معارك الدين والتنمية
(أ) الجسد يسار، والعقل يمين١
إن مأساة مصر تتلخص في عبارة واحدة «الجسد يسار، والعقل يمين». وأعني بذلك أن واقع مصر بدخلها المحدود، متوسط الدخل السنوي للفرد حوالي ١٥٠جنيهًا مصريًّا سنويًّا، لا يتحمل إلا مجتمعًا تذوب فيه الفوارق بين الطبقات، وتنمية عن طريق الاعتماد على الموارد الذاتية والادخار الداخلي وليس عن طريق الديون أو رهن الموارد الطبيعية لعدة أجيال قادمة. ويتطلب ذلك ضغط المصروفات والكف عن شتى أنماط الإنتاج الاستهلاكي التي لا تحقق عائدًا للاستثمار، والقضاء على تهريب رءوس الأموال، وحماية الاقتصاد الوطني، وفرض الضرائب على الدخول المرتفعة، والكشف عن رءوس الأموال الطفيلية التي تتراكم عن طريق العمولات والمضاربات وتجارة العملة في السوق السوداء ثم تهريبها إلى الخارج. وهذا ما يسمى بلغة الاقتصاد السياسي وبمصطلحات جيلنا في الستينيات «حتمية الحل الاشتراكي». مصر الآن، أرضها محتلة، وما زالت مطمعًا للتوسع الصهيوني والأطماع الاستعمارية. وذلك يحتم أيضًا أن تكون سياسات مصر معادية للصهيونية ومناهضة للاستعمار. الواقع في مصر الآن بمشكلتيه الرئيسيتين، التخلف والاحتلال، يفرض أن يكون جسد مصر يسارًا.
ولكن إذا حللنا أبنيتنا الفوقية أي ثقافتنا وأدبنا وفننا وتفسيراتنا للدين ونظرياتنا للعالم لوجدنا أن كل هذه النشاطات العقلية تعمل في قوالب اليمين. ما زالت ثقافتنا إما تكرارًا للموروث أو تقليدًا للمنقول دون أن تكون تعبيرًا عن ثقافة مقاومة في مجتمع محتل أو أيديولوجية تنمية في مجتمع متخلف. وفننا ما زال يتملق أذواق الجماهير، ويستجدي الضحك الرخيص. وتفسيرنا للدين ما زال يؤكد التفاوت في الرزق: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، مع التركيز على الشعائر والطقوس والعقائد الكلامية وتناول الأمور الغيبية وإبراز عوامل المنافسة والربح والنشاط الفردي والتجاري باسم الاقتصاد الإسلامي وتحت غطاء البنوك اللاربوية.
وقد تكون هذه المأساة هي السبب الرئيسي الذي من أجله بلغت ثورتنا ربع قرن، وقطعت أشواطًا في الجسد من القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستغلال، والقضاء على الاحتلال، وتحديد الحد الأعلى للملكية الزراعية وتمليك الأرض لصغار المزارعين، والتأميم، والقطاع العام ومشاركة العمال في الأرباح، والتصنيع، ومجانية التعليم، ووضع سياسة عدم الانحياز، ومعاداة الصهيونية، والولاء للقومية العربية. ولكننا لم نقطع نفس الشوط في الثقافة والأبنية العقلية وتصوراتنا للعالم. فواقعنا الثوري لم يصاحبه فكر ثوري. لم تتجاوز الثورة النظم والقوانين الاقتصادية إلى الحياة اليومية وإلى الأبنية الفكرية وإلى ثقافة الجماهير.
إن هذا الانفصام في حياتنا القومية لهو محك العمل السياسي الآن. فإما أن يفرض الواقع اليساري فكره اليساري وبالتالي تتحقق وحدة شخصيتنا القومية، وتتسق حياتنا العملية والنظرية وإما أن يفرض العقل اليميني تصوراته وقوالبه على الواقع فيتحقق التجانس أيضًا في شخصيتنا القومية لحساب اليمين. وكما أن الواقع قادر على تغيير الفكر فإن الفكر قادر أيضًا على تغيير الواقع. ولما كان الواقع لا يمكن أن يتغير فهو العنصر الثابت، وكان الفكر يمكن أن يتغير فهو العنصر المتحرك كان من الطبيعي أن تتحقق الوحدة في شخصيتنا الوطنية عن طريق فرض الواقع فكره المتسق معه. وبالتالي تكون مهمتنا تغيير ثقافتنا الحالية وبيان أوجه قصورها عن واقعها ومقدار ضررها على قضايانا القومية الأساسية حتى يتطهر العقل من بقايا الاستعمار الثقافي والتخلف الفكري والركود العقلي. ثم يفرض الواقع فكره المتسق معه حتى تتكون ثقافة وطنية يقوم فكرها على مقاومة الاحتلال ومن أجل القضاء على التخلف.
إن عدم التطابق بين الجسم والعقل في حياتنا القومية هي السبب في تعثر ثورتنا الأخيرة ونكوص تقدمنا الحالي. فالواقع اليساري لا يتقدم إلا بفكر مطابق. وإذا كان الواقع يساريًّا والعقل يمينيًّا فإنه مهما حدث من تغيرات في الواقع فإنها لا محالة تكون قاصرة ووقتية ومهددة بالضياع في أي وقت فتعود إلى التطابق مع العقل اليميني. وقد استمر هذا الخلاف منذ الإصلاح الديني حيث ظل الفكر الإصلاحي بالرغم من جرأته في بعض مسائل العدل مثل اعتبار الإنسان عاقلًا وحرًّا ومسئولًا إلا أنه ظل في التوحيد أشعريًّا تقليديًّا محافظًا، ومن ثَم حدث أيضًا نفس عدم التطابق بين العقائد الإصلاحية وبين المشروع القومي الإصلاحي.
إن أرواحنا في وحشة من أجسادنا، ضامرة، متآكلة محترقة، لا تفعل ولا توجه؛ لأنها تسكن في عوالم غريبة عنها. فتظل طائرة في الهواء وأجسادنا في قبضة الآخر وبين قضبانه. فهل يعود العقل لتخليص الجسد؟
(ب) الاشتراكية الديمقراطية بين النظرية والتطبيق٢
ليس المهم هو إعلان المبادئ الإنسانية العامة والنوايا الطيبة وترديد ما يحب أن يسمعه الناس. فكل الأيديولوجيات تفعل ذلك. ولكن المهم هو تطبيقها في واقع محدد بعينه لمعرفة تفسير المبدأ على الطبيعة فذاك مربط الفرس.
«والاشتراكية الديمقراطية» بعض الأفكار العامة المنتقاة من التراث الإسلامي يعلمها الجميع ونرددها منذ مئات السنين. تقول كل الدعوات الدينية بها. ولكن المهم هو تطبيقها في الواقع المصري وتحويلها إلى برنامج محدد تتبناه الجماهير العريضة صاحبة الأغلبية أو ترفضه.
فمثلًا ليس المهم هو الإعلان عن النزعة الإنسانية في الحضارة العربية ولكن الأجدى هو حل عملي طبقًا لهذه المبادئ لقضية التعصب المذهبي والعرقي في العالم العربي وهو ما يسمى بمشكلة الأقليات. والحرب الطائفية في لبنان خير شاهد على عجز الأيديولوجيات والنظم العربية الحالية على مواجهتها.
وصحيح أن الإسلام دين وسط ولكن المهم هو تطبيق هذه الوسطية في أوضاع مقلوبة لا تتعادل فيها كفتا الميزان. ففي مجتمع تسوده الأقلية المترفة تتحقق الوسطية فيه بالعمل أولًا من أجل الأغلبية المحرومة. وفي مجتمع تسوده أقلية حاكمة تتحقق الوسطية فيه بالعمل أولًا من أجل الأغلبية المحكومة. وفي المجتمع الذي تتكالب فيه الطبقات العليا على الدنيا دون الآخرة يتحقق التوازن فيها بدعوتها إلى العمل من أجل آخرتها. وفي المجتمع الذي تجد الطبقات المحرومة في الآخرة تعويضًا لها عن حرمانها في الدنيا يتحقق التوازن في حياتها بالدفاع عن حقوقها في الدنيا. وهنا يختلف التوازن في التطبيق من طبقة لأخرى. ولا يعني التوازن بين الروحي والمادي إطلاق العنان للكسب والربح ثم بناء المساجد وحج البيت، فذاك تفسير رأسمالي للإسلام. فالإسلام لا يفرق بين الروحي والمادي ولكن يوحد بينهما. كل نشاط اقتصادي عمل روحي، وكل عبادة عمل مادي. لا يعرف الإسلام التفسير الروحي في مقابل التفسير المادي بل قامت الشريعة الإسلامية على الضروريات الخمس: الحياة، والدين، والعرض، والمال، والعقل، وهي دعائم الحياة لا فرق فيها بين روحي ومادي. ولا يعني التكامل بين العلم والإيمان إجراء التجارب في المعامل ثم التبرك بأولياء الله بل يعني إقامة الإيمان على العلم والبرهان، وتوجيه العلم لخدمة الرسالة. فالإسلام يوحد بين العلم والإيمان، ولا يجعلهما متجاورين.
ولا تعني الوسطية في الإسلام القضاء على الصراع، فالصراع هو محرك التاريخ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ. ولا تعني الأخوة في الإسلام الحب غير المشروط بل الحب في الله والبغض في الله. وبين الظالم والمظلوم لا توجد أخوة، وبين الحق والباطل لا توجد مصالحة. الإيمان يقتضي نصرة الحق على الباطل وليس إيجاد التوازن بينهما. وقد أمر الله برفض ولاية الظالمين والمعتدين.
إن أيديولوجية التوازن من الناحية الاجتماعية كانت ولا تزال باستمرار أيديولوجية الطبقة المتوسطة التي تريد الإبقاء على الوضع القائم وإلغاء الأطراف بدعوى القضاء على التطرف وبهدف الإبقاء على الوضع القائم دون تغييره وحتى تستمر هذه الطبقة في البقاء فتنافس الأغنياء في غناهم أو تشاركهم فيه. وتتصدق على الفقراء في فقرهم، وفي نفس الوقت تظل أعلى منهم وتستخدمهم لحسابها. ومن المعروف في العلوم السياسية أن هناك نظريتين. السياسة كنظرية في التوازن أو التعادل وهي النظرية الرأسمالية، والسياسة كنظرية في الصراع وهي النظرية الاشتراكية.
والاشتراكية الديمقراطية اجتهاد فردي لصاحبها وتجميع من واضعيها، وعمل بعض الأستاذة الذين اشتركوا فيها طلبًا للمناصب وتأكيدًا لدور البعض في تبرير النظم السياسية وقيامهم بدور الموظف الأيديولوجي للنظام. ولأي نظام يطلب موظفين من هذا النوع. ولكنها لا تلزم الجامعة في شيء. فالجامعة أساتذة وطلابًا تضم عديدًا من الآراء والتيارات المتباينة. وهذا شيء طبيعي بحكم العلم واختلاف المناهج والرؤى لقضايا التغير الاجتماعي ومواجهة تحديات العصر والاختلاف في الرأي رحمة من الله.
ولا يمكن إلزام المجتمع كله بأيديولوجية واحدة وإلا وقعت الاشتراكية الديمقراطية في النظام الشمولي الذي تراه وقد ساد في ثورة ٢٣ يوليو. بل إن الأنظمة الاشتراكية كلها تسمح بتعدد المداخل النظرية للأيديولوجية الواحدة، واقتصرت الأيديولوجية على برنامج للعمل الوطني يلتزم به كل المواطنين. ولا يوحد شيء اسمه الأيديولوجية الصحيحة. فكل الأيديولوجيات اجتهادات لتصوير الواقع لصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة. ولا يلتزم المواطنون إلا بالدستور. وهم سواء أمام القانون بصرف النظر عن عقائدهم السياسية.
ويظهر التناقض في «الاشتراكية الديمقراطية» بين المبادئ المعلنة والواقع العملي. ففي نفس الوقت الذي تدعو فيه إلى توجيه الدولة للنشاط الاقتصادي، وهو ما يقتضي التنمية والقطاع العام وسيطرة الشعب على وسائل الإنتاج، تشرع سياسة الانفتاح ويعلن البعض عن تصفية القطاع العام وتحويل هيئاته إلى شركات، ويسمح للقطاع الخاص بالانتشار بلا ضوابط، ويفتح الباب على مصراعيه لشركات الاستثمار، وللبنوك الأجنبية، وحرية تداول النقد الأجنبي … إلخ. وفي نفس الوقت الذي يعلن فيه أن الديمقراطية تقتضي عدم عزل أية فئة من ممارسة العمل السياسي تصدر قوانين يشرعها الاستفتاء الأخير من أجل العزل السياسي، وتصدر قوائم العزل. وفي نفس الوقت الذي تعلن فيه سيادة القانون يتم انتهاك حقوق الأفراد باسم القانون عن طريق إصدار القوانين الاستثنائية مثل قانون الاشتباه، وقانون العيب، وقانون الطوارئ، وقانون حماية الوحدة الوطنية … إلخ.
وفي نفس الوقت الذي يتم فيه رفض سيادة الفكر الأوروبي على الحضارة العربية حماية للأصالة ودفاعًا عن التراث يتم الانتساب إلى الاشتراكية الإصلاحية الغربية وهي من الإرهاصات الأولى للاشتراكية العلمية والتي استمرت فيما بعد لضربها والتي وجدت فيها النظم الرأسمالية تدعيمًا لها ودفعًا لخطر الاشتراكية العلمية عليها. فإذا كانت الاشتراكية الديمقراطية ترفض الأفكار المستوردة وهي تعلن انفتاحها على التجارب المعاصرة فهي تتبنى مذهبًا سياسيًّا غربيًّا رأسماليًّا في حقيقته واشتراكيًّا في مظهره.
وفي نفس الوقت الذي يعلن فيه: «لا إكراه في الدين»، «ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» تتم فيه التفرقة بين المواطنين على أساس الإيمان والإلحاد، وأن من لا إيمان له لا أمان له. ويتم التخلص من الخصوم السياسيين في أجهزة الإعلام والجامعات وفي جهاز الدولة ومراكز التخطيط على هذا الأساس. ويكثر التفتيش في ضمائر الناس وإلقاء التهم بالإيمان والإلحاد على هذا وذاك مع أن كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد عصم نفسه وماله وأصبح عضوًا في الجماعة الإسلامية.
وبالإضافة إلى هذا التناقض بين النظرية والتطبيق هناك ثلاثة بواعث غير معلنة وراء «الاشتراكية الديمقراطية». الأول، صياغة نظرية أو أيديولوجية لما يسمى بحركة ١٥ مايو كبديل عن ثورة ٢٣ يوليو، بل وعلى النقيض منها. فكثيرًا ما تصور ثورة ٢٣ يوليو وكأنها كلها سلبيات مثل النظام الشمولي، والانغلاق والتبعية للاتحاد السوفيتي، ومراكز القوى، والتعذيب في السجون، والاضطهاد والزعامة الفردية، وتبديد طاقات مصر في الحروب! والثاني معاداة الاشتراكية ووصفها بأنها ماركسية وتشويهها أمام الشعب وهو ما درجت عليه كل النظم الرأسمالية في الغرب أولًا ثم في الشرق ثانيًا بذكر العبارة المشهورة «الدين أفيون الشعوب»، وهي عبارة مبتسرة مثل «لا تقربوا الصلاة» لأن تتمة العبارة «وصرخة المضطهدين». فالدين ممثلًا في رجال الدين وباعتباره وظيفة اجتماعية يمكن أن يكون في لحظة معينة وسيلة لتخدير الناس وتعويضهم بالآخرة عن مآسي الدنيا كما حدث في تاريخ الكنيسة في أوروبا ويمكن أن يكون ثورة للمضطهدين كما كان الحال في المسيحية الأولى وفي حروب الفلاحين في ألمانيا في القرن السادس عشر بقيادة الراهب توماس مونزر. وقد ظهر ذلك أيضًا في اشتراك البوذيين في حركة التحرر الوطني في فيتنام، وفي تفسير ماو تسي تونج لكنفوشيوس في بدايات الثورة الصينية. وقد حدث ذلك أيضًا في دور الإسلام الثوري إبان حرب التحرير الجزائرية وفي دور الرهبان الكاثوليك الشبان في أمريكا اللاتينية. لقد كان المضطهدون في مكة والمعذبون والعبيد والفقراء هم أول من آمنوا بالإسلام، وكان أول من عادوه هم أشراف مكة وأغنياؤها. والثالث، أن تكون الاشتراكية الديمقراطية جسر لقاء مع الصهيونية من خلال الاشتراكية الديمقراطية الدولية بمساعدة الدول الأوروبية الحليفة. وقد بدا ذلك في التحقق فيما بعد مصالحة العدو الصهيوني، اشتراكية ديمقراطية تتحالف مع اشتراكية ديمقراطية أخرى بصرف النظر عن العنصرية والتوسع والغزو واستئصال شعب فلسطين وتشريده وإحلال شعوب أخرى اشتراكية ديمقراطية محله!
إن «الاشتراكية الديمقراطية» لا تستحق كل هذا العناء في بيان تهافتها النظري وتناقضها في التطبيق، فسوف تجرفها الأحداث، وينساها واضعوها وهم بصدد الاستعداد لوضع أيديولوجيات أخرى حسب الطلب، وعندما يأتي الأمر!
(ﺟ) بين العالم والراوي٣
- (١)
العالم يضع سؤالًا محددًا من أجل الحصول على إجابة محددة وحلًّا لمشكلة بعينها، يفكر فيها ويستغرقه الموضوع، ويصبح مهمومًا به حتى يجد له أفضل الحلول. أما الراوي فإنه يحوله إلى حكاية للتسلية يرويها للناس ليبين صعوباته وألغازه التي تستعصي على الحل ثم يطويها بين ذراعيه ويخرجها من أطراف جلبابه كالساحر الشعبي، وكأن المسألة قد تم حلها بقدرة قادر، بعبقرية موهوبة وشخصية فذة لها سحرها وذكاؤها في برامج الأطفال ومسرحيات الكبار.
- (٢)
العالم يبدأ من واقع معين وبصورة إحصائية له ويحاول تغييره أو يعيد بناءه. أما الراوي فإنه يستعمل الواقع كنسيج لحكاية يقوم الخيال بصياغتها فيتحول الواقع إلى قصة تتأرجح يمينًا ويسارًا بلا واقع كمي إحصائي وكأن الواقع تاريخ، والوقائع شخصيات، والأوضاع الاجتماعية مجرد علاقات قوى. ويقوي موقف الراوي قصص الأنبياء الذي يصور الواقع في خيال، ويحكي التاريخ على أنه قصة، يضحي بالعلم من أجل التشويق، ويئول المضمون لصالح السرد. وبلغة علم الحديث عند العالم المتن أهم من السند وعند الراوي السند أهم من المتن. وبلغة الفلسفة عند العالم الحقائق جوهر ومضمون وعند الراوي كل شيء خاضع لطرق الإيحاء ووسائل الإقناع.
- (٣)
يبحث العالم عن العلل المتحكمة في مسار الأشياء، ويحاول التعرف على القوانين الضابطة لسير الظواهر حتى يمكنه السيطرة عليها وتوجيهها لصالحه ولتحقيق غاياته. أما الراوي فإنه لا يبحث عن شيء وبالتالي فإنه يجهل قوانين الأشياء ثم يداري جهله اعتمادًا على عناصر الرواية وأساليب التأثير. يضحي بالعلم من أجل الأدب، وبالفكر من أجل الأسلوب، وبالمضمون تمسكًا بالشكل. يسهل الحوار مع العالم وتبادل الآراء والتصحيح المشترك. أما الراوي فإنه لحن فريد لا يعزفه إلا مطرب واحد، ولا يمكن أن يكون في الحي الواحد مطربان.
- (٤)
أحيانًا تأخذ العالم الحمية وتنتابه الثورة، ويفقد أعصابه، يثور ويغضب، ثم يهدأ ويبرد، وهو في كلتا الحالتين صادق وإنسان. كرامة الوطن، وحرية القرار، والاستقلال الوطني، والسيادة على الأرض، كل ذلك مدعاة للفخر يثور العالم إذا ما نال أحد منها. أما الراوي فإنه يتعايش، يروي من فوق أية مصطبة كانت ما دام الجمهور حاضرًا، وبالدف ضاربًا، وحوله المزمار، وأمامه الراقصات. لا ينفعل بشيء إلا بقدر الحساب، وعلى قدر الاندماج في الدور. ما يهمه نجاح الليلة، ليلة العرس حتى ولو كان لدى الجيران مأتم.
- (٥)
العالم باكتشافه وريادته بطل عصره وقائد أمته لدى شعب يعشق البطولة، ويقدس الأبطال. أما الراوي فإنه يختفي ليلة الزفة إذا ما نشبت المعركة، وانطفأت الأنوار. بطل في السلام وحين الأمان، ولا يعثر له على أثر حين النزال. لا يعلن عن رأي، ولا يدخل في نقاش، ولا يختلف مع أحد. لا يهمه أن يكون بطلًا لدى قومه فلا قوم له إلا أصحاب الحفل ومن يعطي «النقوط». يغني في أي مكان ما دامت الأضواء مسلطة، والمصورون حاضرين، والتمثيلية جاهزة. العالم بطل تخلقه الظروف، والراوي بطل يصطنع المواقف، ويخلق الظروف لنفسه حتى يقوم بدور الممثل، فتتابع المشاهد حتى ولو أسدل الستار.
- (٦)
العالِم يرى عالَمًا موضوعيًّا أمامه، يعيش فيه، ويتعامل مع معطياته. ذات في مواجهة موضوع، وعي في قلب عالم، قائد وسط أمة، تهمه القضية أكثر مما تهمه ذاته. أما الراوي فإنه نرجسي يحيل العالم كله إلى نفسه. فالعالم رواية أو قصة من نسيج الخيال، الراوي في وسطها يعلن عن بداية العالم من خلال الرواية لجمهور المشاهدين. الراوي ذات بلا موضوع أي فراغ أجوف دون ملاء، أعراض بلا جوهر. العالم يبقى ببقاء الموضوع والراوي يتلاشى بانقضاء البالون ساعة الانفجار.
- (٧)
العالم له هدف وغاية ينطلق إليه كالسهم، يحدد مراحله، ويقرر خططه، ويضع في حسابه شتى الاحتمالات. العالم له قضية، له رسالة حياة. أما الراوي فإنه لا هدف له إلا إضحاك الجمهور أو إبكاؤه، لا خطط له ولا مراحل تحقق. وإن كان للراوي هدف فهو فقط ليلة العرس حتى يتصدر المائدة، ويظهر وسط الصور التذكارية معجبًا بنفسه على أنه عروس الحفل ليلة الزفاف. لا يهم ما يحدث في اليوم التالي، ولا يهمه إن كانت عروسه عذراء. هدف الراوي معكوس عليه، هو نفسه الرامي والسهم. فيتحول السهم، ويدور حول نفسه، ويصيب الرامي.
- (٨)
العالم ثائر، يعرف ظروفه الموضوعية التي جعلته ثائرًا وعلى دراية بأساليب إدارة الصراع. العالم عصر يعبر عن نفسه في فرد، وتاريخ يتحرك، وينتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل مسيرته. أما الراوي فتاجر سمسار، وسيط وعميل، مقامر يكسب أحيانًا ويخسر دائمًا، العالم مبدأ، وصاحب موقف في حين أن الراوي رجل أعمال يتقاضى عمولات نظير عقده الصفقات بما في ذلك الوطن، ماؤه وأرضه، آثاره وتاريخه.
- (٩)
العالم رجل، ورجل أول لا يكون تابعًا لأحد ولا شخصية ثانية تضمر السوء من وراء ستار، «تتمسكن حتى تتمكن». أما الراوي فإنه أقرب إلى المرأة تتكيف حسب الظروف، تلعب على كل الرجال، وفي أحسن الأحوال هو رجل ثانٍ، تابع صامت، يحيك المؤامرات، ويتحالف مع الأعداء، ويتربص الفرص للانقضاض. العالم سيد يتعامل مع أسياد، ند مع أنداد. أما الراوي فإنه صوت سيده، ضعيف مع أقوياء، ذليل مع أعزاء، يشعر بمركَّب النقص أمام من يشعرون بمركَّب العظمة، جاهل يسعى للحصول على الدكتوراه الفخرية من خارج الأوطان وجامعاته الوطنية تأبى أن يطأها.
- (١٠)
العالم صادق مع النفس، وصادق مع الغير، وصادق مع واقعه. إن انتصر أعلن انتصاره، وإن هزم أعلن هزيمته. والراوي كاذب مع نفسه، كاذب مع غيره، إن انتصر جيشه الوطني قال انتصرت وإن هزمت خططه وألاعيبه ومناوراته قال انتصرت، يجهز البيارق والاحتفالات بالنصر قبل النصر؛ لأن كل ما سيفرض عليه سيكون نصرًا. العالم قد يخطئ التقدير ويعترف بخطئه، أما الراوي فإنه لا يخطئ أبدًا؛ لأنه لا يفعل شيئًا يقاس خطأً أم صوابًا. وظيفته أداء المطلوب والتمويه على السامعين. خطؤه الوحيد أن يكتشف السامعون ألاعيبه أو لا يحسن الأداء بمغالاته فيه ظانًّا أنه يرضي الأسياد الذين سرعان ما يتخلصون منه إذا ما انقلب من ممثل إلى مهرج فيبحثون عن ممثل أقدر في أول أدواره قبل أن يكتشف ألاعيبه السامعون.
- (١١)
العالم لأنه صادق مع النفس طيب السريرة، صافي القلب، لا يبغي الشر ولا يوقعه. وفي نفس الوقت يغضب للحق، ويثور ضد الظلم. يجمع بين الوداعة والصلابة، بين اللين والشدة، كل في حينه. أما الراوي فإنه سيئ الخلق، يظهر غير ما يبطن، منافق، يتكلم يسارًا ويسلك يمينًا. يتلون كالثعبان، حويط كالأفعى. يستعمل لغة القتل والتشريد والتعذيب والفرم والأنياب. العالم يسمع النصيحة، ويرعوي بالمعارضة، والراوي يستأسد مع المعارضة وهم خصوم في الوطن، ويلين مع الأعداء ويسمع نصائحهم وينفذ وصاياهم وهم خصوم التاريخ.
- (١٢)
العالم إن قضى نحبه يذكره الناس ويحملون نعشه بالملايين على الأعناق مبايعة في الحياة وفي الممات. يراه الناس في الأرض وفي الصناعة وفي الوطن، يذكره الفلاحون والعمال والطلاب. يحترمه خصومه وأعداؤه قبل أصدقائه وأنصاره. العالم يبقى في التاريخ مهما بعد العهد وقدم الزمان. أما الراوي فلا يذكره أحد حتى ولو ملأ الدنيا في حياته صراخًا، وأخذت الدنيا في عهده زخرفها وازينت. يعزلونه في الحياة وينسونه بعد الممات. لا أحد يفديه ساعة الخطر ولا أحد يذكره ساعة الرحمة ولا حتى الأسياد بعد مراسم الدفن وواجب العزاء.
ذاك هو التقابل بين العالم والراوي في حياتنا السياسية المعاصرة وهو ما زال تقابلًا حيًّا في وجداننا القومي يحث على الاختيار. ولكن هل يستطيع «الكاتب المصري القديم» القاعد القرفصاء والذي يمسك بيده بالأقلام والألواح ويحفظ الملفات أن يجمع بين الشخصيتين: العالم والراوي؟ وهل يغني «الكاتب المصري» عن «فرعون مصر»؟
(د) تحية إلى رجل الشارع٤
لا أريد أن أكون نشازًا في نغمة يكررها الجميع، ولكني أريد أن أكون صادقًا وأن أعبر عما كان يختلج في قلب رجل الشارع وعما يجيش في صدور الناس وما يزال.
ويبدو أننا لم نعلن التوبة بعد، وما زلنا نسيء تأويل مشاعر قومنا، ونتهم شعبنا بالتخريب وقد يكون أكثر صدقًا ووعيًا منا. ولا نتعلم من التجارب. وسنظل متخلفين عن رجل الشارع، وهو يسبقنا بإحساساته الصادقة، وبعمله التلقائي. نسيء فهمه عن عمد، ونشوه مواقفه كالعادة. وربما نحقد عليه في قرارة نفوسنا ولكنه يستمر في مطاردتنا. ونظل نتبرأ منه، ونقذفه بالاتهامات، وهو يضحك علينا، ويرثي لنا، ويعجب لنفاقنا الذي طال.
- (١)
ما زال رأينا باستمرار تفسير ما يحدث من ممارسة الشعب لحياته الوطنية على أنه بفعل فاعل مرئي أو غير مرئي، وكأن الواقع لا يتحرك من داخله، وكأن الجماهير لا حياة لها، وكأن هذا الفاعل الخارجي ساحر أو شيطان له قدرة قادر على تحريك الناس وتوجيههم كما يشاء، وكأن جماهير مصر مسلوبة الإرادة، فاقدة الوعي، تقع دائمًا ضحية هذا الشيطان الخبيث. وذلك إدانة لشعبنا وتجاهل للجماهير صانعة ثوراته المتعاقبة وفوراته المتتالية منذ النكسة حتى الآن. إلى متى سنظل نتهم شعبنا بأنه جثة هامدة لا يرد إليها الحياة إلا بفعل فاعل مجهول؟ إن العيب هو في أقلامنا التي تعودت على اتهام الشعب وتبرئة أنفسها، واعتبار خروجه على السلطة مروقًا وعصيانًا. وذلك أن وظيفة الأقلام هي في التعبير عن السلطة والنظام، خادمة للسيد وليست مدافعة عن حقوق العبيد.
- (٢)
ما زلنا نتصور أن ما يحدث في حياتنا الوطنية هو أقرب إلى الشغب والتخريب منه إلى الممارسة السياسية لحقوق المواطنة. نخلط بين الأساس والفرع، ولا نميز بين الجوهر والعرض. إن غضب الجماهير واقع حقيقي. والضنك الذي يعيش فيه الشعب ثقيل على النفس. وتوفير ثلاث وجبات يومية للجماهير الفقيرة همٌّ يومي تحول إلى همٍّ تاريخي. فتحرك الجماهير إثبات لنفسها، وإعلان عن وضعها. ويصاحب الشعور الجمعي أفعال عرضية من الصعب السيطرة عليها بعقل الروح الجمعي. ولكنها أشياء طارئة وليست الشيء الجوهري. فالحديث عن تخريب رجل الشارع دون الممارسة الفعلية للمسئولية الوطنية هو حديث عن العرض دون الجوهر، وإحلال للطارئ محل الدائم.
- (٣)
إن مأساة جماهيرنا هي في غربتها عن وطنها وفي عدم انتمائها إلى ما يحدث فيه. يسمع رجل الشارع عن حفلات الفنادق الكبيرة وعن لياليها الحمراء وعن موائدها الطويلة. كل ذلك يحدث في مصر، وهو مصري منزوٍ في عالمه، لا يخرج من حارته، لم يدعُه أحد إلى مائدة، فتحول الحرمان في نفس رجل الشارع إلى تحريم، وتحولت المحرمات إلى أساطير حية. وكلما زادت الغربة اتسعت الهوة بين رجل الشارع وبين مصر الآخرين. فإذا ما ثار وغضب فإنما أراد أن يقضي على غربته، وأن يشعر بالانتماء، وأن يعلن أن مصر للجميع، وأن الواجهات الزجاجية الكبيرة قابلة للانكسار. وتكون «الحجارة» التي يقذفها هي طريق العبور من عالمه الخاص إلى مصر الجميع، فينتمي على أسنانها.
- (٤)
إن مأساة جماهيرنا هي أنها ليست لديها وسيلة للتعبير عن ذاتها. فإذا ما سمع في أحاديث بعض نواب مجلس الشعب تعبيرًا عن بعض ما يجيش في صدره فإنه يسمع أيضًا أنه يقال له: اخرس! اسكت، شيوعي! ملحد، عميل … إلخ. إن توجه الجماهير إلى مجلس الشعب ليدل على أنه يريد أن يسمع صوته لممثليه. وإن توجهها إلى الصحافة ليدل على أنها تريدها حرة تعبر عن أحوالها وليست مأجورة تعبر عن السلطة. أراد رجل الشارع أن يعبر عن غضبه ضد لسان حاله الذي لم يعد يعبر عنه بل كان معبرًا عن وجهة نظر خصمه التقليدي في الوجدان القومي.
- (٥)
إن ما يبدو أحيانًا على أنه اعتداء على مقار الأحزاب السياسية، وبوجه خاص على ما يسمى بحزب الأغلبية، يشير أيضًا إلى أن الشعب قد تجاوز مرحلة الأحزاب الحكومية التي تعبر عن الحكومة أكثر مما تعبر عن الشعب. ولم يعد يقبل هذه المكاتب الحكومية التي تدعي لنفسها اسم التنظيمات الحزبية. وإن ما تسمى بحكومة الأغلبية كانت صاحبة القرارات الاقتصادية التي كانت الشرارة التي فجرت ما يعتلج في نفسه من نار الضنك وشظف العيش.
- (٦)
إن الاعتداء المتكرر على أقسام الشرطة، والذي بدأ في السنوات الأخيرة في بعض قرى مصر يعبر عن إحساس الشعب بأن السلطة لا تعبر عنه وبأنها معادية له، وبأنها خصمه الأول. وإن شعار «الشرطة في خدمة الشعب» لهي محاولة للتعمية وللتغطية أو لإيهام الشعب بأن الشرطة في خدمته بالرغم مما نسمع عن عدد «العلق» التي يأخذها بعض المواطنين إذا ما دخلوا الأقسام. كان من الطبيعي أن تتوجه ثورة الشعب نحو رمز السلطة والسطوة عليه.
- (٧)
صحيح أن وسائل النقل العام هي وسيلة الشعب العرجاء، ولكن الشعب في فورة الغضب يعبر من خلال عدائه لها وتحطيمها عن مصادر ألمه المزدوجة. فهي التي يحشر فيها، وتتكسر فيها ضلوعه، ويهان فيها كل يوم مرتين على الأقل، مرة ساقطًا ومرة متدليًا، مرة محشورًا ومرة مسروقًا. وهي أيضًا تمثل السلطة مثل أقسام الشرطة ومقار الأحزاب ودور الصحف. فهو يعتدي على السلطة باعتدائه عليها.
- (٨)
أما الهجوم على المجتمعات الاستهلاكية فهو يمثل نوعًا من الألم والفرح في آن واحد. هو ألم لأنه يمثل أيضًا الهجوم على السلطة ورد الفعل المناهض لها. فالجمعيات الاستهلاكية في نهاية الأمر تمثل الحكومة التي تدعي تمثيل الشعب. فالحكومة هي التي شرعت نظامها، وموظفوها الذين يسرقونها، ويحابون الأصدقاء والمعارف على حساب جماهير الفقراء. يحابون الزبائن، ويعطون الأولوية للخاصة، ويهربون الكثير من البضائع من الباب الخلفي. والآن الجمعيات للناس من الباب الأمامي وللعامة دون الخاصة، وعادت إلى الشعب. والفرح هو فرح الجياع الذين عبروا عن جوعهم الذي صبروا عليه طويلًا. حمل كل جائع على كتفه ما حلم به وراوده في منامه. وتبدو الشهامة، ويظهر التضامن بين الجياع، فيوزع الجائعون على بعضهم البعض ما حملوه بالتساوي مع حفظ نائب الغائب، والتوصيل إلى المنازل للمرضى والعجائز.
- (٩)
أما المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات والمصحات والمستوصفات فلم تلمسها الجماهير الغاضبة. حرقت جميع الإعلانات عن الخمور والمنتديات الليلية وتركت إعلان معاهد شلل الأطفال. فالجماهير غاضبة ولكنها واعية، ثائرة ولكنها متحضرة. ومن ثَم فهي ليست غوغاء ولا رعاعًا بل تمثل الضمير الحي للأمة ووعيها السياسي الذي يفوق أحيانًا وعي السياسيين المحترفين وإدراك الأحزاب السياسية القائمة.
- (١٠)
أما الجامعات والمدارس فلم يمسسها شيء؛ لأنها دور علم يتعلم فيها الشعب بعد أن حصل على مجانية التعليم. بل لقد خرج الطلاب في الشوارع لاحقين برجال الشارع يعطونه الشعارات ويعبرون عما يجيش بصدره من انفعالات. فالطلبة عقل الثورة، ورجل الشارع وقودها. عادت لجنة الطلبة والعمال من جديد على مستوى الجماهير من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب والسلطة تفكر في الهرب بعد أن تم حصارها ولم يبقَ إلا الاستيلاء على الباستيل وإسقاط الملكية الجديدة.
انتفاضة شعب لم تستمر، ولكنها ظلت علامة ومؤشرًا على يقظته وقدرته على الحركة. ينقصه العصب أو العمود الفقري حتى تتحرك الأطراف وجسد الثورة قائم.
تحية إلى رجل الشارع.