٣
شعر الصبي بالخزي. جلس حبيسًا في غرفة الأطفال في أجاثوكس لودج يدرس الشعر عقابًا له. قال والده: «يا بني! يمكنني غفران أي شيء إلا الكذب»، وضربه بالعصا على كفه تأديبًا له، قائلًا مع كل ضربة: «لا يوجد حافلة، ولا سائق، ولا جسر، ولا جبل؛ إنك متهرب من المدرسة، صعلوك، وكاذب.» يمكن لوالده أن يكون شديد الصرامة في بعض الأحيان. كانت والدته قد توسَّلت إليه أن يعتذر. لكنه لم يستطع الاعتذار. لقد كان أعظم يوم في حياته، على الرغم من أنه انتهى بالضرب، ومعاقبته بدراسة الشعر.
عاد في الموعد المحدَّد عند الغروب، ولكن السير توماس براون لم يكن هو قائدَ العربة، بل حورية مرحة للغاية على الرغم من هدوئها. تحدَّثا عن الحافلات، وكذا عن عربات البَرُّوشة المكشوفة الفخمة ذات العجلات الأربع التي يجرُّها حصانان. كم بدا صوتها اللطيف بعيدًا الآن! ومع ذلك، لم يمضِ على تركه إياها في الزقاق سوى ثلاث ساعات تقريبًا.
نادت والدته من خلف الباب: «عزيزي، تعالَ وأحضر معك كتاب الشعر.»
نزل فوجد السيد بونز في غرفة التدخين مع والده. لقد كانت حفلة عشاء.
قال والده مُتجهِّمًا: «ها قد أتى الرحَّالة العظيم! الفتى الذي طاف بالعربة فوق أقواس القزح، بينما تُغنِّي له الحوريات.» ثم ضحك سعيدًا بطُرفته.
قال السيد بونز وهو يبتسم: «على أي حال، ورد وصفٌ شبيه بذلك بعض الشيء في أعمال فاجنر. إنه لأمر غريب كيف تجد في عقول جاهلة إلى حدٍّ بعيد ومضات من الحقيقة الفنية. إنها مسألة تُثير اهتمامي. دعني أُدافع عن الجاني. كُلُّنا كنا حالِمِين ونحن صغار، أليس كذلك؟»
قالَت والدته: «أترى كم هو لطيف السيد بونز!» بينما قال والده: «حسنًا. ليُلقِ قصيدته وكفى. سيُسافر إلى أختي يوم الثلاثاء، وستُعالجه من تسكُّعه في الأزقَّة.» ثم ضحك ثم قال: «ألقِ قصيدتك.»
استهلَّ الصبي قائلًا: «أقف محاطًا بجهل عظيم.»
ضحك والده مرةً أخرى ضحكةً قوية عالية وقال: «هذه القصيدة عنك يا بني! «أقف محاطًا بجهل عظيم!» لم أكن أعلم أن هؤلاء الشعراء يقولون كلامًا عقلانيًّا. إنه يصفك تمامًا. تفضَّل يا بونز، إنك تُحب الشعر. اجعله يقرؤه بينما سأذهب لأُحضر الويسكي، هل يمكنك فعل ذلك؟»
قال السيد بونز: «أجل، أعطني كتاب شعر كيتس. دعه يقرأ عليَّ شعر كيتس.»
هكذا، تُرك الرجل الحكيم والصبي الجاهل وحدهما في غرفة التدخين.
قال الصبي: «أقف محاطًا بجهل عظيم، أحلم بك وبسيكلادس، كالجالس على الشاطئ يتوق إلى مصادفة تأخذه إلى …»
«هذا صحيح تمامًا. يزور ماذا؟»
تابع الصبي: «شعاب الدلافين في أعماق البحار»، ثم انفجر في البكاء.
«لماذا تبكي؟»
«لأن … لأن كل هذه الكلمات التي لم تكن إلا كلامًا مقفًّى من قبل، أمَّا الآن بعد أن عدت، فقد أصبحت تصفني.»
وضع السيد بونز كتاب الشعر. أثار الأمرُ اهتمامه أكثر ممَّا توقَّع. صاح مندهشًا: «أنت؟ هذه القصيدة تصفك أنت؟»
«أجل، واسمع الأبيات التالية: «أجل، هنالك نور على شواطئ الظُّلمة، وخُضرة بكر في أحضان الجبال الشواهق.» إن الأمر كذلك يا سيدي. كل هذه الأشياء صحيحة.»
قال السيد بونز مغمضًا عينَيه: «لم أشكَّ في ذلك قطُّ.»
«أنت … إذن تصدقني؟ إنك تصدق كلَّ ما قلتُه عن العربة والسائق والعاصفة وتذكرة العودة التي حصلت عليها مجانًا و…»
«كفى، كفى! لا مزيد من قصصك الخيالية يا بني. كنت أقصد أنني لم أشك قطُّ في الحقيقة الجوهرية للشعر. يومًا ما، عندما تقرأ أكثر، ستفهم ما أقصده.»
«لكن يا سيد بونز، إنها حقيقة. هنالك نور على شواطئ الظلمة. لقد رأيته قادمًا. نور وريح.»
قال السيد بونز: «هذا كلام فارغ.»
«ليتني توقَّفت! لقد حاولْنَ إغرائي لأفعل. طلبْنَ مني أن أتخلَّى عن تذكرتي؛ لأنك لا تستطيع العودة إذا فقدت تذكرتك. لقد ناديْنَني من النهر لأتخلَّى عنها، وقد أغراني ذلك بالفعل؛ لأنني لم أشعر من قبلُ بسعادة كتلك التي شعرت بها بين تلك المنحدرات، لكنني فكَّرت في أمي وأبي، وأنه يجب عليَّ إحضارهما. ولكنهما رفضا القدوم، على الرغم من أن بداية الطريق على الجهة المقابلة من منزلنا. لقد حدث ما حذَّرني منه الأشخاصُ بالأعلى بالضبط، ولم يُصدِّقني السيد بونز مثل الآخرين. لقد ضُربت بالعصا، ولن أرى هذا الجبل مرةً أخرى.»
اعتدل السيد بونز في جِلسته على الكرسي فجأة، وقال: «ما هذا الذي قلته عني؟»
«لقد أخبرتهم عنك وعن ذكائك، وما لديك من كمٍّ هائل من الكتب، فقالوا: «السيد بونز لن يُصدِّقك قطعًا».»
«كلام فارغ وهراء يا صديقي الصغير. لقد أصبحتَ وقحًا. أنا … حسنًا، سأُسوِّي الأمر. لن أقول كلمةً واحدة لوالدك. سأُعالجك بنفسي. سآتي مساء الغد إلى هنا وسآخذك في نزهة على الأقدام، وعند غروب الشمس سنذهب إلى هذا الزقاق على الجهة المقابلة وسنبحث عن حافلتك، أيها الصبي الأخرق.»
اكتسى وجهه بالجدية؛ إذ لم يرتبك الصبي، بل ظلَّ يقفز في أرجاء الغرفة وهو يُدندن: «مرحى! مرحى! لقد أخبرتهم أنك ستُصدِّقني. سنركب العربة معًا ونطوف فوق قوس قزح. لقد أخبرتُهم أنك ستأتي.» تُرى هل يمكن أن يكون هناك أي شيء حقيقي في هذه القصة؟ فاجنر؟ كيتس؟ شيلي؟ السير توماس براون؟ بالتأكيد كانت مسألةً مثيرة للاهتمام.
وفي مساء الغد، على الرغم من هطول المطر، لم يُغفل السيد بونز زيارة منزل أجاثوكس.
كان الصبي جاهزًا متقد الحماس، ويقفز فرحًا بطريقة أربكت السيد بونز. سلكا منعطفًا نحو طريق باكنجهام بارك، ثم تسلَّلا إلى الزقاق بعد أن لاحظا أن لا أحد يراهما. لا عجب أنهما وجدا العربة أمامهما؛ إذ كانت الشمس تغرب في تلك اللحظة.
صاح السيد بونز: «يا للسماء! يا إلهي الرحيم!»
لم تكن العربة هي نفسها التي استقلَّها الصبي أول مرة، ولا حتى تلك التي عاد فيها. كان يجرُّها ثلاثة أحصنة: حصان أسود، وآخر رمادي، والثالث أبيض، وكان الرمادي هو أجملَها. كان السائق، الذي التفتَ عند ذكر السماء والإله الرحيم، رجلًا شاحب الوجه ذا فكَّين مُخيفَين وعينَين غائرتَين. ما إن رآه السيد بونز حتى أطلق صرخةً وكأنما يعرفه، وبدأ يرتجف ارتجافًا شديدًا.
قفز الصبي داخل العربة.
صاح السيد بونز قائلًا: «هل هذا ممكن؟ هل المستحيل ممكن؟»
قال الصبي: «سيدي، تعالَ يا سيدي. إنها حافلة رائعة. أوه، ها هو ذا اسمه، دان ثم اسمٌ ما غير واضح.»
وقفز السيد بونز داخل العربة أيضًا. صفعت هبَّةٌ قوية من الريح باب العربة على الفور، وأدَّت الهزة القوية إلى انسدال جميع ستائرها؛ فقد كانت الزنبركات التي تُثبِّتها في مكانها ضعيفةً للغاية.
«دان … أرني. يا إلهي الرحيم! إننا نتحرك.»
هتف الصبي بسعادة: «مرحى!»
ارتبك السيد بونز. لم يكن ينوي أن يتعرَّض للاختطاف. لم يتمكن من العثور على مقبض الباب، ولا من رفع الستائر. كانت العربة مظلمةً تمامًا، وحين أشعل عود ثقاب، كان الليل قد حل في الخارج أيضًا. كانوا يتحركون بسرعة.
قال السيد بونز وهو يتفقَّد العربة من الداخل: «إنها مغامَرة غريبة لا تُنسى»، كانت كبيرةً وواسعة ومصنوعة بحرفية شديدة، وكان كل جزء فيها يتوافق تمامًا مع باقي الأجزاء الأخرى. كان مكتوبًا فوق الباب (الذي كان مقبضه بالخارج) بالإيطالية: «أيها الداخلون، اطرحوا عنكم كل أمل»، بأخطاء إملائية صحَّحها السيد بونز. كان يتحدث بوجل وكأنما يقف في كنيسة. في هذه الأثناء، نادى الصبي سائقَ العربة الشاحب كالجثة ليطلب تذكرتَيْ ذهاب وعودة. سلَّمهما السائق إلى الصبي دون أن ينطق كلمةً واحدة. غطَّى السيد بونز وجهه بيده وارتجف مرةً أخرى. وعندما أُغلقت النافذة الصغيرة التي تفصل بينهما وبين السائق، همس للصبي قائلًا: «هل تعرف مَن هذا؟ إنه المستحيل بعينه.»
«حسنًا، أنا لا أُحبُّه بقدر السير توماس براون، ومع ذلك لن أفاجأ إذا كان أفضل منه.»
«أفضل منه؟» وضرب الأرض بقدمه غاضبًا. «لقد قمت بالمصادفة بأعظم اكتشاف في القرن، وكل ما يمكنك قوله هو أن هذا الرجل أفضل. هل تتذكَّر تلك المجلَّدات الموجودة في مكتبتي ذات الأغلفة الجلدية المطبوعة عليها زنابق حمراء؟ هذا الرجل — اجلس بلا حراك؛ فأنا أحمل لك أخبارًا مذهلة! — هذا الرجل هو من ألَّفها.»
جلس الصبي ساكنًا تمامًا. ثم سأل بعد صمت مُهذَّب: «تُرى هل سنقابل السيدة جامب؟»
«من؟»
«السيدة جامب والسيدة هاريس. أنا أُحب السيدة هاريس. لقد قابلتهما بالمصادفة. لقد نُقِلَت صناديق مُتعلقات السيدة جامب فوق قوس قزح نقلًا سيئًا للغاية. فقد انخلعت قيعان الصناديق، وسقطت اثنتان من القطع الدائرية من هيكل سريرها وانقلبَتا في النهر.»
هكذا صاح السيد بونز بغضبٍ عارم: «هناك يجلس الرجل الذي ألَّف مجلداتي ذات الورق السميك! وأنت تُحدِّثني عن ديكنز والسيدة جامب؟»
اعتذر الصبي قائلًا: «أعرف السيدة جامب جيدًا. فلم يسعني إلا أن أشعر بالسعادة لرؤيتها. لقد تعرَّفتُ صوتَها. كانت تُخبر السيدة هاريس عن السيدة بريج.»
«هل قضيت اليوم كله في صحبتها الراقية؟»
«كلا، لقد شاركت في سباق. التقيت رجلًا أخذني إلى مضمار سباق بعيد. أنت تجري، ويوجد دلافين هناك في البحر.»
«بالتأكيد. هل تتذكر اسم الرجل؟»
«اسمه أخيل. كلا، لقد لقيت أخيل لاحقًا. اسمه توم جونز.»
تنهَّد السيد بونز بقوة. قال: «حسنًا يا بني، لقد أسأتَ التصرُّف كثيرًا. تخيَّل أن تُتاح تلك الفرصة لمثقف! المثقف كان سيعرف كل هذه الشخصيات وسيعرف ماذا يقول لكلٍّ منها. ولم يكن ليُضيع وقته مع السيدة جامب ولا توم جونز. ما كان سيقنع إلا بإبداعات هوميروس وشيكسبير والرجل الذي يقود حافلتنا الآن. لم يكن ليتسابق. كان سيطرح أسئلةً ذكية.»
قال الصبي بتواضع: «لكن يا سيد بونز، أنت هذا الشخص المثقف. لقد أخبرتهم بذلك.»
«صحيح، صحيح، وأرجوك ألَّا تُلحِق بي العار عندما نصل. لا تُثرثر. لا تركض. ابقَ قريبًا مني، ولا تتحدَّث أبدًا إلى هؤلاء الخالدين إلا إذا تحدَّثوا إليك. أجل، وأعطني تذاكر الذهاب والعودة. فأنت ستضيعها.»
سلَّمه الصبي التذاكر، لكنه شعر ببعض الحزن والمرارة. ففي نهاية المطاف، هو من وجد الطريق إلى هذا المكان. شق عليه أن يتعرَّض للتكذيب أولًا ثم الوعظ. في هذه الأثناء، توقَّف المطر، وتسلَّل ضوء القمر إلى العربة عبر الشقوق الموجودة في الستائر.
صاح الصبي: «ولكن كيف يمكن أن يكون هناك قوس قزح؟»
قال السيد بونز بغضب: «إنك تُشتِّت انتباهي. أرغب في تأمل هذا الجمال. لكم أتمنى أن لو كان رفيقي في تلك الرحلة شخصًا وقورًا حساسًا.»
عضَّ الفتى على شفته. واتخذ مائة قرار حكيم. قرَّر أن يقلِّد السيد بونز طوال الزيارة. لن يضحك، أو يركض، أو يغنِّي، أو يفعل أيًّا من الأشياء المبتذلة التي لا بد أنها أثارت اشمئزاز أصدقائه الجدد في المرة السابقة. وسيحرص بشدة على نُطق أسمائهم على نحو صحيح، وعلى تذكُّر من منهم يعرف الآخر. لم يكن أخيل يعرف توم جونز، على الأقل هذا ما قاله السيد بونز. قال أيضًا إن دوقة مالفي أكبر سنًّا من السيدة جامب. سيكون وَقورًا ومتحفظًا ومتزمتًا. لن يقول أبدًا إنه يُحب أي شخص. ومع ذلك، عندما لامست الريح رأسه عَرَضًا، ذهبت في مهبها كل هذه القرارات الحكيمة؛ لأن العربة كانت قد وصلت إلى قمة تلةٍ مقمرة، ورأى الفجوة، ومن خلالها رأى المنحدرات القديمة الحالمة المغمورة سفوحها في النهر السرمدي. صاح: «ها هو ذا الجبل! استمع إلى النغمة الجديدة في الماء! انظر إلى نيران المخيم في الوديان»، أجاب السيد بونز بعد نظرة سريعة: «الماء؟ نيران المخيم؟ هذا هراء سخيف. اصمت. لا يوجد شيء على الإطلاق.»
ولكن حين خفض بصره رأى قوس قزح يتشكَّل، لم يتشكَّل من ضوء الشمس والعواصف، بل من ضوء القمر ورذاذ النهر. وطئته الخيول الثلاثة. لقد اعتقد أنه أجمل قوس قزح رآه، لكنه لم يجرؤ على قول ذلك؛ إذ قال السيد بونز إنه لا يوجد شيء هناك. أطلَّ من النافذة بعد أن انفتحت، وردَّد اللحن المتصاعد من المياه النائمة.
قال السيد بونز فجأة: «إنها الافتتاحية الموسيقية لأوبرا «ذهب الراين». من علَّمك هذا اللحن؟» نظر هو أيضًا من النافذة. ثم أتى بتصرُّف غريب للغاية. فأطلق صرخةً مختنِقة، وسقط على أرضية العربة. كان يتلوَّى ويركل. وامتُقع وجهُه.
سأله الصبي: «هل يُصيبك الجسر بالدوار؟»
شهِق السيد بونز قائلًا: «دوار! أرغب في العودة. أخبِر السائق.»
لكن السائق هزَّ رأسه رفضًا.
قال الصبي: «لقد أوشكنا على الوصول. إنهم نائمون. هل أُناديهم؟ سيسعدون أيَّما سعادة برؤيتك؛ لأنني جهَّزتهم لهذا.»
أنَّ السيدُ بونز. تحرَّكت الخيول فوق قوس قزح القمري، الذي كان يتلاشى خلف عجلاتهم. كم كان الليل ساكنًا! تُرى من سيكون الحارس عند البوابة؟
صرخ الصبي ناسيًا مرةً أخرى كم القرارات التي اتخذها بتهذيب سلوكه: «أنا قادم. لقد عدت — إنه أنا، الصبي.»
تعالى صوت يقول: «لقد عاد الصبي»، فردَّدت أصوات أخرى: «عاد الصبي.»
«لقد أحضرت السيد بونز معي.»
ساد الصمت.
«كان ينبغي أن أقول إن السيد بونز هو من أحضرني معه.»
ساد صمت مطبق.
«من يقف حارسًا؟»
«أخيل.»
وعلى الممر الصخري، بالقرب من منتهى جسر قوس قزح، رأى شابًّا يحمل درعًا بديعة.
«سيد بونز، إنه أخيل، وهو مسلح.»
قال السيد بونز: «أريد أن أعود.»
تلاشى الجزء الأخير المتبقي من قوس قزح، وصرَّت العجلات على صخرة حية، وانفتح باب العربة على مصراعيه. قفز الصبي خارجًا — ولم يستطع المقاومة — ووثب لمقابلة المحارب الذي انحنى فجأةً وحمل الصبي ورفعه على درعه.
صاح الصبي قائلًا: «أخيل! أنزِلني؛ فأنا جاهل وسوقي، ويجب أن أنتظر السيد بونز الذي أخبرتك عنه بالأمس.»
لكن أخيل رفعه عاليًا. جثم الصبي على الدرع البديعة، على الأبطال والمدن المحترقة، على الكروم المنقوشة بالذهب، على كل عشق غالٍ، على كل بهجة انتصار، على صورة الجبل الذي اكتشفه، محاطًا بنهر سرمدي كما الجبل الفعلي. احتجَّ الصبي قائلًا: «كلا، كلا، أنا لا أستحق. السيد بونز هو الذي يجب أن يكون هنا بالأعلى.»
لكن السيد بونز كان يتأوَّه، فهلَّل أخيل صائحًا: «قف منتصبًا على درعي!»
«سيدي، لم أقصد أن أقف! شيء ما جعلني أقف. سيدي، لماذا تنتظر؟ ها هو أخيل العظيم، أنت تعرفه.»
صرخ السيد بونز: «لا أرى أحدًا. لا أرى شيئًا. أريد أن أعود.» ثم صرخ قائلًا للسائق: «أنقذني! دعني أُنهِ رحلتي في عربتك. لقد بجَّلتك. لقد اقتبست كلماتك. لقد جمعت أعمالك في مجلدات مُغلَّفة بالجلد الفاخر. أعدني إلى عالمي.»
أجاب السائق: «أنا الوسيلة لا الغاية. أنا الغذاء لا الحياة. قف بنفسك كما وقف ذلك الصبي. لا يمكنني إنقاذك. فالشعر روح، ومن يعبده ينبغي أن يكون مؤمنًا به إيمانًا حقيقيًّا.»
لم يستطع السيد بونز المقاومة، فزحف خارجًا من العربة الجميلة. ظهر وجهه وهو يُحدِّق فاغرًا فمَه بشكل مُروِّع. تبعته يداه، واحدة تُمسك بدرَج العربة، والأخرى يضرب بها في الهواء. ثم ظهرت كتفاه، وصدره، وبطنه. وهو يصرخ قائلًا: «أرى لندن»، ثم سقط؛ سقط على الصخرة الصلبة المقمرة، هوى فيها كما لو كانت ماءً، ابتلعته واختفى، ولم يعُد الصبي يراه.
«أين سقطتَ يا سيد بونز؟ ها هو موكب يصل بالموسيقى والمشاعل تشريفًا لك. ها هم الرجال والنساء الذين تعرف أسماءهم قادمون. الجبل والنهر مستيقظان، وفوق مضمار السباق يوقِظ البحر تلك الدلافين، وكل هذا من أجلك. إنهم يريدونك أن …»
شعر بأوراق نضرة تُلامِس جبهته. لقد توَّجه أحدهم.
•••
ورد الخبر الآتي في صحيفة «كينجستون جازيت»، و«سوربيتون تايمز»، و«باينز بارك أوبسريفير».
عُثِر على جثة السيد سيبتيموس بونز مُشوَّهةً تشويهًا مُريعًا بالقرب من مصانع الغاز في بيرموندسي. احتوت جيوب المتوفَّى على محفظة بها جنيهات ذهبية، وعلبة سيجار فضية، وقاموس نُطق صغير أنيق، وتذكرتَي حافلة. يبدو أن الرجل التعيس الحظ قد أُلقيَ من ارتفاع كبير. يُشتبه أن تكون جريمة قتل، ولا تزال السلطات تجري تحقيقًا موسعًا.