مراجعة وتقرير
(أ) التصوف والتنمية١
«إحياء علوم الدين» أو إحياء علوم الدنيا؟
(١) مقدمة
التصوف هو أحد العلوم النقلية في الحضارة الإسلامية، بالرغم من اعتماده على منهج الذوق، مع علوم الحكمة وعلم أصول الدين وعلم أصول الفقه. وهو العلم الذي اتحد مع العقائد الأشعرية وأصبحا معًا المكون الرئيسي للحضارة الإسلامية منذ العصر المملوكي التركي حتى حركة الإصلاح الديني في العصر الحديث.
(٢) النشأة التاريخية للتصوف الإسلامي
أثناء الصراع بين علي ومعاوية، أخذ الأتقياء الأطهار صف علي، بينما أخذ أهل الدنيا صف معاوية. ولما لم يستطِع الأتقياء تغيير العالم والدفاع عن الحق وإرجاع الشرعية إلى السلطة السياسية بعد سقوط عديد من الشهداء من آل البيت والصحابة الأوائل والأئمة، وفي نفس الوقت رفض الدخول في مساومات مع أهل الدنيا والتسليم باللاشرعية في الحكم. انزوى الأتقياء، وارتدوا إلى النفس لإنقاذها بعد أن استعصى عليهم إنقاذ العالم. وتم خلق عالم روحي باطني جديد تعويضًا عن فقد العالم الخارجي. وتم تأويل القرآن على هذا الأساس. تحولت الهزيمة الخارجية إلى نصر داخلي، وتحول القهر الخارجي إلى حرية داخلية. واستمر التصوف يمثل رد فعل روحيًّا على حياة البذخ والترف في العالم الإسلامي.
(٣) الأسباب التاريخية لاختيار التصوف كحل لمشاكل العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري
بالرغم من ازدهار الحياة العقلية في القرن الرابع الهجري، إلا أنه متى أتى القرن الخامس حتى تعددت الحقائق، وتكاثرت المناهج، واحتار الناس في الاختيار بينهما بعد أن تكافأت الأدلة بين الشيء وضده. أصبح العقل والطبيعة مصدرين للمعرفة على حساب الوحي. وتحول الديني إلى مجموعة من الشعائر الخارجية بلا حياة باطنية. وصل العالم الإسلامي إلى حد من الغنى والترف بحيث أصبح المال مطلبًا للجميع. وكان الصليبيون قد وصلوا إلى الشام، وسقط بيت المقدس. فأراد الغزالي أن يرد الناس إلى الدين حماية لهم من الدنيا.
ولقد تغيرت الظروف الآن بل نشأت ظروف مضادة مثل سيادة الرأي الواحد، وأولوية الإيمان على العقل، وفشل التنمية للمجتمعات الإسلامية، وحاجة الناس إلى سلوك في الدنيا، وتحرير الأرض المحتلة غاية للمقاومة. قضايا الأمة الرئيسية الآن سبعة: تحرير الأرض من الاستعمار الخارجي، وتحرير المسلمين من القهر الداخلي، وتحقيق العدالة الاجتماعية لحل التفاوت بين الفقراء والأغنياء، وتحقيق التنمية ضد مظاهر التخلف، وتوحيد الأمة ضد التجزئة، وتأكيد الهوية الوطنية الإسلامية ضد التغريب والتبعية، وتجنيد الجماهير ضد السلبية واللامبالاة. فهل يمكن للتصوف المساهمة في حل هذه القضايا والدخول في تحديات العصر؟ هل يمكن تحويل أيديولوجيا الصراع الداخلي إلى أيديولوجيا للمقاومة الخارجية؟ هل يمكن الانتقال من الفرد إلى المجتمع، ومن النفس إلى العالم؟ لقد استطاعت الطرق الصوفية في التاريخ الإسلامي الحديث القيام بمثل هذا التحول مثل السنوسية في ليبيا، والمهدية في السودان؟ هل يمكن إعادة بناء التصوف كله لصالح قضايا العصر؟ هل يمكن الانتقال من «إحياء علوم الدين» إلى «إحياء علوم الدنيا»؟
(٤) إعادة بناء المرحلة الأخلاقية العملية
إذا كان التصوف طريقًا إلى الله يمر بثلاث مراحل: مرحلة أخلاقية، ومرحلة نفسية، ومرحلة ميتافيزيقية، فهل يمكن إعادة بناء كل مرحلة بحيث يساعد التصوف على تنمية العالم الإسلامي وتطوره؟ يمكن ذلك عن طريق التحول من الروح إلى البدن، ومن الداخل إلى الخارج، ومن الأخلاق الفردية إلى الأخلاق الاجتماعية، ومن التأمل الباطني إلى الفعل الخارجي، ومن الطرق الصوفية إلى الحركات الاجتماعية والسياسية. فمشاكل الشعوب الإسلامية الآن في البدن، وفي المجتمع، وفي العالم، ومع النظم الاجتماعية والسياسية وليست مع الروح أو الفرد أو القيم أو التأمل أو حلقات الذكر الصوفي.
(٥) إعادة بناء المرحلة النفسية الأخلاقية
في هذه المرحلة، يتحول التصوف من أعمال الجوارح إلى أعمال القلوب، وينتقل الصوفي فيها من مقام إلى مقام، ومن حال إلى حال. هل يمكن تحويل هذه المقامات والأحوال السلبية إلى مقامات وأحوال إيجابية؟ فالتوبة ليست عملًا فرديًّا بل رغبة في التغير الجماعي، والصبر ليس انتظارًا بلا حدود بل عمل وتمهيد لوقت محدود، والشكر ليس رضاءً بالقليل بل استرداد للحق كله، والفقر ليس فضيلة للفقراء بل دعوة للأغنياء، والزهد ليس مطلبًا للمعدمين بل واجب على الأثرياء، والتوكل ليس تركًا للأسباب بل سيطرة عليها، والرضا ليس سكوتًا على الظلم بل غضب ومطالبة بالحق، والصمت ليس إيثارًا للسلامة بل جهر بالقول، والعبودية ليست إحساسًا بالذل بل تحرر من الخوف، والمحبة ليست توحيدًا للمتناقضات بل كراهية للظلم والفساد. أما الأحوال فإنها يمكن أن تتغير أيضًا من الصراع الداخلي وجدل العواطف إلى صراع خارجي وجدل اجتماعي. فالخوف والرجاء، ثقة بالنفس وأمل لجماعات المعارضة، والسكر والصحو وعي وانتباه للمقاومة، والهيبة والأنس شجاعة وترابط بين المناضلين، والقبض والبسط فر وكر للمقاومة، والفرق والجمع للجيوش ولتوحيد الأمم، والغيبة والحضور للآمال والغايات، والمحو والإثبات للأعداء والأصدقاء، والستر والتجلي للحقائق والمعلومات، والبعد والقرب للأهداف والمقاصد، والفقد والوجد للإمكانيات، والفناء والبقاء للجنس البشري.
(٦) إعادة بناء المرحلة الميتافيزيقية
إذا كانت غاية الصوفي في النهاية هي الفناء في الله، والاتحاد به، والانتهاء إلى الوحدة الشاملة فهل يمكن تحويل هذا البعد الرأسي إلى بعد أفقي، وأن تكون الغاية إلى الأمام وليس إلى أعلى؟ هل يمكن الانتقال من المقامات الرأسية إلى مقامات أفقية، والتحول من البعد الإلهي إلى البعد التاريخي؟ هل يمكن أن تتحقق الوحدة في هذا العالم وليس خارج العالم، بالفعل وليس بالخيال؟ هل يمكن إقامة تأويل جديد يسمح القرآن به طبقًا للظروف النفسية والاجتماعية للأمة الإسلامية الآن؟
إن تحول التصوف القديم إلى عملية تنمية شاملة فعلية للمجتمعات الإسلامية حتى تتطور من خلال تراثها الخاص يحفظها من الوقوع إما في المحافظة الدينية التقليدية أو العلمانية الغربية الحديثة، وتحقق الوحدة الثقافية في الأمة بدلًا من ازدواجيتها الحالية.
(ب) تقرير عن بحث «الفكر الديني السلفي والتنمية»٢
(١) عنوان البحث
- (١) لم يقم البحث بتحديد المفهومين الرئيسيين في دراسته وهما: «السلفية»، «التنمية»، إلا بشكل هامشي صرف في عبارة عامة واحدة أو في مكان متأخر من البحث في النهاية.٣ وهذا هو السبب في جعل البحث خارجًا عن موضوعه تمامًا وبلا منهج، ولا يضم إلا معلومات عامة متناثرة من الغرب والشرق على السواء يعلمها الجميع، وأحكامًا عامة يأباها روح البحث العلمي. وهو من نوع الدراسات المعرَّفة عند الإخوة المثقفين في المغرب العربي، خاصة في تونس وفي المملكة المغربية. والباحث يعترف بذلك عدة مرات بلا مواربة أو خفاء واعدًا بإعطاء دراسة أخرى أكثر تفصيلًا.٤ فالدراسة المقدمة إذن هي مجرد عموميات خارج الموضوع.
(٢) البنية العامة للموضوع ومنهج البحث
يقسم البحث الموضوع إلى أربعة أبعاد رئيسية متفاوتة في الموضوع والمنهج والحجم والغاية على النحو الآتي:
(أ) البعد النظري
ويحتوي هذا القسم على مدخل غربي صرف لموضوع لا غربي خالص، مجرد مناقشة للخلاف بين ماكس فيبر وكارل ماركس حول العلاقة بين الفكر الديني والأبنية الاقتصادية. وهو مدخل بعيد جدًّا عن الموضوع. والأول مدخل خاص عمن تطرقوا إلى هذا الموضوع وهم كثيرون، عيوبهم ونتائجهم أو محاولة تأصيل المفهومين الرئيسيين: السلفية والتنمية داخل التراث الإسلامي نفسه القديم أو الحديث. ثم تأتي مناقشة الاستشراق، أي أيضًا مدخل غربي لموضوع إسلامي (رودنسون)، والمستشرقون كثيرون الذين عرضوا للموضوع مع رودنسون أو ضده. كما تحتوي المقدمة على عدم دقة في اعتبار البنيوية تقوم على دراسة «العلاقة السببية» أو «الترابط بين أجزاء البناء». فالسببية موضوع العلوم الاجتماعية ومناهجها التقليدية خاصة الوضعية الاجتماعية، في حين أن البنيوية تتجاوز ذلك إلى طبيعة البنية ومكوناتها.
(ب) القيم والمعاني الإسلامية والتنمية
ويتضمن البعد الثاني مجرد أفكار عامة عن شمول الإسلام لجوانب الحياة واعتماده على العقل وحرية الإرادة، وقيامه على المساواة والفطرة، ودعوته لتسخير الطبيعة، وإعزازه لقيم العمل والتوازن بين الإنتاج والتوزيع، وتحقيقه لمصالح الأمة. وهي أفكار معروفة عن روح الإسلام لا تتضمن جديدًا. والأجدى هو محاولة تحليل كيف يمكن توظيف هذه المفاهيم في عمليات التنمية الحالية (نظرًا)، وإلى أي حد أمكن تطبيقها (عملًا) في تجارب التنمية الحديثة في العالم الإسلامي، وما هو موقف الحركة السلفية منها فهمًا واعتمادًا. كيف يمكن لهذه المفاهيم السهلة الواضحة أن تكون عناصر محكمة يمكن بها معالجة مشاكل التنمية المعقدة في إطار عالمي متشابك.
(ﺟ) البعد التاريخي
ويتضمن هذا البعد الثالث مجرد تطبيق حرفي للمنهج التاريخي بلا وعي ولا هدف ويعطي معلومات عن تاريخ انتشار الإسلام في المرحلة الأولى ولا شأن له بالعصر الحديث والفكر السلفي وهو أحد شقي البحث، ويتحدث عن فتح العراق والشام، ويتطرق إلى الشعوبية، ويركز على العامل السياسي، ويبين حدود الفكر الديني العقلاني «المستنير». وكل ذلك لا شأن له بموضوع البحث إنما تطبيق للمنهج التاريخي كما تتطلبه البحوث الاجتماعية «الأيديولوجية».
(د) الحركات الدينية السلفية الحديثة والتنمية
ويمثل البعد الأخير نصف البحث تقريبًا، وهو نفس العنوان الرئيسي للبحث وكأن الباحث في أبعاده الثلاثة الأولى إنما كان يقدم للبحث نفسه. وحتى في هذا البعد الأخير لم يعطِ الباحث أكثر من عموميات لا علاقة لها بالموضوع، مجرد معلومات عامة عن علاقة العالم الإسلامي بالغرب في القرن التاسع عشر، ورصد للحركات الإصلاحية ووصفها جميعًا بالسلفية ودون تمييز بين مراحلها ونوعياتها المختلفة (مرحلة الرواد الأوائل، مرحلة الإخوان المسلمين، مرحلة الجماعات الإسلامية الحالية).
ولا توجد علاقة بين الأبعاد الأربعة، مجرد أربعة مداخل متفاوتة في موضوعها ومادتها ومنهجها تحت عنوان واحد، لا رابط بينها، لا يقدم كل واحد منها نتائجه للآخر حتى تصب جميعًا في الموضوع الأخير، وهو الموضوع الرئيسي للبحث.
أما الخاتمة فهي عدائية صرفة للحركة الإسلامية بلا مبرر، وانتقاص من قيمتها بلا برهان. ولا توجد نتائج عامة للبحث عن العلاقة العضوية الداخلية بين السلفية والتنمية. وذلك لأن البحث في مقدمته الأولى لم يبين هدفه ولا الافتراض العلمي الذي يريد إثباته.
ولا تشفع للبحث بعض العبارات وأساليب التعبير المعروفة عند بعض الباحثين في لبنان أو في المغرب العربي مثل نهضوية. وكذلك «علم الاجتماع بالجماعات الإثنوغرافية».
(٣) المراجع العامة والإشارة إليها
فالبحث بهذه الصورة، موضوعًا ومنهجًا، وخطة وأسلوبًا، ومقدمة ونتائج غير صالح للنشر إلا بعد إجراء تعديلات جذرية عليه تجعل له موضوعًا محددًا ومنهجًا محددًا ونماذج محددة لبيان العلاقة بين السلفية والتنمية.
Mysticism and Development, James, Tokyo, 1986.
- (أ)
ماركس/أنجلز: البيان الشيوعي.
- (ب)
سمير أمين: الطبقة والأمة في التاريخ في المرحلة الإمبريالية.
- (جـ) Max Weber: The Protestant Ethics.
- (د) Emile Durkheim: The Elementary Forms.
- (هـ) Lenski: The Religious Factor.
- (و) A. F. A. Hussain: Human amd Social Impact ….
- (ز) Ahmadulla Mia: In Fluence of Urbon ….
- (ﺣ)
محمد عبده، رسالة التوحيد.
- (ط)
كمال المنوفي: الإسلام والتنمية.
- (ي)
عبد العزيز الدوري: التكوين التاريخي.
- (ك)
محمد عابد الجابري: تكوين العقل العربي.
- (ل)
محمد خليل حواس: الحركة الوهابية.
- (أ)
أنور الجندي وليس أنوار.
- (ب)
أبو الحسن الندوي وليس النودي.
- (جـ)
راشد البراوي وليس البرادي.