سُوسة النخيل الحمراء
أُحِب أشجار النخيل بكافة أنواعها؛ كنخيل الزيت.
ونخيل الزينة.
ونخيل جَوز الهند.
ولكني أُفضِّل شجرة نخيل التمر حيث أتخذها مسكنًا لي ولأجيالي اللاحقة.
تجذبني العُصارة الناتجة من جروح أنسجتها حديثة القطع أثناء عملية التقليم وإزالة الفسائل، فأضع بيوضي في هذه الجروح، وفي أماكن الفسائل المقطوعة، بعد عَمل حفرة بخرطومي الطويل الذي يُميِّزني، ثم أُغلق المكان بمادَّة لاصقة.
بعد وضع البيوض أبقى داخل النخلة، وقد أخرج منها حسب الظروف المناسبة لي، أمَّا عن بيوضي فتفقس بعد يومَين أو أكثر حسب درجة الحرارة والغذاء المتوفِّر؛ حيث تفقس عن يرقات صغيرة عديمة الأرجُل، ذات لون أبيض مُصفر، ورأسٍ بني اللون فيه أجزاء فم قارضة قوية، تستطيع بها حفر واختراق جذع النخلة، شاقَّةً طريقها إلى داخله، معتمدةً على عضلات جسمها.
وهناك حيث الجو المناسب من الظُّلمة، والرطوبة، والغذاء الوافر، تتغذَّى يرقاتي بشراهة على أنسجة الجذع الطرية، صانعةً فيه أنفاقًا لنفسها، متجهةً نحو قمة النخلة.
ويومًا بعد آخر تنمو يرقاتي وتكبر ويتغيَّر لونها إلى البُني المُصفر، ويزداد حجمها ليصل طولها عند اكتمال نموِّها إلى ٥سم بعرض ٢سم.
يترافق ذلك باتساع الأنفاق وتجاورها حتى تنفتح على بعضها، مُحيلةً جذع النخلة إلى أُسطوانة فارغة هشة بالكاد تستطيع حمل تاج النخلة، وتصبح عُرضةً للسقوط بفعل الرياح أو الصدمات التي قد يتعرَّض لها الجذع، مؤديةً بالتالي إلى موت القمة النامية للنخلة وميل رأسها على أحد الجوانب.
تبقى صغاري في مرحلة الطور اليرقي مدة شهر، وقد تطول حتى ثلاثة أشهر، وعندما تقترب من نهاية هذا الطور تنسج لنفسها شرنقةً بيضاوية الشكل من ألياف النخلة.
وتتحوَّل داخل الشرنقة إلى عذراء تبقى داخلها، من عشرة أيام وحتى عدة شهور حسب مُلاءمة الظروف المُناخية.
ثم تخرج الخادرات من هذه الشرانق بعد اكتمال تطوُّرها حشراتٍ كاملةً ذكورًا وإناثًا، تُتابع دَورة حياتها ونموها وتكاثرها.
تُقدَّر دورة حياتي بحوالي أربعة أشهر، أضع خلالها حوالي ٣٠٠ بيضة على جذع النخلة، في الفتحات المختلفة الناجمة عن الحفَّارات الأخرى، أو عن عملية التقليم.
أتواجد طوال العام وليس لي بيات شتوي؛ فأنا لا أتأثَّر بالعوامل البيئية المحيطة، وعند الضرورة أعيش داخل النخلة لمدة ثلاثة أجيال متتالية؛ ولذلك يمكنكم مشاهدة جميع أطوار وأعمار أفراد أسرتي (البيوض، واليرقات، والعذارى، والحشرات الكاملة) متجمِّعةً داخل جذع النخلة الواحدة؛ فأجيالي متداخلة طوال السنة.
يتَّهمني بني البشر بأنني أُسبِّب لهم خسائر فادحة، وكوارث اقتصاديةً كبيرةً في الاقتصاد والتجارة، والغذاء، والسياحة، ويعتبرونني من أخطر الآفات الحشرية التي تُهاجم أشجار النخيل، ويسمُّونني بالعدو الخفي؛ حيث نقضي أنا وعائلتي جميع أطوارنا؛ من البيضة، إلى اليرقة، إلى العذراء، فالحشرة الكاملة داخل جذع النخلة، ولا يمكننا إكمال دورة حياتنا على أنواعٍ أخرى من الأشجار سوى شجرة النخيل التي أحببناها كثيرًا.
فكان حبُّنا لها واختيارها مسكنًا سببًا في يباسها وسقوطها جثةً هامدةً لا حَراك فيها.
ولذلك تمَّ اعتبارنا عدوًّا يجب مكافحته فور اكتشافه. وأعلنوا الحرب علينا بكل طُرق المكافحة والإمكانات المتوفِّرة لديهم، مستخدمين في ذلك المكافحة الكيميائية، والحيوية، إضافةً إلى المصائد المختلفة؛ كالمصائد الغذائية والفرمونية الجاذبة لنا، وتطبيق إجراءات الحَجر الزراعي المشدَّدة، إلا أن وجودنا داخل جذع النخلة يُؤمِّن لنا الحماية، ويجعل إمكانية القضاء علينا مُهمَّةً صعبة.
وختامًا أُعرِّفكم على نفسي أكثر فأقول:
أنا سوسة النخيل الحمراء. مدمِّرة أشجار النخيل. من الخنافس ذات الخطم. أمتاز بخرطوم طويل ذي لون بُني محمَر، يحمل في نهايته أجزاء فم قارضةً قوية. لي قُدرة عالية على الطيران. أُفضِّل الطيران في الساعات الأولى والأخيرة من اليوم، حيث يمكنني قطع مسافة تتراوح بين واحد حتى سبعة كيلومترات حسب الموسم.
من عائلة الليليات. أتبع رُتبة غمديات الأجنحة، وفصيلة السوسيات الحقيقية. من طائفة الحشرات، شُعبة سداسيات الأرجل، وينتهي نسَبي إلى مملكة الحيوانات.