١
لطالما احتار الصبي الذي يُقيم في أجاثوكس لودج، رقم ٢٨ طريق باكنجهام بارك، سوربيتون، في أمر اللافتة القديمة الموجودة على الجهة المقابِلة لمنزله. سأل والدته عنها، فأجابت أنها مَزحة، مَزحة سخيفة، قام بها بعض الشباب المشاغبين منذ سنوات عديدة، وأنه ينبغي على الشرطة إزالتها. فقد كان هناك شيئان غريبان في هذه اللافتة؛ أولًا: أنها تشير إلى زُقاق مسدود، وثانيًا: أنها كان مكتوبًا عليها بطلاء باهت: «إلى الجنة».
سألها قائلًا: «أي نوع من الشباب كانوا؟»
«أظن أن والدك أخبرني أن أحدهم كان يكتب الشعر، وفُصِل من الجامعة ونزلت به مصائب أخرى. لكن ذلك حدث منذ وقتٍ طويل. يجب أن تسأل والدك عنه. سيقول الشيء نفسه، إن هذه اللافتة وُضعت على سبيل المزاح.»
«إذن فهي لا تعني أي شيء على الإطلاق؟»
أرسلَته إلى الطابق العلوي ليرتدي أفضل ملابسه؛ لأن آل بونز كانوا قادمين لتناول الشاي، وكان هو مَن سيقدِّم صينية الكعك.
بينما كان يجاهد لرفع بنطلونه الذي ضاق عليه، خطر له أنَّ سؤال السيد بونز عن اللافتة ليس فكرةً سيئة. فعلى الرغم من طيبة والده الشديدة، فقد كان يضحك عليه دائمًا، بل ينفجر ضحكًا كلما طرح هو أو أي طفل آخر سؤالًا أو تحدَّث. لكنَّ السيد بونز كان جادًّا وطيبًا في الوقت نفسه. كان لديه منزل جميل ويُعير الناس كتبه، وكان وكيلًا للكنيسة، ومرشَّحًا لمجلس المقاطعة؛ لقد تبرَّع للمكتبة الحرة بمبالغ سخية، وترأَّس الجمعية الأدبية، وكان يستضيف أعضاءً في البرلمان في منزله — خلاصة القول إنه ربما كان أكثر الأشخاص حكمةً على قيد الحياة.
لكن حتى السيد بونز لم يستطع تقديم أي تفسير آخر سوى أن اللافتة كانت مجرد مزحة، قام بها شخص اسمه شيلي.
صاحت الأم قائلة: «بالطبع! لقد أخبرتك بذلك يا عزيزي. كان هذا هو اسم الشاب.»
سأل السيد بونز: «ألم تسمع به شيلي من قبل؟»
قال الصبي وهو يُطرق خجلًا: «نعم لم أسمع به.»
«ألَا تمتلكون كتبًا من تأليف الشاعر بيرسي شيلي في منزلكم؟»
صاحت السيدة بانفعال شديد: «بلى لدينا، يا عزيزي السيد بونز، لسنا جَهَلَةً إلى هذه الدرجة. لدينا كتابان على الأقل له. أحدهما كان هدية زفاف، والآخر نسخة أصغر حجمًا، موضوعة في إحدى الغرف الإضافية.»
قال السيد بونز وهو يبتسم ابتسامةً هادئة: «أظن أن لدينا سبعة كتب لشيلي.» ثم نَفَض فُتات الكعكة عن بطنه، ونهض هو وابنته ليغادرا.
امتثالًا لغمزةٍ من والدته، رافقهما الصبي حتى بوابة الحديقة، وعندما غادرا لم يعُد إلى المنزل على الفور، بل أخذ يُحدِّق قليلًا في طرفَي طريق باكنجهام بارك.
عاش والداه على الجانب الأيمن من الطريق. ينخفض مستوى المنازل فجأةً بعد المنزل رقم ٣٩؛ إذ لم يكن للمنزل رقم ٦٤ مدخل منفصل للخدم حتى. لكن في تلك اللحظة، بدا الطريق بأكمله جميلًا نوعًا ما؛ إذ كانت الشمس قد غربت من فورها في بهاء، وطمس الغسقُ بوهجه الزعفراني التفاوتاتِ بين المنازل. غرَّدت الطيور الصغيرة، وصفَّر القطار الذي يحمل الساعين إلى أرزاقهم صافرته العالية المنغَّمة وهو يمر في مسار السكة الحديدية بين المرتفعات، ذلك المسار الرائع الذي استأثر بكل جمال حي سوربيتون، فاكتسى بحُسن أشجار التنوب والبتولا الفضية وزهرة الربيع وكأنه أحد وديان جبال الألب. كان هذا المسار هو أولَ ما حرَّك رغبة الصبي، رغبةً في اختبار شيء مختلف، لم يدرِ ما هو، لكنَّ رغبته هذه تستيقظ كلما أضاءت الشمس الأشياء — كما هو الحال هذا المساء — وتظل تجيش بداخله حتى يستحوذ على جسده شعورٌ غريب، يُثير فيه رغبةً في البكاء أحيانًا. أمَّا هذا المساء، فقد أقدم على تصرُّف أكثر اندفاعًا؛ إذ تسلَّل عابرًا الطريق نحو اللافتة وبدأ يركض في الزقاق المسدود.
يمتد الزقاق بين أسوار عالية، وهي أسوار حديقتَي «إيفانهو» و«بيل فيستا» على التوالي. تنبعث رائحة كريهة طفيفة على طول الطريق، ولا يكاد يبلغ طولُ الزقاق والمنعطف عند نهايته عشرين ياردة. لا عجب إذن أن الصبي سرعان ما توقَّف. «أريد أن أركل شيلي ذلك»، هكذا صاح ونظر بكسل إلى ورقة أُلصِقَت على الحائط. كانت ورقةً غريبة نوعًا ما، وقرأها بعنايةٍ قبل أن يعود أدراجه. وهذا ما قرأه:
إس وسي آر سي سي
تغيير في الخدمة.
نظرًا لغياب الرعاية، اضطُرَّت الشركة آسِفةً إلى تعليق الخدمة على مدار الساعة، والإبقاء فقط على خدمة:
حافلات الشروق والغروب،
التي سوف تعمل كالمعتاد. نأمل أن يُساند الجمهور هذا الإجراء الذي يهدف إلى راحتهم. وللتحفيز الإضافي، ستقوم الشركة الآن، ولأول مرة بإصدار
تذاكر ذَهاب وعودة!
(صالحة ليوم واحد فقط)، ويمكن الحصول عليها من السائق. نُذكِّر الركاب مرةً أخرى بأنه لا تصدُر أي تذاكر على الجانب الآخر، وأن الشركة لن تأخذ أي شكاوى بهذا الخصوص بعين الاعتبار. كما لن تكون الشركة مسئولةً عن أي إهمال أو غباء من جانب الركاب، ولا عن العواصف الثلجية، أو الصواعق، أو فقدان التذاكر، أو أي قضاء وقدر.
وهذا تنويه إرشادي للركاب.
لم يسبق للصبي أن رأى هذا الإشعار من قبل، ولم يمكنه تخيُّل إلى أين تذهب العربة. إس كانت بالطبع اختصارًا لسوربيتون، وآر سي سي كانت اختصارًا لشركة سيارات الطريق. ولكن ماذا كان يعني حرف سي الأول؟ ربما يُشير إلى «كومب وميدن»، أو من المحتَمَل إلى كلمة «مدينة». ومع ذلك، لا يمكنها أن تأمل في التنافس مع شركة «ساوث ويسترن». كان الأمر برُمَّته، كما رأى الصبي، يفتقر افتقارًا شديدًا إلى الاحترافية. لماذا لا تصدر تذاكر على الجانب الآخر؟ وفي أي ساعة تتحرك العربة! ثم أدرك أنه ما لم يكن الإشعار خدعة، فلا بد أن حافلةً كانت تتحرَّك تمامًا في اللحظة التي ودَّع فيها بونز وابنته. نظر إلى الأرض عبر عتمة الغسق الآخِذة في التزايد، فرأى ما قد يكون أو لا يكون أثر عجلات. لكن لم يخرج شيء من الزقاق. ولم يسبق له أن رأى حافلةً تسير في أي وقت في طريق باكنجهام بارك. لا، لا بد أنها خدعة، مثل اللافتة، والحكايات الخيالية، والأحلام التي يستيقظ على إثرها فجأةً ليلًا. وخرج من الزقاق متنهِّدًا فإذا به يجد نفسه في حضن والده.
لكم ضحك والده! صاح قائلًا: «أوه يا بوبسي المسكين! يا عزيزي الصغير! يا صغيري الذي يعتقد أنه سيتوجَّه إلى الجنة!» ثم ظهرت والدته، وهي تهتزُّ من شدة الضحك أيضًا، على درجات سُلَّم أجاثوكس لودج. ولهثت قائلة: «كفى يا بوب! لا تكن مشاغبًا هكذا! أوه، ستقتلني! أوه، اترك الصبي وشأنه!»
ولكن المزاح بشأن هذا استمرَّ طوال ذلك المساء. وناشد الأب ابنه أن يأخذه معه. هل كانت نزهةً متعبة للغاية؟ هل يحتاج المرء إلى مسح حذائه على ممسحة الأرجل قبل أن يدخل؟ وذهب الصبي إلى الفراش وهو يشعر بالوهن والألم، وكان ممتنًّا لشيءٍ واحد فقط، هو أنه لم يقُل كلمةً واحدة عن العربة. لقد كانت خدعة، لكنها ما انفكَّت تزداد واقعيةً في أحلامه، بينما باتت شوارع سوربيتون، التي كان يرى العربة تمرُّ فيها، وهمًا وظِلالًا. وفي الصباح الباكر استيقظ وهو يصيح؛ إذ رأى لمحةً من وِجهة العربة.
أشعل عود ثقاب، فأضاء نورُه ساعَتَه والروزنامة، فعرف أن الوقت المتبقي حتى شروق الشمس هو نصف ساعة. كان الظلام دامسًا؛ فقد نزل الضباب من لندن أثناء الليل، ولفَّ شوارع سوربيتون بأكملها. ومع ذلك، نهض وارتدى ملابسه، عازمًا على تحديد أيهما الحقيقي: العربة أم الشوارع. فكَّر في نفسه قائلًا: «في الحالتَين سأكون أحمق إذا لم أعرف الحقيقة.» وسرعان ما كان يسير مرتجفًا في الطريق أسفل مصباح الغاز الذي يقف على مدخل الزقاق.
كان دخول الزقاق نفسه يتطلَّب بعض الشجاعة. كان الزقاق غارقًا في الظلام، وأدرك في تلك اللحظة أنه يستحيل أن يكون محطةً أخيرة لأي حافلة. ولولا أنه سمع صوت شرطي يقترب خلال الضباب ما كان ليُقدِم على محاولة دخوله أبدًا. في اللحظة التالية، حاول دون جدوى. لا شيء. لا شيء سوى زقاق مسدود وصبي شديد الحُمق يُحدِّق في أرضيته القذرة. لقد كانت خدعة. «سأُخبر أبي وأمي»، هكذا قرَّر. «أنا أستحق ذلك. أستحق أن يعلما بالأمر. أنا شديد الحُمق والغباء.» ثم عاد إلى بوابة أجاثوكس لودج.
عند البوابة تذكَّر أن ساعته متقدِّمة عن التوقيت الفعلي. لم تُشرِق الشمس بعد، لن تشرق إلا بعد دقيقتَين. «لتعطِ العربة كل الفرص الممكنة»، هكذا فكَّر بسخرية، وعاد إلى الزقاق.
ولكنه وجد العربة هناك.