغلال. وقد استطاعت الثورة أن تقضي على هذا المخطط في مصر. فتحولوا إلى سوريا يتبعون هاتين السياستين، ويبثون بذور الفتنة في قوات الجيش والبوليس. وبهذا يقضي الإخوان على الحياة الحرة والديمقراطية الصحيحة. وتقف الثورة ضد الجمعيات السرية والاستعباد والاستغلال.٦٠ ثم خرج الإخوان من المعتقلات وبعد ذلك ظهر التنظيم السري من جديد بأسلحة ومفرقعات. والثورة لا تعامل ذلك باللين ولا تستطيع أن تعفو مرة أخرى.٦١
وينتهز عبد الناصر مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فيأخذ من سيرة محمد، عليه السلام، ما يناسبه في الهجوم على الإخوان. فقد كان محمد نقي السر والعلن، ظاهره كباطنه، لا فرق بين حياته الخاصة وحياته العامة. سيرته في نفسه وفي بيته كسيرته بين الناس. لم يكن هناك تناقض بين سلوكه العام وسلوكه الخاص. ومثل ذلك لا يطيقه الأدعياء أصحاب الشهوات، وذوو الرجولة المريضة والأخلاق الملتوية. وقد قال الرسول: «ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا». كما يقول القرآن الكريم: فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. كان الرسول صادقًا صريحًا، فعندما ظن الناس أن الشمس كسفت لوفاة ابنه قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد أو حياته». كان الرسول معلمًا حكيمًا ومربيًا فاضلًا، لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. وكان يفيض رحمةً وإحسانًا.٦٢
ويقوم الجهاز السري بعمليات الإرهاب. فتحت اسم الدين يبيح الإخوان دم الكفار أي الذين هم من غير الإخوان المسلمين. فبعد اتفاقية الجلاء مدت الثورة يدها للهضيبي ولكنه غدر بها. أخذ رجال الثورة حذرهم، ولم يحضر ناصر وإخوانه الاجتماعات العامة لأنه كان يعلم ما يدبره الإخوان لهم من اغتيالات. لم يكن هذا الاختفاء حبًّا في الحياة. ولكن لإنجاز الاتفاقية التي تحقق للشعب الجلاء وتخليص الوطن من الاستعمار، بعدها خرج رجال الثورة ليأخذها الهضيبي ورجاله بعد أن أعطاها رجال الثورة في ٢٣ يوليو ١٩٥٢م؟ بعث الهضيبي بمحمود عبد اللطيف وغرر به باسم الدين والإسلام من أجل اغتيال ناصر الذي يعمل من أجل إزاحة الفقر عن أمثال محمود عبد اللطيف. كيف يُبنى صرح الدين بالمسدسات؟ وكيف يتم الاغتيال باسم الدين وباسم الإسلام؟ يتبع الإخوان أسلوب التخويف والإرهاب والتعذيب والخيانة التي كُلف بها الجهاز السري. وإن ترك هذه الأساليب هو تخلٍّ عن حق الثورة وأهدافها. وقد أقيمت محاكم الشعب لمحاكمة الجهاز السري والتنظيمات المسلحة لخطرها على الشعب وتهديدها لحرية المواطنين وليس لقادة النظام. وقد حكمت محاكم الشعب على ٨٦٧ عضوًا من الجهاز السري البالغ عددهم حوالي أربعة أو خمسة آلاف موجودين في شُعب وفي خلايا مسلحة، يمثلون فصائل وجماعات ومناطق أي جيش حر في داخل البلد. وقد اعتقل ٢٩٤٣ أُفرج عن معظمهم في ٢٣ يوليو ١٩٥٦م. وحكم على البعض منهم مع إيقاف التنفيذ. وقد حكمت المحاكم العسكرية على ٢٥٤ وهو عدد ضئيل بالنسبة لثورات العالم.٦٣ ولكن تم اكتشاف مؤامرة ثانية في قضيتين، قضية المؤامرة وقضية التنظيم السري المسلح. وهناك تنظيم آخر غير مسلح. وكلهم معتقلون، وتصرف ماهيات أعضاء التنظيم غير المسلح ١٠٠٪ وللمسلح ٥٠٪ فقط!٦٤ وقد كان من المزمع الإفراج عن الإخوان المعتقلين، ولكن نكسة ١٩٦٧م أجلت الإفراج. وهذا يدل على خوف ناصر من الإخوان في أوقات الضعف. وبعد امتصاص غضب الناس واستيعاب الهزيمة بدأ الإفراج عنهم وإرجاعهم إلى وظائفهم. ولكن يظل منهم حوالي ١٠٠٠ في السجون، أعضاء التنظيم المسلح الذين قاموا بعمليات إرهابية وبعلم مجلس الشعب. وفي كل مرة تكتشف مؤامرة يعتقل أعضاء التنظيم السري القديم كله في حين أن الكشوف القديمة لم تكن تعبر عن وضع التنظيم الحالي الذي ضم عناصر جديدة من الشباب بالرغم من سريته.٦٥
وكما هادن الإخوان القصر هادنوا الإنجليز، واتصلوا بهم، وحادثوهم في شئون البلاد من وراء الثورة. لقد ظل التعاون بين الإخوان والثورة حتى وزارة نجيب الهلالي في ٩/ ١٢/ ١٩٥٢م قبل المفاوضات. ثم فاوض الإخوان الإنجليز، بين الهضيبي والمستشار الشرقي إيفانز وهي ما عرفت باسم مفاوضات الهضيبي/إيفانز. وقد قابل ناصر الهضيبي بعد أن علم بأمر المفاوضات في بيت منير الدلة في الدقي وبحضور خميس حميدة وكيل الإخوان وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وحسن عشماوي. وكان مع ناصر كمال الدين حسين وصلاح سالم وعبد الحكيم عامر. وطالب رجال الثورة أن يعرف الإخوان رأيهم حتى لا يتنازلوا عن شيء. ولكنهم في النهاية قبلوا ما رفضه رجال الثورة. لقد قبل الهضيبي في أبريل ما لم يقبله ناصر. وبالتالي فإن معارضة الإخوان للثورة ليست بسبب اتفاقية الجلاء والمبادئ الوطنية، بل معارضة تقوم على الحقد والضغينة والتضليل. وهي عبارات تعني كلها الصراع على السلطة. فقد كان الإخوان يمثلون السلطة الشعبية، ولم يكونوا بالحكم، وكان رجال الثورة في الحكم ولكن دون سند شعبي. اختفى الهضيبي ليعلن الجهاد ضد الثورة ورجالها وليس ضد إسرائيل أو الإنجليز. من أول الثورة في ١٩٥٤م تكتل الإخوان عندما كانت الثورة تتفاوض مع الإنجليز. وقالوا للإنجليز إنهم مستعدون أن يتفاوضوا معهم. وكانوا في ذلك الوقت يمثلون الثورة المضادة والحزب الرجعي في البلاد.٦٦
لهذا السبب تم تجريح الإخوان مثل تجريح الوفد وكل الاتجاهات الوطنية قبل الثورة بأنها كانت موالية للقصر، ومهادنة للملك. فقد ذهب الهضيبي إلى عابدين وهو مرشد عام للإخوان المسلمين ليقبل يد الملك، كما فعل النحاس، ويقول: زيارة كريمة لملك كريم.٦٧ ودون اسمه في سجل التشريفات مرات عديدة في جميع المناسبات لأن فاروق من قوله! لقد خضع الإخوان للقصر، وهادنوا الحاشية في حين أن الثورة عارضت الملك، وقضت على الحاشية. ولكن الإخوان يقومون بحملة ضد الثورة باسم الدين والقرآن، ويقومون بحملة تشكيك مغرضة ومنشورات باسم الدين. ولأول مرة يحكم مصر المصريون. لقد طالبت الثورة بألا يدخل الملاهي أقل من ٢١ سنة وطالبت الإخوان ألا يدخلها أيضًا من تجاوز ٢١ سنة، فلماذا لم يعارضوا الإباحة المطلقة أيام الملك فاروق ويقولون إن الأمر لولي الأمر؟ زايد الإخوان على الثورة وساروا في ركاب الملك.٦٨ ترامى الهضيبي على أقدام فاروق، وقع في دفتر التشريفات، وكان رجال الثورة قد وهبوا حياتهم جميعًا للشعب، وكان الضباط الأحرار يضعون الخطط لتخليص الوطن. ولكن يبدو أن ناصر كان حريصًا على ألا يطلق هذا الاتهام إلا في عهد الهضيبي. أما في عهد البنا فكان للإخوان مواقفهم ضد القصر والملك، الأمر الذي كلفهم حياة مرشدهم العام. فكان اغتياله هدية عيد ميلاد الملك.
ويتهم ناصر الإخوان بأنهم أعوان الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية وهي التهم الثلاث الرئيسية في الثورة المصرية. والدليل على ذلك إذاعة إسرائيل وباريس ومكة التي تذيع حجج الإخوان ضد الثورة المصرية. فلما فشل الهضيبي في معارضة الثورة والقضاء عليها في مصر توجه إلى سوريا لبث الحقد فقرأت إذاعات الاستعمار والصهيونية والرجعية بيانات الإخوان. والدليل على رجعية الإخوان اتصالهم بالسعودية وتمويل السعودية لهم عن طريق سعيد رمضان المقيم بالسعودية. حزب الإخوان حزب رجعي متحالف مع الرجعية. يأخذ أمواله من الرجعية أي من الاستعمار. يتفق مع السعودية على الانتهاء من الحكم الثوري في مصر في غضون أشهر. وقد اعترف زغلول عبد الرحمن الذي سلم نفسه بأن السعودية أعطت ٢٥٠ ألف جنيه كدفعة أولى إلى سعيد رمضان وإخوان أبو الفتح مع أن ينكر فيصل الدفع. والحقيقة أن الإخوان عملاء، يأخذون الأموال لمؤتمراتهم من حلف بغداد ومن السعودية ومن الرجعية العربية. وكل واحد مقيم منهم في الخارج باع نفسه لكل من يدفع الثمن. أصبحوا عملاء للاستعمار والرجعية. وقد ثبت من المحاكمات أنهم عملاء للسعودية ولحلف بغداد. ويقبضون الثمن ويخدعون الشعب تحت ستار الدين. والثورة تريد أن تبني مجتمعًا متحرِّرًا من الاستعمار ومن الرجعية. وجد فيصل عملاء له في الإخوان وهو الحزب الرجعي الموجود في البلاد وفي العالم العربي، وقد وجدوا هم الفرصة المناسبة لأخذ الأموال. فتشابكت المصالح، مصالح الرجعية التي تريد تحقيق أهدافها، ومصالح الإخوان من أجل الحصول على الأموال. دعا الإخوان لفيصل وقاموا بدعاية له أي دعاية للرجعية وللاستعمار وللحلف المركزي، حلف بغداد القديم. ولأن الإخوان كحزب سياسي يسير في ركاب الاستعمار والرجعية هربوا في ١٩٥٤م وذهبوا إلى فيصل الذي أعطاهم الأموال. وانتهزوا فرصة موسم الحج وراحوا يهاجمون الثورة وناصر في المساجد وفي الكعبة وفي المدينة، ويوزعون الكتب والمنشورات ضد الثورة. فرد عليهم الحجاج، ونشبت مشادات، وقبض على بعض الحجاج.٦٩
لم يتجاوز الإخوان حدود الشعارات الدينية، ولم يملئوها بمضمون اجتماعي أو سياسي في حين أن الثورة حققت المضمون وبالتالي تحققت الشعارات. يقول الإخوان: القرآن دستورنا، والثورة تخلع الملك، وتقضي على الفساد والظلم الاجتماعي، وتحقق الجلاء. وهذا كله تحقيق لشعار الإخوان.٧٠

والحقيقة أن الثورة نفسها أطلقت شعارات اجتماعية وسياسية دون مضامينها. فالتجربة المصرية في نهاية الأمر كانت أقرب إلى شعارات الحرية والديمقراطية المتمثلة في «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد» في حين أن النظم والمؤسسات الدستورية لم تكن تحقيقًا لهذه الشعارات. كما أن شعارات العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والاشتراكية كانت في جانب والنظم الاجتماعية والاقتصادية لم تكن تطبيقًا جادًّا وحاسمًا لهذه الشعارات. فما تنقد به الثورة الإخوان هو أيضًا نقد ذاتي للثورة قامت به في أوقات انحسارها، وقام به نقاد التجربة المصرية ومحللوها السياسيون.

وبعد ١٩٧٠م لم تكن هناك إشارة إلى الصراع بين الإخوان والثورة إلا مرة واحدة كأول عملية مع الإخوان حدث فيها العدوان على جمال عبد الناصر في المنشية في ١٩٥٤م، والدخول في معركة معهم. وذلك يدل صراحة على أن الصراع كان على السلطة أساسًا وليس صراعًا أيديولوجيًّا يقوم في محوره على الدين.٧١

(٩) الوحدة العربية

وقد بدأ استخدام الإسلام في معارك الوحدة العربية في ١٩٥٨م بعد اتحاد مصر وسوريا وتكوين الجمهورية العربية المتحدة. كان موضوع وحدة المسلمين والعرب والتفكك والفرقة من الموضوعات العامة التي ظهرت بعد قيام الثورة كنوع من الوعظ الديني السياسي دون أن يكون له واقع سياسي معين. فلما قام أول مظاهر الوحدة العربية بالفعل دخل الإسلام في المعركة على نحو تاريخي عن طريق استرجاع الحروب الصليبية، أحد مظاهر الاستعمار في صورته القديمة، وتوحيد المسلمين تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي الذي وحَّد مصر وسوريا أمام الهتافات مثل «وحدة مصر وسوريا باب الوحدة العربية». وقورن ناصر بصلاح الدين. وقد زادت ثورة العراق في ١٤يوليو ١٩٥٨م من عواطف الوحدة العربية. كما زادت الحرب اللبنانية بين القوى الوطنية والقوى اليمنية الحماس للعروبة حتى ظن العرب جميعًا أنهم على أبواب الوحدة العربية الشاملة!

لقد انتهز الاستعمار الأوروبي في ذلك الوقت التفكك الذي كان بين الأمة العربية. واستطاع تحت اسم الحملات الصليبية التي لم تكن تعني إلا الاستعمار أن ينفذ إلى داخل الوطن العربي. ورغم ضعف الأمة العربية وتفككها في ذلك الوقت فقد هب العرب في كل مكان للدفاع عن قوميتهم وأراضيهم. اتحدت الأمة العربية واتحد أمراؤها ليواجهوا الخطر وليواجهوا الاستعمار الغربي الذي غزا أراضيهم تحت اسم الصليبية. وكان النصر حليف القومية العربية ضد ملوك أوروبا وفرنسا وإنجلترا وبقية الدول الأوروبية. واستمرت الحرب ثمانين سنة، غزوًا مستمرًّا وحملات باسم الدين وهي في الحقيقة لم تكن تهدف إلا إلى السيطرة. استطاع الصليبيون في أول الأمر أن يحتلوا فلسطين ويستولوا عليها، ويحتلوا بيت المقدس، وأن يفرقوا الأمة العربية في مصر والأمة العربية في الشرق العربي. وبعد أن استتب لهم الأمر في فلسطين ومكنوا لأنفسهم فيها أرادوا أن يتقدموا نحو مصر. واستطاعوا أن يصلوا إلى الشرقية وبلبيس وإلى أبواب القاهرة، كانت الجيوش المصرية تحارب وحدها، وكان لا بد من إنقاذ الأمة العربية والوطن العربي من الغزو الاستعماري تحت اسم الصليبية. كان لا بد أن تتحد الأمة العربية مرة أخرى لتنتصر. فكان التضامن والاتحاد بين سوريا ومصر هما السبيل الوحيد للقضاء على هذه الحملات الصليبية، وهما السبيل الوحيد لإنقاذ القومية العربية. فأرسل السلطان نور الدين محمود، السلطان السوري في ذلك الوقت، جيوشه إلى مصر لتعاونها في صد الغزاة الصليبيين. واستطاعت جيوش مصر وسوريا التي اتحدت أن تهزم الصليبيين وأن تردهم عن أبواب القاهرة، وأن تردهم إلى حدود فلسطين.٧٢
بعد تلك الحملة الصليبية أي بعد عشرين سنة من طرد الصليبيين من القاهرة هاجم الصليبيون من فلسطين أيضًا، هاجموا سوريا، فاتحدت سوريا ومصر مرة أخرى تحت قيادة صلاح الدين. خرجت الجيوش لنجدة الشعب العربي في سوريا، وانتصر صلاح الدين في معركة حطين. ولم تكن هذه النجدة لسوريا وحدها ولكن استطاعت الجيوش المصرية السورية أن تحرر فلسطين، وتحرر القدس، وتخرج الصليبيين من فلسطين. كانت الوحدة هي الدرع التي انكسرت عليها موجات الغزاة، وكان التفكك والانقسام هما الوسيلتان اللتان نفذ بهما المستعمر إلى الدول العربية كي يخضعها. ولكن بعد اتحادها لم تستطع المحلات الصليبية أن تخضعها.٧٣ وبعد ١٩٧٠م لا يظهر هذا الموضوع إلا مرة أو مرتين مما يدل على غياب الطابع الوحدوي لهذه المرحلة. ولقد استمر الغزو الصليبي ثمانين سنة ولكن اتحدت مصر وسوريا تحت قيادة صلاح الدين الذي خلص المنطقة من الغزو الصليبي.٧٤ وقبل ذلك التتار وتوحيد مصر وسوريا لصدهم.٧٥ فقد أصبحت المستعمرات على شواطئ فلسطين ثمانين عامًا، وتحررت بالإرادة العربية بفضل صلاح الدين. ويمكن أن يتم نفس الشيء وتحرير الأرض من الصهيونية العالمية.٧٦ في تاريخ الأمة العربية هجمتان أرادتا القضاء عليها، التتار والصليبيون. ولم يستطِع العرب مواجهتهم إلا بالاتحاد. وما كان ممكنًا أن يخرج الاستعمار الصليبي الاستيطاني بعد ثمانين عامًا إلا بفضل تعاون الشام ومصر تحت قيادة واحدة. والماضي مثل اليوم، والصهيونية مثل الصليبية لتدمير الشخصية العربية.٧٧
وقد هجم الصليبيون منذ ٧٠٠ سنة على دمياط. وكانوا بقيادة لويس ملك فرنسا. واحتلوا دمياط وسارت الحملة من دمياط إلى المنصورة. وكان الملك الناصر يقيم في دمشق. فحضر من دمشق وهو مريض. وكانت جيوش سوريا تتجمع هنا مع جيوش مصر لتهزم لويس فهزمته، وألحقت به الهزيمة والعار.٧٨ وفي مقال في المجلة العسكرية الإسرائيلية بعنوان «إلى دمشق» يذكر بالحرف الواحد «إننا إذا أردنا أن نهزم العرب فليس أمامنا إلا أن نتجه إلى دمشق. إن الغلطة الكبرى التي ارتكبها الصليبيون حينما احتلوا البلاد العربية هي عدم احتلال سوريا كلها وإخضاعها بواسطة الصليبيين. كانت الغلطة الكبرى التي مكنت العرب من أن يتحدوا وأن يتخلصوا من الاستعمار الصليبي.»٧٩
وفي نفس الوقت الذي كانت فيه الحروب الصليبية هاجمت هذه المنطقة من العالم جيوش من أواسط آسيا، جيوش التتار الذين وصلوا إلى بغداد فسقطت بغداد في أيدي التتار، واستولى هولاكو عليها، وأنهى حكم العباسيين. ثم دخلت جيوش التتار سوريا لتستمر في الفتح والغزو مشبعة بالنصر. وكانت سوريا مشغولة بحروب الصليبيين. ومع ذلك قامت سوريا لتحارب وتصد التتار. وفي نفس الوقت هبت مصر لتحارب مع سوريا في هذه المعركة ضد المعتدين الذين لم ينهزموا في معركة واحدة منذ قيامهم للغزو. وقد استطاعت جيوش مصر وسوريا أن تهزم التتار في معركة عين جالوت سنة ١٢٦٠م. ففي كل مرة تتحد فيها سوريا مع مصر يهزمان معًا أعتى الجيوش الصليبية التي تمثل الاستعمار الأوروبي والتتار. ولم يقتصر الأمر على هزيمة التتار بل انسحبوا من الأراضي العربية حتى عبروا الفرات وتبعتهم الجيوش المصرية والسورية حتى عبروا خلفهم الفرات. وهذا هو معنى الجمهورية العربية المتحدة.٨٠
والتاريخ القديم يعيد نفسه في التاريخ الحديث. فلم تكن مصادفة حينما وصل الجنرال اللنبي، قائد الجيوش البريطانية إلى القدس وقال: اليوم انتهت الحروب الصليبية. ولم تكن مصادفة حينما وصل القائد الفرنسي الجنرال جورو إلى دمشق حتى وصل إلى قبر صلاح الدين وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين. دخل العرب حرب فلسطين سنة ١٩٤٨م بسبعة جيوش عربية. ولو كانت جيشًا واحدًا مثل الجيش الذي قاده صلاح الدين، الجيش الذي قام من سوريا ليعاون المصريين ضد غزو الصليبيين، والجيش الذي قام لصد التتار بعد أن عبروا الفرات لكانت قد انتصرت. فالصليبية الجديدة هو الانتداب. فوضعت فلسطين تحت الانتداب من أجل القضاء على القومية العربية بطريقة جديدة. لم تنتهِ الحملات الصليبية للقضاء على القومية العربية، وقامت أساطيل بريطانيا في ١٨٠١م وفي ١٨٠٧م ثم فشلت. ثم عادت الجيوش البريطانية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الجزء الأكبر منها إلى الصهيونية العميل الأول للاستعمار في الشرق الأوسط. وجاءت سنة ١٩٦٧م فإذا بالإمبريالية الأمريكية تمكن الصهيونية من الجزء الباقي من القدس، وتساعد إسرائيل على تنفيذ مؤامرة خطيرة ليست أول ما تعرضت له الأمة العربية. فإذا كان الاستعمار الصليبي مكث في القدس ٨٠ عامًا فإن ذلك لا يعني انتظار الاستعمار الصهيوني سبعين عامًا مماثلة بل يعني التصميم والإرادة والإصرار على التحرر.٨١
يثبت التاريخ القديم أن التفكك يسبب غزو البلاد وأن الوحدة هي سبب النصر. التفرق تهزمه الجيوش الصغيرة، والاتحاد يهزم الجيوش الكبيرة مثل جيوش فرنسا وإنجلترا من سنة ١١٨٠م إلى سنة ١٩٥٧م. فقيام الجمهورية العربية المتحدة هو طريق الانتصار كما يثبت التاريخ القديم. فما من مرة تتحد فيها سوريا ومصر إلا وتثبت دعائم القومية العربية. إن أي عربي ينظر في تاريخه ينادي بالوحدة ويشعر أن في الوحدة تحقيق الآمال، ودرء الأخطار، وتثبيت دعائم القومية العربية، والتغلب على دسائس الاستعمار. يعيد التاريخ نفسه عندما يلتقي الشعب العربي في مصر بالشعب العربي في سوريا. وتعقد الأمة إرادتها على أن تعيد التاريخ فتحرر أرضها. هذا هو درس الماضي ودرس الحاضر ودرس المستقبل أيضًا.٨٢
لقد كشف ناصر عن تستر الحملات الصليبية تحت اسم الدين من أجل الاستعمار والسيطرة واستغلال شعار الصليب الذي كان في حقيقة الأمر وسيلة لإخفاء الاستعمار. وبيَّن أن الحملات الصليبية هي في الأصل استعمار اتخذ شعار الصليب. لقد هاجم الاستعمار تحت اسم الحروب الصليبية وكان يلاقي بعض النجاح. كان الاستعمار الصليبي يتستر تحت اسم الدين ويقول إنه يريد أن يؤمِّن بيت المقدس. وتعرضت سوريا للعدوان. واحتل الاستعمار الصليبي أجزاءً منها. ولكن لم يكتفِ باحتلال القدس بل اتجه إلى مصر واستمر الغزاة في القدس ٨٨ سنة. هذه الغزوات لا تهدف أبدًا إلى رفع شأن الدين ولكنها استعمار تحت اسم الدين. كان من الواضح أن اسم الدين هو اسم مزيف. وكان من الواضح أيضًا من الحملة الصليبية التي وجهت إلى المنصورة أن لويس التاسع الذي تستر تحت اسم الحروب الصليبية لا يمت بأي حال من الأحوال إلى الدين، ولكنه يتجه إلى السيطرة على هذا البلد وخيراته. ففي رد لويس التاسع إلى الملك الصالح الذي كان يحكم البلاد قال لويس بالحرف الواحد: «إلى الملك الصالح. إنه غير خافٍ عنك أن أهل جزائر الأندلس يحملون إلينا الأموال والهدايا، ونحن نسوقهم سوق البعير، ونقتل منهم الرجال، ونرمل النساء، ونأسر البنات والصبيان، ونخلي منهم الديار. وقد أبديت لك النصح. فلو حلفت بكل الإيمان، وحملت قدامي الشمع ساعة للصلبان ما ردني ذلك عن الوصول إليك وقتالك في أعز البقاع لك.» وقال لويس أيضًا: «فإذا أصبحت هذه البلاد لي – أي مصر – فتكون هدية في يدي»، أي إنه كان يريد مصر. لقد رفع الصليبيون راية الصليب وكانت نيتهم الحقيقية هي الاستعمار والتعصب. أرادوا احتلال البلاد والسيطرة على مقدراتها وإخضاعها للسيطرة المعتدية من الخارج. هاجموا دمياط واحتلوها. وكانت قواتهم وأساطيلهم تعبر عن التعبئة الاستعمارية الصليبية في هذا الوقت لإخضاع هذه المنطقة من العالم. كان الصليبيون يضمرون في أنفسهم أمرًا، القضاء على القومية العربية، والسيطرة على بلاد العرب جميعًا، وإخضاع هذه البلاد لتكون لهم مزرعة يتمتعون بخيراتها.٨٣ منذ ٧٠٠ سنة دارت في المنصورة معركة فاصلة كانت نقطة تحول في الغارة الاستعمارية الأولى ضد المشرق العربي. وهي القارة التي تسترت وراء الصليبية، وحاولت أن تستخدم رسالة السماء التي حملها عيسى إخاءً وسلامًا بين البشر إلى سيطرة وعدوان واغتصاب واحتلال.٨٤

ولكن في مقابل ذلك لم يستعمل ناصر دين الإسلام مثلًا، في مواجهة دين المسيحية. ولم يدعُ إلى الجهاد الإسلامي في مواجهة الحملات الصليبية الجديدة. ولكنه دعا إلى الوحدة العربية وتوحيد مصر وسوريا بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة لا قبلها كتبرير سياسي لقيامها. ولم يفسر الإسلام تفسيرًا ثوريًّا بقدر ما واجه التستر الديني الصليبي بقيم علمانية خالصة مثل القومية العربية. لم يجعل تاريخ الوحدة العربية بين مصر وسوريا وسيلة لتحقيق الجمهورية العربية المتحدة بل لتبرير قيامها بعد أن قامت بالفعل. وهنا يسقط ناصر الحاضر على الماضي، ويؤوِّل الماضي بمفاهيم الحاضر. فلم تكن الحروب الصليبية ضد القومية العربية بل ضد المسلمين. ولم يدافع المسلمون بقيادة صلاح الدين عن العرب والعروبة بل عن الإسلام والمسلمين.

وقد برزت الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين خلال الحروب الصليبية. فلم ينخدع المسيحيون العرب باسم الحملات الصليبية لأنهم كانوا يؤمنون بالقومية العربية. وكانوا يؤمنون بأراضيهم وبسمائهم وبالبلاد التي ترعرعوا فيها. وقفوا جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين يدافعون عن فكرة القومية العربية. كانت الحملات الصليبية في الأصل استعمارًا تحت اسم الحملات الصليبية تهدف إلى السيطرة والتحكم. وقد فطن العرب الذين تظلهم فكرة القومية العربية إلى ذلك فقام المسلمون والمسيحيون في جميع أرجاء الأمة العربية يحاربون ويقاتلون وهم بهذا يدافعون عن فكرة واحدة معروفة، فكرة القومية العربية. منذ أكثر من سبعمائة عام هاجمت الحملات التعصبية سوريا وفلسطين ومصر، وقامت الأمة العربية التي اكتشفت نفسها، قام المسلم فيها والمسيحي جنبًا إلى جنب للدفاع عن وطنهم المقدس ضد السيطرة المعتدية المستعمرة المتعصبة من الخارج. فكانت الوحدة سبيل النجاة والحرية وطرد العدوان. لقد كان من الواضح للأمة العربية كلها مسلمين ومسيحيين أن هذه الغزوات لا تهدف أبدًا إلى رفع شأن الدين ولكنها استعمار تحت اسم الدين. فهب الشعب العربي واستطاع أن يقضي على الغزاة. كان من الواضح أن اسم الدين هو اسم مزيف. فإن إحدى الحملات الصليبية التي وجِّهت إلى الأمة العربية غيرت طريقها فسارت إلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وكانت في هذا الوقت تحمي المسيحية في الشرق. فهاجموا القسطنطينية ودمروها ونهبوا أموالها واحتلوها وهي في ذلك الوقت عاصمة المسيحية في الشرق! كان من الواضح لكل فرد مسلم ومسيحي أن هذه الحملات إنما هي حملات عدوانية استعمارية.٨٥ كانت تريد إثارة فتنة طائفية في البلاد العربية. وقالوا إنهم يحاربون الإسلام والمسلمين. فهب الشعب المسلم للدفاع عن وطنه، وهب معه الشعب العربي المسيحي ليدافع عن وطنه. ولم تنجح محاولات التفرقة بين أبناء الأمة. فالشعب المسلم يعيش في نفس الوقت مع أشقائه في العروبة من جميع الأديان في محبة وإخاء. لم يستطِع الاستعمار أن يفرق بين أفراد الشعب في الماضي. فالشعب يرفع راية الإسلام، ويرفع راية القومية العربية التي تجمع المسلم والمسيحي تحت راية الوطن الواحد.٨٦

(١٠) الوحدة الوطنية

ويظهر موضوع الوحدة الوطنية أكثر فأكثر كموضوع مستقل عن وحدة المسلمين والمسيحيين ضد الصليبيين كرد فعل على أحداث معاصرة سواء داخل مصر أو خارجها في لبنان. وبالرغم من قلة هذه الأحداث في العهد الناصري إلا أنها جعلت موضوع الوحدة الوطنية من الموضوعات البارزة في الفكر السياسي عند القادة. وكانت الطائفية قمة هذه الأحداث. والطائفية في مصر ليس لها أي اعتبار. فكل فرد في هذا المجتمع مواطن له حقوق وعليه واجبات، وعلى قدر جهده تكون له فرصة في العمل. والأعمال لا توزع على أساس طائفي. ويدخل الطلاب في الجامعات على أساس المجموع وليس على أساس الدين. فأبناء الوطن جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات والعمل. وإن الأبواق الأجنبية تزعم أن الاشتراكية في الجمهورية العربية المتحدة لا تراعي المساواة بين الطوائف في حين أنها تقوم على الكفاءة والعمل. وبالتالي أمكن القضاء على الطائفية قضاءً تامًّا فإذا فاز مائة مسيحي للدخول في الوظائف الكثيرة فإنهم يوظفون بصرف النظر عن الدين أو الطائفية. لقد حاول البعض تعديل هذا النظام ولكن الثورة لم تقبل. فلا فرق بين مصري ومصري، ومواطن ومواطن. وفي الوظائف الأخيرة التي استحدثت يوجد عدد ضخم من المسيحيين يبلغ أكثر من ٧٥٪ في بعض الأحيان. وإذا كانت الثورة تطلق مبادئ الدرس والجهد والعلم، فليس من المعقول استبعاد مصري مسيحي ونستبدل به مصريًّا مسلمًا تحت وطأة تفكير طائفي سخيف. التعيينات في الحكومة وفي القضاء بالأقدمية. وفي كل الطوائف الترقيات بالأقدمية لغاية الدرجة الأولى، وبالتالي منع التعصب والتلاعب. والتعيين في القضاء بالمجموع وليس بالدين. الدولة لا تنظر إلى الدين، والمجتمع لا ينظر إلى الدين ولكن ينظر إلى العمل وإلى الجهد وإلى الإنتاج وإلى الأخلاق. وبهذا نبني فعلًا المجتمع الذي نادت به الأديان السماوية التي نص الميثاق على احترامها. والمادة الرابعة والعشرون في الدستور تنص على أن المصريين أمام القانون سواء. وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.٨٧

وقد تعني الوحدة الوطنية أحيانًا وحدة قوى الشعب العامل أو وحدة التيارات الفكرية أو وحدة الأحزاب السياسية وذلك بعد حل الأحزاب في مصر أولًا ثم في سوريا ثانيًا بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة. ولكن الغالب عليها هو الوحدة الوطنية في مقابل الطائفية. فالثورة السياسية قضاء على الطائفية ونهاية لتجار الطائفية. أرادت فرنسا وهي تحتل سوريا أن تتاجر بالطائفية، وأن تشجع تجار الطائفية. ولكن الشعب الحر الواعي رفض أن ينقاد وراء تجارة الطائفية. فحارب المسلم والمسيحي الاستعمار، وأجلوا فرنسا. واستشهد المسلم والمسيحي، وسفك دم المسلم والمسيحي، سفك الدم العربي. لقد حاولت فرنسا تقسيم الشعب بالطائفية. ولكن الثورة السياسية قضت على أساليب فرنسا وعملائها، ووحدت الشعب تحت راية الوحدة الوطنية. لم يستطع الاستعمار بذر بذور الفتنة الطائفية؛ لأن هناك أمة عربية واحدة تعمل من أجل تحقيق الأهداف العربية، وتقوم على الوحدة الوطنية.

وفي مصر حاول الاستعمار أن يستخدم الطائفية ليقسم الطبقة العاملة لتكون في خدمة الرجعية؛ لأن الطبقة العاملة إذا انقسمت على أساس الدين أو على أساس طائفي وتصارعت على أسس طائفية نسيت أهدافها الاجتماعية في إقامة العدالة والمساواة والرفاهية. وقد وعى الشعب المصري ذلك. ولم يستطِع الاستعمار والرجعية أن يستغل الطائفية لتقسيمه. لقد حاولت بعض العناصر منذ سنة ونصف استخدام الطائفية، وحاولوا استخدام بعض رجال الدين الذين كانوا في خدمة الرجعية. ولكن الشعب الواعي استطاع أن يكشف هذه الحركة ويقضي عليها تمامًا.٨٨
لم يعتمد ناصر كثيرًا على الوعظ الديني السياسي باللجوء إلى المحبة والإخاء، بل لجأ إلى تاريخ الوحدة الوطنية ومقاومة الاستعمار من المسلمين والمسيحيين على السواء، كما لجأ إلى القومية العربية التي تضم المسلمين والمسيحيين. إذ تقوم الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين على مبادئ الثورة، فالإسلام والمسيحية كلاهما ثورة. والثورة قامت على المحبة ولم تقم على الكراهية والتعصب. قامت تدعو للمساواة وتكافؤ الفرص. وهي المبادئ التي نادت بها الأديان، كما نادت الأديان بالعمل من أجل الفقراء والمساكين والعاملين. واستنكرت الاستغلال والاستعباد بكل معانيه. كان المسيح ضحية للاستعباد والاحتلال الروماني. وتقبل المسيحيون العذاب بصبر وإيمان. وكانوا بالرغم من ذلك يدعون إلى المحبة والإخاء. وكفاح محمد مثل كفاح المسيح. وعلى مر العصور كان المسيحيون والمسلمون إخوة دائمًا منذ عهد الرسول. وقد أشار القرآن إلى ذلك، أخوة عرضها الله على الشعب وحرم عليه التعصب. وحين دخل الإسلام مصر استمرت المحبة بين الأقباط والمسلمين، ولم يتحول الأقباط عن دينهم قسرًا ولا عنفًا؛ لأن الإسلام لم يعترف بالقسر والعنف بل اعترف بأهل الكتاب وبالمسيحيين، إخوة في الدين وإخوة في الله. هذا هو مفهوم الثورة للدين. بالمحبة والإخاء والمساواة وتكافؤ الفرص يخلق الوطن القوي الذي لا يعرف الطائفية ولا يحس بها بل يشعر بالوطنية التي يشعر بها الجندي في ميدان القتال. في فلسطين في ١٩٤٨م كان المسلم يسير جنبًا لجنب مع المسيحي، ولم تكن رصاصة الأعداء تفرق بين المسلم والمسيحي. وحينما تعرضت مصر للعدوان في ١٩٥٦م وضربت بورسعيد لم تفرق القنابل بين المسلم والمسيحي، فكلاهما أبناء مصر.٨٩ ولكن في كل مجتمع يوجد الطيب والخبيث، السليم وغير السليم. فتنشأ المشاكل والعقبات من فئة المتعصبين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، فتحدث المشادات في بعض القرى. فيتعصب مسلم فيثير الناس أو يتعصب مسيحي فيثير الناس، فيتعادى الإخوان. ولكنها حوادث قليلة، والدين الإسلامي بعيد عن التعصب. هذه الحوادث القليلة ليست ظاهرة عامة. إنما الواجب هو دعوة المتعصبين إلى العدائية سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين. إذا تعصب المسلمون وشذوا فلا يتعصب المسيحيون، وإذا تعصب المسيحيون وشذوا فلا يتعصب المسلمون. فالمتعصب المسلم لا يمثل اتجاه المسلمين والمتعصب المسيحي لا يمثل اتجاه المسيحيين. إنما هي حوادث فردية من شواذ. وقد عُرفت مصر بخلوها من الطائفية والتعصب والانقسام. هذه قضية وطنية، وقضية بناء المجتمع. ويستطيع العقلاء حل هذه المشاكل الصغيرة التي تظهر بين الحين والآخر في مكان ناءٍ أو قرية صغيرة. لقد خلق الله العالم وخلق معه التعصب والمتعصبين وسينتهي العالم ويقل التعصب والمتعصبون. ولكن مهمة العقلاء التخفيف من حدة التعصب وعدد المتعصبين. لقد بنيت الوحدة الوطنية بالدم سنة ١٩١٩م وقبلها، وكان على كل مواطن أن يشعر بأن هذا البلد بلد المسلم والمسيحي على السواء.

ويبدو أن من عيوب الوعظ السياسي الديني السياسي أنه تغيب عنه التحليلات الاجتماعية. يلجأ ناصر إلى الطبيعة البشرية، فيجد فيها الخبيث والطيب، ويلجأ إلى المجتمع البشري فيجد فيه المتعصب والمتسامح، وكأن الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغير، بها صفات أزلية أبدية في حين أن التعصب ينشأ من ظروف نفسية واجتماعية معينة، مثل وجود الأقليات وسط الأغلبية، والجهل الديني للأغلبية، وإيذاء شعور الأقليات بمظاهر النفاق الديني، والسيطرة الاقتصادية للأقليات تعويضًا عن النقص. كما يعالج ناصر المشكلة عن طريق حكمة العقلاء في مقابل جنون المتعصبين دون تغيير للأوضاع الاجتماعية ذاتها التي نشأ فيها التعصب. لذلك لم تنتهِ مظاهر التعصب حتى الآن وفي كل مرة تتم مواجهة المظاهر بالوعظ الديني السياسي لأن الواقع الاجتماعي نفسه لم يتغير.

ويظهر موضوع الوحدة الوطنية بعد ١٩٧٠م بصورة متكررة دون معالجته بطريقة موضوعية ومعرفة أسباب نشوب هذه الحوادث الطائفية بين الحين والآخر، وذلك لضعف النظام السياسي، واحتكاره للقضية. وتلهية الشعب عنها. تذكر مبادئ عامة عن السماحة، والحرية في العقيدة، والمساواة، والتعاون، والمحبة، والانفتاح العاطفي. يجتمع المسلمون على دينهم من غير عدوان على أحد لدراسة الإسلام دون التعريض بالديانات الأخرى؛ لأن الإسلام قائم على السماحة وعلى حرية العقل والقلب؛ ولأنه يعترف بالأديان السماوية التي سبقته وبكتبها المنزلة. ولا يكمل إيمان المسلم إلا بإيمانه بما بعث الله من رسل، وأنزل من شرائع. جاء الإسلام ليوحد البشر لا ليفرقهم. وليؤاخي بين الناس لا ليعادي بينهم، وليرفع لواء الحرية في العقيدة لا ليكره الناس على عقيدة. وقد سوى الإسلام بين الحقوق والمعاملات، بين المسلمين والمخالطين لهم من النصارى واليهود حتى إن بعضهم تولى الحكم ونهض بأعباء الوزارة في فترات شتى من التاريخ. لا يمكن السماح بتمزيق الوحدة المقدسة تحت أي شعار أو ضغوط طائفية بين الجمعيات الإسلامية والمسيحية، وهذه الوحدة الوطنية سمة أصيلة من سمات المجتمع المصري وهي التي استطاعت أن تقضي على الفتن على مر العصور. إن تعاليم الإسلام السامية ومثله العالية وتاريخه المجيد وسماحته العظمى هي التي أفاءت ظلالها على المسلمين وغير المسلمين. إن الطائفية غربية على بلد كان دوره الإسلامي القيادي حقيقة لا تنازع. وكان الوجود المسيحي فيه من قبل الإسلام ومن بعده إخاء ووطنية غير قابلة للاستغلال والتحريض. كان الأزهر منارة الإسلام، والبطريركية القبطية قلعة المسيحية العتيدة في الشرق. يظل هذا الوطن مؤمنًا برسالات السماء مخلصًا مؤمنًا عارفًا بالحق متوسطًا بالهدى متوجهًا إلى الله حاملًا لكتبه المقدسة. كان الوطن دائمًا من القلاع الحصينة في الدفاع عن الدين قبل الإسلام وبعده. بل إن الدين كان لديه في عصور طويلة دعاة الوطنية ذاتها. فكل طائفية ردة وشكوك والوحدانية رباط مقدس.٩٠
وتفسر حوادث الشغب الطائفية على أنها من فعل المندسين والعملاء وطلاب السلطة والمناصرين والماركسيين من أجل تفتيت الوحدة الوطنية. يقوم هؤلاء بالتشكيك في الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط ويوزعون منشورات تسيء إلى المسلمين ومنشورات تسيء إلى الأقباط قادمة من خارج البلاد وبالتحديد من الولايات المتحدة. وهو جزء من الحرب النفسية باستغلال الغطاء السطحي للتوتر الطائفي العام وإثارته من خارج البلاد. وردًّا على سؤال أن تكون لإثيوبيا والسودان ولجهات لبنانية علاقة بالفتنة الطائفية في مصر، أجاب الرئيس بأنها حتمًا من خارج البلاد. وهناك وثائق شاهدها شيخ الأزهر وبابا الأقباط تؤكد أن مخططها وضع في أمريكا وكندا بالذات، وأن الطائفية في مصر دائمًا أمر مفتعل لأنها ليست من أصالة الشعب في شيء.٩١

ويأتي الاستشهاد من جديد بالحروب الصليبية على التستر بالدين من جانب الغزاة وعلى الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة. فقد شهدت المنطقة ثلاث غزوات عنصرية تعتبر الدين ستارًا وواجهة للتمويه والتغطية: التتار، والصليبيون، وإسرائيل. وفي مصر لا يستطيع أحد أن يعرف ضريح المسلم من ضريح المسيحي لأنهم متعانقون جميعًا في قبورهم نتيجة شعورهم بوحدة وطنية كاملة. وقد واجه الشعب الغزوتين اللتين ليس فيهما شيء من الدين لمناعة وسلامة التفكير والصفوف المرصوصة. وعندما انتصر الشعب على المستعمرين الذين استغلوا اسم الصليب لأهداف توسعية وتجارية واقتصادية منعوا أقباط مصر من زيارة القدس لأنهم لم ينصروهم ضد وطنهم. وقد كتب أحد المؤرخين وقتذاك ما نصه: «ولم يكن حزن الأقباط في مصر بأقل من حزن المسلمين. لهذا قضى مسيحيو أوروبا على أقباط مصر بحرمانهم من الحج إلى القدس.» وهذا يبين عمق الوحدة الوطنية، والترفع عن التفرقة الدينية في مصر. وسيواجه الشعب الغزوة العنصرية الإسرائيلية الشرسة كما واجه الغزوتين السابقتين.

ليس هذا هو الوقت المناسب لإثارة الطائفية. لقد دعا النبي محمد كما دعا المسيح ومن سبقهما من الأنبياء إلى الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح. وإذا كان لأهل كل دين عقائدهم وأساليبهم في الإيمان في ظل من الحرية الدينية فإن واجب الشعب كمجتمع إنساني كبير أن يكون له أسلوبه المتقارب والموحد في العمل الصالح من أجل الإنسان ومستقبله. وفي مصر والعالم العربي هناك سماحة وأخوة بأمر الدين. تتعانق المآذن وأبراج الكنائس، ويتعانق الشيخ والقس، ويتعاون الأساتذة المسلمون والمسيحيون في وحدة ومحبة، ويشاركون في مؤتمرات دولية إسلامية ومسيحية بالرغم مما عانت بعض أجزاء العالم المسيحي الإسلامي قرونًا من بعض سوء الفهم. إن العدو لا يفرق بين المساجد والكنائس في الهدم، ولكن الأمة بعنصريها قادرة على رد الغزوة الاستعمارية المتسترة بالصليب.٩٢ وقد كانت سنة النبي عدم التعرض للعابدين يهودًا ونصارى في كنائسهم وصوامعهم. يقوم الإسلام على السماحة والمودة والعلاقات الطيبة والصلات الإنسانية بين المسلمين وغير المسلمين. فلا تعصب في الإسلام لمخالف في الدين. ولا بغضاء في الإسلام لمغاير في العقيدة. ولا إكراه في الإسلام على اعتناق الإسلام. بل الجميع أحرار في عقائدهم وفي عبادتهم لأن الإسلام دين الحرية والعقل والعلم. إن الحوادث الطائفية مثل بعض الحوادث الطلابية ليست ظواهر شعبية عامة. فإذا كان الشعب المصري متدينًا بطبيعته فإنه أيضًا متسامح بطبيعته. آمن دائمًا بأن الدين لله والوطن للجميع، وآمن دائمًا بوحدة عنصري الأمة. ولكنه كان دائمًا يرفض التعصب والشعوذة أو استخدام الدين لأغراض سياسية. كانت مصر دائمًا حصنًا للإسلام سواء بالمعنى العسكري دفاعًا عن بلاد المسلمين أو بالمعنى الثقافي بإقامتها لمنابر الدين وحفظها لتراثه وتدريسها لكل مذاهبه واتجاهاته. فهي ليست في حاجة إلى من يعلمها شيئًا في هذا المجال، وهي تلفظ كل دعاة التعصب والشعوذة التي هي ضد جوهر الدين. وسوف تظل وحدة الشعب المصري دائمًا أقوى حصونه وأمضى أسلحته. وعلى الأمة العربية هبطت الأديان السماوية جميعها ومنها خرجت كل الرسل والأنبياء. إن أول ما يتصف به المجتمع هو التسامح والبعد عن التعصب في شتى صوره، سواء أكان دينيًّا أم مذهبيًّا، وتلك خاصية تتجلى في أقوى مظاهرها في المجتمع المصري حيث تعايشت الأجناس والثقافات والعقائد المتنوعة جنبًا إلى جنب. يفتتح الرئيس مسجدًا ثم يمر على كنيسة على بُعد خطوات ليثبت وحدة الأمة وقوتها ودون تمييز عنصري أو ديني.٩٣
وفي الفن المصري القديم ثم الفن القبطي ثم الفن الإسلامي تظهر روح الشعب الواحد. وقد اعتنق الإسلام كل العرب في مصر وسوريا والعراق وصقلية والأندلس والمغرب والجزائر وتونس وإيران وتركيا وشعوب أخرى كثيرة لأن الإسلام يوحد بين الشعوب.٩٤
وتبلغ الفتنة الطائفية الذروة في لحظات الضعف وعدم قدرة النظام السياسي على حل المشاكل المصيرية التي تمر بها البلاد في الداخل والخارج. فقد عقد الرئيس اجتماعًا في ٨/ ٢/ ١٩٧٧م مع القيادات الدينية من أجل تغطية الموقف السياسي والخطابة في خطورة الفتنة الطائفية دون اللجوء إلى أسبابها الاجتماعية والسياسية، بل والحديث عن التاريخ القديم. ويحيل الموضوع إلى رجال الدين باعتبارهم المسئولين عن الشرائع على هذه الأرض، شرائع السماء، المسيحية السمحة والإسلام السمح. تعرض الوطن إلى فتنة طائفية وهو لم يعرف أبدًا إلا الإيمان. فكان الإيمان زاده في مواجهة مواقف كثيرة عبر تاريخه. اعتدى عليه مستعمرون كثيرون فكان الإيمان أول أسلحة الشعب. إن محاولة الوقيعة بين عنصري الأمة لهو ضد السماحة الدينية للمسيحية والإسلام. لم تظهر في مصر أبدًا طائفية كالتي تظهر أحيانًا في بعض البلاد العربية. إن الإيمان الديني أصيل في الشعب المصري، بينما الصراع الديني والتوتر ليس أصيلًا أبدًا. ذلك لأن الوطن من قديم الزمان وطن السماحة والإخاء، وفي أبنائه هذا الحس العميق الذي يستطيعون به أن يميزوا بدقة بين جوهر الدين في صفائه وبين التعصب في جموحه. وهناك نماذج كثيرة على ذلك من دخول المسيحية مصر على الصعيد الشعبي ثم عن طريق الانتشار الهادئ، بينما كان العنف من الحكم الروماني. وقد دخل الإسلام مصر بالصورة نفسها، انتشارًا هادئًا وبقيت المسيحية. وإلى هذا اليوم لا يعرف الريف في مصر إلا التقويمين القبطي والهجري، فنضبط عليهما أمور الزراعة وأمور الدين مثل الصيام والحج. أما التقويم الميلادي فلا تعرفه إلا المدن. هذه هي صورة التعاون الإسلامي المسيحي الذي يبدو عندما يتعرض الوطن لامتحان رهيب كما حدث في عهد الحروب الصليبية، فقد أتى الصليبيون تحت ستار الصليب. ولكن أقباط مصر ومسيحيي مصر وقفوا أمام مسيحيي أوروبا يصدون الغزو عن مصر التي تتكون من مسلمين وأقباط. وقد ذكر د. وليم سليمان في كتابه «الكنيسة المصرية في وجه الاستعمار والصهيونية» أن الصليبيين كانوا صورة جديدة للارتباط بين الدين والسياسة، والاستعمار هو التجسيد المادي للنظرة الغربية السائدة في عهدهم نحو الدين. لقد اندفع أمراء غرب أوروبا وفرسانها في هذه الحروب طمعًا في تحقيق جاه دنيوي أو نفوذ سياسي لا يجدونه في بلادهم لعجزهم عن مواصلة حكم الإمارات لأمتهم. وفي كتاب إيزيس حبيب عن «قصة الكنيسة القبطية» مقدمة لأستاذ جامعي مسلم. كما اعتمد د. وليم سليمان على كتب إسلامية. هذه هي مصر السمحة التي يتعاون فيها عنصرا الأمة، الأرض التي تتعانق عليها مآذن الجوامع وقباب الكنائس، أرض السماحة والحب والإخاء. لم ينسَ أبناء مصر قط الدرس الذي تلقوه في الدين والسياسة عن الإمبراطورية المسيحية ابتداءً من القرن الرابع الميلادي. ولهذا أعرض الأقباط تمامًا عن النظر إلى الغزاة على أنهم مسيحيون يربطهم بهم ارتباط واحد. وقد روى الأقباط أنفسهم في تاريخ الكنيسة المصرية أن الصليبيين حاولوا أخذ مصر ولكنهم فشلوا. ولشدة غيظهم من عدم مساعدة الأقباط لهم أصدروا قانونًا يمنع أقباط مصر من زيارة القبر المقدس. لما احتل الصليبيون القدس منعوا النصارى المصريين من الحج إلى هذه المدينة بدعوى أنهم ملحدون. فلم يكن حزن الأقباط بأقل من حزن المسلمين جميعًا. هذه هي مصر في الأزمات والغزوات والهجمات. وقد ذكر د. محمد عبد العزيز مرزوق في كتابه «الناصر قلاوون» وكما يروي د. وليم سليمان أن مسيحيي أوروبا اتخذوا من المسيح ستارًا في اندفاعهم نحو الشرق لتخليص بيت المقدس من أيدي المسلمين في هذه الحرب التي كان ظاهرها الدين وباطنها الدنيا والرغبة في السيطرة. لم يتحرك أقباط مصر. وقف المسلمون مع المسيحيين على طول تاريخ مصر صفًّا واحدًا، اختلطت دماؤهم ورفاتهم وتجاورت قبورهم في هذا الوادي الطيب الأخضر. هناك ثقة متبادلة ووحدة وطنية. جذور الإيمان والسماحة والمحبة تروي النفوس كما يرويها ماء النيل دون تفرقة بين مسلم ومسيحي. ونجد صورة الوحدة في الإنجيل والقرآن. فقد قال المسيح مخاطبًا تلاميذه «هذه هي وصية: إنه ليحب بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم» (يوحنا). ويعرض المسيح الأولوية للرسالة والحب على تقديم القربان ويقول: «إن قدمت لله قربانًا وذكرت أن لأخيك عليك شيئًا فضع قربانك عند المذبح وامضِ وصالح أخاك ثم ائت وقدم قربانك» (متى). وفي القرآن: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وقوله أيضًا: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا.٩٥ وهكذا نجد ما اعتبره عبد الناصر دليلًا على القومية العربية وهي في حالة المد اعتبره السادات دليلًا على الوحدة الوطنية وهي في حالة الجذر. يستشهد عبد الناصر من تجربة التاريخ التي يعيشها، ويستشهد السادات بمجموعة من الدراسات تم تجميعها له ليوحي بأنه يعتمد في ثقافته وممارسته السياسية على الدراسة والبحث.
ويحيل الرئيس الموضوع إلى رجال الدين، وهي الجهة المسئولة عن الفتنة الطائفية. وينصحها بالعناية بالتربية الدينية وجعلها مادة إجبارية في المدارس للسقوط والنجاح بدءًا من العام المقبل، والاستعداد لذلك بالمدرسين والكتب المكتوبة بأسلوب عصري. فالطريقة القديمة بالية، ولا بد من مواجهة مشاكل العصر لإدخال القيم والدين والإيمان في نفوس الأطفال من بدء حياتهم حتى الجامعة. وعلى مجلس الوزراء بحث هذا الموضوع، والاستعداد بالمدرسين المسلمين مع المسيحيين لتدريس الدين بأسلوب جديد نواجه به مشاكل العصر. على رجال الدين الواجب الأساسي وهو إعادة الإيمان والسماحة والحب، والقضاء على الحقد الذي يسري في بعض النفوس.٩٦ إن هذه الحوادث المتفرقة التي حدثت في الفيوم وأسيوط مسئولية رجال الدين الإسلامي والمسيحي لمواجهتها على مستوى المسئولية الوطنية. وهي حوادث قليلة في أرض الرسالات والأنبياء. وقد اجتمع الرئيس بأعضاء مجمع البحوث الإسلامية بزعامة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر. واجتمع في نفس اليوم بأعضاء المجمع المقدس للأقباط الأرثوذكس برئاسة بابا الأقباط. إن واجب كل فرد أن يتعصب من أجل الدين وليس في ظل الدين. التعصب من أجل الدين هو الإيمان والعبادة والالتزام بفضائل السماء. والتعصب في ظل الدين هو التقويض لما تدعو له كل الأديان من مبادئ وقيم وفضائل. التعصب من أجل الدين هو المزيد من الحب والإخاء والتعاطف والتماسك. والتعصب في ظل الدين هو الإثارة للحقد والبغضاء وإشاعة روح الانقسام. لقد لعبت الأصابع الخفية السوداء دورها للتفرقة والوقيعة في المنطقة العربية كلها، وتعرضت لبوادر فتنة طائفية منذ ١٩٧٢م. وكان من الممكن اتباعًا لنصيحة دعاة الفردية الاكتفاء بالتدخل الشخصي من الرئيس مع قيادات الدين الإسلامي والمسيحي للتنبيه والكشف لما يدبر في الخفاء من أعداء الدين. ولكن عرض الموضوع كله أمام الشعب المؤمن مسلمين وأقباطًا في سماحة وصفاء فيه قضاء للفتنة قبل أن تولد. وبعد حوادث ١٨-١٩ يناير تمت دعوة قيادات الدين الإسلامي والمسيحي لأول مرة في تاريخ مصر معًا لتأكيد الوحدة الوطنية.

ويرجع الرئيس الطائفية الدينية إلى ظهور النعرة الدينية والتعصب والمغالاة في المظاهر، وهذه رد فعل على سيطرة المادية والإلحاد على أجهزة الإعلام. بالتالي يكون السبب الأساسي والأول لكل المآسي والشرور المادية والإلحاد التي تسبب التعصب الديني كما ظهر في التكفير والهجرة والذي يسبب بدوره تعصب كل طائفة لدينها فتظهر الطائفية، فالماركسية هي المسئولة عن الطائفية!

وقد بلغت ذروة الفتنة الطائفية في لبنان في الحرب الأهلية التي اندلعت في ١٩٧٥م. وقد وجه الرئيس نداءً إلى بيير الجميل كي لا تتحول المعركة في لبنان إلى معركة طائفية. فلم تعرف المنطقة العربية وفيها لبنان إلا التسامح الديني. وقد كانت مهبطًا لكل الأديان. والاقتتال في لبنان إذا كان يبتدئ أحيانًا في لون طائفي إلا أنه لا يمكن أن يكون في جوهره كذلك. فقد عرفت لبنان تعايش الطوائف وتداخلها وامتزاجها قرنًا بعد قرن، نموذجًا للتعايش بين الطوائف والمذاهب.٩٧ وردًّا على سؤال عما إذا كانت الخلافات الدينية هي السبب الأساسي في الصراع الحالي في لبنان وعن احتمال انفصال المسيحيين في بلدة مثل جونيه وإقامتهم لدولة مستقلة مثل إمارة موناكو أجاب الرئيس بأن ما حدث في لبنان لم يكن على الإطلاق صراعًا بين المسلمين والمسيحيين، بل هو صراع بين اللبنانيين أنفسهم، ثم بينهم وبين الفلسطينيين. لكن للأسف دعاة التفرقة يصورون الصراع على أنه بين المسيحيين والمسلمين.٩٨
ويستخدم السادات الوحدة الوطنية بمعنى إلغاء الصراع الطبقي وليس بمعنى القضاء على الطائفية أي استغلال مفهوم شرعي من أجل القضاء على وضع لا شرعي.٩٩ مما يدل على أن هدفه البعيد كان في تعتيم الصراع الطبقي الذي بدأ في التفاقم بعد وفاة عبد الناصر. بل إن كثيرًا ما قام هو نفسه بتدبير حوادث طائفية (حادثة الخانكة) من أجل ضرب الوحدة الوطنية، وانتهاز الفرصة لضرب الخصوم السياسيين تذرعًا بالطائفية كما حدث في مذبحة سبتمبر ١٩٨١م.

(ب) المرحلة الثانية: الدين والتنمية المستقلة ١٩٦١–١٩٦٦م

(١) الاشتراكية والإسلام

(أ) الإسلام أول دين اشتراكي. إن معركة الاشتراكية والدين هي أهم المعارك على الإطلاق في سنوات الثورة المصرية التي ظهر فيها الدين للهجوم على الاشتراكية أو الدفاع عنها. وقد ظهرت المعركة بعد قوانين يوليو الاشتراكية في ١٩٦١م، واستمرت حتى بداية معركة أخرى في سنة ١٩٦٥م، هي معركة الحلف الإسلامي، وبعد استتباب النظام الاشتراكي في مصر.

ولقد بدأت المشكلة من خارج مصر، بدأت من العقلية الغربية التي ترى في كل صورة تقدمية خطرًا شيوعيًّا حتى ولو لم تتبنَّ الثورة بعد النظام الاشتراكي. فبعد انتصار الثورة على العدوان الثلاثي في ١٩٥٦م سأل مراسل صحيفة التمبو الإيطالية ناصر: هل هناك تشابه في المبادئ بين الدين الإسلامي الذي تقوم عليه سياسة الدول العربية وبين المذهب الماركسي؟ وهل التهجم على الدين هو السبب في أن العرب لا يعتنقون الشيوعية؟ ورد ناصر قائلًا بأن الدين الإسلامي دين غالبية العرب قد بين بوضوح القواعد التي يقوم عليها التعاون بين البشر. فلا حاجة إذن إلى مبادئ جديدة، سواء كانت شيوعية أم من أي نوع آخر، يعتنقها المسلمون. لقد شرع الدين الإسلامي لمجتمع مسلم، ولا يرغب المسلمون في استبدال مبادئ هذا الدين أو تشريعاته بأية مبادئ أو تشريعات أخرى. كان السؤال إذن يدور حول موضوع الانحياز للشرق أو الغرب خشية أن تكون الثورة المصرية بطابعها التقدمي ثورة شيوعية أو متجهة نحو المعسكر الشرقي. وتدل الإجابة على بذور موضوع الأفكار المستوردة الذي استعمل فيما بعد للهجوم على الماركسية وموضوع الحياد الإيجابي بين الكتلتين الذي سيصبح عصب السياسة الخارجية في الثورة المصرية.١٠٠ ثم يظهر الموضوع من جديد بمناسبة الخلاف بين مصر والعراق في عهد عبد الكريم قاسم واتجاه نظام الحكم في عهده اتجاهًا شيوعيًّا. ففي حديث مع الصحفي الهندي كرانجيا سأل الصحفي ناصر عن خطر الشيوعية على الإسلام والفتاوى الصادرة ضد الملحدين التي ضايقت الرأي العام في الهند والتي قد تسيء إلى حلفاء مصر من الهند ويوغوسلافيا كما قد تسيء إلى القومية العربية التي يتحتم عليها أن تراعي وجود أقليات كثيرة غير إسلامية. فأجاب ناصر بأن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة، وبأنه لم يستغل الإسلام لأغراض الدعاية. ومع ذلك فبناءً على كتبهم فإن لهم نظرة إلحادية غير إسلامية غريبة على كل مسلم، ثم حورت هذه الملاحظة لتتمشى مع الدعاية حول الإسلام والإلحاد. وليس للقيادة السياسية أية علاقة بما يصدر من فتاوى. كل إنسان يعبر عن وجهة نظره، الإسلامية أو المسيحية. وبالتالي تم الهجوم على الإلحاد الشيوعي. ليست مهمة الحكومة الدعاية، ولكن كل فرد حر في أن يعبر عن وجهة نظره من الناحية الدينية. وقد لاحظ نهرو أن الشيوعيين يقومون بما يشبه الحرب الدينية فيسببون رد فعل قويًّا لدى الشعب ذي المعتقدات الصحيحة. وهناك أنباء من العراق بأن القرآن قد مُزق وقُطع. وقد تركت هذه الأنباء أثرًا سيئًا في القاهرة ودمشق. ناصر نفسه رجل متدين يرفض الإلحاد. والتدين ليس مقصورًا على أداء الصلاة وزيارة المساجد بل يمتد إلى السلوك في الحياة ومبادئ الأخلاق والعلاقات مع الناس.١٠١
تنكر القيادة السياسية أنها استعملت الدين لأغراض الدعاية. وهذا صحيح من حيث الفعل وليس من حيث رد الفعل. فقد هوجمت الثورة من الناحية الدينية خاصة من الرجعية العربية، فاضطرت لاستعمال نفس السلاح، فكان استعمال الثورة للدين نوعًا من آليات الدفاع أو الهجوم من حيث إن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع. ولكن تعيين كبار رجال الدين، ووضعهم كموظفين في الدولة يجعلهم يسارعون في تبرير مواقف السلطة السياسية حتى ولو لم يطلب منهم ذلك، مستخدمين الدين أيضًا في الدفاع عن مواقف السلطة وقراراتها ومهاجمة أعدائها وخصومها. لذلك اطمأنت السلطة السياسية وتظاهرت بأنها ليست وراء الفتاوى واتهام الشيوعية بالكفر والإلحاد، وأنها لا تمنع أي إنسان من التعبير عن وجهة نظره من الناحية الدينية لأنها بالفعل تطلق العنان في حرية تامة لرجال الدين لتأييد مواقفها السياسية. فظهرت حرية التعبير عن الرأي الواحد المؤيد للسلطة وليس للرأي المعارض المناهض لقراراتها، والذي لا يتهم نظام الحكم في العراق بالكفر والإلحاد. ويبدو أن السلاح الذي استعملته السلطة السياسية في مصر ضد نظام الحكم في العراق قد استعمله فيصل فيما بعد قرارات يوليو الاشتراكية ضد نظام الحكم في مصر. ولكن السلطة السياسية في مصر هي التي بدأت بإلصاق هذه التهم (الكفر والإلحاد) مستعملة سلاح الدين. ويظهر موضوع الإسلام والماركسية بعد قرارات يوليو الاشتراكية بعام واحد وذلك في المناقشات الخاصة بإقرار الميثاق الوطني، وذلك لتوضيح خصوصية الاشتراكية العربية والفرق بينها وبين الماركسية اللينينية. وأول هذه الفروق هو أن الاشتراكية العربية تؤمن بالدين وبالرسل في حين أن الماركسية تنكر الدين والرسل. الاشتراكية العربية تؤمن بالله إيمانًا لا يتزعزع في حين أن الشيوعية تتنكر للأديان وتعتبرها أفيون الشعب. والاشتراكية هي الاشتراكية العلمية أي التي تقوم على العلم لا على الفوضى أو المادية أو الماركسية. ولأنها اشتراكية تقوم على الدين فالدين الإسلامي دين اشتراكي. وإن الإسلام في «القرون الوسطى» حقق أول تجربة اشتراكية في العالم. الخلاف المبدئي إذن على الشيوعية أنها لا تؤمن بالدين. أما الاشتراكية في مصر فإنها تؤمن بالدين وبحرية الأديان.١٠٢ وحين تحدثت الثورة عن الكفاية لم تتجه إلى الأساس المادي ونسيت الأساس الروحي الديني والفكري، بل احترمت الإنسان وحق الإنسان في الحياة كإنسان. وبعد ١٩٧٠م يركز النظام على هذا الفرق الجوهري وهو الدين. فالماركسية ترفض الدين. وبالرغم من ادعائها بأن هذا الكلام قد تغير وتطور إلا أنه لم يصدر شيء رسمي من أصحاب النظرية المعنيين بها كلهم إجماعًا حتى يصرحوا للعالم كله بأن الماركسية قد تنازلت عن رأيها في الأديان! وكأن الماركسية دولة لها رئيس مسئول تصدر عنه التصريحات! ويحقق قانون الضرائب الجديد العدالة الاجتماعية كما أرادها الله وكما يقول في سورة الحديد: آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ. المال في الشريعة مال الله. لذلك توجب الدعوة كما أراد الله لعمران هذه الأرض، أن نكون مستخلفين على هذا المال. لا بد من وضع الحدود التي تسوي وتوزع ما بين الناس بحق الله. وليكن هذا على أساس فلسفة قانون الضرائب. فعلى الغني أن يتحمل أعباءً لا يستطيعها الفقير. إنها المسئولية وخوف من الله أن يحاسب كما نصت الشريعة عن عدم أخذ فضول الأغنياء لمساعدة الفقراء. بل وتذكر آية الاستخلاف: آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ.١٠٣

ولكن المعركة الحقيقية عن الدين والاشتراكية بوجه عام وعن الإسلام والاشتراكية بوجه خاص بدأت بعد قرارات يوليو الاشتراكية في سنة ١٩٦١م. وبصرف النظر عن دوافع هذه القرارات مثل الانفصال الذي وقع في فبراير ١٩٦١م فإن دخول الإسلام كأساس للاشتراكية كان أولًا محاولة غير مقصودة لسد النقص النظري عند السلطة السياسية لأنها لم تكن لديها نظرية اشتراكية متكاملة واضحة المعالم لتطبيقها. صدرت قرارات يوليو الاشتراكية كرد فعل على الانفصال. وكان لا بد من تأجيل هذه القرارات نظريًّا. لا تكفي حجة المصلحة العامة وحقوق الجماهير، ولكن لا بد من سند نظري وجدته السلطة السياسية في الدين، وهو البديل التقليدي عند الجماهير عن النظرية السياسية. ففي هذه المرحلة بدأ الحديث عن الإسلام دين الاشتراكية قبل هجوم الرجعية العربية على الاشتراكية. وكانت الاشتراكية تعني التأميم، تأميم الشركات الأجنبية، وتكوين النواة الأولى للقطاع العام.

فالإسلام في أول أيامه كان أول دولة اشتراكية، وكان محمد زعيم أول دولة اشتراكية، وأول من طبق سياسة التأميم في حديث «إن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار»، وقد أضاف البعض الآخر الملح، وهي المقومات الأساسية للمجتمع في ذلك الوقت الذي لا يجوز ملكها لشخص، وهذا لا يختلف عن التأميم. وبلغة العصر تكون المقومات الأساسية للمجتمع هي الصناعة والزراعة والتعدين وليس تجارة الوسطاء وهو نشاط اقتصادي غير منتج. وعندما مات النبي لم يكن يملك شيئًا ولم يترك أموالًا في سويسرا ولا في فرنسا ولا في الحجاز. مات وهو مدين يحاول سداد دينه كي يؤدي رسالته كاملة. ويقول شوقي في شعره: «الاشتراكيون أنت إمامهم»، يعني أن النبي محمد هو أول من طبق الاشتراكية في العالم. الإسلام أول من نادى بالاشتراكية. والرسالة التي نادت بها الثورة هي الاشتراكية، والاشتراكية هي أساس المساواة، أي ألا يتحكم فرد في فرد. دين الإسلام أول دين يدعو للاشتراكية والمساواة والقضاء على التحكم والسيطرة. كان محمد إمام الاشتراكيين. لم يجمع ثروة ولا مالًا. ولم يكن يعمل إلا لإرساء قواعد الإسلام. والإسلام لم يكن دينًا فقط ولكنه كان دنيا، كان ينظم العدالة على الأرض ويحث على المساواة، ويثير تكافؤ الفرص، وهذا كله يمكن التعبير عنه في كلمة واحدة؛ الاشتراكية.١٠٤ إذا نظرنا إلى الإسلام في أول أيام محمد ماذا كان يملك، وننظر اليوم إلى ملوك الرجعية ماذا يملكون! إنهم بهذا قد خرجوا عن دين الله يدافعون عن أنفسهم الدفاع الأخير لأن الاشتراكية شريعة العدل، والعدل شريعة الله، تمنع الاستعباد والاستغلال والاستبداد. لم يجعل محمد نفسه ملكًا. لم يأخذ أموالًا من المسلمين. أعطانا محمد المثل، كان قائدًا للمسلمين ورسولًا للمسلمين، ولكنه لما توفي لم يكن لديه شيء إلا ثوبه، باعه وتصدق به. لم يكن محمد ملكًا. ماذا كان يملك النبي وماذا يملك الآن فيصل؟ هو لا يمثل الإسلام لأن الإسلام يدعو إلى تقسيم الرغيف مع الإخوة. وهذا يعني في العصر الحديث الاشتراكي. وقد أنصف النبي أهل الفقر من أهل الغنى، وقد تم ذلك أيضًا في هذه الأيام.١٠٥
واستمرت الدولة الإسلامية الاشتراكية الأولى أيام أبي بكر وعمر. فقد أمم عمر الأرض ووزعها على الفلاحين. والإسلام عندما ذهب إلى العراق أخذ الأرض من الإقطاع وأعطاها للشعب. الشعب كان عبيدًا ولم يكونوا شركاء. هذه هي الاشتراكية. إذا نظرنا إلى الإسلام في عهده الأول في عهد عمر، كان عمر يعمل على ألا تكون هناك طبقية ولا يكون هناك فقر. ماذا كان يملك عمر؟ وماذا كان يملك أبو بكر؟ أما ملوك الرجعية وزعماؤها فإنهم يملكون كل شيء. يملكون أموال المسلمين لا أموالهم. تنهب الرجعية أموال المسلمين ثم تتمسح بالدين.١٠٦

وقد حارب أبو بكر مانعي الزكاة، وهي حروب الردة في الإسلام، فالردة عن الزكاة ردة عن الإسلام، ردة عن النظام الإسلامي كله وعلى الدعوة الإسلامية كلها. وهذا نموذج للثورة الاجتماعية التي لا بد أن تسير في طريقها ويتم تأمينها حتى تنتصر وتزال الفوارق بين الطبقات، وتقام العدالة الاجتماعية، وتقام الفرص المتكافئة بين الناس. لقد انتصر النبي، ورجع إلى مكة منتصرًا. وحدث خلاف في ذلك الوقت هل يتم العفو عن الذين ناهضوا الدعوة وقاوموها ووقفوا ضدها أم لا؟ فقال الرسول: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وقال أيضًا: «من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن». وكان هذا سبيل الثورة في بدايتها وهو سبيل الرسول عندما رجع من إحدى المعارك التي أصيب فيها «معركة أحد» وقال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». فكل دعوة لها مؤيدون ومعارضون، والمعارضون يتم العفو عنهم إذا ما تحولوا إلى الإسلام كما فعل عمر بن الخطاب عندما تحول من العداوة إلى التأييد، أو قتالهم كقتال أبي بكر مانعي الزكاة. يبدو أن السلطة السياسية هنا تقيم حجة لتأييد العنف الثوري فيما يتعلق بحقوق الفقراء في أموال الأغنياء بدليل حروب الردة وقتال مانعي الزكاة. هذا في الوقت الذي كانت تريد فيه الثورة تأمين القرارات الاشتراكية والتنظير لها وإضفاء الشرعية على التأميم. ولكن إذا ما أرادت اتجاهات أكثر تقدمية مثل الماركسية مزيدًا من التحول الاشتراكي بعد التحقق من المسافة بين القرارات المعلنة والنظم الفعلية، بين الأهداف المنصوبة وبين الواقع العملي، بين الشعارات الثورية وبين تطبيقاتها، اتهمت بالعنف الثوري وبأنها ضد السلام الاجتماعي. فالسلطة السياسية تستعمل العنف الثوري ضد الإقطاع والرجعية، وتستعمله أيضًا ضد المتقدمين عليها ممن يطالبون المتخلفين عنها بمزيد من التحول الاشتراكي.

وتنص جميع الديانات على العدالة الاجتماعية كما تنص جميع الديانات على الزكاة. ففي الإسلام تمثل الزكاة ربع العشر من المال الموجود في آخر كل سنة. ولما كان الإنسان يعيش أربعين أو خمسين سنة تمثل الزكاة ثروة طائلة يمكن استخدامها في صالح الجماعة. الزكاة أساس من أسس الاشتراكية لذلك لم يكن في الدولة الإسلامية في هذه الأيام فقراء أو عجزة بل كان هناك تكافل اجتماعي.١٠٧ وقد نصت اليهودية والمسيحية أيضًا على الزكاة التي هي تطبيق الأساس الاشتراكي السليم الصحيح. والدين الذي يأمر بتوزيع ربع العشر من رأس المال هو الدين الاشتراكي الحقيقي. الإسلام دين العدالة الاجتماعية لأن الإسلام حين نادى بالزكاة معنى هذا أن الإنسان أو الفرد الذي يدفع ٢٫٥٪ من أمواله يعطي أمواله في ٥٠ سنة للشعب وللدولة. هذه هي العدالة الاجتماعية، وهذه هي الاشتراكية. الدين فرض الزكاة ربع العشر على رأس المال. الدين الإسلامي يمكن تفسيره اشتراكيًّا لأنه بالفعل دين اشتراكي.١٠٨
إن الاشتراكية التي تنادي بها العدالة الاجتماعية هي ألا يتحكم فرد في رقاب الناس، ألا يتحكم فرد بالربا في إعطاء أمواله للناس. وحينما طبقت الاشتراكية كان أول شيء تم عمله هو القضاء على الربا في السلفيات الزراعية. هذه هي الاشتراكية. فمصر أول دولة تمنع الربا وفقًا لقواعد الإسلام بالنسبة لقطاع معين وهو السلفيات الزراعية، تعطي الفلاح سلفيات دون فوائد. هذه هي الاشتراكية.١٠٩
إن شريعة العدل هي شريعة الله التي نص عليها الدين الإسلامي. وحين أرادت الثورة تطبيق العدل لم تتنكر بأي حال من الأحوال لشريعة الله لأن الثورة تؤمن إيمانًا قلبيًّا بأن شريعة العدل هي شريعة الله.١١٠
ولكن رجال الدين يصدرون فتاوى لصالح الإقطاع بعد أن يقبضوا الثمن، ويؤيدون الملكية الفردية، ويحرمون المساس بها. «بعض المشايخ يروحوا كل واحد يخبط ديك رومي أو خروف عند الإقطاعيين ويطلع يدي فتوى، إن الملكية لا يمكن أن نقرب لها أو نمسها». إنهم لا يفكرون إلا في بطونهم، وهم بذلك أجراء للإقطاع وللرأسمالية.١١١ الدين عمل. كان النبي يعمل بيديه، وكل فرد كان يعمل، ولم يكن الدين تجارة.١١٢ ويتم تطبيق النظام الاشتراكي بالتدريج. وذلك يسمى مرحلة التحول الاشتراكي. وقد أرشد القرآن على حكمة التدريج وذلك لأنه لم يعطِ أحكامًا قاطعة محددة من اليوم الأول، مع أن الله قادر على ذلك، ولكنه أراد التعليم والدراية والاسترشاد. لم يحرم الخمر من أول مرة بل قال أولًا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ثم أشفعها بآية: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى وأخيرًا نزلت آية: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ. هذا هو دليل العمل، وعندما يحكي القرآن القصص التاريخي عائدًا إلى الماضي فإنه يعطي عظة وعبرة، ويذكر لنا درس التاريخ كما فعل في قصة عاد وثمود لمعرفة أسباب الطغيان ومصير الطغاة.١١٣
وفي خضم معركة الإسلام والاشتراكية قامت ثورة اليمن في ١٩٦٣م. وأصبحت الاشتراكية تعني التعاون والتضامن وهو ما يحدث بالفعل بين القبائل اليمنية لأن كل قبيلة مشتركة مع بعضها البعض ومتضامنة في كل شيء. فلا يوجد فرد يتحكم في كل شيء ويحرم الآخرين. القبيلة هي مجموعة تشترك في السراء والضراء، وتشترك في الحرب وفي السلم وفي العمل. هذه هي الاشتراكية التي تعني أن يكون الجميع سواء.١١٤
ليست الاشتراكية جوهر الإسلام وحده بل هي جوهر الأديان جميعًا. فالدين الإسلامي ينادي بالعدالة الاجتماعية والدين المسيحي ينادي أيضًا بالعدالة الاجتماعية.١١٥ وقد كثر المنظرون للاشتراكية والإسلام وانهمرت الكتب بالعشرات تبين اشتراكية الإسلام، والاشتراكية الروحية. وتشير الاشتراكية الديمقراطية أيضًا إلى قول المسيح: «لا ينفعك أن تخسر نفسك وتكسب العالم كله».١١٦ وقد قام المعهد الاشتراكي بجهد كبير في التعريف باشتراكية الإسلام في صورة محاضرات وندوات وحلقات بحث ونشرات.١١٧ كما خرجت معظم المجلات الدينية الشهرية بمقالات عن اشتراكية الإسلام.١١٨
واختفت المعركة كلية بعد ١٩٧٠م. ولم تعد هناك إلا كلمات عامة عن حق ولي الأمر في أخذ أموال الأغنياء وردها إلى الفقراء بالحسنى حتى يقضي على حجة الاشتراكيين ومعارضتهم للنظام، وكي يهاجم العنف والحقد. تعطي الشريعة لولي الأمر أن يطلب المال الزائد للدولة بلا حقد أو كراهية أو إذلال ودون امتهان لكرامة الناس كما كان الحال في لجنة تصفية الإقطاع في العهد الناصري.١١٩
وفي البحث الذي قدمه المجلس الأعلى للجامعات عن «الاشتراكية الديمقراطية» يظهر الدين كركن أساسي فيها، سواء في رأي الجامعات ككل أو في رأي كل جامعة على حدة. بل وتتبارى الجامعات، وتزايد على بعضها البعض بتملق الحس الديني عند القادة وللجماهير طمعًا في منصب، ما دام صاحب الرأي عميق الإيمان يوثق به في تربية الجماهير وقيادتها كما يهوى النظام السياسي. وقد كُتبت الورقة بحجة الاجتهاد ودون أجر، في حين أنها كُتبت بناءً على طلب السلطة السياسية.١٢٠
(ب) الرد على الرجعية العربية. وقد بدأ هجوم الرجعية العربية بعد الحركة الانفصالية. فقد اعترف الملك سعود وفيصل أن الرجعية ستنتصر، وأن الرشوة والأموال يمكنها أن تكسب المعركة. فبدءُوا حملاتهم ضد الثورة متمسحين بالإسلام.١٢١ ويبدو أن الهجوم على الاشتراكية من النظم الرجعية العربية في السعودية واليمن قد بدأ بعد الانفصال، فوجدت هذه الأنظمة الفرصة مواتية للهجوم على الثورة الاجتماعية في مصر، وهي مطعونة في الظهر. بدأ راديو مكة بعد الانفصال السوري حملة على مصر وعلى الاشتراكية، وبعد تطبيق النظام الاشتراكي في مصر ليخدع الشعوب باسم الدين.١٢٢ أعداء الإسلام والدين والتقدم يحاولون أن يفسروا الاشتراكية بمعانٍ غير المعاني التي تطبق بها فعلًا. وأن الحملة ضد الاشتراكية في البلاد العربية موجهة من تحالف رأس المال والإقطاع، وأيضًا من الاستعمار لأن الاستعمار في البلاد لم يتمكن إلا بالتحالف مع الإقطاع ورأس المال. واتخذوا من الدين ذريعة ليقولوا إن الاشتراكية ضد الدين.١٢٣ إذا كانت الاشتراكية هي المساواة بين الناس فقد نادى الدين بالمساواة. وإذا كانت الاشتراكية هي تكافؤ الفرص فقد نادى الدين بتكافؤ الفرص. وإذا كانت الاشتراكية هي رفع مستوى المعيشة فقد نادى الدين برفع مستوى المعيشة. وإذا كانت الاشتراكية تذويب الفوارق بين الطبقات فقد نادى الإسلام بتذويب الفوارق بين الطبقات. من الطبيعي أن تدافع الرجعية عن نفسها وتدافع عما سلبته من الشعب. في مصر قبل الثورة كان نصف في المائة يستولي على ٥٠٪ من الدخل القومي. فجاءت الثورة وقضت على هذا التوزيع الطبقي غير العادل، وأصبح الدخل القومي يوزع على كل الشعب، وقضت على الطبقة الرأسمالية والطبقة الإقطاعية. بهذا تطبق الثورة الإسلام. أما الذين يستغلون الناس، ويختزنون أموال الشعب تحت أي اسم من الأسماء، كيف يقولون إن هذا هو العدل؟ هذا هو الاستغلال. والإسلام لا يقر الاستغلال. وقد عبر الميثاق عن هذه الحقيقة في عبارتين: الأولى «إن جوهر الأديان يؤكد حق الإنسان في الحياة وفي الحرية. بل إن أساس الثواب والعقاب في الدين هو فرصة متكافئة لكل إنسان. إن كل بشر يبدأ حياته أمام خالقه الأعظم بصفحة بيضاء يخط فيها أعماله باختياره الحر، ولا يرضى الدين بطبقية تورث عقاب الفقر والجهل والمرض لغالبية الناس وتحتكر الخير لقلة منهم». والثانية «أن الله جلت حكمته وضع الفرصة المتكافئة أمام البشر أساسًا للعمل في الدنيا وللحساب في الآخرة».١٢٤
وتهاجم الرجعية العربية على نحو آخر وذلك باعتبار أن الاشتراكية ضد الإسلام. سعود يقعد يفتل في دقنه وهو متنرفز ويقول إن الاشتراكية ضد الإسلام. والدافع على ذلك أن الرجعية السعودية اليمنية نهبت أموال الشعب، وترفض إعطاء الشعب حقوقه. وذلك لأن إقامة العدالة الاجتماعية في السعودية، وشريعة العدل هي شريعة الله، سيمنعه من كنز الأموال وصرفها على الجواري. تكنز الرجعية أموال الناس نهبًا ولا يكون هذا ضد الدين وضد الإسلام في حين أن الإسلام ينهى عن كنز الأموال، وأخذ أموال الناس. الاشتراكية عدالة، الاشتراكية مساواة وقضاء على الظلم الاجتماعي، وإعطاء الحق لأصحاب الحق الذين هم الشعب. فهل الاشتراكية ضد الدين؟ وشريعة الله والقرآن لم تقُل بأن الإنسان يكون سيدًا بالوراثة أو عاملًا أو فلاحًا بالوراثة. لم يقُل الدين بذلك أبدًا بل قال إن الناس أحرار متساوون. الدين لا يسمح بالاستغلال. والدين لا يسمح بوجود فقراء في مجتمع غني. فالمليونير الذي يمتلك الأموال الضخمة لا يمكن أن تكون ثروته عن طريق العمل بل نتيجة الاستغلال.١٢٥
استخدم سعود الإسلام وقال إن الاشتراكية ضد الإسلام، وابتدأ يعلن حربًا عنيفة. ولكنه يحارب معركة يائسة لأن إيماننا بالله قد زاد. وإيمان الأمة العربية قد زاد لأنها أمة واعية تعرف من هم الذين يعملون من أجل أهدافها، ومن هم الانتهازيون والمرتدون. يقول البعض الاشتراكية ضد الدين، ويفسرون الدين على أنه استغلال للإنسان في حين أن الدين لم يكن أبدًا استغلال الإنسان للإنسان. وقد استخدم الدين في الفترة التي سيطر فيها الإقطاع ورأس المال لخدمتهما. أما في الاشتراكية فكل الناس متساوون، لا توجد طبقة أسياد وطبقة عبيد. لا توجد طبقة أسياد تملك كل شيء وطبقة عبيد تعمل لنا لتأكل وتعيش فقط. لا توجد طبقات ولكن يوجد جهد، كل فرد حسب جهده، وكلٌّ يكافأ وفقًا لعمله. الاشتراكية لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال ضد الدين بل هو تطور العدالة الاجتماعية التي نص عليها الميثاق.١٢٦ يقولون الاشتراكية ضد الدين. وهل الغني الذي ينهب أموال الناس ويأخذ ثروة البلاد كلها سيطبق الاشتراكية ويوزع الأموال على الناس، وهو من عائلة مميزة، عائلة الأسياد وبقية الناس عبيد؟ وهل يقر الإسلام هذا الوضع؟ هل يجوز أن تكون هناك عائلة تسود والشعب كله عبيد؟ هل الإسلام أن تحكم عائلة في البلاد حكمًا إقطاعيًّا، وتنهب الأموال كلها، والشعب جائع لا يجد ما يأكله؟ هل يقول الإسلام بأن يكون الشعب عبيدًا وأن تكون هناك عائلة مميزة تأخذ الدخل كله؟ هل يأمر الإسلام أن تنهب أموال المسلمين وأن تسلب ثرواتهم؟ يقول صاحب الذقن هذا الكلام وهو يستغل الناس ويخدعهم طالبًا منهم أن يصفوه بأمير المؤمنين، ذي الذقن الطويل، هو ناهب لأموالهم بأمر الإسلام. ولكن الناس على وعي، وسيقضون على ذوي الذقون الطويلة لأن هذه هي سنة الكون، وليس مجرد قول أو رغبة لفرد. لا يمكن لأحد أن يخدع الناس أن يقول لهم إن الاشتراكية ضد الدين لأن الناس تفهم ما يقال لها، وتسمع من خلال الترانزستور أن الاشتراكية تكافؤ الفرص ومساواة بين الناس، لا يوجد فيها أمير أو خفير، أو صاحب سمو أو صاحب جلالة، أو صاحب ذقن أو من غير ذقن. فإذا كانت الاشتراكية مساواة فكيف تكون ضد الدين، كيف تكون الاشتراكية ضد الدين، وأصحاب الذقون يتاجرون بالدين؟ ولا تنطلي على الشعب الواعي التجارة بالدين لأن العالم قد تغير. الدين هو المساواة والعدالة وأن تعطى أموال المسلمين للمسلمين لا أن تترك لفرد واحد أو عائلة واحدة مع عدد من المنتفعين المستغلين. الدين هو العدالة الاجتماعية. ومن يريد تطبيق الإسلام عليه توزيع أموال المسلمين على المسلمين. هذا هو الدين. وهذه هي الاشتراكية أي إقامة عدالة اجتماعية ومساواة بين الناس. من يريد تطبيق الدين لا يقسم الشعب إلى عائلة من الأسياد وشعب من العبيد. هذا هو الكفر، كفر الرجعية التي تحاول استغلال الدين حتى تستغل أموال الناس وتأكلها. لقد تعلمت الناس واستنارت. وإن صبرت عامًا فإنها لن تصبر عامين. وإن صبرت خمسة أعوام فإنها لن تصبر عشرة. لا بد أن يأخذ كل فرد حقه. وكل إنسان يعلم علم اليقين أن الدين هو دين الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، دين الأخذ من الأغنياء إلى الفقراء، دين رد أموال المسلمين إلى المسلمين. ليس الدين أن تحتكر فئة قليلة أو عائلة واحدة كل شيء، أن تأخذ كل الخيرات وتترك الشعب جائعًا دون إعطاء أية فرص لهم. الدين هو العمل من أجل حرية البلاد ومن أجل عزة الدين لا العمل من أجل الاستعمار.١٢٧
تدافع الرجعية العربية عن نفسها ضد الاشتراكية وضد الكفاية والعدل، وتدافع تحت اسم الدين، والدين لا ينادي بالاستغلال وبالاستعباد بل ينادي بالمساواة، وبأن أموال المسلمين تكون للمسلمين. وليس لملوك المسلمين، هذه هي الاشتراكية. تقول الاشتراكية إن أموال المسلمين للمسلمين وتقول الرجعية إن أموال المسلمين لملوك المسلمين. يقول الدين إن أموال المسلمين للشعب وليس لملوك المسلمين وبالتالي تتمشى الاشتراكية مع الدين. ولكن لما كان الإسلام عقيدة يؤمن بها الشعب المسلم العربي تسترت الرجعية بالإسلام، وتمسحت بالإسلام، واعتقدت أنها وجدت خط دفاع كبيرًا. ولكن العالم العربي عالم واعٍ، والشعب العربي شعب ثائر لن يمكِّن الرجعية من أن تخدعه مهما تمسحت بالدين لأن الناس تفهم الدعوة من قائلها. فإذا كانت الرجعية تطلق دعوة تحت اسم الدين، يعرف كل إنسان أن الرجعية هي التي تنهب أموال الناس، وهي التي تستغل عمل الناس، وهي التي تستعبد العمال، تاركة الشعوب مستغلة ومحرومة من حقها في الحياة وحقها في الكرامة. لم تكن الرجعية أبدًا شريعة الله ولكن شريعة الله كانت دائمًا هي شريعة العدل، وشريعة العدل هي الاشتراكية، والاشتراكية تمنع ملوك المسلمين من أن يسفوا أموال المسلمين، ويأخذوا أموال المسلمين. الاشتراكية هي الكفاية والعدل، والرجعية هي الاستغلال والاستبداد. والإسلام لا يقبل الاستغلال والاستبداد. شريعة الله هي شريعة العدل، شريعة المساواة. أما شريعة الرجعية فهي شريعة ضد الإسلام وضد الدين. ومهما تمسحت الرجعية بالدين فإنها خارجة على دين الله. ويقال إن عبد الناصر ضد الدين وفيصل مع الدين، ويقوم خبراء الدعاية والضغط النفسي بطبع دعايتهم على ورق مصقول وطباعة فاخرة، وهي كلها من ألاعيب الاستعمار.١٢٨ ويقال إن الاشتراكية إلحاد في حين أن الرجعيين هم الملحدون. وما دخل الإلحاد في سف أموال المسلمين؟ وما دخل الدين والإلحاد في اغتصاب أموال المسلمين. الإلحاد هو اغتصاب أموال المسلمين، وسف أموال المسلمين، واستعباد المسلمين، واستغلال المسلمين كما تفعل الرجعية اليوم. ويخرج الملك حسين يتكلم عن الإسلام والإيمان والدين وتأتيه نوبة الكلام على الدين والإيمان. يوهم الناس بأن الاشتراكية كفر ولكن أكل أموال الناس حلال، وأن العدالة الاجتماعية كفر ولكن نهب أموال الناس حلال، وأن حكم الشعب كفر ولكن حكم الأمراء حلال، ويحاول إقناع المسلمين بأنه يعمل من أجل وحدتهم ورفعة شأنهم وهو خادم لأمريكا والاستعمار.١٢٩
وقد هاجمت الرجعية العربية الاشتراكية بأنها بديل عن الإسلام. إذ يقول راديو دمشق بأن جمال عبد الناصر يشبه نفسه بالرسول، ويقول إن دعوته مشابهة لدعوة الرسول. في حين أن المقصود هو الاستشهاد بهذا العهد الإسلامي وبالدعوة الإسلامية لأن الله أعطانا من هذه الدعوة حكمة نتبعها في حياتنا.١٣٠
وتدعي الرجعية العربية من راديو مكة بأن العدالة الاجتماعية التي يقول عنها عبد الناصر لا يمكن لمخلوق أن يفرضها بأي حال من الأحوال بل هي من وضع الله ومن تدبيره. هل يجب أولًا إلغاء المحاكم ووزارة العدل ويترك القوي وصاحب الملك يسلب ثروات البلد كيف يشاء؟ ويقول راديو مكة إن إزالة الفوارق بين الطبقات ضد الدين، فالفقراء لهم الجنة. لماذا لا يريد أصحاب راديو مكة نصيبًا من الجنة ولو صغيرًا؟ ولماذا لا يكون للفقراء نصيب في الدنيا ويكون نصيبهم في الآخرة فقط؟ إن الفقراء يريدون أن يستبدلوا بنصيبهم في الآخرة نصيبًا في الدنيا ولو صغيرًا! إن منطق راديو مكة يبعث على الضحك، ويطلق الشعارات، والناس تعلم أن الدين هو العدالة والمساواة، وأن الدين ضد الظلم الاجتماعي، وضد الاستعمار بكل معانيه. لقد كان الدين الإسلامي أول ثورة وضعت المبادئ الاشتراكية الخاصة بالعدالة والمساواة.١٣١
وتهاجم الرجعية اليمنية الاشتراكية. وينظم الإمام قصيدة شعر ضد الاشتراكية. والعجيب أن الرجعية العربية تستحسن الاشتراكية شعرًا وغناءً وتعاديها عند التطبيق! فمن المعروف أن الإسلام دين الاشتراكية، ولكن لم تحدث معاداة لها إلا بعد تطبيقها في مصر. وعندما يقول شوقي: «الاشتراكيون أنت إمامهم»، وتغني أم كلثوم تنبسط أسارير الرجعية ويصفقون بأيديهم. ولكن عند التطبيق يعادونها ويعتبرونها ضد الإسلام. كما تروج الإذاعات الاستعمارية والصحف الأجنبية ما تردده النظم الرجعية. تخشى هذه النظم تطبيق الاشتراكية في مصر حتى لا تسري عدواها إلى أنظمتهم. ولكن الثورة المصرية ترد على ذلك بأنها لن تطالب بتطبيق النظام الاشتراكي في السعودية أو في اليمن. لقد هاجمت الرجعية النظام الاشتراكي في مصر دفاعًا عن أوضاعها في بلادها. وهم يعلمون أنها منافية للدين وللعدل ولشريعة الله ولكل الشعوب التي تنادي بالحرية والتي تطالب بحقوقها.١٣٢
ويقول راديو مكة إن الدين يطالبنا بالصدقة. في حين أن الدين لا يطالب بالصدقة فقط، فالمال مال الله، ليس ملكًا لأحد. المال مال المسلمين جميعًا. المال مال الشعب. عوائد البترول ملك للشعب. والشعب يطالب بحقه فيها. وبدل أن تودع في البنوك الأجنبية في الخارج في بنوك سويسرا بنمر سرية، تستخدم هذه الأموال وتستثمر في البلاد. وإثر ذلك ناقش مؤتمر البحوث الإسلامية رأي الإسلام في التأميم وبيان حدود الملكية في الإسلام إذا ما اصطدمت بحق الغير أو بمصلحة المجتمع. فالإسلام يحرم التصرف في الشيء المملوك، ويحجر على تصرف السفيه ليحمي المجتمع من تبذير أموال المسرفين. وهو يعطي السلطان حق مصادرة الأقوات والحاجيات الضرورية، ويبيعها للناس بثمن المثل حفاظًا على حق المجتمع. وليس من حق الإنسان تجميد الأرض الزراعية بلا استغلال لأن ذلك ضد مصلحة الدولة والمجتمع. كما أنه لا يجوز تجميع الملكيات الكبيرة وتركيزها في يد قلائل مع حرمان ٩٩٪ من الشعب من ملكية شيء من الأرض حتى لا تكون الثروة الأرضية في أيدي الأغنياء يتداولونها فيما بينهم دون أن يكون لغيرهم من الفقراء أية حصة فيها أو أمل في تداولها، وهو مخالف لمصلحة المجتمع.١٣٣ وقد أصدر المؤتمر عدة قرارات الرابع منها أن من حق أولياء الأمر في كل بلد أن يحدد من حرية التمليك بالقدر الذي يكفل درء المفاسد البينة، وتحقيق المصالح الراجحة، وأن أموال الظالم وسائر الأموال الخبيثة والأموال التي فيها الشبهة على من في أيديهم أن يردوها إلى أهلها أو يدفعوها إلى الدولة، فإن لم يفعلوا صادرها أولياء الأمر ليجعلوها في مواضعها. وأن لأولياء الأمر أن يفرضوا من الضرائب على الأموال الخاصة ما يفي بتحقيق المصالح العامة. وأن المال الطيب الذي أدى ما عليه من الحقوق المشروعة إذا احتاجت المصلحة العامة إلى شيء منه أُخذ من صاحبه نظير قيمته يوم أخذه. وأن تقدير المصلحة وما تقتضيه هو حق أولياء الأمر. وعلى المسلمين أن يسدوا إليهم النصيحة إن رأوا في تقديرهم غير ما يرون.١٣٤
بل إن «الاشتراكية الديمقراطية» لم تتخلف عن هذه العادة البديهية. فالإسلام كالاشتراكية لا يضيق بتقييد الملكية الخاصة للصالح العام وبتدخل الدولة. والفقهاء متفقون على أن يد المالك يد استخلاف، ومعنى ذلك أن الملكية وظيفة اجتماعية. ولقد قام النظام الإسلامي على مبدأ التكافل والأمن من بين جميع أفراد المجتمع بحيث جعل في أموال القادرين حقًّا معلومًا للسائلين والمحرومين. وتزايد جامعة الإسكندرية وتفيض في تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام الإنسان في الإسلام. فقد قام النظام الإسلامي على التكافل الاجتماعي، فالمؤمنون رجل واحد، بل ويمتد مبدأ التكافؤ إلى الحيوان. والعمل حق مقدس. والأجر بقدر العمل، وضرورة التكافل أمام الخطر. وتزايد جامعة طنطا بذكر تقييد الإسلام للملكية، فقد حمى عمر الحمى. وقد أغنى حديث الرسول: «من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل ثوب فليعد به على من لا ثوب له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له» عن كل الفلسفات الاشتراكية الغربية.١٣٥
قالوا الاشتراكية كفر في حين أن الاشتراكية تمثل شريعة العدل، شريعة الله. ولكن الرجعية التي أصيبت بالذعر لم تجد أمامها من سبيل لتدافع عن نهب أموال الشعب وثرواته إلا هذا الكلام الذي لا يصدقه أحد. إن الاشتراكية التي تتمثل في الكفاية والعدل، وفي إعطاء كل فرد من أبناء الشعب نصيبًا في ثروة بلده هي شريعة العدل. وشريعة العدل هي شريعة الله. أما الكفر فهو نهب أموال الشعب وثرواته، وأخذ أمواله كلها ثم استعباده وحكمه بطريقة تتمثل فيها حكومات القرون الوسطى. طريق الاشتراكية هو طريق الكفاية والعدل، طريق إذابة الفوارق بين الطبقات، طريق تكافؤ الفرص لأن هذا هو طريق العدل، طريق شريعة العدل وهي شريعة الله التي لا تقبل الظلم أو التحكم أو الإقطاع أو الاستغلال لأن شريعة الله نادت بالعدالة وبالمساواة وبالحرية.١٣٦
قالوا الاشتراكية كفر، في حين أن الكفر هو تربية الجواري، وجمع الأموال واغتصاب مال الشعب. هذا هو الكفر الذي هو ضد الدين، وضد الإسلام، وضد كتاب الله. أما الاشتراكية فهي شريعة العدل، شريعة الله، شريعة العدالة والمساواة والقضاء على السيطرة والاستغلال، وإذابة الفوارق بين الطبقات، وأن يكون لكل فرد جهده، ولكل فرد قدر عمله. والشعب العربي قادر على القضاء على حكم القرون الوسطى وإقامة الحكم الإسلامي الحقيقي الذي هو العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، والانتقال من حكم القرون الوسطى إلى حكم القرن العشرين. الكفر هو أكل أموال الناس. وأخذ عرق الناس، واستغلال الناس. الكفر هو تأخر البلاد والسيطرة والاستغلال والاستبداد. فالدين الإسلامي دين العدالة والحرية والمساواة. هل العدالة الاجتماعية كفر؟ هل تكافؤ الفرص والمساواة كفر؟ إن الإسلام هو العدالة الاجتماعية، هو العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، والحكم السعودي هو الكفر. إن الاشتراكية هي شريعة العدل، وشريعة العدل هي شريعة الله، وشريعة الله تأبى أن يكون الغنى إرثًا والفقر إرثًا. شريعة الله ترفض هذا وتأباه، وشريعة العدل هي إقامة العدالة الاجتماعية.١٣٧
أطلق الملك سعود إذاعته قائلًا للناس: الاشتراكية تعني أن يأخذوا أولادكم ونساءكم وعائلاتكم لإيهام الناس. الاشتراكية هي أخذ المال المغتصب من الشعب لتوزيعه على الشعب. الاشتراكية هي الكفاية والعدل. الاشتراكية تحترم الدين والعائلة وحق الأسرة، وتحترم حق المواطن في بلده وفي ثروة بلده، وتحترم أيضًا حق الكفاية وحق العدل، تحترم إنسانية الفرد، وتؤمن بألا يكون هناك تمييز بين إنسان وآخر. الاشتراكية تقديس للأسرة والدين والكفاية والعدل. الاشتراكية هي العدالة الاجتماعية والقضاء على الاستغلال. وهي التحرر السياسي، والتحرر الاقتصادي، والتحرر الاجتماعي.١٣٨
يجعل الملك سعود نفسه ممثلًا للإسلام في حين أن الكعبة هي التي تمثل الإسلام ولكن سعود يتمسح في الكعبة والكعبة منه براء. ويتمسح في أنه حامي الحرمين وهو مغتصب الحرمين، مغتصب أموال الشعب، أما الكعبة فلها رب يحميها. لا يمكن أن يحمي الكعبة حامٍ استغلالي، ملك الحريم، وملك الجواري. فهذه سبة في الدين الإسلامي. إن العائلة المالكة السعودية سبة في الدين، وأكبر دعاية ضد الإسلام في الخارج عندما تتحدث الصحف الأجنبية عن الرق والعبيد والجواري والحريم في السعودية. إن الحرمين من فيصل براء، ومن سعود براء. إن الحرمين أرض الله. أما العائلة المالكة السعودية فقد أساءت إلى الحرمين، وأساءت إلى الأرض المقدسة، وهذه سبة في جبين المسلمين وفي جبين العرب.١٣٩

(٢) الحلف الإسلامي

(أ) الدوائر الثلاث. إن وجود مصر في دائرة إسلامية هو من السياسات الثابتة للثورة المصرية. فالدائرة الإسلامية هي إحدى الدوائر الثلاث في فلسفة الثورة.١٤٠ وهو أكبر جزء نظري فيه. فلا يمكن تجاهل عالم إسلامي تربط مصر به العقيدة الدينية وحقائق التاريخ. فليس عبثًا أن الحضارة الإسلامية والتراث الإسلامي الذي أغار عليه المغول الذين اكتسحوا عواصم الإسلام القديمة حُفظ في مصر، وردت مصر الغزو على أعقابه في عين جالوت. بل إن الدائرة العربية نفسها قد امتزجت بالدين. فنقلت مراكز الإشعاع الديني في حدود عواصمها من مكة إلى الكوفة ثم إلى القاهرة.
تشمل الدائرة الثالثة التي تمتد عبر قارات ومحيطات إخوان العقيدة الذين يتجهون أينما كانوا إلى قبلة واحدة ويصلون بصلاة واحدة. ويزيد من هذا الإيمان الحج ومقدار ما يحققه من ترابط بين جميع المسلمين. فالذهاب إلى الكعبة ليس تذكرة دخول إلى الجنة بعد عمر مديد أو محاولة ساذجة لشراء الغفران بعد حياة حافلة بل قوة سياسية ضخمة. يجب أن تهرع صحافة العالم لمتابعة أنبائه لا بوصفه مراسيم وتقاليد وصورًا طريفة في الصحف، بل بوصفه مؤتمرًا سياسيًّا دوريًّا يجتمع فيه كل قادة الدول الإسلامية ورجال الرأي فيها وعلماؤها في شتى ميادين المعرفة وكتابها ورجال الصناعة فيها وتجارها وشبابها ليصنعوا في هذا البرلمان الإسلامي العالمي خطوطًا عريضة لسياسة بلادهم وتعاونوا معًا حتى يحين موعد اجتماعهم من جديد بعد عام. يجتمعون خاشعين لكن أقوياء متجردين مؤمنين أن لهم مكانًا يتعين عليهم احتلاله في هذه الحياة. هذه هي الحكمة الحقيقية من الحج. هناك ثمانون مليون مسلم في إندونيسيا، وخمسون مليونًا في الصين، وبضعة ملايين في الملايو وسيام وبورما، وما يقرب من مائة مليون في الباكستان، وأكثر من مائة مليون في الشرق الأوسط، وأربعون مليونًا داخل الاتحاد السوفيتي، وملايين غيرهم في أرجاء الأرض المتباعدة، والتعاون بين هؤلاء جميعًا دون أن يخرجوا عن حدود الولاء لأوطانهم الأصلية بالطبع يكفل لهم قوة غير محدودة.١٤١ فهو إذن ترابط روحي وليس وحدة سياسية. وتظل الوطنية أو القومية هي النظرة السياسية للدول الإسلامية وهو ما ترفضه الاتجاهات الإسلامية الأصلية مثل الإخوان المسلمين. ويظل هذا التصور قائمًا على تجربة شخصية وخواطر سانحة أكثر منها تصورًا نظريًّا لأيديولوجية إسلامية. وفي سؤال لروبرت ستيفن المحرر السياسي لجريدة الأوبزرفر البريطانية عن مصر مركز الدوائر الثلاث، العالم العربي وأفريقيا والإسلام، وهل تغير هذا التصور بعد أن زاد عدد دول عدم الانحياز وبعد أن تغير الوضع في أفريقيا كثيرًا وهل ما زال الاعتقاد بأن الإسلام يؤدي دورًا هامًّا في الربط بين شعوب آسيا وأفريقيا؟ أجاب الرئيس بأن الدور الذي يؤديه الإسلام دور قائم وفعال. وإذا كانت علاقة مصر مع الهند تبدو أقوى بعلاقتها بإيران المسلمة فإن الخلاف بين الحكومة المصرية والحكومة الإيرانية لا يمكن أن يعوق أو يحجب العلاقة بين الشعب المسلم في مصر والشعب المسلم في إيران. إن العلاقات الدولية بظروفها الموضوعية لها أحكامها. لكن ذلك لا يتناقض ولا يتعارض مع تعاطف الشعوب التي تعتنق نفس الدين. فلا يوجد تصادم أو احتكاك بين الدور الأفريقي لمصر ودورها الأفريقي الآسيوي ودورها في العالم الإسلامي. صحيح أن الدائرة الثالثة التي مركزها مصر أوسع وأشمل؛ إذ إنها تمتد عبر قارات ومحيطات، وهي دائرة إخوان العقيدة الذين يتجهون معًا أينما كان مكانهم تحت الشمس إلى قبلة واحدة، وتهمس شفاههم الخاشعة بنفس الصلوات، وصحيح أيضًا أنه يجب تغيير النظرة للحج بأن يتحول إلى قوة سياسية ضخمة في مؤتمر سياسي، وأن يجتمع دوريًّا كل قادة الدول الإسلامية خاشعين أقوياء متجردين عن المطامع عاملين مستضعفين لله لكن أشداء على مشاكلهم وأعدائهم، حالمين بحياة أخرى ولكن مؤمنين أن لهم مكانًا تحت الشمس يتعين عليهم احتلاله في هذه الحياة. لقد دعت الثورة بعد ١٩٥٢م إلى هذه الفكرة على أساس سياسي واستمرت في ١٩٥٣م. وردًّا على سؤال عما إذا كان حدث أي تقدم في تصور الحلقات الثلاث المتشابكة العروبة وأفريقيا والإسلام؟ أجاب الرئيس بأن هناك تقدمًا مستمرًّا. فالعلاقات أفضل مع الدول العربية، وترسل مصر بعثات إلى الدول الإسلامية، وينظر المسلمون إلى القدس كمدينة مقدسة.١٤٢ وكذلك يربط الإسلام بين مصر وموريتانيا، وبينهما صلات تاريخية وإسلامية عريقة وثيقة جمعت ما بين الأمة العربية في المشرق وما بين الأرض التي وصل إليها نور الإسلام في المغرب. هي صلات أنتجت طاقات حضارية هائلة وحققت تجانسًا فكريًّا له آثاره البعيدة المدى. فضلًا عن ذلك كله فإن البعوث الموريتانية إلى الأزهر الشريف — وقد كانت من أكبر البعوث الإسلامية في التاريخ القريب — صنعت خط اتصال مباشر بين التيارات المؤثرة على اتجاه التطور في البلدين. والدولة الإسلامية من نماذجها المشرقة باكستان. وموريتانيا لها مواقفها الواضحة الطيبة.١٤٣
ولمصر صلات مع كل الدول الأفريقية التي أيدت العرب عندما احتلت إسرائيل الأرض مضافًا إليها أرض الدول الآسيوية. عندما نشر كتاب «فلسفة الثورة» لم تكن هناك غير ثلاث دول أفريقية مستقلة، والآن هناك أكثر من ثلاثين دولة. وهناك منظمة الوحدة الأفريقية. وهناك مؤتمر إسلامي سيعقد في ماليزيا، والجامعة العربية أقوى عما كانت عليه، وتعقد مؤتمرات القمة.١٤٤
ونقل بعد ١٩٧٠م الإشارة إلى الدوائر الثلاث. فردًّا على سؤال عن تقييم المؤتمر الإسلامي المنعقد ببنغازي والمجتمع الإسلامي عمومًا أجاب الرئيس بأن التجمع الإسلامي دائرة من الدوائر الثلاث التي تتحرك فيها مصر منذ الثورة. وكما ورد في فلسفة الثورة تتحرك مصر في هذه الدوائر الثلاث. وقد تم انتخاب حسن التهامي من مصر سكرتيرًا عامًّا للمؤتمر الإسلامي الأخير ببنغازي، وهو وزير ومستشار في رئاسة الجمهورية. وترجو مصر أن ينجح التجمع أو المؤتمر في القضاء على فكرة التعصب أو الفكرة العنيفة كما هو الحال في بعض التجمعات الأخرى أو كما هو الحال في دولة مجاورة تقوم على تعصب ديني وعنصري رهيب. التجمع الإسلامي خالٍ من التعصب الديني والعنصري لأنه يجمع شعوبًا من كل أنحاء الأرض ومن كل الجنسيات. إن اجتماعًا على مستوى الملوك والرؤساء دعم للتضامن الإسلامي وسعي إلى رخاء العالم الإسلامي، وهو جزء من رخاء الإنسانية. كما أن وقفة العالم الإسلامي العظيمة وقادته الحكماء مع إخوانهم العرب في كفاحهم جديرة بالتقدير والاحترام. فالتضامن على مستوى الرؤساء وعلى المستوى الرسمي. ولم تنقطع سلسلة المؤتمرات الإسلامية من أول الثورة حتى الآن. وقد كان السادات سكرتيرًا عامًّا للمؤتمر الإسلامي وسافر في عديد من المرات على رأس وفود إلى البلاد الإسلامية. وهو منصب غير سياسي ولا أهمية له ولو أنه ظل أحد شواهد الرئيس على إيمانه العميق منذ بداية الثورة. وقد كان هناك أحاديث باستمرار عن الروابط الإسلامية التي تربط مصر بالعالم الإسلامي. فقد جمعت مصر وباكستان مثلًا روابط الدين منذ زمن طويل منذ أول يوم قامت فيه باكستان. ومهما كانت هناك من محاولات مصطنعة لإقامة الفجوة بين البلدين ولكن الصداقة والأخوة يربطان بينهما خاصة في وقت تعرض مصر للعدوان. فلا يمكن لأية جفوة مصطنعة أن تقضي على الروابط الروحية والدينية والعقلية بين الشعبين.١٤٥
وكانت الدعوة إلى التعاون بين المسلمين من أوائل دعوات الثورة تنفيذًا لقول الله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.١٤٦ ويظهر الطابع التقدمي للإسلام كرابطة بين الشعوب. فرسالة الإسلام دعوة قدسية إلى الحرية نزلت تطلب إلى البشر في كل زمان ومكان أن يرفضوا استغلال شعب لشعب واستغلال طريقة لطريقة، واستغلال إنسان لإنسان، وتنادي بالمساواة والعدل بين الناس. وذلك معناه أن رسالة الإسلام بالطبيعة معادية للاستعمار، وأنها بالطبيعة معادية للامتيازات الإقطاعية، وأنها بالطبيعة معادية للاستغلال الرأسمالي. إن الأمة العربية تعتز بتراثها الإسلامي وتعتبره من أعظم مصادر طاقاتها النضالية. وهي في تطلعها إلى التقدم ترفض منطق هؤلاء الذين يريدون تصوير روح الإسلام على أنها قيد يشد إلى الماضي. وهي ترى أن روح الإسلام حافز يدفع إلى اقتحام المستقبل على توافق وانسجام كاملين مع مطالب الحرية السياسية والحرية الاجتماعية والحرية الثقافية.

وفوق ذلك فهي لا ترى أي تعارض بين قوميتها العربية المحددة وبين تضامنها القلبي والأخوي مع الأمم الإسلامية. إن الأمة العربية بقواها الثورية التقدمية لا ترى في الإسلام عائقًا عن التطور بل تراه بحق وإيمان دافعًا إلى هذا التطور. كما أن الأمة العربية بقواها الثورية والتقدمية لا ترى في القومية العربية عازلًا عن تضامن الأمم الإسلامية بقدر ما ترى أن مواقع النضال من أجل الحرية السياسية والاجتماعية في كل القارات تعزز بعضها بعضًا وتؤازرها وتدعمها.

ولم يؤكد «الميثاق» على الروابط الإسلامية كثيرًا وذلك لأن القصد منه كان بناء المجتمع الاشتراكي داخل مصر. ومع ذلك يذكر الميثاق الدوائر الثلاث في عبارة مقتضبة أقل بكثير من إسهاب فلسفة الثورة. فمصر دولة عربية في أفريقيا تؤمن برباط روحي وثيق يشدها إلى العالم الإسلامي. وقد أنشئ المؤتمر الإسلامي في ١٩٥٥م، وعين السادات سكرتيرًا عامًّا له.١٤٧
وبعد ١٩٧٠م يظهر الإسلام كإيمان، كرابطة بين العلماء والشعوب الإسلامية. فالعلماء إخوة في الإسلام وفي الدين على طول تاريخ الأمة الإسلامية. وهم الحفظة على التاريخ الإسلامي، يعلمونه للنشء، ويفقهونهم فيه من أجل الدفاع عن الإسلام ومقدساته وتراثه. إن الملتقى الإسلامي لعلماء المسلمين يحملون أقدس رسالة هي رسالة العلم والدين والحياة بكل ما تحمل للحياة الإسلامية من مسئوليات: خلق كريم، يقظة فكرية، جهاد وهدف، خدمة العقيدة للمجتمع. وقد عقدت كثير من المؤتمرات لتأييد الشعوب العربية في معركة تحرير الأرض والمقدسات الإسلامية. المسلمون أخوة في الإسلام، والمؤتمر الإسلامي صوت ٦٠٠ مليون مسلم، وفيصل يعمل للإسلام، وأيد كل قضية إسلامية. ويتم الاستشهاد ببعض الآراء التي تجعل المسلمين أمة واحدة مثل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، أو وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ دون أي برنامج عملي لتحقيق هذه الوحدة. كما تذكر آية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ دون ذكر لشرطها وهو تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. كما يدعى المسلمون إلى عدم الحزن في وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ دون أن يدعو إلى القوة في بداية الآية وَلَا تَهِنُوا.١٤٨ ثم يظهر بعض التاريخ الإسلامي كعامل ربط بين الدول الإسلامية فقد أراد البطل الصحابي عقبة بن نافع في تونس أن تكون القيروان أول دعامة للإسلام في المغرب العربي بل في الشمال الأفريقي. تذكر القيروان بالورود الزاهرة المنيرة للإسلام وما أنجبته من أئمة وقادة فكر وثقافة. لقد كان عقبة بن نافع صادقًا حين قال: أريد مدينة تكون عزًّا للإسلام إلى آخر الدهر. ثم أتى الرئيس بورقيبة ليكمل لتونس عزتها. وشتان ما بين رأي عبد الناصر في بورقيبة ورأي خلفه. كما أن فيصل مات شهيدًا وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.١٤٩

(ب) الرد على الحلف الإسلامي. إن الروابط الروحية تدعو مصر إليها بكل الوسائل وفي جميع المجتمعات ومع كل الدول الإسلامية.

ترسل مصر البعثات، بعثات ومدرسين من الأزهر، وتصرف في هذا مبالغ طائلة. وهذه الروابط الروحية من أجل الإسلام ومن أجل المنفعة الإسلامية. فالتعاون الإسلامي مقبول بل وواجب، ولكنه يجب أن يكون فعلًا لوجه الله ولوجه الإسلام وليس نتيجة لسياسة أمريكية إنجليزية. ولكن بعض الدول الإسلامية دخلت في مواثيق، وانحازت إلى الغرب. وبدأ الحديث عن الحلف الإسلامي وعن تحويل حلف بغداد إلى حلف إسلامي بعدما دخلت تركيا وباكستان وإيران والعراق في حلف بغداد. ثم خرجت العراق من حلف بغداد وبقيت تركيا وإيران وباكستان. وبدأت هناك محاولات لاستغلال الدين الإسلامي من أجل سياسة الانحياز التي تتنافى مع سياسة عدم الانحياز وهي سياسة الثورة المصرية. بدأ الحديث عن حلف إسلامي غير منحاز مباشرة إلى الغرب ولكنه منحاز بطريقة غير مباشرة. وقد بدأ ذلك قبل سنة ١٩٥٥م ولم ينقطع. وهناك خطورة كبيرة أن تنضوي مصر تحت اسم الإسلام في انحياز للغرب أو للدخول تحت سيطرة الدول الغربية لأن ذلك يتنافى مع الإسلام، فالإسلام ينادي بالحرية، وبأن يكون الشعب حرًّا وسيدًا لنفسه، وألا تكون مصر داخلة في مناطق نفوذ لأية دولة أخرى.١٥٠
وكيف يكون هناك حلف إسلامي ويأخذ أوامره من لندن أو واشنطن أو أي دولة أخرى. فالحلف الإسلامي في هذه الحالة يتنافى مع كلمة الإسلام ويكون حلفًا غربيًّا. ترفض الثورة إذن أن يكون العمل تحت اسم الإسلام جارًّا إلى الأحلاف أو إلى الانحياز للغرب بطريق الخديعة تحت اسم الحلف الإسلامي أو تحت اسم الرابطة الإسلامية أو تحت أي اسم من الأسماء لأن سياسة مصر هي سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز. سواء كان الحلف الإسلامي أو المؤتمر الإسلامي أو التجمع الإسلامي أو التكتل الإسلامي أو مؤتمر ذروة إسلامي. فإن هذا الحلف مثل حلف بغداد ومصيره مثل مصير حلف بغداد. أخذوا الإسلام حجة ووسيلة ليخدعوا به بسطاء الناس. وليس الحلف الإسلامي إلا استكمال حلف بغداد لموضع الأمة العربية داخل مناطق النفوذ. وكما تصدت الثورة للرجعية العربية وللحلف الإسلامي وكشف نواياه فإن الخديعة لا تنطلي على أحد. ومن لم يستطِع الدخول في حلف بغداد قبل اليوم حاول اليوم عن طريق الإسلام ولكن الشعب العربي يعلم أن طريق الإسلام هو الإسلام الجديد لحلف بغداد والاسم الجديد لمناطق النفوذ.١٥١
وقد اعترفت الديلي تلجراف البريطانية في ١٨/ ١/ ١٩٦٦م بأن الملك فيصل يقود حركة إحياء الحلف الإسلامي لضرب القومية العربية. فطالما أن الشرق الأوسط حانوت مغلق من الدول العربية فإن القاهرة ستظل بلا جدال عاصمته السياسية. لكن وجود حلف إسلامي تشترك فيه دول مثل تركيا وإيران وباكستان يغير الوضع. ويرى كثير من الزعماء المسلمين أن الحلف الإسلامي يمكن أن يكون أقوى نفوذًا من القومية العربية في الشئون العالمية في الموالاة للغرب لأن الحلف الإسلامي سيكون مواليًا للغرب. وقالت التايمز في ١٥/ ٢/ ١٩٦٦م إن فكرة عقد مؤتمر إسلامي ليست جديدة. وعلى الرغم مما يقال من أن المؤتمر الجديد سيبحث في مسائل اجتماعية واقتصادية فإن من المسلَّم به أن أهداف هذا المؤتمر سياسية أساسًا. إذ ستحضره دول عربية مما يساعد على تخفيف ثقل الدول العربية المتحررة. وتساءلت جريدة لوموند دبلوماتيك في ١٦/ ٢/ ١٩٦٦م هل سيتمكن شعار الإسلام من القضاء على القوى التقدمية في العالم العربي؟ وقد قال أنطوني ناتنج وزير الدولة البريطاني السابق بعد فشل حملة السويس إن الوسيلة الوحيدة للتفاهم مع القومية العربية يجب أن تكون عن طريق تأسيس جماعة إسلامية من الممالك الإسلامية بالمنطقة. وحينئذٍ تخرج البلاد العربية من حيز القومية العربية الضعيف الذي لا يمكن التفاهم فيه إلى حيز العقيدة الإسلامية الواسع الذي يجمع العربي والتركي والإيراني والباكستاني في مجال واسع. إذ ينسون جنسياتهم ولا يفكرون إلا في الإسلام. وحينئذٍ يمكن للبلاد العربية التفاهم مع الغرب، حتى إسرائيل يمكن التفاهم معها حيث إن العرب لا يقبلون وجود إسرائيل بينهم. ولكن الدولة المسلمة تقبل وجود إسرائيل بدليل اعتراف إيران وتركيا بإسرائيل. وقد قال ناتنج ذلك عن الحلف الإسلامي أو الجماعة الإسلامية أو التكتل الإسلامي في ١٩٥٧م. لقد ظنت الدول الاستعمارية والرجعية أن القوى التقدمية في العالم العربي مختلفة مع بعضها، وأنها قد تعبت من النضال. وبهذا أصبح الطريق مفتوحًا أمام الاستعمار القديم والجديد لوضع البلاد العربية في حلف جديد يتخذ من الدين اسمًا أو ستارًا لحلف بغداد. وجدوا له اسمًا عربيًّا وسموه حلف بغداد وألبسوه عقالًا وعباية حتى تختفي إنجلترا وأمريكا وراءهما. والحلف الجديد، ألبسوه عمة ليسموه الحلف أو المؤتمر أو التجمع الإسلامي، أي شيء اسمه إسلامي لخداع المسلمين باسم الدين. ولكن الأهداف واحدة وهي القضاء على القومية العربية التي سيطرت على أفكار واتجاهات الشعوب العربية باعتبار أن القومية العربية هي الوسيلة الوحيدة للتخلص من الاستعمار ومناطق النفوذ وتحقيق الوحدة العربية. تتحالف الرجعية مع الاستعمار خشية من المد الثوري العربي الذي يمثل خطرًا على مصالحها وعلى احتكارات البترول وخشية من الاشتراكية التي تهدد كيانها وأنظمتها ووجودها فيبدآن معًا فكرة جديدة: استغلال الدين كسلاح حتى تتحقق أهداف الرجعية والاستعمار في المحافظة على نفوذهما ودورهما في العالم العربي. الحلف الإسلامي حلف استعماري هدفه أن يقاتل حركات التحرر وأن يتصدى للتقدم الاجتماعي. هو حلف للتآمر ضد الشعوب العربية ووضعها في مناطق النفوذ الغربي. وهو حلف للتآمر على البلاد الإسلامية الأخرى غير العربية التي تتبع سياسة عدم الانحياز.١٥٢

الحقيقة إذن هي أن الحلف الإسلامي عملية تجميع لكل القوى الرجعية المتعاونة مع الاستعمار في خط دفاعي أخير ضد المد الثوري العربي التقدمي في البلاد العربية. إن وصف الحلف الإسلامي بالرجعية والتعاون مع الاستعمار ضد العروبة وضد المسلمين وضد فلسطين يسانده أصحاب الدعوة الأصليون في صحفهم في لندن وواشنطن. فقد قيل في صحف لندن إن الحلف الإسلامي حلف سياسي وليس حلفًا اجتماعيًّا. قال أيزنهاور لسعود في سنة ١٩٥٧م على فكرة الحلف الإسلامي، وتحدث سعود في هذا الأمر في القاهرة.

والدول الداعية للحلف الإسلامي هي جدة وطهران. ووجود طهران يؤكد على أن الحلف ضد العرب وضد المسلمين ولحماية الرجعية. لم يؤيد الحلف الإسلامي إلا إيران والسعودية في العالم العربي. صحف بورقيبة أيدت الحلف، أعداء العروبة والإسلام في لبنان أيضًا أيدوا الحلف، وكل من تهلل لحلف بغداد في ١٩٥٥م ينادي اليوم بالحلف الإسلامي. تقول لندن وواشنطن المخططتان للحلف إن الحلف كسب وتأييد لقضية فلسطين، وهو ما قاله نوري السعيد في ١٩٥٥م. وماذا ستكسب فلسطين من حلف تشرف عليه أمريكا وبريطانيا ويشترك فيه حكام إيران وتونس الذين دعوا للصلح مع إسرائيل. الحلف الإسلامي موجه ضد قوى الثورة في العالم العربي. صحيح أن الإسلام ثورة، والتضامن الإسلامي تحتاجه الشعوب، ولكن الحلف يجب أن يعمل للإسلام وليس للاستغلال السياسي والاجتماعي، وأن يعمل علماء الإسلام من مراكز الفكر الديني وليس من السماسرة والإرهابيين.١٥٣

لقد أزعجت القيادة العربية الموحدة الصهيونية والاستعمار فبدأت الحركات الرجعية في الحديث عن الحلف الإسلامي ثم بدأت الاتصالات بشاه إيران. والكلام عن الحلف الإسلامي ليس بالسياسة الجديدة. فقد كانت تريد أمريكا حلفًا إسلاميًّا في المنطقة منذ ١٩٥٧م كما ذكر أيزنهاور في مذكراته. ثم دعي الملك سعود إلى أمريكا وعاد. ولكن لم ينجح في إقامة الحلف الذي طلبه أيزنهاور من أجل ضرب القوى الثورية التي كانت تتزعمها مصر في هذا الوقت. وحينما يتحرك فيصل وحسين وبورقيبة فهذا يعني أن الاستعمار قد دفع أصدقاءه للعمل وتحقيق عدة أهداف منها إضعاف القيادة العربية الموحدة، وإضعاف الكيان الفلسطيني وجيش تحرير فلسطين. كان الهدف الأساسي من الحلف الهجوم على القوى الثورية العربية. فعندما دعت مصر إلى مؤتمرات القمة تصورت أنها بذلك تصل إلى تعايش سلمي بين الأنظمة الاجتماعية المختلفة. وفجأة بدأ الملك فيصل يعلن عن الحلف الإسلامي، وبدأت دعاية واسعة جدًّا ضد النظام الاشتراكي في مصر. وأعلن فيصل والشاه عن الحلف. ودعا بقية الدول الإسلامية لتنضم إليه. والحقيقة أن الولايات المتحدة وراء الملك فيصل في سياسته، وتحاول تحقيق نفس الأهداف وعلى رأسها الدفاع عن الشرق الأوسط بجمع كل الدول العربية في صف واحد تحت السيطرة الغربية. وكانت هناك في نفس الوقت مؤامرات ضد سوريا والعراق. وكان الأردن مسئولًا عن التنظيم والسعودية عن التمويل. بدأ فيصل يعمل من أجل الحلف الإسلامي لخدمة مصالح أمريكا ومصالح الإنجليز وتصور أنه يستطيع أن يقوم بهذا العمل في حماية مؤتمرات القمة.

ومن السهل استنتاج أن هؤلاء عملاء الأمريكيين وأدواتهم تحت ستار الدين مدعين أن الحلف عملية دينية وليس عملية سياسية. ويدعي فيصل أن الأمريكيين ليسوا وراء الحلف وأنها فكرته الخاصة ويهدف بها إلى خير المسلمين وخير الدين، في حين أن الإنجليز والأمريكيين في السعودية مسيطرون عليها، وبالتالي مستحيل أن تكون دعوة فيصل لوجه الله. ويشاركه حسين في دعوته بأنه يخدم الإسلام والمسلمين وهما يخدمان أمريكا وإنجلترا والاستعمار. لقد قرر الاستعمار بعد جلائه عن المنطقة العودة إليها من جديد عن طريق العملاء فبدأ الكلام عن الحلف الإسلامي والتضامن الإسلامي والمؤتمر الإسلامي. ولكن معظم الدول الإسلامية ردت ردودًا غير مشجعة لأن معظمها تعمل بالسياسة ومتحررة وتعلم الهدف من الدعوة. ومعروف في العالم العربي أن العملية الغرض منها خداع الجماهير والشعوب العربية.١٥٤
يقول فيصل إن الغرض من الحلف مقاومة الإلحاد. ولكن كيف يقاوم الإلحاد بالسياسة ولا يقاوم الإلحاد بالدين؟ الحلف الإسلامي حلف سياسي وليس تكتلًا دينيًّا لأن التكتل الديني يكون من رجال الدين وليس من رجال السياسة. ومن الذي سيقاوم الإلحاد في العالم العربي وفي العالم الإسلامي؟ شاه إيران وبورقيبة؟ وماذا يعرف الشاه عن الإسلام؟ ومنذ متى يدافع بورقيبة عن الإسلام؟ لقد ألغى بورقيبة إجازة العيد كلها وقصرها على يوم واحد! بورقيبة الذي يتكلم عن الإسلام أكبر متنكر للإسلام في بلده وهو اليوم يدافع عن الإسلام! لقد أصدر فتوى بالإفطار في رمضان، ولبس العمة اليوم وجعل نفسه الشيخ بورقيبة داخل الحلف الإسلامي. كيف يضم الحلف الإسلامي شاه إيران ليبحث في الشئون الدينية وهو لا يعلم شيئًا عن الدين ويعارض كرجل سياسة وليس كرجل دين؟ وكيف يضم الحلف بورقيبة بفتاويه للإفطار في رمضان وبالصلح مع إسرائيل؟ بورقيبة مهووس. كيف يتحدث أو يناقش في الدين؟١٥٥ والحقيقة أن بورقيبة في فتاويه قد اعتمد على أصول دينية معروفة ولا يعيب بورقيبة أن يكون مجددًا. أخذ برأي دون الرأي السائد. وهذا حق أمام المسلمين في الاجتهاد.
لم تكمل الثورة فكرتها الأولى عن المؤتمر السياسي من خلال الحج. فقد قام حلف بغداد في أوائل سنة ١٩٥٥م، وأصبح من المستحيل أن يجتمع المؤتمر الإسلامي كمؤتمر سياسي غير مرتبط بالاستعمار، يعمل لصالح الإسلام والمسلمين، ويعمل للتخلص من الاستعمار والأحلاف ولإقامة عدالة اجتماعية، يعمل لإنصاف المسلم في كل بلد مسلم. ولكن بعد قيام حلف بغداد وانضمام تركيا وإيران وباكستان لهذا الحلف أصبح من العسير أن يجتمع المؤتمر الإسلامي على أساس سياسي. ولذلك سارت الثورة في الفكرة على أساس شعبي. فكل تقارب إسلامي على أساس الذروة يجب أن يبدأ من الذين استطاعوا تحرير بلادهم من الاستعمار والأحلاف ومناطق النفوذ. وقد كانت اتصالات هؤلاء بعضهم ببعض مستمرة؛ إذا لم تكن دعوة التقارب الإسلامي على هذا الأساس بل على أساس سياسي وعلى اجتماع قادة الدول تكون غايتها بالرغم من رفع اسم الإسلام ضرب المسلمين وتشتيتهم باسم الدين، وتفتيت العرب لحساب الاستعمار أي تزييف الدين من أجل خدمة المبادئ والأهداف الاستعمارية. لم يأخذ مؤتمر القمة الأخير قرارات بشأن التعاون الإسلامي والتضامن الإسلامي. فعلى كل دولة أن تعمل ما في مقدورها حتى تسير الدول الإسلامية مع مصر من أجل قضايا الحرية ومن أجل قضية فلسطين. لقد صرح الملك فيصل لإحدى الصحف الكويتية معلقًا على الحلف الإسلامي بأنه قام تعاون بين الطوائف المسيحية، وكان هناك اجتماع المجمع المسكوني ليس اجتماعًا سياسيًّا أو عسكريًّا بل اجتماع ضم رجال الدين المسيحيين ولم يضم رؤساء الدول المسيحية. فإذا ضم رؤساء الدول المسيحية فإنه ينقلب إلى اجتماع ومؤتمر سياسي. إن التضامن الإسلامي الحقيقي هو تضامن الشعوب الإسلامية المناضلة ضد الاستعمار لا تضامن الحكومات الرجعية العميلة للاستعمار والمستغلة للإسلام والمزيفة له، وليس من عملاء السياسة والسماسرة والإرهابيين أو شاه إيران وبورقيبة، مؤتمر لله وللدين وليس للاستعمار والرجعية. إن الإسلام أقدس من أن يسخَّر لخدمة الاستعمار أو الرجعية، ولكن تظل الثورة المصرية على استعداد لأن تعمل من أجل التضامن الإسلامي الحق السليم الذي يخدم الدين ويتكون أساسًا من علماء الدين وتظل على استعداد لعقد اجتماع إسلامي كريم ونزيه داخل الأزهر بالقاهرة أو داخل الحرم النبوي في مكة أو داخل المسجد الأموي في دمشق أو داخل المسجد الأقصى في القدس، مؤتمر لله ولدينه وليس للاستعمار والرجعية وأحلافهما.١٥٦
والجماهير العربية قادرة على معرفة من يخدم الدين ومن يستغل الدين. إذ لا تجد الرجعية العربية المتحالفة مع الاستعمار من خط دفاعي سوى تزييف الدين. وستكشف الجماهير العربية هذا التزييف واستخدام الدين لوضع البلاد العربية داخل مناطق النفوذ. إن الشعوب العربية قادرة على إسقاط الحلف الإسلامي المزعوم كما أسقطت حلف بغداد.١٥٧ وأن الثورة المصرية على استعداد لعقد مؤتمر إسلامي لعلماء الدين. والحقيقة أن حجج ناصر ضعيفة إسلاميًّا إذ لا يوجد فرق بين رجال الدين ورجال السياسة في الإسلام. فرجال الدين هم أهل الحل والعقد الذين بيدهم بيعة الحاكم أو عزله، ورجال السياسة هم أئمة المسلمين. كما أن الإسلام لا يفرق بين الدين والسياسة. كما يريد ناصر أن يجعل رجال الدين يتكلمون في الدين، ورجال السياسة يناقشون السياسة، وهناك موضوعات واحدة تجتمع فيها شئون الدين والدنيا. وإذا كان ناصر يريد تسييس الدين، ويرى أن الدين ثورة اجتماعية ونظام اشتراكي فإنه من الصعب قصر الدين على العبادات والتعاون الأخوي بين الدول الإسلامية وإبعاده عن السياسة ومعاركها. وإذا كان ناصر قد وصف رجال الدين من قبل بالتخلف والرشوة وتبعية الحكام فكيف يرجى من هؤلاء أي نفع أو خير للمسلمين؟ يبدو أن مقارنة الحلف الإسلامي بالمجمع المسكوني المسيحي يجعل تصور ناصر للإسلام تصورًا تقليديًّا مسيحيًّا خالصًا.
والعجيب أن تدافع إسرائيل عن الحلف الإسلامي. فتذكر في إذاعتها أن عبد الناصر وقف ضد الحلف الإسلامي لأنه يهدد زعامته في المنطقة. وهذه شهادة من العدو بأن الحلف الذي تدافع عنه إسرائيل يعبر عن أحقاد الصهيونية.١٥٨ وقد قيل إن الحلف الإسلامي هدفه هو تكتيل المسلمين ضد إسرائيل. والحقيقة أن الحلف من صنع الاستعمار والرجعية وإسرائيل، ممثلًا في السعودية والأردن وإيران. يستطيع الحلف أن يخدم قضية فلسطين في شيء واحد فقط هو منع إمداد إسرائيل بالبترول الذي يأتي من إحدى دول الحلف، إيران إلى إيلات. الحلف حلف استعماري. ومعنى هذا أنه مع الصهيونية لأن الصهيونية هي الحليف السياسي للاستعمار. ويعلم العالم العربي ذلك. وهو معبأ ضد عملاء الاستعمار وحلفاء الصهيونية والطابور الخامس. وقد قامت أمانة الدعوة والفكر بعدة محاضرات وندوات عن الحلف الإسلامي مبينًا مخاطره وأهدافه.١٥٩
ولكن بعد ١٩٧٠م يصبح الملك فيصل من أخلص الزعماء للقضية العربية والعالم الإسلامي ورمزًا للأخوة الإسلامية والتضامن العربي والإخاء الإسلامي. فقد تغير الموقف وأصبح النظام السياسي في مصر مواليًا للنظام السعودي. فظهرت الأخوة في الله!١٦٠

(ﺟ) المرحلة الثالثة: العودة إلى الإيمان (١٩٦٧–١٩٨١م)

كانت المعركة الأخيرة التي ظهر فيها الدين كسلاح دفاعي هي معركة الإيمان والعودة إليه التي ظهرت بوضوح بعد هزيمة ١٩٦٧م حتى الآن وكأن الثلاث سنوات الأخيرة في حكم ناصر كانت مؤشرًا للحكم الحالي. صحيح أن الميثاق قد ذكر ضمانات خمسة للعمل الثوري: إرادة التغيير، والطليعة الثورية، والوعي العميق، والفكر المفتوح، والضمان الخامس هو إيمان لا يتزعزع بالله ورسالاته القدسية التي بعثها بالحق والهدى إلى الإنسان في كل زمان ومكان، ولكن تحول هذا الضمان الخامس بعد الهزيمة أولًا وبعد وفاة عبد الناصر ثانيًا إلى الضمان الوحيد. وتظهر أيضًا عبارة في خاتمة «الميثاق» أن شعبنا يملك من إيمانه بالله وإيمانه بنفسه من فرض إرادته على الحياة ليصوغها من جديد وفق أمانيه. ولكن يبدو أن هذه العبارة الأخيرة هي التي أصبحت فيما بعد في المرحلة الثالثة والأخيرة الميثاق كله. ثم تمتد المرحلة حتى الآن.١٦١ وليس سببها التربية الدينية العميقة للرئيس المؤمن بل عجز النظام السياسي عن أن يحل القضايا الأساسية، القضية الوطنية والقضية الاجتماعية، ومحاولة البحث عن مقومات للنصر فيما لا يختلف عليه اثنان. وردًّا على سؤال بخصوص إجادة الخطابة والارتجال رد الرئيس بأنه قد تخرج في مدرسة القرآن الكريم وبمبادرة رجل دين يتصدر مجلس القرية بعلمه وقوته. ليس السبب في ذلك تربية الرئيس المؤمن بقدر ما هو النظام السياسي القائم في هذا العهد. لم تحدث معارك فعلية مثل الإسلام والاشتراكية أو الحلف الإسلامي بل كلها مزايدات في الإيمان. وكثير منها في مناسبات رسمية وفي عبارات قصيرة أو شعارات دون بناء داخلي. وكلما عجز النظام عن حل القضية الوطنية أو الاجتماعية فإنه يلجأ إلى هذه الشعارات لكسب نصر سريع في ميدان يسهل فيه الانتصار أمام جماهير موالية عاطفيًّا وأمية حضاريًّا. فتحويل المعركة من الخارج إلى الداخل عجز عن مواجهة الخارج كي يسهل الانتصار فيها. وكلها تدور في الأمور النظرية الاعتقادية التي لا ينتج عنها فعل أو نظام باستثناء بعض الإجراءات الشكلية كالتشبث بالشعائر الدينية والدعاوى النظرية عن تطبيق أحكام الشريعة. وبعد ١٩٧٠م يسود موضوعان اثنان الفتنة الطائفية والإيمان وهما من موضوعات الضعف والدفاع وليسا من موضوعات القوة والهجوم مثل الاشتراكية والتحرر كما كان الحال في بداية الثورة.

(١) رد فعل على الهزيمة

(أ) تهمة الكفر والإلحاد

وقد بدأت بوادر هذه الردة عن القيم الثورية الأولى في عنفوان الثورة وشبابها بالسؤال عن مدى حرية العقيدة الدينية وهل تشمل الردة عن الإسلام، وما هي الوسائل العلمية لبناء الجيل الصاعد على أسس دينية وأخلاقية، وهل ستمنع الشعوذة والاتجار بالدين وتبرير خطة دعاة الإلحاد والكفر؟ وهي أسئلة توحي بالردة، وذلك أن التساؤل عن الاعتقاد الداخلي تفتيش في ضمائر الناس، وطرح موضوع الردة حكم على إيمان الناس، وتأسيس المجتمع على أساس أخلاقي ديني ردة عن بناء المجتمع على القيم الثورية الأولى، وتكفير دعاة الكفر والإلحاد هو بداية القضاء على الطليعة الثورية في كل مجتمع.

وكانت الإجابة على هذه التساؤلات مؤشرًا على بداية الردة وذلك أن حرية الفكر لا تتمشى مع الإثارة الجنسية، وإلا منعت الجرائد والمجلات. وأنه لا بد من تربية الأبناء، وأن تكون الصحافة متقدمة ومتطورة. هناك قيود على حرية الفكر تأتي من تصور متخلف للأخلاق وهو التصور الجنسي المثير لها. وبالرغم من تأكيد الدساتير على حرية الأديان، وهي من المبادئ الأساسية إلا أن موضوع الردة ما زال مطروحًا دون أن يتم التوفيق بينه وبين المبدأ. وقد نص الميثاق صراحة في عبارتين على حرية العقيدة الدينية، الأولى: «كذلك فإن هذه القيم لا بد وأن تعكس نفسها في ثقافة وطنية حرة تفجر ينابيع الإحساس بالجمال في حياة الإنسان الفرد الحر. إن حرية العقيدة الدينية يجب أن تكون لها قداستها في حياتنا الجديدة الحرة». والثانية «أن الإقناع الحر هو القاعدة الصلبة للإيمان والإيمان بغير الحرية هو التعصب والتعصب هو الحاجز الذي يعوق كل فكر جديد».١٦٢ ومع ذلك فلم تكن لهاتين العبارتين أي مضمون. وانتهى بهما الحال إلى قانون الردة والحكم على المواطنين بالإيمان أو الإلحاد. في حين أن المادة ٣٤ من الدستور تنص على أن حرية الاعتقاد مكفولة، وتحمي الدولة حرمة القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقًا للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب.١٦٣
والوعي الديني يمنع الشعوذة والاتجار بالدين والإلحاد والكفر وكأن هناك طريقًا واحدًا مرسومًا وما سواه انحراف وضلال. ومهمة رجال الدين في ذلك ليس فقط الخطابة في المساجد بل الخروج إلى القرى والدعوة في المدن وإرجاع الخراف الضالة.١٦٤ فعلى رجال الدين والوعاظ والمشايخ مسئولية كبيرة في الخروج من المساجد والنزول إلى الأحياء. وإن مهمة رجال الدين، وهم يأخذون أجرًا على ذلك، هي الوعظ بالطريق السليم الجاد وليس بالهزل لاستجلاب الضحك. في أول الثورة طلب البعض أشياء كثيرة وقال: «من لم يُزع بالقرآن يُزع بالسلطان» ولا بد من عمل كذا وكذا ويستحيل ذلك لأن فيه تضييقًا على الحريات التي تعوَّد عليها الناس في هذا البلد. لو صدر قانون بمنع الميني جيب فذلك معناه أن البوليس له الحق في أن يتعرض لكل سيدة في الطريق، وهذا شعور يؤذي كل إنسان. كل عائلة عليها أن تصدر هذا القانون، كل رب أسرة وكيف يصدر قرار بفصل كل طالبة تدخل الجامعة بميني جيب.١٦٥ وقد أثير هذا الموضوع من قبل في رفض طلب الهضيبي بمنع الميني جيب في أول الثورة. فكيف تقام تنمية اجتماعية ويترك الدين للمسئولية الفردية الخالصة ولا يكون المجتمع مسئولًا عنه في شيء؟ وهذا يدل على أن الدين كان سلوكًا فرديًّا خالصًا لا شأن له بسلوك الجماعة إلا في لحظات الدفاع عن النظام الاشتراكي ضد هجوم النظم الرجعية. ولولا هذا الهجوم والدفاع لما ظهر البعد الاجتماعي للدين.
ثم يظهر التأكيد على تمسك هذا الشعب بالدين كرد فعل على هجوم سوريا على النظام في مصر ومدافعة النظام عن نفسه بأنه نظام متدين يرفض إلحاد النظام السوري ويرفض لا أخلاقية حزب البعث. فالشعب في مصر شعب متدين متمسك بالدين، وهو شعب طيب يجمع بينهم شيء واحد وهو الدين.١٦٦ تقول إذاعة دمشق إن كتاب «فلسفة الثورة» ليس به عقيدة لأنه مبني على الأفكار الدينية العفنة. وشعب مصر يفخر بأنه يتمسك بالدين، المسلم والمسيحي على حد سواء لأن الدين يمثل الطريق الصحيح والطريق السليم، الشعب والقادة كلاهما يتمسك بالدين منذ اليوم الأول للثورة وهذا سر نجاح الثورة، التمسك بالدين، والعودة إلى الدين. الأمة العربية كلها متمسكة بالدين، وطوال تاريخها تمسكت بالدين، ودافعت عنه، ولم تُمكِّن أي خارج عن الدين من أن يكون صاحب سلطة فيها، الشعب السوري متمسك بالدين. وإذا ما خرج القادة عن طريق الدين تكتل الشعب حتى يزيحهم عن أماكنهم ويفرض إرادته ومشيئته ويجبر القادة على العودة إلى الدين. الأفكار المبنية على الدين هي التي تعبر عن إرادة الشعب، وهي التي تنمو وتترعرع. لقد قابلت الثورة أزمات عدة ولكنها استطاعت التغلب عليها لسبب أساسي، سبب أخلاقي، سبب ديني. وقد سارت الجامعات في طريق العمل وفي طريق الأخلاق المبنية على الدين وعلى التمسك بالدين. لا بد من التمسك بقيم الدين والاعتصام بها مثل التمسك بالتكافؤ في التضحيات وبالنقاء الثوري وبالطهارة الثورية. الدين بخير في هذا البلد، والأمة كلها تقوم بتدعيمه. الإيمان في الجيش كله وفي كل واحد، يملأ النفوس.١٦٧
إن الأفكار الملحدة هي الأفكار العفنة، ولا يمكن بأي حال أن يتجاوب شعب يتمسك بالدين مع قادة ملحدين يتهمون الأفكار الدينية بأنها أفكار عفنة. ولكن بعد ١٩٧٠م يصبح الإلحاد التهمة الأساسية ضد الخصوم السياسيين، فهذا الشعب المؤمن والذي يكون الإيمان فيه جزءًا من كيان وتكوين الشعب ولن يسمح لأية قوة مهما كانت أن تزلزل هذا الإيمان أو أن تسلك طرقًا ملتوية لمحاولة تضليل الأجيال القادمة كما حدث في بلاد أخرى. وظلت لعبة الإيمان والإلحاد لعبة النظم السياسية عندما تكون في مأزق مع خصومها. فالقذافي الذي كان يرى أن الشيوعيين جماعة ملحدين لا يصلون فإن اليسار في مصر مسموح به. حتى إذا ما أصبح اليسار يهدد النظام ترفع دعوات الإلحاد من جديد. فإذا ما أراد للنظام الدفاع عن ناصر دفاعًا عن شرعيته فإنه يدافع عن ناصر ضد اتهامه بالإلحاد. وإذا ما أراد النظام التالي على لسان أحد الكتاب أن يشوه عبد الناصر فإنه ينتهي إلى أنه رجل ملحد في بلد لا يحب الإلحاد.١٦٨ وقد فرضت الاشتراكية الديمقراطية قول الرئيس «لا مكان لملحد في دور الصحف ووسائل الإعلام» لأن الاشتراكية الديمقراطية ليست فلسفة إلحادية تنكر الأديان وتجحد دورها في توجيه البشرية لأن التدين جزء من تكويننا الثقافي في كل العصور. فهي فلسفة تدعم الدين والتدين في النفوس كما رسمته الكتب السماوية.١٦٩ تصبح كل معارضة سياسية لأسباب اجتماعية خالصة كما حدث في ١٨، ١٩ يناير متهمة بالإلحاد، وتلحق بمراكز القوى وبانقلاب مايو ١٩٧١م وإزاحة اليسار الناصري أي الماركسي الملحد.
الإيمان أقوى عاطفة في الإنسان، والعاطفة أغلى شيء فيه. وهي ما يستطيع الإنسان أن يضحي بنفسه في سبيله. والإيمان هو إيمان بالأجل وبالكتاب، ولن يتوفى الله أحدًا لم يأتِ أجله. ومن ثم وجب الفداء والتضحية وبذل الجهد. الإيمان إذن هو الطريق إلى النصر. وذلك لأن الإرادة وحدها هي القادرة على تغيير الموقف وتحويل الهزيمة إلى انتصار. لا بد أن يتعمق هذا الإيمان في قلب الجنود. لا بد أن يؤمن كل جندي بالدين والمبادئ وبالقيم. وهذا دور التوجيه المعنوي لتعميق هذه المعاني، وجعل عامل الإيمان بالله أساس توعية الجندي. هذا الإيمان القوي يمنع من الشك والتردد في المعركة، ويزيد الإنسان صلابة وقوة، قوة المبادئ وصلابة الإيمان. ولا بد أن يؤمن الجندي بعد إيمانه بالله بقضية بلاده وتحرير الأرض المحتلة. لذلك يقترن الإيمان بالله باستمرار بالإرادة والثقة بالنفس وبالتدريب وبالجهد وبالعلم. وعلى هذا النحو تستطيع القوات المسلحة في الوقت المناسب تحويل الهزيمة إلى انتصار. الإيمان بالله وقوة العقيدة يذهبان بالخوف، ويجعلانه شيئًا وقتيًّا لحظيًّا. لا بد من توجيه الجندي توجيهًا سليمًا، فعليه رسالة كبيرة نحو ربه ونحو وطنه. لا بد من بث روح الإيمان فيه. فبدون الإيمان وبدون العقيدة لا يستطيع الإنسان أن يحارب ولا يرى سببًا لموته. يموت الإنسان لأنه مؤمن بشيء ويبذل نفسه من أجله. والشعب هنا يؤمن بالله وبوطنه وبحريته وبحق أمته العربية في الحرية. يموت الإنسان من أجل المثل الأعلى الذي أعطاه الله ومن أجل البلاد والأرض والأمة العربية. تحمل القوات المسلحة المسئولية الكبرى. يثق كل جندي بنفسه وبوطنه. بهذا الإيمان وهذه الثقة لن يخذل الله الشعب في معركته من أجل تحرير البلاد والدفاع عن الشرف وإثبات الذات. وكل جندي في القوات المسلحة مستعد للتضحية في سبيل الله والعروبة والوطن. إن العمل الإنساني قادر بحقيقة الإيمان والصبر والجهد المستمر وبالأمل في نصر الله.١٧٠ وكان شعار القوات المسلحة النصر أو الشهادة.
وفي النظام التالي في السبعينيات نادرًا ما يقرن الإيمان بالعمل. بل ويقترن الإيمان بالصبر، فبالصبر والإيمان بالله وبالنفس يمكن تحقيق الهدف وتحويل الهزيمة إلى نصر. ومع أن الصبر هو صبر المؤمن القوي وليس المؤمن الضعيف إلا أن ظهور القيمة نفسها يجعل الصبر غير مشروط. كما يدل الواقع الاجتماعي والسياسي أيضًا على أنه تبرير للعجز عن الحركة وحل القضية الوطنية أساسًا. الصبر صبر المؤمن وهو الصمت، صمت الواثق حتى تأتي الساعة وقد لا تكون بعيدة بإذن الله، الصبر والصمت في عزم وإصرار. ومع أن الصبر يكون مقرونًا بالجد إلا أن الغالب على هذا النوع من القيم هو السلب مثل سماحة النفس والرحمة التي تسود الوفاء بالمودة اليقظة. فالأمة صابرة مؤمنة، صبرها من إيمانها، وإيمانها يزيد صبرها. ويتم الاستشهاد ببعض آيات الصبر مثل: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وقد كانت الدعوة للصبر في بداية الثورة مجرد دعوة عامة بدعوة المواطنين إلى الصبر كي يتحقق الاتحاد من أجل القضاء على الماضي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.١٧١ ولكن قد تخفى هذه القيم السلبية نزعة فاشية وميلًا إلى البطش والعدوانية فإذا قيل: لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا فإن ذلك تواضع في الظاهر وبطش في الباطن بالرغم من القول بأن الرحمة هي أساس الدين.

(ب) الدين والإيمان

والدين هو المرشد الصحيح لكل إنسان ولكل شخص لأنه يعطي الإنسان القدرة على التفريق بين الحلال وبين الحرام. وكان الشعب أيضًا يشعر بهذا الشعور مثل قادة الثورة وهم من هذا الشعب. الدين يحدد عمل كل إنسان يعمل الحلال ولا يعمل الحرام. الدين هو الذي يضع المقاييس السليمة، ما يقره الدين يعمل وما لا يقره لا يعمل. الدين هو الميزان، وعدم التمسك بالدين ضياع للميزان واستحالة للتفرقة بين الحلال والحرام بأي حال من الأحوال. الدين هو الذي يهدي إلى القيم السليمة وإلى القيم الحقيقية. واضح هنا وجهة النظر التقليدية في الحلال والحرام وهي أنهما ينبعان من الدين ولا يستطيع العقل أن يستقل بإدراكهما.

وفي الستينيات أيضًا كان تصور القيادة السياسية للتدين أي الدين في لحظة تاريخية معينة يظهر السلوك الديني وكأنه نابع من الفطرة البشرية، والفطرة بها الخيِّر والشرير وبها الصالح والطامع وبها الصحيح والفاسد منذ الخليقة حتى الآن. وبالتالي تكون المسئولية فردية. فأولياء الأمور والعائلات هي المسئولة أولًا ثم المجتمع ثانيًا. فمنذ قام المجتمع حتى اليوم فيه الصالح والفاسد، منذ قامت الخليقة من عهد آدم وقصة هابيل هناك الفاسد والصالح. والواجب هو العمل على تقويم الفاسد وتدعيم الصالح. لا يوجد إذن أساس اجتماعي للسلوك الديني، بل هو سلوك فطري، الصالح صالح بالطبع والفاسد فاسد بالطبع، وهي النظرة المحافظة التي تود الحفاظ على الوضع القائم وتجد الشرور الاجتماعية ضرورة لا مفر منها تعبر عن طبيعة البشر، أو كما يقول المسيحيون عن الخطيئة الأولى معصية آدم وقتل هابيل لقابيل.١٧٢ وقد كان التمييز بين النافع وغير النافع من أوائل دعوات الثورة ضد التشكيك والإثارة والهمس الجبان المتواري للنيل من الثورة.
والإيمان ليس صفة في الشعب وحده بل أيضًا صفة للقادة إذا مات زعيم خرج زعيم غيره بالعشرات يؤمنون بالله. فمن يحمل أمانة الإيمان فإنه يستطيع أن يعبر مجرى التاريخ.١٧٣

(ﺟ) القدرية والتسليم

وقد بلغت الرِّدة الدينية لدرجة القدرية والإيمان بقدر الله في الهزائم العسكرية. فلو نظرنا إلى التاريخ القديم والحديث لطالعتنا صفحته بنماذج عديدة لما يمكن أن تتردى إليه أحوال الأمم عندما تصيبها الهزيمة العسكرية وذلك قدر لا تتفرد به الثورة المصرية وحدها، وإنما هو قدر جرى قبلها على أمم أكبر منها وأقوى وما حدث لكثير غيرها لم يحدث لها. وردًّا على سؤال عن الموهبة غير العادية التي يتمتع بها الرئيس في تحويل الهزائم إلى انتصارات وفي تخطي المآزق يجيب الرئيس بأنه يؤمن بالله وبقضائه وقدره. وتغيير الواقع يحتاج من العمل والصبر والطاقة التي لا يملكها غير المؤمنين بقضاء الله والواثقين في عدالته. يقبل الرئيس مشيئة الله وما هو فيه من امتحان وآلام، ويثق بمشيئة العدل الإلهي ويؤمن إيمانًا لا يتزعزع بأنه سيكون يد هذه المشيئة في العدل الإلهي حينما تجيء اللحظة المناسبة ويرد بيقين الصادقين وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى. إن الأقوياء القادرين على حمل أمانة مشيئة العدل الإلهي هم المجاهدون الصابرون الذين يتحملون مسئولياتهم بلا خوف ولا جزع ودون تردد أو وهن. ويظهر نفس التسليم أيضًا في بيان ٣٠ مارس «ولتعمل إرادة الحق فوق كل إرادة لأنها جزء من إرادة الله». لقد توفي عبد الناصر بقضاء الله وقدره، ولا يمكن رد مشيئة الله. ترتفع الأمة بالإيمان وتهبط بدونه. كانت الأمة في ذروة الإيمان وبالتالي في ذروة الارتفاع إلى مستوى أقدارها، وما شاءت إرادة الله أن تمتحن بها عزمها فما وهنت ولا ترددت.١٧٤ فالإيمان يعني التسليم بالقضاء والقدر وقبول المصائب والهزائم كامتحان واختبار من الله للمؤمنين. وكل إرادة من إرادة الله وتعلو إرادة الله على كل إرادة؛ لأنها جزء من إرادة الله. وكل هزيمة أو نصر بإرادة الله. النصر من عند الله والاعتماد والتوكل عليه والعهد لله. وتسديد الخطى من الله. والله وحده هو الذي يعلم وأن العمل ليس أمام الناس بل أمام الرب والشعب هو الشاهد. تقبل الأمة على امتحان يريد الله به أن يختبر شجاعتها بعد أن اختبر ثباتها. ويتم الاستشهاد بآيات توصي بنفس المعنى مثل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا أو وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وأيضًا: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا. أرواح الشهداء الذين سقطوا في ميدان المعركة حسابهم على الله. إن إرادة الشعب وإرادة الأمة هي إرادة الله.١٧٥
وقد ظهر البعد الرأسي في الدين واختفى البعد الأفقي، وأصبحت المسئولية أمام الله، والعمل لله، فيخشى القادة ويخلصون ضمائرهم أمام الله وأمام التاريخ. المسئولية أمام الله أولًا وأمام الشعب ثانيًا، أمام الله أولًا وأمام الضمائر ثانيًا. واستمداد القوة من الشعب بعد الله وإرادة الشعب هو صوت الله، والثقة في النفس بعد الثقة في الله حتى يكون الله هاديًا للمسيرة، وإنها منحة كبرى من السماء أن يقيض الله لشعب أب عائلة واحدة. فالاعتماد على الله ثم على الناس ووجود الناس بجانب القادة بفضل عون الله وما منحه الناس من روح الخلق والإبداع وما أعطاهم من إرادة الصبر والتصميم. والمسئولية أمام الله وأمام الشعب وأمام الضمير، وإرادة الشعوب من إرادة الله. الثقة بالله والعمل من أجل نصر الله. وجند الله هم الغالبون، والتضرع إلى الله من أجل أن يهب القوة حتى يحقق النصر الذي يصبو الشعب إليه. «إننا الأمناء والمؤمنون، إننا الحق والحقيقة، إننا النار والنور»! الصراحة أمام الله وأمام النفس، والله هو الذي يحقق آمال الوطن ويسدد خطاه ويهيئ من الأمر الرشد، والبداية على بركة الله في شهر القرآن، شهر التضحية والمبدأ والنضال.١٧٦
الله مع الشعب بتوفيقه ومع الأمة بعونه وتأييده ونصره، والدعاء هو أن يوفق الله كل من يتحمل المسئولية في أي موقع في التعبير عن أمل الشعب وأن يمكنه من تحقيق أهدافه، وهو القوي الحكيم القادر، توفيقه وهداه نصر مؤزر، ونعتمد عليه جميعًا. والمسئولية أمام الله وأمام الضمائر وأمام الشعوب. والنصر من عند الله عزيزًا كريمًا شريفًا غالبًا، وينصر الله من ينصره والله قوي عزيز، والعهد للناس ولله. والله هو الذي منَّ بالنصر في حرب أكتوبر. وارتفع صوت الجنود: الله أكبر. والله هو الذي يمنح القوة والعزم بالحق والله هو الواهب لكل شيء على هذه الأرض. السماح من الله، والتوفيق من الله، والهداية سواء السبيل من الله، والاتجاه في خشوع إلى الله. والثقة بالله وبأصالة هذا الشعب، والتبليغ لله والشهادة أمامه. ومع أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة إلا أن التوجه الكلي إلى الله. الثقة بالله، والرعاية للأمة والمباركة لنضالها وتوفيق الشعب وتحقيق آماله والنصر من الله. الدعاء لله والسجود لله. ولن تمنع الحصون الأعداء من الله، ورحمة من في الأرض يتبعها رحمة من السماء. والعلم لله، والعبادة لله، والعصمة لله يفعل الله ما يشاء.١٧٧
ويستعمل كثير من الآيات سواء في داخل الخطاب أو في آخره توحي أيضًا بهذا التسليم المطلق بإرادة الله، وأن الأمر بيده تعبيرًا عن إيمان البسطاء، وسيرًا في التقاليد الأشعرية عند رجال الدين مثل تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. أو مثل رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. أو الدعاء إلى الله وطلب الرحمة والهداية مثل رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا. بل ترد أيضًا كل آيات النصر التي تجعل النصر من عند الله مثل وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ. كما أن آيات النصر التي تجعل الإنسان طرفًا في الحصول عليه قد ارتكزت على الطرف الذي يجعل الله الوسيلة للحصول عليه مثل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ أو إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ أو إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ. وأحيانًا تأتي الآية كلها طويلة حتى تضفي الجو الديني العام على الخطبة السياسية مثل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ. الله هو الذي يجزي ليَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، والله هو الرامي وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى.١٧٨
وبتحليل فواتح الخطب السياسية وخواتيمها بعد ١٩٧٠م نجد أيضًا نفس العبارات التي توحي بإسناد كل شيء إلى الله، مثل: الله الموفق، وفقكم الله، الحمد لله، بمشيئة الله، بعون الله، وتوفيقه ومشيئته، بإرادة الله، باختيار الله، تكريم الله، سؤال الله، رجاء الله، رعاية الله، نصر الله، رضى الله، هدى الله، الحمد لله وبإذن الله … إلخ. ويفتح الخطاب باسم الله وينتهي بآية قرآنية. في حين أنه لم يكن يغلب على الخطب السياسية في ١٩٥٢–١٩٧٠م أية فواتح أو خواتيم دينية كما حدث بعد ١٩٧٠م. كانت البداية دعوة إلى المواطنين «أيها الإخوة المواطنون» دون ذكر باسم الله أو بسم الله الرحمن الرحيم إلا فيما ندر. ولم يكن هناك إكثار وتركيز على إسناد كل شيء لله مثل: الحمد لله، وإن شاء الله، وعون الله. وكان الختام دائمًا السلام عليكم والدعوة بالتوفيق دون الاستشهاد بآية قرآنية.١٧٩
والعجيب أن آيات أخرى تدعو إلى العمل وتحمل الأمانة تظهر أيضًا، ولكن أيضًا جانب العمل الإنساني يختفي أمام التوفيق الإلهي. فمثلًا ترد آية: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ حوالي سبع مرات من أجل رؤية الله لعمل المؤمنين أكثر من الدعوة للعمل. كما أن آية الأمانة التي رضي الإنسان أن يحملها ترد ليس كدعوة للعمل بقدر ما هي دليل على الإيمان وهي إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ والدعوة للعلم والقراءة وهو الجانب المعرفي في الرسالة أيضًا يتحول إلى مصدر المعرفة وهو الخالق أكثر من المعرفة وهو العلم مثل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وقد كانت الدعوة إلى العمل ظاهرة في أول الثورة: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.١٨٠
وقد بدأ العود إلى الإيمان منذ الهزيمة في الستينيات. فسبب تقبل الهزيمة كقضاء من الله هو إيمان الشعب وصلابته وسلامة خطه في النضال وثقته في مبادئه وفي الله. وقد كان موقف جماهير الشعب في ٩، ١٠ يونيو هو التعبير الحي عن هذا الإيمان بالنفس وبخط النضال وبالمبادئ وبالله. قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا. رسالة الإيمان فوق كل شيء، وهو جزء من التقاليد المتينة عبر آلاف السنين. لو أراد البشر كلهم أن يصيبوا أي أحد بشيء لا يريده له الله ما أصابوه أبدًا. هذه هي رسالة الإيمان في الدين. الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك عمن يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. فالإيمان قوة، قوة الفرد، قوة الإيمان بالرسالة وبالعقيدة وبالمبدأ، قوة الفرد وقوة المجتمع. ومع ذلك فقوة الإيمان نابعة من ذات العقيدة وليس من مضمونها المادي الاجتماعي.١٨١

(د) القيم الروحية

ليس هناك تناقض بين القيم الفكرية أو الروحية والقيم المادية. والتناقض بينهما مفتعل من الذين يريدون تغليب العنصر المادي على كل شيء، ومن الذين يريدون إلهاء الناس عن الحقوق التي تكفلها لهم الحياة. وقد جمع القرآن وما جاء فيه من تفصيلات مادية عن الحياة والتنظيم والاقتصاد والعمل من الناحيتين الفكرية والمادية. ومن بين أهداف كل الثورات التقدمية هو كيف يمكن تحقق الوحدة والتناسق بين القيم الروحية التي تعتز بها الشعوب وبين أدوات الإنتاج المادية والتي لا بد لها من السيطرة عليها لتحقق عملية التغيير الضرورية الواجبة في المجتمع. وقد ظهر موضوع القيم الروحية من قبل في إحدى عبارات الميثاق وهي: «إن القيم الروحية الخالدة النابعة من الأديان قادرة على هداية الإنسان وعلى إضاءة حياته بنور الإيمان وعلى منحه طاقات لا حدود لها من أجل الخير والحق والمحبة». كما يظهر الموضوع من جديد في بيان ٣٠ مارس ضمن المهام الرئيسية للمرحلة القادمة العمل على تدعيم القيم الروحية والخلقية والاهتمام بالشباب وإتاحة الفرصة أمامه للتجربة. لا يمكن أن تطغى القوة المادية على شعب أعزل من سلطان الروح. إن موضوع «الإسلام والعصر الحديث» وهو موضوع المؤتمر الإسلامي بداكار يكشف عن عبقرية الإسلام وآثاره. فقد دعا الإسلام إلى العلم والعمل وحث على التفكير والتدبير منذ خمسة عشر قرنًا كما يتضح من مئات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وجهود العلماء المسلمين الأولين في فروع العلم والمعرفة والثقافة والابتكار حتى إنه من الحق أن للعلماء المسلمين الفضل على نهضة أوربا وانتشالها من ظلمات العصور. لا بد من التمسك بالقيم الروحية في مواجهة موجة الاستمتاع المادي التي تعرفها مجتمعات الاستهلاك الغنية لأن تلك القيم من السمات الأصيلة لحضارتنا ولأن المجتمعات التي تجاهلتها تعرف الشقاء النفسي وسط الوفرة المادية.١٨٢ ويبرز موضوع القيم الروحية كدفاع عن الذات ضد النقيض وهي القيم المادية المقرونة في ذهن الناس بالإلحاد المقرون أيضًا بالماركسية والشيوعية. ففي بيان ٣٠ مارس توحي إحدى نقاطه بالعمل على تدعيم القيم الروحية والخلقية والاهتمام بالشباب وإتاحة الفرصة أمامه للتجربة.
ويستمر نفس الموضوع ابتداءً من ١٩٧١م والحث على التمسك بالقيم الروحية والأخلاقية في مواجهة الاستمتاع المادي الذي تعرفه مجتمعات الاستهلاك الغنية. وقد كثرت كتابات المنظرين في أهمية القيم الروحية وأصبحت مزادًا علنيًّا يتبارى فيه كل المتطلعين إلى السلطة والساعين وراء المناصب. فالاشتراكية الديمقراطية تهدف إلى إعادة بناء الإنسان المصري على أسس سليمة قوامها القيم والروح والوعي وفي ضوء منجزات العصر الذي نعيشه. بل إن أول معْلم من معالم الاشتراكية الديمقراطية هو التأكيد على القيم الروحية المستمدة من الأديان السماوية ودون انحراف بها عن مضمونها الحقيقي. وتزايد جامعة الإسكندرية بالتأكيد على ارتباط الإنسان المصري بالقيم الخلقية المستمدة من العقيدة الدينية والروحية وعلى رأسها الطيبة والصبر.١٨٣ ويوضع نفس السؤال بطريقة أخرى وهي: كيف تستطيع الشعوب أن تنطلق إلى آفاق التكنولوجيا الحديثة وفي نفس الوقت لا تدوس على التراث المجيد وهو ما أصبح فيما بعد في العهد الحالي موضوع العلم والإيمان. لهذا يجب الانفتاح على التجارب الإنسانية المعاصرة والعلوم الحديثة والتمسك من جهة أخرى بالقيم الروحية والمعنوية، والأخذ بأسباب التقدم المادي والاعتصام في نفس الوقت بالقيم التي تحمي من أمراض المجتمعات المادية الخالية من الروح. إن من علامات البناء الديمقراطي السليم التأكيد على القيم الدينية (بالإضافة إلى تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع والسلام الاجتماعي، والوحدة العربية).١٨٤

(٢) الهوس الديني

ثم تحولت القيم الروحية في السبعينيات إلى نوع من الهوس الديني شيئًا فشيئًا، وانقلبت من قيم خارجية إلى قيم داخلية، كما ظهرت قيم الطمأنينة الداخلية والشكر لله، والتي تجعل إيمان القائد السياسي أقرب إلى الإيمان الصوفي منه إلى الإيمان العلمي. وكان الخيط من الستينيات بعد العزيمة. فقد ظهرت المعرفة الصوفية الاشتراكية التي يقذفها الله في القلب، واستقبال الإنسان لهذا الضوء عقلًا وقلبًا. وقد تحدث بيان ٣٠ مارس من قبل عن النصر العزيز من الله وأن أهم ما حبا الله مصر من نعم لهو شعبها.١٨٥
واستمر في السبعينيات. فالله هو الوهاب. وتكثر الدعوات الصوفية مثل «رب اجعل النصر حليفهم وألهمنا يا رب الحكمة كما نؤدي لك الأمانة عزة لأرضنا، وانتصارًا لحقنا وأنت رب العزة، ورب الحق القاهر فوق عبادك». كما ينتهي بالدعوات المباركة مثل «بارك الله في ثورتكم وفي قادتكم، بارك الله في سودانكم عزيزًا منيعًا قويًّا شامخًا». أو بالدعاء الديني مثل «والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل من هذا الاتحاد بلدًا آمنًا مطمئنًّا وأن يلهمنا الحكمة والرشاد إنه نعم المولى ونعم النصير». وسيكون الوطن عائلة واحدة وبأمر الله وبإرادة الله وبنصر الله وبعون الله. والنصر من عند الله. وتكثر الدعوات الصوفية في المناسبات الدينية أو في مناسبات الوفاء مثل «ولننتصر بالشهادة والبطولة معًا أطهر الأرض وأغلى المقدسات. فأضئ عقولنا يا رب ونحن نتمسك بحقنا بكل ماضينا من عزة وصلابة»، «ربنا إنك تعلم ما نخفي ونعلن وما يخفى عليك يا رب من شيء في الأرض ولا في السماء فاهدنا يا رب سبيلنا ووفقنا وانصرنا إنك نعم المولى ونعم النصير». «رب علمت فقدرت ذلك والقهر وبيدك الخلق والأمر فكن معنا يا رب بالقرب». «ربنا كن لنا عونًا وهدًى، ربنا وبارك لنا في شعبنا وفي أمتنا، ربنا إنك وعدت ووعدك الحق». «رب طويت من عمري صفحات ونشرت اليوم صفحة فاجعل صفحتي هذه أدعى للخير وأخلى من الشر وزينها بالحق وبرئها من الباطل واجعل فاتحتها وخاتمتها الإخلاص لك والعمل لوجهك». كل هذا اليقين الصوفي من أجل تغطية دينية لموقف سياسي متزعزع ولنظام سياسي هش. كما قد تظهر الدعوات في صورة آيات قرآنية تشير إلى سلامة القلب واطمئنان النفس مثل: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي. فالشعب مؤمن له قيمه، يؤمن بالوفاء وبكل القيم التي أرادها لهذا الكون. له إيمانه وما ورثه من رسالات السماء. لقد تم الصمود في السويس بسلاح الإيمان. لقد هدم العدو المساجد والكنائس ولكنه لم يهدم روح البناء. لم يهدم عمق الإيمان وصدق العقيدة وصلابة الجهاد. لقد تحول ذلك كله إلى هوس ديني بحجة الفتنة الطائفية التي أصبحت ذريعة للقتل والتكفير وأحكام الردة والاضطهاد لكل فكر أو معارضة.١٨٦

(أ) قيم الإيمان

ويقرن الإيمان بالأمل والأصالة والصلابة والأمانة قبل أن يستقر في النهاية على شعار العلم والإيمان. يقرن الإيمان بالأمل النفسي دون دلالة معينة أو نظرية مجردة. بل مجرد تحول من الخارج إلى الداخل، ومن المجتمع إلى الفرد. وحدث نفس الانقلاب في مفهوم الجهاد، من جهاد الأعداء إلى جهاد النفس.

ويعتمد على الحجج الزمنية في الدعوة إلى الجهاد بمعناه العام الذي لا يعني فقط الجهاد في سبيل الله بالقتال بل يعني الجهاد في سبيل العلم وخدمة المجتمع. فالجهاد أعظم عبادة لقول الرسول: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم لا يفتر عن صلاة ولا صيام حتى يرجع». وطلب العلم جهاد لقول الرسول: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله». فالإيمان لا يتناقض مع العمل أو البحث أو العلم. فقد وضع الله طلب العلم في مستوى الجهاد في سبيل الله وجعله قرينًا للإيمان بقوله: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. ويقرن بالإيمان الأصالة، فالإيمان هو اتجاه الله، والأصالة اتجاه نحو التراث الحضاري. فأهم صفات هذا الشعب تمسكه بالإيمان واعتزازه بالأصالة والإيمان نقي خالص بريء من التعصب والمتطهر من الشوائب التي علقت بجوهره في عصور الاضمحلال البعيد بما ينسب إليه زورًا من روح التواكل التي لا تعرف المسئولية والتعلق بالخرافات ونفي دور إرادة الإنسان والمجتمع في أن يواجه أمور حياته المستمرة مستعينًا بما أودعه الله فيه من عقل ميزه به على سائر المخلوقات. ولكن شتان ما بين الكلام المعسول والواقع المر، فقد ازدادت الاضطرابات الطائفية، كما عمت الروح الاتكالية، وسادت الخرافة أكثر فأكثر، وقلت نسبة التفكير العقلاني.

والإيمان هو الأمانة التي يحملها كل الناس نحو الخالق، فقد أوصى الله في كل الأديان بالإيمان؛ إذ يحتاج الناس في أشد الأوقات إلى شحن نفوسهم بالإيمان، وعندما يرفض الشعب الهزيمة فإنه يعتمد على الإيمان. الإيمان إذن سلاح سري رهيب. ونادرًا ما يظهر مضمون الإيمان مثل الإيمان بالهدف وبالأرض. وغالبًا ما يكون إيمانًا دينيًّا خالصًا، إيمانًا بالله وبنصره وقوته وتأييده، الإيمان هو المسئولية التي أرادها الله أن يحملها للشعب والتي أشفقت منها السموات والأرض والجبال وحملها الإنسان. لقد جاء محمد بالإيمان، وهو أقوى سلاح ليجعل من الأمة أمة الإيمان. والإيمان يعطي القوة.١٨٧
أما الأصالة فإنها لا تمنع من التجديد، فقد كان للمجددين في تاريخ الأمة شأن رفيع. وللأمة حق في التصرف في أمور الدنيا. وظروف العصر ليست بأقل من حق الأسلاف العظام الذين جددوا وابتكروا وتعرفوا في أمور دنياهم وظروف عصرهم. والتجديد لا يعني بالضرورة قطع الجذور عن التراث القومي والحضاري والروحي للشعب ولا يعني ذلك أية رغبة في التمييز أو الاستعلاء ولكن المناطق ذات التراث الحضاري العميق، طبقًا لاستقراء التاريخ لا يمكن بحكم الطبيعة أن تنطمس هويتها تحت أي ضغط. إن الانطلاق من هذه الجذور يحمي التنوع في الحضارات والشخصيات ويثري العالم بتعدده ويغني بتجاربه. بل إن إحياء التراث الإيراني القديم عودة إلى الأصالة في حين أن هذا الإحياء يقوم على أساس عرقي قومي ضد الشعور الإسلامي العام وضد العرب بوجه خاص.١٨٨
ثم يظهر ثالوث آخر يقرن فيه الصلابة بالإيمان والأصالة، فيصبح الصلابة والأصالة والإيمان. فرسالة محمد رسالة الصلابة في الحق والتصدي للباطل. وإبعاد الشخصية المصرية الأصالة والصلابة والإيمان. فالإيمان لا حدود له، إيمان بالله وبهذه الأرض وبكل من عليها، إيمان بكل القيم التي أرادها الله لصلاح هذا الكون، إيمان بالذات وبالنفس عبر آلاف السنين. وابن البلد أو ابن الشارع هو الذي تتحقق فيه هذه الصفات الثلاث: الأصالة والصلابة والإيمان.١٨٩

(ب) العلم والإيمان

أصبح شعار العلم والإيمان شعارًا لدولة المؤسسات ابتداءً من مايو ١٩٧١م، فتذكر ورقة أكتوبر التي تعتبر دليلًا عن «الميثاق» شعار «العلم والإيمان» وضرورة تحقيقه، وإنه شرط التقدم الحضاري، وإنه إحدى مهام المرحلة الحالية. إن بناء الدولة الإسلامية لا بد وأن يقوم على أساس من الدولة العلمية التي لا تتخلى عن الإيمان ولكن لا بد أن تأخذ بكل أسباب العلم وقد نصح الرسول بهذا. وأقره الدين. وبناء الدولة الجديدة لا بد وأن يقوم على هذين المبدأين المتلازمين: العلم والإيمان. العلم والإيمان طريق ثالث مع البناء العسكري كطريق أول والعمل السياسي العربي والخارجي كطريق ثانٍ لبناء المستقبل. إذ لا بد من بناء الدولة على العلم والإيمان. بناء مصر العربية العظمى بالعلم والإيمان. العلم وحده من غير الإيمان قد يقي شر الغزو المادي ولكن دون النفوس. والإيمان وحده لا يكفي بل العلم والإيمان شرطان أساسيان لاجتياز المحنة التي تمر بها الأمة الإسلامية التي لم تفرق في تاريخها بين العلم والإيمان. فقد تفوقت في الرياضة والفلك وعلوم الدين، ونقل الغرب هذه العلوم عنها. العلم والإيمان متلازمان في الرسالة والعقيدة، ولا بد من العودة إلى ما كانت عليه الأمة من علم وإيمان، وبناء دولة العلم والإيمان وبناء المجتمع الإسلامي الجديد على أساس العلم والإيمان. الإيمان أخوة ومحبة ويقين، ومستقبل المجتمع الإسلامي هو الإيمان الكامل برسالات السماء التي تفيض سماحة وصلابة وقوة وأصالة. وردًّا على سؤال عن تصور الدولة المصرية الحديثة، أجاب الرئيس بأنها دولة العلم والإيمان. العلم يعني تكنولوجيا العصر والإيمان أي عدم تحول الشباب إلى هيبيز مثل المجتمع الأمريكي فيكونون مثلهم ويفقدون الهدف؛ لأن الدولة أمامها بناء وعمل وجهد كبير. والعلم هو القدوة في العلم والإيمان وفي العطاء الوطني. يقوم التقدم الحضاري على العلم والإيمان. يعني شعار العلم والإيمان، وهو شعار النظام بعد ١٩٧٠م، إن العلم هو السلاح الذي لا يستطيع أحد بغيره أن يدخل العصر وأن يبني مجتمع الإخاء والعدل، ويعني الإيمان أنه مصدر الطاقة الهائلة التي يمتلكها هذا الشعب الأصيل كما أنه مصدر الهداية له على طريقه المليء بالصعاب والتحديات. وهو الإيمان بالله وكتبه ورسله، الإيمان الذي يقيم الحق والعدل، الإيمان الذي يرفع ألوية الحب والاطمئنان لا ألوية الحقد والتزمت والبغضاء. من الواجب إذن تربية الأجيال الشابة على الإيمان وعلى قيمته الحقيقية والحذر من استغلال هذا الإيمان أو الانحراف به الذي يدمر جوهره، ويطمس نوره، ويشوه جماله وجلاله. هذه المحاولة الصبيانية، محاولة الاستيلاء على الكلية الفنية العسكرية مثل لما يمكن أن تنتهي إليه عمليات الانحراف عن جوهر الدين وعلاقته بالحياة. وهذه هي المسئولية الملقاة على رجال الدين وأجهزة التربية والإعلام الديني ووسائل التفتيش العام وهي تباشر دورها في تعريف الأجيال بدينها وإضاءة حياتها بقيمه الإنسانية الرفيعة. ولا بد من بناء الإنسان الجديد في إطار الأصالة المصرية وعلى أساس من العلم والإيمان. ولا بد من بناء المجتمع العربي المتقدم بالعلم والإيمان. بل إن الشعار يتحول إلى أسلوب للتهنئة. ففي ذكرى المولد النبوي الشريف يقول الرئيس كل عام وأنتم في أسمى درجات من العلم والإيمان!١٩٠
وتقوم التنمية العقلية على أساس العلم والإيمان. فالوطن يحتاج إلى أصالة وإلى كل القدرات على الفكر والعمل المدمج بالإيمان واليقين. الهدوء في أعماق النفس يعطيه الإيمان وحده واليقين يعطيه العلم. ويطالب بتحقيق الشعار من علٍ، كتوجيه من السلطة التي تطالب بالعلم والإيمان. فقد أعلن النظام منذ بدايته بأن الدولة دولة العلم والإيمان. وقد أصبح ذلك أيضًا شعار الاشتراكية الديمقراطية. ويبدو أن شعار العلم والإيمان يرتكز على طرف الإيمان أكثر مما يرتكز على طرف العلم. إذ كثيرًا ما يذكر الشعار ثم يركز الشرح على الإيمان. فالإيمان شرط العلم. وإن أحدث ما في العلم من تكنولوجيا ولكن بدون الإيمان لن يفيد شيئًا. وفي نفس الوقت وعلى نقيض شعار العلم والإيمان نادرًا ما تتم الإشارة إلى المضمون المادي للإيمان مثل القوة والاستعداد والسلاح. والقوة تدل على أن الشهادة لا تكفي بل لا بد من أحدث أنواع السلاح. والإيمان بالله دائمًا ونادرًا ما يكون بالأرض والتراث والتاريخ.١٩١
كما يقترب الإيمان بالمعجزات. فقد ظهرت المعجزات التي يعطيها الله للشعب المؤمن. لقد أرسل الله علامات في السنوات الثلاث الماضية. بارك في المحاصيل كما لم يحدث منذ ثلاثين سنة. وبدأ البترول يتفجر، وهي كلها علامات تشير إلى أن الله مع الشعب! وردًّا على سؤال خاص بوقوف جيل الشباب عند رؤية جديدة وهل كان مخاض الرؤية الألم العظيم بعد ١٩٦٧م أم الإيمان بعد ١٠ رمضان، أجاب الرئيس: كلاهما. فبدون الإيمان ما كان بالإمكان ما تم إنجازه. فالإيمان فعل السحر ونداء المعركة الله أكبر فعلت السحر في ٦ أكتوبر. ويعطي لحرب أكتوبر الاسم الهجري العاشر من رمضان للتأكيد على الحرب الدينية، وتكثر المعجزات بعد حرب أكتوبر فيعبر الرسول مع الجنود في القناة والعبور نفسه معجزة.١٩٢
وقد تم استعمال الدين ضد المعارضة الدستورية أو الاجتماعية أو السياسية أو الدينية حتى يتم تفريغ الدين من مضمونه وإبقاؤه مجرد صورة أو عاطفة. فتظهر مقولة «المقدس» التي تتحول إلى «تابو» في عقول الناس. فالقضاء حرم مقدس. وفي نفس الوقت يتم التدخل في القضاء من أجل القضاء على استقلاله.١٩٣

(ﺟ) الدين ضد المعارضة

ويستعمل موضوع الشورى بعد ١٩٧٠م لمهاجمة ديكتاتورية الطبقة ومن أجل الدعوة إلى الحب، ولتشويه المعارضة السياسية. وبالرغم من أن ظهور الجماعات الدينية المتطرفة واستعمالها العنف، سواء في حادث الكلية الفنية العسكرية أو في مقتل الشيخ الذهبي ظهور طبيعي في هذا الجو المشحون بالعاطفة الدينية، وبالنداء إلى العودة إلى الإيمان فإن السلطة السياسية قد وقفت في وجهها لأنها نازعتها السلطة وحاولت الانقلاب عليها، أو لأنها شككت فيها وفي قدرتها على الاحتواء. وردًّا على سؤال عن سبب تعدد ظهور التنظيمات الدينية السرية وعن احتمال وجود محركين من الخارج أو تعاطف مع مسئولين سابقين في الداخل أجاب الرئيس بأنه نشأت ظاهرة الهيبيز بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن بسبب عمق التدين ظهرت الموجة هنا في شكل الشعوذة الدينية وهو ليس التدين. بالإضافة إلى وجود محركين من الخارج. فالذي قام بعملية الفنية العسكرية هو صالح سرية من الخارج. وينحو بعض الأئمة هذا المنحى. وهذا يدفع بعض الشباب للتطرف أحيانًا. ولكنها أمور يمكن تداركها بفهم الدين الفهم الصحيح. فالتعصب الديني رد فعل على التسيب الغربي مضافًا إليه العميل الخارجي. وبالتالي فمرده إلى الخارج مرتين، مرة في نشأته ومرة في تنفيذه. لقد سيطر عملاء الإلحاد والمادية على أجهزة الإعلام فحدث رد فعل صادق ومخلص ومتحمس إلى العودة إلى رحاب الدين في الجوامع! كان ذلك أمرًا طبيعيًّا كرد فعل مضاعف للسيطرة السابقة لدعوة المادية والإلحاد. فأراد الأعداء استثمار هذه الظاهرة بل تحول فجأة دعاة المادية والإلحاد إلى متطرفين في الدعوة إلى الإيمان. إن أحداث ١٨، ١٩ يناير وما وقع من جماعة دينية اتخذت من الدين سبيلًا إلى محاولة فرض نظام معين أو فرض آراء أو أفكار معينة على هذا الشعب والاعتداء على عالم جليل من علماء الإسلام ستقابل بمنتهى القمع والشدة. فالنظام يعارض الفكرة بالسيف ولا يعارض الرأي بالرأي. فدعاة المادية والإلحاد الذين قاموا بحوادث ١٨، ١٩ يناير وجماعة التكفير والهجرة يغذيان بعضهما البعض، الثانية رد فعل على الأولى، فاليمين المتعصب واليسار الملحد يلتقيان. لقد وضحت أحداث ١٨، ١٩ يناير والأحداث الأخيرة التي أريد بها استغلال الدين لفرض رأي بالقوة على المجتمع، إن أية محاولة من هذا النوع لا تعود إلا إلى الإجرام، فهو عمل غير مشروع تتصدى له المؤسسات والشعب بكل الحسم والعزم. كلاهما أعداء الحرية. فالإرهاب الفكري الماركسي والشعوذة الدينية كلاهما مرفوض من الشعب ورفض استغلال أحداث يناير الفوضوية ورفض كل من ادعى لنفسه حق تكفير الناس وتوسل إلى ذلك بالقتل والغي والإجرام. إن أبواب التعبير مفتوحة ولكن القتل والإرهاب مرفوض. ليس الدين تعصبًا وحقدًا واستغلالًا من أجل الاغتيالات وحكم الإرهاب. وكأن الموضوع القديم في صراع الثورة مع الإخوان في أول الثورة في ١٩٥٤م قد عاد من جديد هذه المرة في نهايتها مع الجناح الديني في الإخوان. فقد كان شكري مصطفى عضوًا في جماعة الإخوان ثم فصل منها. وقامت الاشتراكية الديمقراطية على لسان جامعة طنطا بالتنظير لذلك أيضًا بأن التراث الديني هو العنصر الثابت الحضاري اللازم. ثم جاءت الأيديولوجيات الأجنبية برمتها في هذه البيئة ولن يكتب لها النجاح، وزادت في ظاهرة الانفصام، وفتحت أبواب التعصب الديني الذي نشهده في الشباب والذي يذكرنا بفرقة الخوارج المسلمين.١٩٤

وقد انتشرت بعد ١٩٧٠م حمى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وكثرت المباريات فيها سواء بين الاتجاهات الدينية والأحزاب السياسية في الداخل أو بين مصر والأنظمة العربية الأخرى في الخارج. ويهاجم النظام الليبي النظام في مصر لأن ليبيا أخذت نشيد الله أكبر. ولم تأخذ مصر بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في ليبيا لا لأن مصر ضد الإسلام ولكن لأن ليبيا أصدرت بعض قوانين الشريعة. ويدافع النظام في مصر عن نفسه بأن الدستور المصري ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع وأنه ليس هناك خلاف على مبدأ الأخذ بالشريعة الإسلامية، ولكن القضية عبر أربعة عشر قرنًا من تاريخ الإسلام كانت هي اجتهادات المفسرين للشريعة في كل عصر، وكان من علامات عصور الاضمحلال رضوخ هذه التفسيرات لمفاهيم أصحاب السلطة السياسية.

وفي أغلب الأحيان بعد ١٩٧٠م تبدأ الخطب السياسية بعبارة «باسم الله» أو «بسم الله الرحمن الرحيم» أو «بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وصاحب الذكر الأمين».١٩٥ في المناسبات الدينية. وغالبًا ما تنتهي الخطابة السياسية بعد ١٩٧٠م بآيات قرآنية مميزة على رأسها: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. وهي تشير من الناحية النفسية إلى قلق وعدم اطمئنان ونقص في الثقة في المواقف السياسية، ثم تغطية ذلك بطلب الهداية والرحمة، أمام النفس وأمام الآخرين، وإيحاء للناس بأن هناك طريق الصواب وهو طريق السلطة، وطريق للخطأ وهي طرق المعارضة، وأن طريق الحكومة بتوفيق وهداية من الله. ثم تتلوها آية:رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.١٩٦ حوالي سبع مرات وهي تدل أيضًا على نفس الموقف النفسي الذي يعبر عن وضع سياسي قلق، خاطئ، ولكن الله يغفر الخطأ، والخطأ ليس إثمًا بل نسيان، والخطأ يعني العمل فوق الطاقة، كما يعني خطأ السابقين وليس اللاحقين، كما لا يتطلب حسابًا من الناس بل مغفرة من الله.١٩٧

خاتمة

ويمكن القول إن استخدام ناصر للدين في المعارك السياسية خضع لقانون الفعل ورد الفعل. ففي المرحلة من ١٩٥٢–١٩٥٤م برزت القيم الثورية كمضمون للدين مثل التحرر، الثورة، القضاء على الاستعمار، التضحية، الجهاد، العمل … إلخ. ولكن في المرحلة التالية ١٩٥٤–١٩٥٦م ظهرت قيم أخرى للرد على الثورة المضادة مثل الحب، التسامح، التعاون، الألفة، الرحمة، الإيمان. فالقيم الثورية الأولى قيم إيجابية في حين أن القيم الثانية للدفاع عن الذات قيم سلبية. القيم الأولى هجومية والثانية دفاعية، الأولى تقدمية والثانية تراجعية. ثم ظهرت القيم الثورية من جديد في ١٩٥٨م بقيام الوحدة بين مصر وسوريا. وأعيد تاريخ العرب الماضي إلى الأذهان ووحدتهم في مواجهة الصليبيين والتتار. ولكن في ١٩٦١م بعد الانفصال بدأ الهجوم على الإلحاد السوري، والدفاع عن قيم الدين والإيمان والدفاع عن الوحدة الوطنية ضد مخاطر النعرة الطائفية. ثم صدرت قوانين يوليو الاشتراكية في ١٩٦١م. وبرزت قيم ثورية جديدة عن العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص. ولكن في ١٩٦٥م عندما بدأت الرجعية العربية بتطويق النظام الاشتراكي في مصر بالحلف الإسلامي ظهرت قيم للدفاع هجومًا على الحلف وألاعيب الاستعمار. وبعد هزيمة ١٩٦٧م ظهر رد الفعل السلبي في العودة إلى الإيمان حتى الآن، وأصبح الدين سلاحًا مشهرًا ضد الناصريين والماركسيين بوجه خاص وضد كل المعارضة السياسية بوجه عام. كان استخدام الدين تابعًا لمعارك النظام السياسية ولم يكن بادئًا بأية معركة.

ويمكن ملاحظة أمرين: الأول المعارك السياسية التي لم يكن الدين طرفًا فيها، والثاني كيفية استخدام الدين في المعارك السياسية.

(أ) الدين والمعركة ضد إسرائيل

لم تستعمل القيادة السياسية الدين في المعركة ضد إسرائيل، وهي معركة العرب الأولى. وذلك لأن إسرائيل لم تكن تمثل تهديدًا مباشرًا للنظام المصري كما يفعل الإخوان المسلمون أو الرجعية السعودية اليمنية أو الرجعية السورية بعد الانفصال. كان الدين إذن يستخدم للدفاع عن الذات ولمواجهة أعداء النظام. توجد بعض إشارات عابرة رسمية عن تهديد إسرائيل لشعوب أخرى تقع بين النيل والفرات حيث تدعي ملكها الموعود ولكن كإشارة عابرة لا أثر لها.١٩٨ وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن إسرائيل ليست مسألة دينية بل تأخذ الدين كوسيلة لتبرير وضع سياسي. ولكن كان يمكن، والحال كذلك، استخدام الإسلام أيضًا بنفس المنهج كوسيلة للدفاع عن شعب فلسطين. وقد يكون السبب في المحافل العالمية وكره العرب اللجوء إلى الجهاد الديني حتى لا يوصفوا بالتعصب. ولكن إسرائيل في حقيقة الأمر لا ترى حرجًا في استخدام التوراة كأساس شرعي لإقامة الدولة ولا تتحرج أن تذكر هذه الحجج أيضًا في المحافل الدولية. وقد يكون السبب، وهو الأرجح، عدم جدية النظم العربية كلها بلا استثناء في محاربة إسرائيل تخوفًا منها أو حرصًا على كراسي الحكم أو تخليًا عن القضية كلها باعتبارها لا تمس مباشرة كل نظام عربي.
وفي مناقشات الرئيس مع أعضاء المؤتمر القومي طالب محمد أنور عبد اللطيف وكيل وزارة الخزانة في محافظة الإسكندرية اعتبار المعركة بين العرب وإسرائيل معركة دينية؛ وذلك لأنها كذلك بالفعل عند الشعوب العربية الإسلامية. وبذلك يكون الدافع الرئيسي لدخولها ضد الصهيونية هو القتال في سبيل الله وليس فقط تحرير الأرض خاصة وأن العدو المغتصب يعتبرها معركة دينية، ويعبئ لها جميع اليهود في مختلف أنحاء العالم بكامل قدراتهم وإمكانياتهم. وهم يعتبرون معركة يونيو ١٩٦٧م انتقامًا لمعركة خيبر التي هزم فيها الرسول اليهود. ويرد الرئيس على ذلك بأنه كلام يدخل في التعبئة العسكرية وخارج عن الموضوع، أي إن سلاح الدين لا يتعدى تقوية الروح المعنوية دون أن يكون سلاحًا سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا. ومكانه ليس السياسة بل إدارة التوجيه المعنوي بالقوات الحربية. وعندما يريد العضو استئناف حديثه لعدم اقتناعه بوجهة نظر الرئيس يقاطعه الرئيس ولكن يستمر العضو في تذكيره بالقرآن: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. ويقترح أن يأخذ المؤتمر العام بتوصية مؤتمر الإسكندرية ومحافظة أسيوط وإضافة موضوع التهيئة الدينية إلى جدول الأعمال الذي سيتناوله المؤتمر بالمناقشة، وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. ولم يتحدث دعاة الدين ورجاله ووعاظه الذين في خدمة الرئيس مثل أحمد موسى سالم، ولكن د. محمود جامع استأنف نفس الموضوع وقال إن إسرائيل حركة دينية صهيونية وجميع مؤلفات اليهود مثل حاييم وايزمان «التجربة والخطأ» الذي ألف سنة ١٩٢٨م تدل على أن إسرائيل تسير بمخطط زمني علمي لإذلال العرب والمسلمين، وتطالب بكل الأراضي العربية ومن ضمنها خيبر. فالمسألة لا بد من أخذها بجدية. ولكن الرئيس لا يرد أيضًا. ويذكر كمال محمد شتا بأن التعبئة العسكرية أيام الرسول كان الجيش مع الشعب، وكان الشعب مع الجيش، ونقطة انطلاق يقول القرآن فيها: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ. وأن الجيش الذي لا يؤمن بالله لا يمكنه أن ينتصر؛ لأن النصر من عند الله. وبالتالي فلا بد من بناء الجيش على القيم الروحية وعلى الدين حتى يأتي النصر وليس على ما ترجع له الصحافة والتليفزيون. ولكن الرئيس أيضًا لا يرد باعتبار أن ذلك خطابة سياسية. ويطالب الطالب أحمد محمود إبراهيم جاد بمعسكرات تربية دينية وخلقية للشباب ولكن الرئيس أيضًا لا يرد.١٩٩ وردًّا على سؤال عن احتمال قبول إسرائيل عودة أعداد كبيرة من العرب إلى أراضيهم وهي الدولة التي أنشأت نفسها أساسًا على أنها دولة يهودية يسودها اليهود يجيب الرئيس بأن ذلك ممكن. فقد عاش اليهود والعرب مسيحيين ومسلمين منذ آلاف السنين. عاش اليهود في مصر وما زالوا يعيشون وعلى الرغم من الدعاية في الخارج ضد مصر فإن اليهود يعيشون في سلام. لقد طلب البعض منهم مغادرة البلاد فتمت الموافقة على طلبهم، ولكنهم عادوا ورفضوا المغادرة وآثروا البقاء. لقد قبض على حوالي ٨٠ يهوديًّا بعد الحرب ثم أُفرج عنهم ولكن قبض أيضًا على مسلمين ومسيحيين لدواعي الأمن في البلاد. وإسرائيل تعتقل حاليًّا أكثر من سبعة آلاف عربي من الأراضي المحتلة وغزة. إن الجالية اليهودية في مصر حوالي خمسة آلاف وتعيش كما كانت تعيش في سلام منذ آلاف السنين. ويدل على ذلك أيضًا جمع العرب واليهود معًا تحت ظل الشعوب السامية وبالتالي فالتشابه بينهما أكثر من الخلاف. فاليهود ساميون مثل العرب، وموسى مولود في مصر، فكيف يكون العرب معادين للسامية وهم ساميون. ينظر شعب مصر إلى اليهود في مصر على أنهم مصريون. كما يشعر اليهود في الدول العربية أن الأنسب لهم البقاء في الدول العربية التي عاش آباؤهم وأجدادهم فيها آلاف السنين دون تفرقة على أن يهاجروا إلى دول أخرى.٢٠٠
ويظهر الإسلام في مواجهة إسرائيل ومن أجل نصرة شعب فلسطين مرة واحدة في كلمة لأعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في اجتماع لنصرة العروبة والإسلام والحق. فقد حث القرآن على التجمع والاتحاد وعلى التضامن في سبيل رد البغي والعدوان. وأن هذا الاجتماع بمثابة خطوة من خطوات التضامن، فالعدو ليس إسرائيل وحدها بل من وراء إسرائيل الذي يتمثل في الاستعمار العالمي. يقوم المسلمون بجهد أقل مما تقوم به إسرائيل بالنسبة إلى جمع الأموال. وعلى الأمة العربية والشعوب الإسلامية واجب كبير وهو تعبئة الرأي العام في البلاد الإسلامية وفي جميع أنحاء العالم، وتعريف المسيحيين وتحذيرهم من الخطر اليهودي الصهيوني؛ لأن إسرائيل لم تفرق بين المسلم والمسيحي حينما احتلت أرض فلسطين، ولكنها طردت المسلمين والمسيحيين. وهناك أكثر من مليون لاجئ فلسطيني بينهم المسلم والمسيحي. لا بد من عمل المسلمين، كلٌّ في وطنه، من أجل مناصرة القضية. ففي كل بلد لجنة يهودية أو لجنة صهيونية تعمل بكل الوسائل وتجمع الأموال. والمال القليل في البداية يكون كثيرًا في النهاية. وبهذا يمكن مساعدة الشعب الفلسطيني ومواجهة إسرائيل والمساعدات التي تأخذها. وسيعز الله العروبة والإسلام ويمكِّن المسلمين من تخليص الأراضي المحتلة واسترداد حقوق شعب فلسطين. فالشعوب المسلمة شعوب مؤيدة للحرية، لا فرق في ذلك بين دين ودين. ويظهر الإسلام أحيانًا متفرقة في مواجهة إسرائيل، فتحرير الأرض واسترداد الحق حتمية مقدسة، وجزء من الإيمان الكلي ابتداءً من الإيمان بالكرامة والشرف وارتفاعًا إلى الإيمان بالله وبمشيئته. وكما تذكر القدس ويذكر المسجد الأقصى أمام ضم إسرائيل للقدس ويندد بحرق المسجد الأقصى وتوقف حرب الاستنزاف في العطلة الدينية يومين أو ثلاثة ولكن يظل الدين خارج المواجهة الشاملة.٢٠١
وفي اجتماع لمؤتمر البحوث الإسلامية أعلن قراراته، وحث على مناهضة الصهيونية ستار الاستعمار الجديد، وبيَّن أن التخلف عن هذا الجهاد عصيان وإثم كبير. وبعد ١٩٧٠م تستمر الدعوة في التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين من ناحية واليهود من ناحية أخرى من مركز الضعف وليس من مركز القوة ومع الاعتراف بإسرائيل كدولة صهيونية. فالتاريخ يشهد بأن اليهود قد عاشوا تحت سقف واحد مع الفلسطينيين من مسيحيين ومسلمين. ويظهر التاريخ بما لا يدع مجالًا للشك أن اليهود عاشوا قرونًا طويلة في ظل الحكم العربي دون أي تفرقة أو تمييز سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا أو أوروبا. لقد شهدت مصر مسيرة المسيح، واحترمت المبادئ التي كافح من أجلها. وستظل تستقبل بالترحاب هؤلاء الذين يتبعون تعاليمه ويقيمون بما دعا إليه إحلالًا للسلام في ربوع أرض المسيح.٢٠٢
ويبرز موضوع القدس خاصة بعد حرق المسجد الأقصى، فالقدس أولى القبلتين ليست ملكًا لفرد بل ملكًا للجميع. وتساوي القدس وقفة لله وللمستقبل، وتساوي المقدسات والحرمات وغزة أيضًا وقفة لله وللمستقبل. ومن هذا المنطلق فإن مجموعة من رجال الدين الذين يمثلون عدة كنائس مسيحية قد حضرت المؤتمر الإسلامي في لاهور، وأثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن القدس قضية مسيحية بنفس القدر الذي يقصد به قضية إسلامية، فالكل، مسلمين ومسيحيين، ملتزم أمام الله وأمام الأجيال القادمة بتحرير المدينة المقدسة من القوى التي عبثت بدور العبادة، وأهدرت كرامة الإخوة المسيحيين والمسلمين، ومارست التفرقة العنصرية في الأرض التي عاش فيها المسيح معلمًا، وتفانى من أجل كرامة الإنسان. ليس هناك عربي واحد، مسلمًا كان أم مسيحيًّا، وليس هناك مسلم واحد في كل العالم الإسلامي يمكن أن يقبل سيادة إسرائيلية على القدس العربية. إن مهام الدول الإسلامية هو الحفاظ على المقدسات الإسلامية وعلى هوية القدس. ويقال ذلك لشاه إيران الذي له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ويمدها بالبترول. وتبرز قضية القدس في مبادرة السلام. فالتراب الوطني والقومي في منزلة الوادي المقدس طوى الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام. وكانت القدس وستظل على الدوام التجسيد الحي للتعايش بين المؤمنين بالديانات الثلاث، مدينة حرة مفتوحة لجميع المؤمنين. فبدلًا من أحقاد الحروب الصليبية لا بد أن تحيا روح عمر بن الخطاب وصلاح الدين، روح التسامح واحترام الحقوق. إن دور العبادة الإسلامية والمسيحية أماكن لأداء الفرائض والشعائر بل إنها تقوم شاهد صدق على وجودنا العربي الذي لم ينقطع لأهمية القدس عند معشر المسلمين والمسيحيين. بل إن أداء صلاة العيد في المسجد الأقصى وزيارة كنيسة القيامة من شأنه أن يحقق أهداف مبادرة السلام. فما من مسلم أو مسيحي، وما من مسلم في العالم العربي الإسلامي الذي يضم ٧٠٠ مليون نسمة سيوافق على سيادة إسرائيل على الجزء العربي من القدس. فالقدس مدينة مفتوحة ملتقى الأديان الثلاث. ولن يكون هناك أحد في العالم العربي أو الإسلامي يقبل سيادة إسرائيل على الجزء العربي من القدس. لقد طالب المسيحيون عندما سُلِّمت القدس إلى عمر بن الخطاب أن تبقى القدس عربية. فعندما وصل عمر إلى القدس سلمه البطريرك صفرونيوس مفاتيحها. وهو تقليد متبع، وطلب منه ألا يقيم أي يهودي في المدينة. هذه واقعة تاريخية تؤكد ضرورة السيادة العربية على الجزء العربي من القدس. ثم بعد ذلك يمكن حدوث التقاء بين الجزء العربي والجزء اليهودي في القدس.٢٠٣
ويظهر موضوع السلام لأول مرة في ١٩٦٩م بالتأكيد على أن الحرب ليست للحرب كما هو مذكور في القرآن: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فالعرب ليسوا طلاب حرب بل طلاب سلام قائم على العدل؛ لأن السلام لا بد وأن يقوم على العدل. لا يريد العرب إلا حقوقهم التي كانت لهم دائمًا على مر السنين. وهم يعملون من أجل السلام ويجنحون له كما طلب الله ذلك في القرآن. ولكن في نفس الوقت يستعدون للقتال لتحرير الأراضي وهي أيضًا من الوصايا التي أوصى الله بها في القرآن. تهدف المبادرة إلى بناء السلام على الأرض، على كل أرض الله. والدعوة للسلام ليست التماسًا للأمان خوف الهزيمة بل أداء للرسالة القومية ولتعاليم الدين وكل الأديان. وقد تمت رحلة السلام في يوم العيد الإسلامي الكبير عيد الأضحى المبارك والفداء حين أسلم إبراهيم جد العرب واليهود، وحين أمر الله، وتوجه إليه بكل جوارحه لا عن ضعف بل عن قوة روحية هائلة وعن اختيار حر للتضحية بفلذة كبده بدافع من إيمانه الراسخ الذي لا يتزعزع بمثل عليا تعطي مغزًى عميقًا. ولا يعني الرئيس ابن إبراهيم هل هو إسحاق كما تقول التوراة، أو إسماعيل كما يقول القرآن، حتى يتحاشى الخلاف الديني وهو يمهد للوفاق السياسي ويقدم رسالة السلام من شعب لا يعرف التعصب، والذي يعيش أبناؤه مسلمين ومسيحيين ويهودًا بروح المودة والحب والتسامح. ويستشهد بآيات السلام في العهد القديم مثل قول سليمان الحكيم: «الغش في قلب الذين يفكرون في الشر أما المبشرون بالسلام فلهم فرح». ويقول داود في المزامير: «إليك يا رب أصرخ، اسمع صوت تضرعي إذا استغثت بك، وأرفع يدي إلى محراب قدسك. لا تجذبني مع الأشرار ومع فعلة الإثم الخاطبين أصحابهم بالسلام والشر في قلوبهم. أعطهم حسب فعلهم وحسب شر أعمالهم. أطلب السلامة وأسعى وراءها». وكذلك قول زكريا: «لقمة يابسة ومعها سلامة خير من مبيت مليء بالذبائح مع الخصام».٢٠٤
وبالرغم من هجوم الأنظمة العربية المعروفة باسم جبهة الرفض لمبادرة السلام فإن الإسلام لم يُستخدَم من أي من الجانبين لتبرير موقفهما، كما كان الحال في معركة الإسلام والاشتراكية. مع أن اتهام النظام العربي بالعمالة والخيانة والاستسلام والتصفية يحتاج إلى دفاع بجميع أنواع الأسلحة المتاحة وعلى رأسها الدين. فلمواجهة الخصوم تستعمل نفس أسلحة الخصوم. ولما لم يستعمل الخصم سلاح الدين كما استعملته الرجعية العربية في الهجوم على النظام الاشتراكي في مصر، فإن النظام في مصر لم يستعمله أيضًا. فالدفاع عن النظام باسم الدين لا يحدث إلا بعد الهجوم على النظام باسم الدين. وليس في معركة الأنظمة أولوية على الإطلاق. ومع ذلك هناك حالات قليلة يتم فيها الاستشهاد بآيات السلام وكره القتال مثل:كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، وإبراز إيمان الإسلام برسالات السماء كلها: قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.٢٠٥
ومنذ الستينيات، وردًّا على سؤال عن معنى الأمة العربية هل هو المشاركة في اللغة أم في الثقافة أم في التاريخ أم في الدين أم في الجنس وعن معنى العربي أجاب الرئيس بأن الأمة العربية تكوَّنت على مر عصور طويلة ولم تتكوَّن فجأة، وأن القومية العربية فكرة قبل الثورة. فقد كانت الأمة العربية دولة واحدة في أزمان غابرة وتوحدت نتيجة لظروف كثيرة. يشعر كل أبناء الأمة العربية بأنهم عرب من العراق إلى المغرب. وهذا طبيعي فقد جمعتهم الحضارة والثقافة والمحن والأزمات. وهنا تتحدد القومية العربية باستثناء عامل الدين. ثم ردًّا على سؤال عن إمكانية أن يكون المرء عربيًّا مسيحيًّا أو يهوديًّا وليس بالضرورة مثلما أجاب الرئيس بأن الأديان الثلاثة قامت في المنطقة العربية. فقد وُلد موسى في مصر، وعيسى في فلسطين، ومحمد في الجزيرة العربية. وهو ما يؤكده الميثاق أيضًا في عبارة «إن شعبنا يعتقد في رسالة الأديان. وهو يعيش في المنطقة التي هبطت عليها رسالات السماء». ولم يوجد في يوم من الأيام أي فرق بين العربي المسلم والعربي المسيحي والعربي اليهودي. فقد عاش المسلمون والمسيحيون واليهود جنبًا إلى جنب في هذه المنطقة من العالم قرونًا طويلة دون أية خلافات حتى أتت الخلافات الأخيرة بين اليهود من جانب وبين المسلمين والمسيحيين من جانب آخر في فلسطين بسبب إنشاء وطن قومي لإسرائيل. وردًّا على سؤال عما إذا كانت فلسطين أرضًا عربية وما مصير اليهود الذين يسكنون في هذه المنطقة وقد أقاموا دولة عبرية أجاب الرئيس بأن فلسطين كانت دائمًا أرضًا عربية منذ قرون عدة، وكان يسكنها المسلمون والمسيحيون واليهود. ثم بدأت المشاكل بعد الحرب العالمية الأولى حينما صمم اليهود على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. وتأزمت المشكلة في ١٩٤٨م، بعد الحرب العالمية الأولى كانت نسبة اليهود ٨٪ زادت بعد الحرب العالمية الثانية إلى حوالي ٣٠٪. وعندما بدأت الحرب سنة ١٩٤٨م بعد التقسيم وبعد أن حاولت إسرائيل أن تستولي على الدولة الفلسطينية طُرد العرب سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين من أرضهم. والمطلوب الآن تطبيق قرارات الأمم المتحدة وعودة العرب إلى بلادهم حتى يعيشوا جنبًا إلى جنب مع اليهود وأن يعيش المسلمون والمسيحيون واليهود كما كانوا في الماضي. وقد قال الزعماء الفلسطينيون إنهم على استعداد لأن يعيشوا في فلسطين مع الإسرائيليين كما هم اليوم أي أن يعيش المسلمون والمسيحيون مع اليهود ولكن الإسرائيليين يصرون على التخلص من الفلسطينيين وعلى أن يقيموا دولتهم على أساس اليهودية، وينظروا إلى اليهودية لا كعقيدة فحسب بل كقومية. ولو حدث أن أقام المسلمون دولة على الإسلام والمسيحيين دولة على المسيحية والبوذيين دولة على البوذية فسوف تنشأ في كل مكان أعمال تنم عن التعصب.٢٠٦ فالملاحظ أن تناول الدين وإسرائيل لم ينشأ إلا بناءً على حديث وسؤال من الآخر ولم يكن أساسيًّا من وضع الذهن.
وبالرغم من عدم استناد القومية العربية في الثورة إلى الدين صراحة إلا أن المنظرين رغبة في المزايدة، تحدثوا عن الأصل الديني لمفهوم الوحدة العربية خاصة في فترة الإصلاح الديني وبوجه أخص عند الكواكبي وابتداء الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية. ويصبح الدين مباشرة أو من خلال اللغة العربية عاملًا من عوامل الوحدة الروحية في القومية العربية. فالإسلام ركن في القومية العربية، وله دور حضاري. بل إن الإسلام هو خالق الأمة العربية.٢٠٧

ولم يستخدم ناصر الدين من أجل معركة ١٩٥٦م. وخطابه المشهور في الأزهر «سنقاتل … سنقاتل» لم يشر إلى الدين في شيء مما يدل على أن المعارك الوطنية الواضحة لم تكن بحاجة إلى أدلة وبراهين، ولم يكن فيها هجوم من الخصوم أو دفاع من الأنصار. وهذا يدل على أن الدين لم يكن عاملًا مقصودًا للتنمية بل كانت تفرضه الظروف والأوضاع السياسية.

ولم يستخدم الدين في المعارك الداخلية من أجل تذويب الفوارق بين الطبقات. وقد كانت هناك فئات معارضة للإصلاح الزراعي وللتأميم ولقرارات يوليو الاشتراكية والتي من أجلها تم تشكيل لجنة تصفية الإقطاع. ولو كان ناصر يريد استخدام الدين كوسيلة لتثبيت دعائم النظام الاشتراكي لفعل ذلك وهو بصدد البناء الاشتراكي داخل مصر. ولكنه استعمله فقط ردًّا على هجوم الأنظمة الرجعية العربية من الخارج على نظامه. وبالتالي يصبح الموضوع استخدام الدين دفاعًا عن النظام السياسي وليس استخدام الدين من أجل البناء الاشتراكي الداخلي للبلاد. ويتضح ذلك في سؤال الشيخ عاشور المشهور عن شد الحزام على البطون، ولماذا يتم الشد على الشعب الفقير دون القادة الاشتراكيين المترفين؟ ويتجاهل الرئيس السؤال ويرد على السؤال الثاني عن الإثارة الجنسية والميني جيب والتربية الدينية. بل إن السؤال الأول يحذف كلية من الجلسة الثانية الطارئة للمؤتمر القومي العام.٢٠٨

وفي السبعينيات لم يستعمل الإسلام لخدمة سياسة الانفتاح الاقتصادي وذلك لعدم الحاجة إليه. وذلك أن الانفتاح يعبر عن رغبة الطبقات الحاكمة في الإثراء السريع ورغبة الطبقات الشعبية في الغذاء. هذا بالإضافة إلى أنه لم تنشأ مقاومة لسياسة الانفتاح في الداخل أو في الخارج تستعمل سلاح الدين للهجوم عليه حتى يمكن استعمال نفس السلاح في الرد.

كما لم يدخل الإسلام كعامل رابط بين شعوب آسيا وأفريقيا، وكدافع للحركة الآسيوية الأفريقية. لم يذكر الإسلام إلا مع باكستان، ولم يذكر مع الهند أو إندونيسيا أو ماليزيا.٢٠٩ كما لم يدخل الإسلام في السياسة الخارجية الرسمية المعلنة مثل سياسة عدم الانحياز وسياسة الحياد الإيجابي، مع أنه يمكن فعل ذلك بسهولة لما عرف عن الإسلام من أنه «لا شرقية ولا غربية» لو شاءت القيادة السياسية وأعطت إشارة البدء لرجال الدين ومنظريها السياسيين.

(ب) الدين ومعارك التنمية

لم يستخدم الدين كعامل للتنمية، بل استُخدم كوسيلة للدفاع عن النظام الاجتماعي وتغيراته الثورية ضد الهجوم عليه بنفس السلاح من النظم الرجعية المجاورة. فهو سلاح مفروض على القيادة السياسية، للدفاع عن تغير حدث بالفعل ولتجريد المعسكر المعارض من أمضى سلاح معه وهو سلاح الدين أمام الجماهير، وإعادة تصويبه إليه. وبالتالي فإن حجة استخدام الرجعية لسلاح الدين حجة واهية؛ لأن ناصر يستخدم الدين في مقابل ذلك لخدمة التقدم. فالوسيلة واحدة وهو الدين. والغاية مختلفة، التقدم ضد الرجعية، وكأن الموضوع أصبح مشكلة تفسير وتأويل للنظام الاجتماعي ومصلحته. لم يكن الدين عاملًا من عوامل التنمية بمعنى أنه لم يكن البادئ بالتغير الاجتماعي. كانت الثورة هي البادئة ثم يأتي الدين كمبرر لقرارات الثورة وكسلاح في معاركها إذا ما بدأ الهجوم عليها. كان الدين مثله مثل الفن والفكر والثقافة وكل نشاطات الذهن الإنساني في تاريخ الثورة المصرية. يُستعمل الدين كسلاح للدفاع حسب الظروف بصرف النظر عن التناقضات في المواقف. فسلاح الإلحاد الذي تشهره الرجعية العربية في وجه النظام الاشتراكي الثوري في مصر هو نفس السلاح الذي تشهره مصر في وجه النظام البعثي في سوريا بعد الانفصال وتحول سوريا ابتداءً من ١٩٦٤م إلى نظام أكثر جذرية، وتأكيد الثورة المصرية على قيم الإيمان.

وفي نفس الوقت الذي تنقد فيه الثورة المصرية استخدام الدين لأغراض سياسية كما تفعل الرجعية العربية تقوم الثورة المصرية أيضًا باستخدام الدين لأغراض سياسية، إما للدفاع عن نفسها ضد الرجعية العربية أو البعثية السورية. ففي الستينيات تستعمل الثورة المصرية القومية العربية من أجل تحقيق الوحدة العربية وتفسر الحروب الصليبية على أنها حرب ضد القومية العربية دون استخدام الإسلام، في حين أنها في حرب اليمن تستخدم الإسلام من أجل التأكيد على الوحدة بين الشعبين. فمع سوريا تظهر العلمانية ومع اليمن يظهر الاتجاه الإسلامي. وفي السبعينيات تهاجم القيادة السياسية جماعة التكفير والهجرة وأنها نصبت نفسها حكمًا على إيمان الناس، ثم تقوم هي نفسها بذلك في اتهام المعارضة بالإلحاد والشيوعية والحكم عليها بإنكار رسالات السماء. وبالرغم من رفض الدخول في قلوب الناس والتفتيش في الضمائر والهجوم على التكفير والهجرة والاستشهاد بآية: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ إلا أن ما يفعله النظام بالهجوم على الخصوم السياسيين واتهامهم بالإلحاد وقوع في تناقض.٢١٠
وفي السبعينيات أيضًا يصل الأمر بالسلطة السياسية إلى حد النفاق وذلك بنفيها استخدام الدين لأغراض سياسية وهي لا تفعل إلا هذا ضد خصومها السياسيين. بل إن السلطة ترى أن من علامات عصور الاضمحلال رضوخ التفسيرات الدينية لمفاهيم أصحاب السلطة السياسية؛ لأن السلطة في نفس الوقت تأخذ الدين كعامل في الخداع الاستراتيجي. فقد كانت تعطي السلطة للصحف أمرًا لكي تنشر في أجزاء متفرقة من الصحف، آيات قرآنية أو شيئًا انفعاليًّا لتحميس الناس. أعطت السلطة للصحف أمرًا بإخراج آيات القتال كلها من القرآن من أجل تسخين الجبهة. ولما كان كل طرف يستخدم الدين لصالح نظامه السياسي والاجتماعي فإن صراع التغير هو في حقيقة الأمر صراع اجتماعي سياسي. ولا يحسم الصراع صحة تفسير عن غيره بل حجم قوة كل طرف من الأطراف المتصارعة. فاختلاف وجهات النظر بين التفسيرات هو في الحقيقة صراع الأنظمة السياسية المختلفة أو للقوى الاجتماعية داخل النظام الواحد في صورة بناء فوقي وهو الدين. وبالرغم من الخطابة السياسية التي تستعمل الدين وفقًا للظروف فإنه يتم الاستشهاد بآية: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ. وبالتالي لم تتجاوز الخطابة، ولم تحدث أي أثر. وبالرغم من معرفة بتر النصوص وليِّها كما هو الحال في: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ إلا أنه تم انتقاء الآيات التي تؤيد الموقف السياسي وترك غيرها.٢١١

وبصرف النظر عن تطبيق أية نظرية في علم الاجتماع الديني لمعرفة الصلة بين الدين والسياسة في الثورة المصرية سواء دوركايم أو ماكس فيبر أو غيرهم من منظري علم الاجتماع الديني، إلا أن الخطاب السياسي للقادة لم يتجاوز الأمر أكثر من الوعظ الديني السياسي لنظام يريد الإبقاء على نفسه فيلجأ إلى الجماهير بأسلوب ديماجوجي. لذلك ظلت الجماهير في محافظتها وتهاوت الزعامات وظل سلاح الدين باقيًا في يد كل سلطة تشهره ضد خصومها في الداخل والخارج. لم يتحول الدين إلى تصور للعالم ولم يصبح تراث الشعب الديني أيديولوجية سياسية يعبر عن ثقافته الوطنية. وكما كان كل نقد اجتماعي لا بد وأن يبدأ بنقد الدين. وكانت المعارضة هي القائمة بمهمة النقد سيظل الدين في أيدي السلطة القائمة ما لم يتم تجريدها من السلاح بإعادة تفسير الدين وهو تراث الشعب والمخزون النفسي عند الجماهير دفاعًا عن مصالح الأغلبية.

١  كُتب هذا البحث سنة ١٩٧٨م كجزء من مشروع التنمية في مصر الذي أشرف عليه د. سعد الدين إبراهيم بِناءً على طلب «معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث» في داكار، السنغال، ثم بناءً على طلب «معهد الإنماء العربي» في بيروت. وقد نشرت صياغة مختصرة له في كتاب «مصر في ربع قرن»، معهد الإنماء العربي، بيروت.
٢  M. Bayoumi: Religion and Modernism in Egypt, Dissertation. Temple University, 1971, ch, 1.
٣  تتبنى معظم الدراسات في تاريخ الحركات الحديثة هذا التقسيم الثلاثي.
٤  طارق البشري: الحركة السياسية في مصر ١٩٤٥–١٩٥٢م، ص٣٦٧–٣٨٨، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٧٣م.
٥  وأشهر مثل على ذلك فتوى الشيخ المراغي ضد نظام الحكم السابق على الثورة.
٦  K. Marx, F. Engels: On Religion, New York, 1957.
٧  يتمثل التيار الوضعي عند ممثلي المدرسة الاجتماعية والوضعية في مصر مثل علي عبد الواحد وافي، عبد العزيز عزت، زكي نجيب محمود. ويمثل التيار العقلي محمود قاسم. كما يمثل التيار الوجودي عبد الرحمن بدوي على سبيل المثال لا الحصر.
٨  تتلمذ حسن البنا على يد رشيد رضا في دار العلوم، وحاول إصدار مجلة «المنار» عام ١٩٣٥م بعد توقفها. وأصدر بالفعل خمسة أعداد عام ١٩٣٦م. انظر «مذكرات الدعوة والداعية» ص٢٥٤–٢٥٥، دار الشهاب، القاهرة.
٩  قاسم أمين: المرأة الجديدة، تحرير المرأة.
١٠  المجلس الأعلى للجامعات: الاشتراكية الديمقراطية، ص٨٧– ١٠٨، يوليو (تموز)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٧٧م.
١١  مجموعة خطب جمال عبد الناصر، وزارة الإرشاد القومي، الجزء الأول ١٩٥٢–١٩٥٨م (وسنشير إليها فقط باسم الجزء ورقم الصفحة مثلًا ج١ ص … في حين أن مجموعة خطب السادات خمسة أجزاء أيضًا سنشير إليها بعلامة س قبل الجزء والصفحة) قصة الصورة نشرت في إحدى الصحف الصباحية ٢/ ٧/ ١٩٥٣م.
١٢  المصدر السابق، ص٢١٧.
١٣  المصدر السابق، ص٢١٧، في المقر الرئيسي لهيئة التحرير ٢١ / ٨ / ١٩٥٤م.
١٤  M. Bayoumi, op. cit., pp. 558–61.
١٥  قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وغير المسلمين، المطبوعات الرسمية.
١٦  س ج٢، ص١٣٥، ج٤، ص٣٤١–٣٤٥، ج٥، ص٣–٤ (مجموعة خطب وأحاديث الرئيس محمد أنور السادات، وزارة الإعلام، الهيئة العامة للاستعلامات).
١٧  ناصر، ج٥، ص٤٤٣، خطاب ومناقشات مع الشباب في معسكر منظمة الشباب الاشتراكي العربي بحلوان ١٨/ ١١/ ١٩٦٥م.
١٨  المصدر السابق، ج٤، ص٦٨، ص٥٥٨، ج٥، ص٦٦٩.
١٩  مجلة الأزهر، العدد العاشر، ملحق العدد.
٢٠  المصدر السابق، ملحق العدد.
٢١  موسوعة ناصر للفقه الإسلامي، ج١.
٢٢  التربية الدينية، وزارة التربية والتعليم، المراحل الأولى والثانية والثالثة. انظر أيضًا «ورقة أكتوبر».
٢٣  الأهرام، مايو ١٩٧٧م.
٢٤  أمانة الدعوة والفكر، مكتب الشئون الدينية، ص٣١.
٢٥  أمانة الدعوة والفكر، مكتب الشئون الدينية. وأيضًا مجلة «الاتحاد الاشتراكي العربي»، العدد الثالث.
٢٦  نماذج عديدة من مكتبة الإمام، وزارة الأوقاف ١٩٦٨–١٩٧٠م، تقديم حسين الشافعي. العدد الأول من السلسلة ص٩–١٢.
٢٧  قانون تنظيم الطرق الصوفية، المطابع الأميرية، ١٩٧٦م.
٢٨  نشرت وزارة الأوقاف: «العدل في الإسلام»، «المساواة في الإسلام»، «العمل في الإسلام» … إلخ.
٢٩  «الشورى في الإسلام»، خطبة عبد الرحمن شمس في مسجد الإمام الشافعي، ١٢ / ٤ / ١٩٦٨م.
٣٠  محمد نجيب في وفود المديريات، ١٥ / ٨ / ١٩٥٢م، ٢٣ / ٣ / ١٩٥٣م، في أسوان ٢٢ / ٣ / ١٩٥٣م، حديث في راديو صوت أمريكا ٢٢/ ٢ / ١٩٥٣م، ١٤ / ٦ / ١٩٥٣م، ١٠ / ٧ / ١٩٥٣م، كمال الدين حسين خطاب ببلدة الخانكة ٥/ ٤ / ١٩٥٣م.
٣١  كلمة في معهد الإسكندرية الديني، ١٨ / ٤ / ١٩٥٣م، ج١، ص٢٤، في احتفال الأزهر بتوقيع اتفاقية الجلاء في ٢٥ / ١٠ / ١٩٥٤م، ج١، ص٢٣٤، كلمة في افتتاح المعهد الديني بالفيوم ٦/ ٧/ ١٩٥٥م، ج١، ص٣٣٣، في ضباط الشرطة ١٧ / ٥ / ١٩٧١م، س١، ص٣٠٩، حديث لفضيلة الإمام الأكبر: الاستعمار يقترب من نهايته، مجلة الأزهر، يونيو ١٩٥٣م.
٣٢  في المقر الرئيسي لهيئة التحرير مساء، ٥ / ٩ / ١٩٥٤م، في الاجتماع بوفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بالقاهرة ٢٤ / ٩ / ١٩٧٢م، س ج٢، ص٣٥٩–٣٦٢.
٣٣  في عيد العمال ١ / ٥ / ١٩٧٢م، س ج٢، ص١٨١، في اللقاء الكبير الذي انعقد لمناقشة اتفاقية الجلاء، كلمة ألقيت عقب عودة الرئيس من دمشق في ٣٠ / ٣ / ١٩٥٨م، ج٢، ص٧٩، مشروع الميثاق، ص٨٨، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٦ / ٥ / ١٩٧١م، س ج١، ص٢٥٧–٢٥٩، في ضباط الشرطة ٢٧ / ٥/ ١٩٧١م، س ج١، ص٣٠٩، في مؤتمر المجتمعات العربية ٧/ ٢ / ١٩٧٣م، س ج٣، ص٥٢.
٣٤  كلمة ألقيت بمناسبة عيد الأضحى المبارك في ١٩ / ٨ / ١٩٥٣م، ج١، ص٥٠، انظر أيضًا الرباط في سبيل الله، لماذا نقاتل؟ الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، الإدارة العامة للوعظ والإرشاد، المكتب الفني، النشرة التوجيهية، ١٩٦٩م.
٣٥  كلمة ألقيت في هيئة التحرير العامة بمقرها بميدان الجمهورية احتفالًا بذكرى المولد النبوي الشريف في مساء يوم ٢٨ / ١١ / ١٩٥٣م، ج١، ص٦٧–٧٠، فلسفة الثورة ص١٢، ص١٥، ص٣٩–٤٠.
٣٦  كلمة ألقيت في المقر الرئيسي لهيئة التحرير بمناسبة افتتاح المؤتمر العربي الإسلامي يوم ٢٦ / ٨ / ١٩٥٣م، ج١، ص٥٥–٥٩.
٣٧  خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بأسيوط، ٨ / ٣ / ١٩٦٥م، ج، ص١٣٨، خطاب إلى أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية بشأن الجزائر، ٢ / ٧ / ١٩٦٢م، ج٣، خطاب في عيد العمال، ١ / ٥/ ١٩٦٥م (٢٩ ذي الحجة ١٣٨٤ﻫ)، ج٥، المؤتمر الإسلامي في لاجوس ٢٣ / ٣ / ١٩٧٥م، س٥، ص١٣٣–١٣٤.
٣٨  تهنئة للعالم الإسلامي بحلول شهر الصوم المبارك، أذيعت خلال مؤتمر باندونج في ٢٦ / ٤ / ١٩٥٥م، ج١، ص٣٠٨–٣٠٩.
٣٩  خطاب في مؤتمر البحوث الإسلامية، ٤ / ٤ / ١٩٧١م، س ج١، ص٢١١– ٢١٣.
٤٠  الأهرام، ٢٢/ ٧ / ١٩٦٦م.
٤١  رسالة التوعية الدينية، ص٤٨، ٤٩.
٤٢  أحمد حسن الباقوري، الدين والتقدم، ص٧–١٠، د. طعيمة الجرف، ديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة ص٥-٦، الاتحاد الاشتراكي العربي، منظمة الشباب الاشتراكي: محاضرات المرحلة الأولى، ص١٦١–١٩٠.
٤٣  أحمد الشرباصي، الدين والميثاق، الدار القومية، ١٩٦٥م، الاتحاد الاشتراكي العربي، أمانة الدعوة والفكر–الدين والحياة، الاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٣ / ٧ / ١٩٦٦م الكتاب السنوي الثالث، ص٨٠، المصدر السابق، ص٩، انظر أيضًا الإسلام والتقدم للشاعر العراقي معروف الرصافي في مجلة الأزهر نوفمبر ١٩٦١م، محمد فتحي محمود «الميثاق ورسالة الأديان» منبر الإسلام يناير ١٩٦٤م، محمود شلبي «الحرية في الإسلام» منبر الإسلام يناير ١٩٦٤م.
٤٤  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن وصنعاء بتاريخ ٢٥ / ٤ / ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٨، خطاب الرئيس في عيد النصر السادس ٢٣ / ١٢ / ١٩٦٢م، ج٤، ص٧١، كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨ / ٧/ ١٩٦٣م، ج٤ ص٤٢٧.
٤٥  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في القوات المسلحة عند وصوله إلى اليمن بتاريخ ٢٣ / ٤ / ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٣، خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء في ٢٥ / ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٨.
٤٦  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء بتاريخ ٢٥ / ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٩–٥٧٣.
٤٧  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٨– ٤١٩، خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في المؤتمر الشعبي بصنعاء بتاريخ ٢٣ / ٤ / ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٢، خطاب الرئيس في كبار علماء الدين باليمن، صنعاء بتاريخ ٢٥ / ٤ / ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٧، الميثاق ص٨٨.
٤٨  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٨–٤١٩، جمال الدين عياد: شريعة الإسلام «العمل والعمال» جزءان، الخانجي بدون تاريخ.
٤٩  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٨–٤١٩.
٥٠  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٨– ٤١٩، وأيضًا خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين باليمن، صنعاء بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٧٢.
٥١  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٨، دكتور سليمان محمد الطماوي: الديمقراطية والدستور الجديد – ثالثًا – الديمقراطية في الفكر السياسي العربي والإسلامي، ص١٦–٢٤، المجلس الأعلى للجامعات: الاشتراكية الديمقراطية، ص٣٥، ص١٠٥.
٥٢  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في استقبال القوات العربية المنتصرة العائدة من اليمن بتاريخ ٢٠/ ٥/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣٥٠، كلمة الرئيس في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٩، خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في القوات المسلحة عند وصوله لليمن بتاريخ ٢٣/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦١، ص٤٦٣، خطاب الرئيس عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٦٩.
٥٣  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء، بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٧٠–٥٧١، كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤٢١.
٥٤  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٧٢، خطاب في المؤتمر الشعبي في تعز ٢٦/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٧٦.
٥٥  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٧، ص٤١٩–٤٢١، خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٧٢–٥٧٣، خطاب في المؤتمر الشعبي في تعز يوم ٢٦/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٥٧٦.
٥٦  في الافتتاح الكبير بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير لمناقشة اتفاقية الجلاء في ٥/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢١٧، في المقر الرئيسي لهيئة التحرير أمام جميع أعضاء مجلس إدارات الهيئة في أقسام القاهرة وشياخاتها ٢١/ ٨/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢٠٤، ولمزيد من التفصيلات عن الصراع بين الثورة والإخوان انظر أحمد حمروش: قضية ثورة ٢٣ يوليو، ج١ مصر والعسكريون، الفصل الرابع، حل الإخوان ص٢٩٧–٣٠٥، وأيضًا عبد العظيم رمضان: عبد الناصر وأزمة مارس.
خطاب ومناقشات مع الشباب بمعسكر إعداد القادة بمنظمة الشباب الاشتراكي العربي بحلوان في ١٨/ ١١/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٤٤٢.
٥٧  خطاب ومناقشات مع الشباب بمعسكر إعداد قادة منظمة الشباب الاشتراكي العربي بحلوان في ١٨/ ١١/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٤٤٢–٤٤٣.
٥٨  في الاجتماع الكبير بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير لمناقشة اتفاقية الجلاء في ١٥/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢١٧، كلمة ألقيت في وفد من أهالي العزيزية بمديرية الشرقية في دار الرياسة حيث توجهوا إليها لتهنئة الرئيس باتفاقية الجلاء يوم ٢٠/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢٢٢، كلمة ألقيت صباح ٩/ ١١/ ١٩٥٤م في أعضاء المؤتمر الذي عقده أئمة المساجد في أنحاء الجمهورية وزاروا الرياسة لإعلان تأييدهم لبطل الجلاء وتهنئته بهذه المناسبة، ج١، ص٢٥٢، خطاب ومناقشات مع الشباب بمعسكر الشباب بحلوان ١/ ١١/ ١٩٦٥م، ج٥.
٥٩  كلمة ألقيت في وفد من أهالي العزيزية بمديرية الشرقية في دار الرياسة، حيث توجهوا إلى التهنئة باتفاقية الجلاء يوم ٢٠/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢٢٢–٢٢٣.
٦٠  خطاب في الطلبة العرب في موسكو ٢٩/ ٨/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٤٠٣.
٦١  في الاجتماع الكبير بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير لمناقشة اتفاقية الجلاء في ٥/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢١٨.
٦٢  كلمة ألقيت يوم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بتاريخ ٨/ ١١/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢٥١.
٦٣  خطاب ومناقشات مع الشباب بمعسكر إعداد قادة منظمة الشباب الاشتراكي العربي بحلوان يوم ١٨/ ١١/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٤٤٧.
٦٤  المؤتمر التعاوني الثاني في ١/ ٦/ ١٩٥٦م، ج١، ص٤٩٠.
٦٥  في افتتاح الدورة الخامسة لمجلس الأمة في ٢٣/ ١١/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٢٨١–٢٨٢، في مؤتمر الاتحاد العام للعمال بحلوان ٣/ ٣/ ١٩٦٨م، ج٦.
٦٦  في المقر الرئيسي لهيئة التحرير أمام جميع أعضاء مجلس إدارات فروع الهيئة في أقسام القاهرة وشياخاتها ٢١/ ٨/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢٠٤–٢٠٥.
٦٧  خطاب في الاحتفال بمناسبة عيد العمال بشبرا الخيمة ٢/ ٥/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٥٢.
٦٨  في الاجتماع الكبير بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير لمناقشة اتفاقية الجلاء في ٥/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢١٧، ٢١٩.
٦٩  كلمة ألقيت في وفد من أهالي العزيزية بمديرية الشرقية في دار الرياسة حيث توجهوا إليها لتهنئة الرئيس باتفاقية الجلاء يوم٢٠/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢٢٢، خطاب في الطلبة العرب في موسكو يوم ٢٩/ ٨/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٤٠٣، خطاب ومناقشات بين الشباب بمعسكر إعداد قادة منظمة الشباب الاشتراكي العربي بحلوان يوم ١٨/ ١١/ ١٩٦٥م، ج٥، خطاب في عيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٠٣، خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس يوم ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٢٥، ٥٣٣، خطاب في الاحتفال بمناسبة عيد العمال بشبرا الخيمة ٢/ ٥/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٩٥٨.
٧٠  في الاجتماع الكبير بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير لمناقشة اتفاقية الجلاء في ٥/ ٩/ ١٩٥٤م، ج١، ص٢١٩.
٧١  خطاب في اللجنة المركزية يوم ٢٠/ ١١/ ١٩٧٥م، س ج٥، ص١٩.
٧٢  كلمة ألقيت عقب عودة الرئيس جمال عبد الناصر من دمشق في ٢٠/ ٣/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٧٧.
٧٣  خطاب في حفل وضع حجر الأساس للمدينة السكنية لضباط الصف في دمشق يوم ١٤/ ٣/ ١٩٥٩م، ج٢، ص٣٧١.
٧٤  خطاب برشيد في الاحتفال بمرور ١٥٠ عامًا على طرد الإنجليز من رشيد يوم ٢٨/ ٧/ ١٩٥٩م، ج٢، ص٥٦٨.
٧٥  بيان إلى الأمة ٢٤/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٦٨، في افتتاح الدورة الأولى للمؤتمر القومي الثاني للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٣/ ٧/ ١٩٧١م، س١، ص٤٥٨.
٧٦  بيان إلى الأمة ٣٠/ ٨/ ١٩٧١م، س ج١، ص٤٣٥.
٧٧  كلمة ألقيت عقب عودة الرئيس من دمشق في ٢٠/ ٣/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٧٦–٧٨.
٧٨  حديث إلى مجلة روز اليوسف ٢٣/ ٣/ ١٩٥٧م، س٥، ص١٢١.
٧٩  خطاب في يوم انتصار العمال العرب ٧/ ٥/ ١٩٦٠م، ج٣، ص١٧٥–١٧٦، خطاب في حفل وضع حجر الأساس للمدينة العسكرية لضباط الصف بدمشق في ١٤/ ٣/ ١٩٥٩م، ج٢، ص٢٧، خطاب في يوم الجزائر ١/ ١١/ ١٩٦٠م، ج٢، ص٣٠٤.
٨٠  كلمة أُلقيت عقب عودة الرئيس من دمشق في ٢٠/ ٣/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٧٨–٧٩.
٨١  كلمة ألقيت عقب عودة الرئيس من دمشق في ٢٠/ ٣/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٨٠–٨١، خطاب برشيد في الاحتفال بمرور ١٥٠ عامًا على طرد الإنجليز من رشيد في ٢٨/ ٧/ ١٩٥٩م، ج٢، ص٥٦٨، خطاب في يوم انتصار العمال العرب ٧/ ٥/ ١٩٦٠م، ج٣، ص١٧٤–١٧٥، خطاب في المؤتمر الشعبي بدمياط ٨/ ٥/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٣٧، خطاب في يوم الجزائر ١/ ١١/ ١٩٦٠م، ج د، ص ٣٠٤، في المؤتمر الشعبي بالمنصورة لشرح بيان ٣٠ مارس ١٨/ ٣/ ١٩٦٨م، ج٦، خطاب في أعضاء المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ٢٦/ ٢/ ١٩٦٧م، ج٦.
٨٢  كلمة أُلقيت عقب عودة الرئيس من دمشق في ٢٠/ ٣/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٧٧، خطاب في يوم انتصار العمال العرب ٧/ ٥/ ١٩٦٠م، ج٣، ص١٧٦.
٨٣  خطاب في يوم انتصار العمال العرب ٧/ ٥/ ١٩٦٠م، ج٣، ص١٧٢، نفس الخطاب ص١٧٣، خطاب برشيد في الاحتفال بمرور ١٥٠ عامًا على طرد الإنجليز في ٢٨/ ٧/ ١٩٥٩م، ج٣، ص٥٦٦، خطاب في المؤتمر الشعبي بدمياط ٨/ ٢/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٣٧.
٨٤  في المؤتمر الشعبي بالمنصورة لشرح بيان ٣٠ مارس ١٨/ ٣/ ١٩٦٨م، ج٦.
٨٥  كلمة ألقيت عقب عودة الرئيس من دمشق في ٢٠/ ٣/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٧٦–٧٧.
٨٦  خطاب برشيد في الاحتفال بمرور ١٥٠ عامًا على طرد الإنجليز من رشيد في ٢٨/ ٧/ ١٩٥٨م، ج٢، ص٥٦٨، خطاب في يوم انتصار العمال العرب ٧/ ٥/ ١٩٦٠م، ج٣، ص١٧٢، خطاب في المؤتمر الشعبي للاتحاد القومي بجامعة القاهرة ترحيبًا بالرئيس أيوب خان ٨/ ١١/ ١٩٦٠م، ج٢، ص٣١٣.
٨٧  خطاب في شباب الإقليم السوري وعماله في الإسكندرية ١٧/ ٨/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٩، حديث مع صاحب مجلة كل شيء اللبنانية ١٣/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٣٤–٤٥، كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الاحتفال بإرساء الحجر الأساسي لكاتدرائية الكنيسة المرقصية ٢٢/ ٧/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٣٥١–٣٥٢، الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة ٢٥/ ٣/ ١٩٦٤م، ص١٢.
٨٨  خطاب في دمشق ١٧/ ١٠/ ١٩٦٠م، ج٢، ص٢٨٣، خطاب في شباب الإقليم السوري وعماله في الإسكندرية ٢٧/ ٨/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٩٢.
٨٩  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الاحتفال بإرساء حجر الأساس لكاتدرائية الكنيسة المرقسية ٢٢/ ٧/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٣٥٠–٣٥٢.
٩٠  رسالة إلى مؤتمر الجمعيات الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا المنعقد في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة ٤/ ٧/ ١٩٧٢م، س١، ص٣٩٤، في جامعة الإسكندرية ٢٧/ ٧/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٤٣، رسالة إلى المؤتمر الإسلامي بدكار ٧/ ١٢/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤١١–٤١٢، وأيضًا في يوم العمل الاجتماعي ٣٠/ ١١/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤٠٦–٤٠٧، بيان إلى الأمة ٢٨/ ١٢/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤١٨–٤١٩.
٩١  في افتتاح الدورة الجديدة للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي، س٢، ص٣٢٥–٣٢٦، بيان إلى الأمة ٢٨/ ١٢/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤٢٣، حديث إلى نقيب الصحفيين اللبنانيين ١٩/ ١/ ١٩٧٣م، س٣، ص١–١٣.
٩٢  حديث إلى نقيب الصحفيين اللبنانيين ١٩/ ١/ ١٩٧٣م، س٣، ص١٢–١٣، رسالة إلى المؤتمر الإسلامي المسيحي ١١/ ٩/ ١٩٧٤م، س٤، ص٥٨٥–٥٨٦، في السويس ٢٤/ ١٠/ ١٩٧٤م، س٤، ص٧٠٤–٧٠٥، رسالة إلى المؤتمر الإسلامي ٢٣/ ٣/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٣٣–١٣٤.
٩٣  في المؤتمر العاشر للطلاب بجامعة الإسكندرية ٣/ ٤/ ١٩٧٤م، س٤، ص١٦٩، للمؤتمر الإسلامي في الهند ١٩/ ٤/ ١٩٧٥م، ج٥، ص٢١٩–٢٢٠، حديث لجريدة الأنوار اللبنانية ٢٢/ ٦/ ١٩٧٥م، ج٥، ص٣٤٣، في الجلسة الخاصة لمجلس الشعب ١٤/ ٣/ ١٩٧٦م، ص٥٣، إلى مواطني الإسماعيلية في مسجد الشفاء مارس ١٩٧٦م، ص٣، وأيضًا في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧٦م، ص٣٠، في العيد الثاني للفن ٨/ ١٠/ ١٩٧٧م، ص٤.
٩٤  في افتتاح دورة الانعقاد الأولى للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٢/ ٧/ ١٩٧٥م، س٥، ص٤١–٤٢.
٩٥  لقاء مع القيادات الدينية، ٨/ ٢/ ١٩٧٧م، ص٢٣–٢٥.
٩٦  الذكرى السابعة لوفاة ناصر، ٢٨/ ٩/ ١٩٧٧م، ص١١–١٥.
٩٧  لقاء مع القيادات الدينية، ٨/ ٢/ ١٩٧٧م، ص٢٣–٢٥، كلمة إلى الشعب المصري والأمة العربية في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب، ١٨/ ١٠/ ١٩٧٥م، ص١٠، إلى نائب رئيس مؤسسة روزاليوسف، ٢/ ٧/ ١٩٧٦م، ص٤، ص٥.
٩٨  مؤتمر صحفي بدمشق، ١٧/ ١١/ ١٩٧٧م، حديث إلى مجلة الحوادث اللبنانية، ٢١/ ٨/ ١٩٧٥م، ص٢٠.
٩٩  حديث إلى الأمة، ١٣/ ١/ ١٩٧٢م، س٢، ص٢٢.
١٠٠  حديث سياسي إلى مراسل صحيفة التمبو الإيطالية ١١/ ١٢/ ١٩٥٦م، ج١، ص٦٣٦.
١٠١  حديث الرئيس مع الصحفي الهندي كرانجيا، ١٧/ ٤/ ١٩٥٩م، ج٢، ص٤٢١– ٤٢٢.
١٠٢  بيان في افتتاح مجلس الأمة في دورة الانعقاد الثانية، ١٢/ ١١/ ١٩٦٤م، ج٥، ص٨٢، كلمة في الاجتماع الذي عقده مع أعضاء الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٥/ ٢/ ١٩٦٥م، ج٥، ص١٦٦.
١٠٣  الجلسة السابعة، ٣٠/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٩٢، خطاب في عيد الثورة الثالث عشر، ٢٢/ ٧/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٣٥٦، إلى الأمة ٣/ ٢/ ١٩٧٧م، ص١٠، إلى مجلس الشعب ٩/ ١١/ ١٩٧٧م، ص١١-١٢.
١٠٤  خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء، بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م، ج٤، ص٥٧١، خطاب في المؤتمر الشعبي في أسوان بمناسبة العيد الثالث لبناء السد العالي ٩/ ١/ ١٩٦٣م، كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة، بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٩، خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في كبار علماء الدين في اليمن، صنعاء، بتاريخ ٢٥/ ٤/ ١٩٦٤م.
١٠٥  خطاب في عيد الثورة التاسع، ٢٢/ ٧/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٦١، خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس، ج٥، ص٣٣، في ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، حديث إلى د. كرانجيا رئيس تحرير مجلة بلينز الهندية، ٨/ ٥/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٦٣، كلمة الرئيس عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة، بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٩، تصريحات للوفد الصحفي العراقي، ٢٠/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٤٩٤، خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس، ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٣٣.
١٠٦  خطاب في عيد الثورة التاسع، ٢٢/ ٧/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٦١، الكلمات والتعقيبات التي ألقاها في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي للقوى الشعبية، الجلسة الثانية، ٢٧/ ١١/ ١٩٦١م، ج٣، ص٦٠٧، كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الجلسة الرابعة، بتاريخ ٢٩/ ١١/ ١٩٦٦م، ج٣، ص٦٢١–٦٢٢.
١٠٧  خطاب في عيد الثورة التاسع، ٢٢/ ٧/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٦١–٤٦٢، خطاب في المؤتمر الشعبي في أسوان بمناسبة العيد الثالث لبدء بناء السد العالي، ٩/ ١/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣١٢.
١٠٨  خطاب في عيد الثورة التاسع، ٢٢/ ٧/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٦١.
١٠٩  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة، بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٩، كلمة في الاجتماع الذي عقده مع أعضاء الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٥/ ٢/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٢٦٧.
١١٠  خطاب في عيد الثورة الثالث عشر، ٢٢/ ٧/ ١٩٦٥م، ج٥، ص٣٥٥-٣٥٦.
١١١  خطاب في عيد الثورة التاسع، ٢٢/ ٧/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٦١.
١١٢  خطاب في عيد الثورة التاسع، ٢٢/ ٧/ ١٩٦١م، ج٣، ص٤٦١.
١١٣  حديث مع صاحب مجلة كل شيء اللبنانية، ١٣/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٣٦.
١١٤  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة، بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٩.
١١٥  كلمة في الاجتماع الذي عقده مع أعضاء الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٥/ ٢/ ١٩٦٥م، ج٥، ص١٦٦.
١١٦  المجلس الأعلى للجامعات: الاشتراكية الديمقراطية، رأي جامعة طنطا، ص١٠٥.
١١٧  الاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٣/ ٧/ ١٩٦٦م، الكتاب السنوي الثالث، ص٧٧.
١١٨  د. نظير حسان سعداوي، الاشتراكية العربية والتطور الاشتراكي، الفصل الثاني: الاشتراكية الإسلامية، ص٢١–٢٩. د. يحيى هويدي، الفلسفة في الميثاق، ص١١٩، ص١٣٠. الدومي، المنهاج الاشتراكي على ضوء الإسلام، الخانكي، ١٩٦٣مز أ. فراج: الإسلام دين الاشتراكية، الدار القومية، ١٩٦١م. عبد المغني سعيد، الإسلام والأصول الفكرية للاشتراكية العربية، الأنجلو المصرية، ١٩٦٢م. أحمد الشرباصي، مبادئ الاشتراكية في الإسلام، الدار القومية. محسن محمد المدني، اشتراكية الإسلام، مجلة الأزهر، نوفمبر ١٩٦١م. أحمد الشرباصي، الضرائب في الإسلام، مجلة الأزهر، ديسمبر ١٩٦٢م، يناير ١٩٦٣م. أحمد الشرباصي: الإسلام دين المساواة، لواء الإسلام، نوفمبر ١٩٦٢م. علي الرفاعي: اشتراكية الإسلام، نور الإسلام، ديسمبر-يناير ١٩٦٢م. عبد السميع المصري: اقتصاديات الإسلام، نور الإسلام، مارس ١٩٦٩م. حسن كامل الملطاوي، الاشتراكية في الإسلام، منبر الإسلام، ديسمبر ١٩٦٣م. محمد علي أبو ريان، الإسلام والمذاهب الاشتراكية، منبر الإسلام، ديسمبر ١٩٦٣م.
١١٩  إلى مواطني الإسماعيلية في مسجد الشفاء، مارس ١٩٧٦م، س٥، ص١٨.
١٢٠  المجلس الأعلى للجامعات، الاشتراكية الديمقراطية، رأي جامعة طنطا، ص١٠٠.
١٢١  خطاب في المؤتمر الشعبي في أسوان بمناسبة العيد الثالث لبناء السد العالي، ٩/ ١/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣١٢.
١٢٢  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية في الوفد اليمني لحضور احتفالات العيد الحادي عشر للثورة، بتاريخ ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٩.
١٢٣  تصريحات للوفد الصحفي العراقي بالقاهرة، ٢٠/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٤٩٤.
١٢٤  مشروع الميثاق، ص٨٨.
١٢٥  خطاب في يوم الوحدة العربية، ٢٢/ ٢/ ١٩٦٢م، ج٤، خطاب في المؤتمر الشعبي في أسوان بمناسبة العيد الثالث لبناء السد العالي، ٩/ ١/ ١٩٦٣م، خطاب في الاحتفال الشعبي الذي أقيم بمناسبة العيد الخامس للوحدة، ٢١/ ٢/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣٣١.
١٢٦  خطاب في بورسعيد بمناسبة عيد النصر، ٢٣/ ١٢/ ١٩٦١م، ج٣، ص٦٥٢-٦٥٣، كلمة في الاجتماع الذي عقده مع أعضاء الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكي العربي، ٢٥/ ٢/ ١٩٦٥م، ج٥، ص١٦٧.
١٢٧  خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس، ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٤٤.
١٢٨  خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس، ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٣٣-٥٣٤.
١٢٩  خطاب في مركز القيادة المتقدمة للقوات الجوية، ٢٢/ ٥/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٦١، خطاب في الاحتفال بعيد الوحدة، ٢٢/ ٢/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٦٦.
١٣٠  كلمة الرئيس جمال عبد الناصر في الجلسة الرابعة بتاريخ ٢٩/ ١١/ ١٩٦١م، ج٣، ص٦٢١.
١٣١  حديث لصاحب مجلة كل شيء اللبنانية، ١٣/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢٧.
١٣٢  خطاب في بورسعيد بمناسبة عيد النصر، ٢٣/ ١٢/ ١٩٦١م، ج٣، ص٦٥٢، خطاب في عيد النصر السادس، ٢٣/ ١٢/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢٧١. خطاب في الاحتفال الشعبي الذي أقيم بمناسبة العيد الخامس للوحدة ٢١/ ٢/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣٣١، حديث مع صاحب مجلة كل شيء اللبنانية، ١٣/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢٧، خطاب في يوم الوحدة العربية، ٢٢/ ٢/ ١٩٦٢م، ج٤.
١٣٣  خطاب في يوم الوحدة العربية، ٢٢/ ٢/ ١٩٦٢م، ج١، الأهرام، ١٠/ ٣/ ١٩٦٤م.
١٣٤  الأهرام ٦/ ٤/ ١٩٦٤م، العدد السابق ص٤٣-٤٤.
١٣٥  المجلس الأعلى للجامعات، الاشتراكية الديمقراطية، ص٣٥، المرجع السابق، ص١٠٣-١٠٤.
١٣٦  خطاب إلى ضباط الصف في حفل افتتاح نادي ضباط الصف بالحلمية، ٢٤/ ٧/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢٠٦، خطاب في ملعب بلدية الإسكندرية بمناسبة عيد الثورة العاشر، ٢٦/ ٧/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢١٧.
١٣٧  خطاب في العيد العاشر للثورة، ٢٢/ ٧/ ١٩٦٢م، خطاب في الكلية الحربية بمناسبة يوم التدريب، ٢٥/ ٦/ ١٩٦٢م، ج٤، ص١٠٩، خطاب في عيد النصر السادس، ٢٣/ ١٢/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢٧١، خطاب في المؤتمر الشعبي بأسوان بمناسبة العيد الثالث لبناء السد العالي، ٩/ ١/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣١٢.
١٣٨  خطاب في عيد النصر السادس، ٢٣/ ١٢/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٢٧١.
١٣٩  خطاب في المؤتمر الشعبي في أسوان بمناسبة العيد الثالث لبدء بناء السد العالي، ٩/ ١/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٣٢١، المصدر السابق، ص٣١٨.
١٤٠  فلسفة الثورة، ص٦٩-٧٠.
١٤١  الجلسة الخامسة، ٢٨/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٣، ص٨٥.
١٤٢  خطاب في عيد الوحدة، ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥١٣، حديث مع س. ل. سولزبرجر رئيس تحرير نيويورك تايمز ٢٦/ ٢/ ١٩٦٩م، ج٨، ص٦٩-٧٠.
١٤٣  كلمة في حفل تكريم رئيس جمهورية موريتانيا ٢٧/ ٣/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٣٠، خطاب في افتتاح مجلس الأمة الجديد، ٢٠/ ١/ ١٩٦٩م، ج٧، ص٢٧.
١٤٤  حديث إلى مستر روبرت ستيفن المحرر السياسي لجريدة الأوبزرفر، ٢٥/ ٧/ ١٩٦٤م، ج٥، ص١١.
١٤٥  حديث مع الصحفية اليوغوسلافية العالمية داريا نكوفتش، ٢٧/ ٥/ ١٩٧٣م، س٣، ص١٨٦، إلى المؤتمر الإسلامي بكوالالمبور، ٢٣/ ٦/ ١٩٧٤م، ص٤٣٢-٤٣٣، خطاب أمام المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي في دور الانعقاد الخامس، ١٦/ ٢/ ١٩٧٣م، س٢، ص٨٨، في الجلسة الخاصة لمجلس الشعب، ١٤/ ٣/ ١٩٧٦م، ص٢٠، حديث إلى الأمة ٢٣/ ٢/ ١٩٧٧م، ص٥٣، حديث في الرباط ٢٣/ ١/ ١٩٧٤م، س٤، ص١٧، س٤، ص٤٣-٤٤، كلمة في مؤتمر القمة الإسلامي بلاهور، ٢٣/ ٢/ ١٩٧٤م، مؤتمر صحفي بنيودلهي، ٢٥/ ٢/ ١٩٧٤م.
١٤٦  كلمة سطرت في سجل زيارات نقابة عمال ومستخدمي النقل المشترك بمناسبة افتتاح المستشفى التعاوني، ٢٩/ ٤/ ١٩٥٤م، ج١، ص١٢٧.
١٤٧  كلمة في حفل تكريم رئيس جمهورية موريتانيا ٢٧/ ٣/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٣٠، الجلسة الخامسة ٢٨/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٥٨، مشروع الميثاق، ص١٢٣.
١٤٨  خطاب في مؤتمر البحوث الإسلامية ٤/ ٤/ ١٩٧١م، س١، ص٢١١–٢١٣، رسالة إلى الملتقى السابع للتعارف على الفكر الإسلامي بالجزائر، ١٠/ ٧/ ١٩٧٣م، س٣، ص٣١٤، رسالة المؤتمر الإسلامي في إندونيسيا، ١٠/ ١٢/ ١٩٧٣م، س٣، ص٣٦٩–٣٧٢.
١٤٩  في مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس التونسي تكريمًا له ٦/ ٥/ ١٩٧٢م، س٢، ص٢٠٩، بمناسبة وفاة الملك فيصل ٢٥/ ٣/ ١٩٧٥م.
١٥٠  الجلسة الخامسة، ٢٨/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٦٥، خطاب في عيد الوحدة، ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥١٢.
١٥١  الجلسة الخامسة ٢٨/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٨٥، خطاب في عيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥١٠، خطاب في المؤتمر الشعبي بمدينة دمنهور ١٥/ ٦/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٩٨، ص٦٠٠.
١٥٢  خطاب في عيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥١٠-٥١١.
١٥٣  خطاب في عيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥١٢–٥١٣، خطاب ٢٣/ ٧/ ١٩٦٦م، ص١٣.
١٥٤  حديث للرئيس مع الصحفيين العرب ٤/ ٢/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٣٥، حديث صحفي إلى جريدة الأوبزرفر البريطانية ٥/ ٢/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٤١، خطاب في الاحتفال بعيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٦٤، خطاب في الاحتفال بمناسبة عيد العمال بشبرا الخيمة ٢/ ٥/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٥٧.
١٥٥  خطاب في عيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ص٥١٣، خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٣٢، خطاب في ٢٣/ ٧/ ١٩٥٦م، ص١٣.
١٥٦  خطاب ٢٣/ ٧/ ١٩٦٦م، ص٣٠، ص١٠–١٣، التنديد بالحلف الإسلامي في توصيات مؤتمر المبعوثين ١١/ ٨/ ١٩٦٦م.
١٥٧  خطاب في عيد الوحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥١٣-٥١٤.
١٥٨  خطاب في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي بمناسبة الاحتفال بالعيد القومي للسويس ٢٢/ ٣/ ١٩٦٦م، ج٥، ص٥٣١.
١٥٩  خطاب في مركز القيادة المتقدمة للقوات الجوية ٢٢/ ٥/ ١٩٦٧م، ج٦، ص١٤٣، الاتحاد الاشتراكي العربي ٢٣/ ٧/ ١٩٦٦م، الكتاب السنوي الثالث ص٧٥.
١٦٠  في وفاة الملك فيصل، س٥، ص١٣٧.
١٦١  الميثاق ص١٠، ص١٢٤، تحرص مصلحة الاستعلامات على وضع التاريخ الهجري قبل التاريخ الميلادي في طبع خطب السادات وأحاديثه.
١٦٢  مشروع الميثاق، ص٨٨.
١٦٣  الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة ٢٥/ ٣/ ١٩٦٤م، ص١٤.
١٦٤  كلمات في الجلسة الثانية للدورة الطارئة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ٢/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٥٨٢.
١٦٥  بيانات وتعليقات بجلسات المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في شرح الميثاق الجلسة الثالثة ٢٦/ ٥/ ١٩٦٢م، ج٤، ص٧٢-٧٣.
١٦٦  خطاب الرئيس في مؤتمر الاتحاد العام للعمال بحلوان ٣/ ٣/ ١٩٦٨م.
١٦٧  خطاب في جامعة الإسكندرية بمناسبة العيد الحادي عشر للثورة ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٣–٤١٥، كلمات في الجلسة الثانية للدورة الطارئة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١٢/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٥٨٢-٥٨٣، في أبطال الجيش الثاني مارس ١٩٧٦م، ص١٢، ص١٤.
١٦٨  إلى مجلس الشعب ٩/ ١١/ ١٩٧٧م، ص١٥، في الاتحاد الاشتراكي العربي، مارس ١٩٧٦م، ص٧٩، حديث إلى جريدة السياسة الكويتية ٨/ ٩/ ١٩٧٥م، ص٣٠، في الجلسة الخامسة لمجلس الشعب ١٤/ ٣/ ١٩٧٦م، ص٤٤.
١٦٩  المجلس الأعلى للجامعات، الاشتراكية الديمقراطية، رأي جامعة طنطا، ص١٠٤، ١٢٦.
١٧٠  كلمة في الاجتماع الذي عقده مع أعضاء الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٥/ ٢/ ١٩٦٥م، ج٥، ص١٦٣، كلمة في القوات الفلسطينية والجزائرية في أحد المواقع الأمامية على خط النار ١١/ ٣/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٣٥٥، ص٣٥٨، خطاب إلى ضباط وجنود القوات المسلحة في إحدى القواعد العسكرية لشرح ببان ٣٠ مارس ٢٥/ ٤/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٤٥٠، كلمة في القوات المرابطة في أحد المواقع الأمامية على خط النار ١٠/ ٣/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٣٤٨، خطاب الرئيس في عيد العمال بحلوان ١/ ٥/ ١٩٦٩م، ج٧، ص١٢٧.
١٧١  في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٢٥/ ٤/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٧٣–١٧٦، ورقة أكتوبر، ص٥، خطاب أمام مجلس الشعب ٢٠/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣٣٥، للمؤتمر الإسلامي في لوجومي ٢٣/ ٣/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٣٣-١٣٤، في أبطال الجيش الثالث مارس ١٩٧٦م، س١٣، في السويس ٣/ ١١/ ١٩٥٣م، ج١، ص٦٢، حديث إلى جريدة السياسة الكويتية ٨/ ٩/ ١٩٧٥م، س٥، ص٢٧.
١٧٢  كلمات في الجلسة الثانية للدورة الطارئة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١٢/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٥٨٢–٥٧٣.
١٧٣  خطاب في جامعة الإسكندرية بمناسبة العيد الحادي عشر للثورة ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٤، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٩٨، بيان إلى الأمة بمناسبة مرور عام على إعلان دولة الاتحاد ومرور ثلاثة أعوام على الثورة الليبية ١/ ٩/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٥١، خطاب في جامعة الإسكندرية بمناسبة العيد الحادي عشر للثورة ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٣-٤١٤.
١٧٤  كلمات في الجلسة الثانية للدورة الطارئة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١٢/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٥٨٢-٥٨٣، حديث مع س. ل. سولزبرجر رئيس تحرير النيويورك تايمز ٢٦/ ٢/ ١٩٦٩م، نشر في ٢/ ٣/ ١٩٦٩م ثم في الأهرام في ٣/ ٣/ ١٩٦٩م، ج٧، ص٧٠-٧١، خطاب في افتتاح الدورة الخاصة لمجلس الأمة ٢٣/ ١١/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٢٧، خطاب في افتتاح مجلس الأمة الجديد ٢٠/ ١/ ١٩٦٩م، ج٧، خطاب في جلسة العمل الأولى للجنة العاملين للمواطنين من أجل المعركة ١١/ ٤/ ١٩٧٠م، ج٨، ص٣٢٧، بيان ٣٠ مارس، ص٣١، بيان إلى الأمة ٢٨/ ٩/ ١٩٧٠م، بيان إلى الأمة ٧/ ١٠/ ١٩٧٠م، خطاب في افتتاح الدورة الخاصة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١١/ ١٩٧٠م، س١، ص٤٩.
١٧٥  حديث للأمة يشرح فيه الرئيس بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨م، ج٦، ص٣٨٠، في الذكرى الثالثة لجلاء آخر جندي أمريكي عن ليبيا ١١/ ٦/ ١٩٧٣م، س٣، ص١٩٤، أمام المؤتمر السابع لدول عدم الانحياز في الجزائر ٦/ ٩/ ١٩٧٣م، س٣، ص٢٩٦، خطاب في افتتاح الدورة الخامسة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١١/ ١٩٧٠م، س١، ص٥١، في مجلس الشعب ١٩/ ٣/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٤٨، لرئيس تحرير السياسة الكويتية ١٢/ ٤/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٨، في علماء الأزهر ١٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣٠٣، بمناسبة وفاة فيصل ٢٥/ ٣/ ١٩٧٥م، في الذكرى الثالثة لوفاة الزعيم عبد الناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٣م، س٣، ص٣٢٣.
١٧٦  بيان إلى الأمة ٢٦/ ٣/ ١٩٧٣م، س٣، ص٧٥، بيان إلى الأمة ١٤/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص١٧٣، في ضباط الشرطة ١٧/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣٠٩، بيان إلى الأمة ٣٠/ ٨/ ١٩٧١م، س١، ص٤٢٥، بيان إلى الأمة ١٦/ ٩/ ١٩٧١م، س١، ص٤٦٠، في الذكرى الأولى لجمال عبد الناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧١م، س١، ص٤٨١-٤٨٢، حديث إلى الأمة ١٣/ ١/ ١٩٧٢م، س٢، ص٢٢، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٩٠، أمام مجلس الشعب بمناسبة ذكرى ١٥/ ٥/ ١٩٧٢م، س٢، ص٢٤١، إلى المحاربين المصابين بمركز التأهيل بجمعية المحاربين القدامى ١٤/ ٥/ ١٩٧٢م، س٢، ص٢٦١، في جامعة الإسكندرية ٢٧/ ٧/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٢٨، في عيد العلم أكتوبر ١٩٧٢م، س٢، ص٣٨٦، في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الشعب ١٥/ ١٠/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤٠١.
١٧٧  في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٣٥، في افتتاح الدورة الجديدة للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي، س٢، ص٣٣٢، خطاب تكليف إلى د. حجازي بمناسبة الوزارة الجديدة ٢٥/ ٩/ ١٩٧٤م، س٤، ص٥٩٩، بمناسبة الذكرى السابعة لوفاة ناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٧م، ص١١–١٥، في الذكرى الرابعة لوفاة ناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٤م، س٤، ص٦١٨، إلى طلاب أفريقيا ١٢/ ١١/ ١٩٧٤م، س٤، ص٧٢٨، إلى طلاب المدارس الثانوية والفنية ١٢/ ١٢/ ١٩٧٤م، س٤، ص٧٤٨، خطاب أمام المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي في دور الانعقاد الخاص، س٣، ص١١٨، في افتتاح الدورة الجديدة للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي، س٢، ص٢٣٥، إلى مجلس الثورة الليبي ٧/ ٥/ ١٩٧٤م، س٤، ص٣١٥–ص٣٢٥، في الجيش الثالث ٤/ ٦/ ١٩٧٤م، س٤، ص٢٦٧، في الذكرى ٢٢ الثورة ٢٣/ ٧/ ١٩٧٤م، س٤، ص٤٩٧–٥٢٨، إلى رئيس وأعضاء مجلس الثورة الليبي ٣١/ ٧/ ١٩٧٤م، س٤، ص٥٤٣، في الاتحاد الاشتراكي العربي مارس ١٩٧٦م، ص٦٨، خطاب أمام المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي في دورة الانعقاد الخاص، س٢، ص٨٩.
١٧٨  القوات الجوية مارس ١٩٧٦م، خطاب في الذكرى الثانية لوفاة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، أمام المؤتمر المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب ٢٦/ ٣/ ١٩٧٣م، س٣، ص١٠١، رسالة إلى المؤتمر الإسلامي بكوالالمبور ٢٣/ ٦/ ١٩٧٤م، س٤، ص٤٣٤، في مجلس الشعب بمناسبة الذكرى الأولى ١٤ مايو، ١٥ مايو ١٩٧٢م، إلى الشباب العربي من أجل اتحاد الشباب ٢٢/ ١٠/ ١٩٧٤م، في الجلسة الختامية للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي ١٧/ ٤/ ١٩٧١م، س٢، ص٢٣٢، خطاب في ختام الدورة الخامسة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١١/ ١٩٧٠م، في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب ١٦/ ١٠/ ١٩٧٣م، رسالة إلى مؤتمر الاتحادات المهنية ٢/ ٥/ ١٩٧٣م، س٣، ص١٤٤، بيان عن إعلان مشروع اتفاق اتحادات الجمهوريات العربية في افتتاح الدورة الأولى للمؤتمر القومي الثاني للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٣/ ٧/ ١٩٧١م، س١، ص٣٨٥، في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشعب ٢٣/ ١٠/ ١٩٧٤م، للضباط والجنود.
١٧٩  خطب عبد الناصر، ج١، ص١٣٦، ص٥٠٥، ص٥٣٣، ص٥٤٦، ج٢، ص٧٥، ص٤٧١، ص٥٠٣.
١٨٠  في افتتاح الدورة العادية لمجلس الشعب ١٥/ ١٠/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤٠١، بيان إلى الأمة ٢٩/ ٤/ ١٩٧٤م، س٤، ص٢٧٦، في الذكرى ٢٢ لثورة يوليو جامعة الإسكندرية ٢٧/ ٧/ ١٩٧٤م، في عيد العلم ٦/ ١٠/ ١٩٧٤م، بيان إلى الأمة ١٤/ ٤/ ١٩٧٥م، س٥، ص٢٠٠، إلى مجلس الشعب ١٤/ ٥/ ١٩٧٥م، في علماء الأزهر ١٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣٠٣، خطاب لتحديد أهداف الوزارة الجديدة ٢٦/ ٩/ ١٩٧٤م، س٤، ص٦٠٤، في عيد العلم ١/ ١٠/ ١٩٧٣م، س٣، ص٣٢٩، رسالة إلى بعثات الشباب المصري في الخارج ١٩/ ٢/ ١٩٥٤م، ج١، ص٩٨.
١٨١  خطاب في افتتاح الدورة الخامسة لمجلس الأمة ٢٣/ ١١/ ١٩٦٧م، ج٦، ص٢٧٠، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٤٩-٢٥٠، خطاب أمام مجلس الشعب ٢٠/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣٢٤، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ١٥/ ٤/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٧٣–١٧٦.
١٨٢  كلمة في موقع مشترك للقوات المصرية والسودانية بالجبهة ١٠/ ٣/ ١٩٦٨م، ص٣٥١، خطاب في جامعة الإسكندرية بمناسبة العيد الحادي عشر للثورة ٢٨/ ٧/ ١٩٦٣م، ج٤، ص٤١٣، كلمة في حفل العشاء الذي أقيم تكريمًا للرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنجور بمناسبة زيارته للجمهورية العربية المتحدة ٢٢/ ٢/ ١٩٦٧م، ج١، مشروع الميثاق، ص٨٨، بيان ٣٠ مارس، ص٢٥، خطاب في عيد العمال لشرح بيان ٣٠ مارس ١/ ٥/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٥١٣، رسالة إلى المؤتمر الإسلامي بداكار ٧/ ١٢/ ١٩٧٢م، س٢، ص٤١١-٤١٢، حديث إلى الأمة يشرح فيه الرئيس بيان ٣٠ مارس، ٣٠ مارس ١٩٦٨م، ج٦، ص٣٧٧.
١٨٣  في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧٥م، س، ص٢٤٣، ورقة أكتوبر ص٦٢، د. سليمان محمد الطماوي، الديمقراطية والدستور الجديد رابعًا: دور القيم الروحية في المجتمع الجديد ص٨١–٨٣، المجلس الأعلى للجامعات: الاشتراكية الديمقراطية. خطاب أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية في ٢٦/ ٥/ ١٩٧٧م، ص١٠-١١، ص١٩، في افتتاح دورة الانعقاد الأولى للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٢/ ٧/ ١٩٧٥م، س٥، ص٤١-٤٢.
١٨٤  كلمة في الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية عن ألفية القاهرة ٢٩/ ٣/ ١٩٦٩م، ج٧، ص٩٧.
١٨٥  إلى مجلس الشعب ٩/ ١١/ ١٩٧٧م، ص٧، ص١١، في اللقاء بوفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بالقاهرة ١٤/ ٩/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٥٩–٣٦٢، خطاب الرئيس في عيد العمال بحلوان ١/ ٥/ ١٩٦٩م، ج٧، ص١٢٧، خطاب في افتتاح دورة الانعقاد العادي الثاني لمجلس الأمة ٦/ ١/ ١٩٦٩م، ج٧، ص٢٠٠، بيان ٣٠ مارس، ص١٢.
١٨٦  في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ١٥/ ٤/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٧٣–١٧٦، ورقة أكتوبر، ص٤٣، بيان للأمة ٧/ ٣/ ١٩٧١م، س١، ص١٩٨، خطاب إلى الشعب السوداني الشقيق ٢٨/ ٣/ ١٩٧١م، س١، ص٢٠٤، بيان إعلان مشروع اتفاق اتحاد الجمهوريات العربية ١٧/ ٤/ ١٩٧١م، س١، ص٢٢٥، في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٥٧–٢٥٩، في افتتاح الدورة الأولى للمؤتمر القومي الثاني للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٣/ ٧/ ١٩٧١م، س١، ص٤١٦، ص٤٢٢، خطاب في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب ١٦/ ١٠/ ١٩٧٣م، س٣، ص٣٤٥، في الجلسة الخاصة لمجلس الشعب ١٤/ ٣/ ١٩٦٧م، ص٨٢، بيان إلى الأمة ٢٨/ ٩/ ١٩٧٠م، في جامعة الإسكندرية ٢٦/ ٧/ ١٩٧٣م، ص٣، ص٢٨٨، خطاب في المؤتمر الشعبي بأسيوط ١١/ ١/ ١٩٧١م، س١، ص١٣٣-١٣٤.
١٨٧  ورقة أكتوبر، ص٥٩، وأيضًا في المؤتمر العاشر للطلاب بجامعة الإسكندرية، ٣/ ٤/ ١٩٧٤م، س٤، ص١٧٤-١٧٥.
١٨٨  ورقة أكتوبر، ص٦٠، وأيضًا في المؤتمر العاشر للطلاب بجامعة الإسكندرية ٣/ ٤/ ١٩٧٤م، س٤، ص١٧٤-١٧٥، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٥٧–٢٥٩، في استقبال شاه إيران ٨/ ١/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٩.
١٨٩  في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٥٧–٢٥٩، في الذكرى الثانية لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر، ٢٨/ ٩/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٧٢، بمناسبة عيد الثورة ٢٣/ ٧/ ١٩٧٣م، س٣، ص٢٤٤، إلى الشعب المصري والأمة العربية في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب ١٨/ ١٠/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٨-١٩، خطاب في مؤتمر البحوث الإسلامية ٤/ ٤/ ١٩٧١م، س١، ص٢١١–٢١٣، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٤٩-٢٥٠، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٦/ ٥/ ١٩٧١م، ص٢٥٧–٢٥٩، في وفد المحامين ١٤/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٩٩.
١٩٠  ورقة أكتوبر، ص٦٢، ص٦٤، خطاب أمام مجلس الشعب ٢٠/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣٣٥، في افتتاح الدورة الأولى للمؤتمر القومي الثاني للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٣/ ٧/ ١٩٧١م، س١، ص٢٩٤، ٤٠٠، ٤١٦، ٤٤٣، في جامعة الإسكندرية ٢٧/ ٧/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٣٧-٣٣٨، في اللقاء بوفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بالقاهرة ١٤/ ٩/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٥٩–٣٦٢، في عيد العلم ١/ ١٠/ ١٩٧٣م، س٣، ص٣٢٨، إلى المبعوثين العرب ٢٦/ ٤/ ١٩٧٤م، س٤، ص١٩٠، إلى رئيس تحرير جريدة الحوادث اللبنانية ٢٥/ ٤/ ١٩٧٤م، س٤، ص٢٤٦، حديث مع الصحفية اليوغوسلافية العالمية واريا نكوفتش ٢٧/ ٥/ ١٩٧٣م، س٣، ص١٨٢، في السويس ٢٤/ ١٠/ ١٩٧٤م، س٤، ص٧٠٤-٧٠٥، إلى الندوة الأفريقية والآسيوية ٨/ ٣/ ١٩٧٥م، ص٩٦، المؤتمر الإسلامي في لاجوس ٢٣/ ٣/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٣٣-١٣٤.
١٩١  في الاجتماع الدولي في القاهرة في ذكرى باندونج ١٣/ ٣/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٩١، في الاتحاد الاشتراكي العربي مارس ١٩٧٦م، ص٦٨، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧٥م، س٥، ص٢٤٣، بيان إلى الأمة ١٤/ ٤/ ١٩٧٥م، س٥، لقاء مع القيادات الدينية ٨/ ٢/ ١٩٧٧م، ص١٣، بمناسبة الذكرى السابعة لوفاة ناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٧م، إلى الشعب العربي والأمة العربية في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب ١٨/ ١٠/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٨-١٩، المجلس الأعلى للجامعات، الاشتراكية الديمقراطية، رأي جامعة المنوفية، ص١٠٠، لقاء مع القيادات الدينية ٨/ ٢/ ١٩٧٧م، ص١٣، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٤٩-٢٥٠.
١٩٢  في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٥٧–٢٥٩، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٦/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٢٥٧–٢٥٩، إلى مدير جريدة عكاظ السعودية ٦/ ٦/ ١٩٧٤م، ص٥٨٠-٥٨١.
١٩٣  خطاب في لقائه مع رجال القضاء ١٢/ ١/ ١٩٧١م، س١، ص١٤١.
١٩٤  في الذكرى الثانية لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٧٩، حديث لجريدة الأنوار اللبنانية ٢٢/ ٦/ ١٩٧٥م، س٥، ص٣٥٥، بمناسبة الذكرى السابعة لوفاة ناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٧م، ص١١–١٥، إلى مجلس الشعب ٩/ ١٢/ ١٩٧٧م، ص١٤، بمناسبة العيد الفضي للثورة ٢٣/ ٧/ ١٩٧٧م، ص٣٣، بمناسبة الذكرى السابعة لوفاة ناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٧م، ص١١–١٥، المجلس الأعلى للجامعات، الاشتراكية الديمقراطية، رأي جامعة طنطا، ص١٠٢.
١٩٥  في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ٢٥/ ٤/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٧٣–١٧٦.
١٩٦  ذكرت في عشر خطب سياسية: بيان في الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة ١٩/ ١١/ ١٩٧٠م، س١، ص٦٢، خطاب إلى مجلس الشعب ٢٠/ ٥/ ١٩٧١م، س١، ص٣١٣ (في أول الخطاب)، في لقائه بأعضاء لجنة المائة المكلفة بالإشراف على انتخابات الاتحاد الاشتراكي ٢/ ٦/ ١٩٧١م س١، ص٥٠١، في المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٣/ ٧/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٢٨، في تكريم أبطال حرب أكتوبر ١٩/ ٢/ ١٩٧٤م، س٤، ص٣٩، في الذكرى ٢٢ لثورة ٢٣ يوليو ٢٣/ ٧/ ١٩٧٤م، في افتتاح دورة الانعقاد الأولى للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي ٢٢/ ٧/ ١٩٧٥م، في عيد العمال ١/ ٥/ ١٩٧٦م، بمناسبة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية ١٩/ ٥/ ١٩٧٦م، أمام مجلس الشعب ١٦/ ١١/ ١٩٧٧م، ص٣٤.
١٩٧  بيان أمام مجلس الأمة ٧/ ١٠/ ١٩٧٠م، س١، ص١٢، بيان أمام مجلس الأمة، ص١٦٩، حديث في الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب ٤/ ٩/ ١٩٧٥م، إلى الشعب العربي والأمة العربية في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب ١٨/ ١٠/ ١٩٧٥م، في الذكرى السابعة لناصر ٢٨/ ٩/ ١٩٧٧م، لعمال النقل البحري يوليو ١٩٧٧م، ص٢٢، خطاب في مجلس الشعب ٢١/ ١/ ١٩٧٨م، ص٤٩.
١٩٨  خطاب في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر نصرة الشعوب العربية بالقاهرة ٢٥/ ١/ ١٩٦٩م، ج٧، ص٤٠، انظر أيضًا فلسطين الأمانة الغالية النشرة التوجيهية (٨) الأزهر مجمع البحوث الإسلامية الإدارة العامة للوعظ والإرشاد، المكتب الفني، ١٩٦٩م.
١٩٩  مناقشات دور الانعقاد الأول للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي ١٤–١٨/ ٩/ ١٩٦٨م، ص٥١٣-٥١٤، كلمات في الجلسة الثانية للدورة الطارئة للمؤتمر القومي العام ٢٣/ ١٢/ ١٩٦٨م، ج٦، ص٥٢٤-٥٢٥.
٢٠٠  حديث إلى كليرفتون دانيال مدير تحرير نيويورك تايمز في ٢٩/ ٤/ ١٩٦٩م، ج٧، ص١١١-١١٢، حديث مع س. ل. سولزبرجر رئيس تحرير نيويورك تايمز ٢٦/ ٢/ ١٩٦٩م، ج٧، ص٦٦-٦٧.
٢٠١  خطاب في افتتاح دورة الانعقاد العادية لمجلس الأمة ٦/ ١١/ ١٩٦٩م، ج٧، ص١٩٩، ملخص لحديث الرئيس في الجلسة الخاصة للهيئة البرلمانية لمجلس الأمة ٢٤/ ٣/ ١٩٧٠م، ج٧، ص٣٢٦، حديث مع جيمس روستون رئيس تحرير نيويورك تايمز ١٣/ ٢/ ١٩٧٠م، ج٧، ص٢٩٦، الأهرام في ٦/ ٤/ ١٩٦٤م.
٢٠٢  كلمة في أعضاء مؤتمر البحوث الإسلامية بالقاهرة ٥/ ٣/ ١٩٧٠م، ج٧، ص٣١٨، حفل العشاء الذي أقيم للرئيس نيكسون في قصر القبة ١٢/ ٦/ ١٩٧٤م، س٤، ص٤٠٨، إلى مؤتمر كنائس الشرق الأوسط وأفريقيا ١٩/ ٦/ ١٩٦٤م ص٤٢٩-٤٣٠.
٢٠٣  في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ١٥/ ٤/ ١٩٧٢م، س٢، ص١٧٣–١٧٦، خطاب في ٢٣/ ٧/ ١٩٧٢م، س٢، ص٣٢٨، إلى المؤتمر الإسلامي بكوالالمبور ٢٣/ ٦/ ١٩٧٤م، س٤، ص٤٣٣-٤٣٤، حديث إلى سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية، س٤، ص١٠٦، استقبال شاه إيران ٨/ ١/ ١٩٧٥م، س٥، ص١٩، حديث للتليفزيون الأمريكي سي بي إس في برنامج واجه الأمة ٢٨/ ١١/ ١٩٧٧م.
٢٠٤  خطاب أمام مجلس الشعب ٢٦/ ١١/ ١٩٧٧م، ص٨، إلى مجلس الشعب ٩/ ١١/ ١٩٧٧م، ص٤١–٥٩، خطاب الرئيس في الجلسة الختامية للدورة الثانية للمؤتمر القومي ٣٠/ ٣/ ١٩٦٩م، ج٧، ص١٠٤، كلمة في أعضاء مؤتمر البحوث الإسلامية بالقاهرة ٥/ ٣/ ١٩٧٠م، ج٧، ص٣١٨.
٢٠٥  في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب ١٦/ ١٠/ ١٩٧٣م، في الكنيست ٢٠/ ١١/ ١٩٧٧م.
٢٠٦  حديث إلى مسيو تسوفيل المعلق السياسي للتليفزيون الفرنسي ٢٩/ ٤/ ١٩٦٩م، ج٧، ص١٢١-١٢٢، مشروع الميثاق ص٨٨، حديث إلى وليم توهي ورولاند إيفانز مدير تحرير لوس أنجلوس تايمز لشئون الشرق الأوسط ٣/ ٢/ ١٩٧٠م، ج٧، ص٢٩٥، استبعاد محاولة تأسيس الوحدة على الدين الإسلامي، انظر د. يحيى هويدي الفلسفة والميثاق، ص٨٠-٨١.
٢٠٧  د. صوفي أبو طالب: دراسات في القومية العربية، ج١، الدولة القومية، ص٦، ج٢، أسس القومية العربية، ص٢٧–٥٣، ج٢، الحركة القومية العربية، ص٧–١٥.
٢٠٨  كلمات الجلسة الثانية للدورة الطارئة للمؤتمر القومي العام ١٣/ ١٢/ ١٩٦٣م، ص٥٨٢-٥٨٣.
٢٠٩  خطاب أمام ملك ماليزيا لم يذكر فيه الإسلام، ج٥، ص٢٥٨–٢٦٠.
٢١٠  إلى المؤتمر الإسلامي في الهند ١٩/ ٤/ ١٩٧٥م.
٢١١  إلى مجلس الثورة الليبي ٧/ ٥/ ١٩٧٤م، ص٣١٣، في الجلسة الخاصة لمجلس الشعب ص٤٢-٤٣، حديث إلى سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية ١٩/ ٣/ ١٩٧٥م، ص١٠٥، س٥، في الجامع الأزهر بمناسبة عيد الثورة الثاني ٢٢/ ٧/ ١٩٥٤م، ج١، ص١٧٣، لضباط وجنود القوات الجوية ١٩/ ٤/ ١٩٧٥م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥