الحيوان الأندر على الإطلاق
ظباء البوشميبوليو هي حيوانات منقرضة؛ لم يعد لها وجود في أي مكان على وجه الأرض. لكن أدغال أفريقيا في عهد الدكتور دوليتل احتضنت عددًا قليلًا منها، غير أنها كانت شديدة الندرة، حتى في هذا العهد.
لم يكن لظباء البوشميبوليو ذيل، بل رأس في المقدمة وآخر في المؤخرة. ويبرز من كل رأس قرن حاد. وهي حيوانات شديدة الخجل، يصعب بشدة الإمساك بها، ولا يمكنك الاقتراب منها خلسة، فبإمكانها دائمًا أن تراك وأنت تقترب. وكل من رأسيها ينام في وقت مختلف عن الرأس الآخر؛ لذا لم يقتنص قط أي من هذه الحيوانات. حاول الكثير من الصيادين هذا سنوات، لكن لم يفلح أي منهم.
لذا سعت القردة إلى العثور على أحدها. وفي نقطة على بعد عدة أميال بجوف الأدغال، لمح أحدهم آثار حوافر غريبة حديثة، فأدركوا أن أحد ظباء البوشميبوليو بالجوار.
ساروا على ضفة النهر متتبعين أثر الحوافر، ولاحظوا مكانًا ينمو فيه العشب الطويل بغزارة. كان هذا هو المخبأ النموذجي لظباء البوشميبوليو.
تضافرت القردة وصنعت دائرة كبيرة حول تلك المنطقة الممتلئة بالعشب، فسمعها الظبي وحاول الفرار، لكنه لم يستطع أن يفلت من الدائرة التي صنعها القرود. ولما لم يجد جدوى من الفرار، جلس لينتظر ما الذي سيحدث بعد.
قال كبير قردة الغوريلا: «نود أن نطلب منك معروفًا. هلا ذهبت إلى بودلبي مع الدكتور دوليتل؟ نحن نشعر بالامتنان له لكل ما فعله من أجلنا، ونود أن نعطيه شيئًا مميزًا.»
قال الظبي: «قطعًا لا. لن أفعل هذا قط!»
أوضحت له القردة أنه لن يودع حديقة حيوانات، وإنما سيحيا مع الدكتور دوليتل في منزله حياة رائعة.
هز البوشميبوليو رأسه نفيًا وقال: «لا. أنتم تعلمون كم أنا خجول. سأكره التحديق بي.»
فحاولت القردة إقناعه بأنه سيتمتع بالحياة مع الطبيب الطيب.
استغرق الأمر بعض الوقت ليوافق البوشميبوليو على لقاء الدكتور دوليتل، فإن أعجبه الطبيب، فسيفكر في الذهاب معه.
عاد البوشميبوليو والقردة إلى كوخ الطبيب المصنوع من العشب وطرقوا بابه. كانت البطة داب داب تجهز صندوق أغراض الطبيب، فالتفتت إلى الباب وقالت: «ادخل.»
فأدخل تشي تشي البوشميبوليو شاعرًا بالفخر الشديد.
صاح الدكتور دوليتل في دهشة: «عجبًا! ما هذا بحق السماء؟»
وقالت داب داب: «يا إلهي!» ونظرت إلى الظبي العجيب الذي تبرز من مقدمة جسده رأس ومن مؤخرته رأس أخرى، وقالت: «وا دهشتاه! كيف يحسم أمره؟»
قال تشي تشي: «هذا ظبي البوشمبوليو. إنه الحيوان الأندر في أدغال أفريقيا، وهو الحيوان الوحيد في العالم الذي يمتلك رأسين. إن صحبته معك إلى منزلك، فستحل جميع مشاكلك المالية، إذ سيدفع الناس أي قدر من المال لرؤيته.»
فقال الدكتور دوليتل: «ولكنني لا أريد أي مال.»
قالت داب داب: «بل تريد. دائمًا تنسى أننا بحاجة إلى المال لنعيش.»
سأل جيب: «ألا تذكر أننا اضطررنا إلى الاقتصاد والادخار؟ وأيضًا اقترضنا قارب الصياد، وقد دمر. كيف سنسدد ما ندين له به إن لم تكن معنا أي نقود.»
فقال الدكتور دوليتل بحرج: «كنت سأبني له قاربًا.»
فصاحت داب داب: «آه! تعقل! أنت لست نجارًا ولم تبن قط شيئًا من الخشب. لن يكون لديك أدنى فكرة عن كيفية صنعه. تشي تشي محق. نحن بحاجة إلى اصطحاب هذا المخلوق العجيب معنا.»
فتمتم الطبيب قائلًا: «أتفَهَّمُ رأيك، لكنني لا أرى أن الظبي سيجد هذا لطيفًا. أكره أن يغادر هذا المكان الجميل ليصبح مخلوقًا للعرض. لا يبدو هذا عدلًا، لكن هل سيود — أنا آسف، لقد نسيت اسمه — الذهاب معنا إلى بودلبي؟»
عندئذ قال البوشميبوليو: «نعم سأذهب معكم.» فقد فطن على الفور إلى أن الدكتور دوليتل يمكن الثقة به، ثم أردف قائلًا: «لقد كنت جم اللطف مع الحيوانات هنا، والقردة تخبرني بأنني الحيوان الوحيد الذي سيفي بحاجتك، لكن عليك أن تعدني بشيء واحد.»
قال الدكتور دوليتل: «لك هذا بالطبع. أعدك بما تشاء.»
قال البوشميبوليو: «عليك أن تعد بأنك ستعيدني إلى هنا إن لم تعجبني الحياة في أرضك.»
قال الدكتور دوليتل: «لك هذا بالطبع، لكن — لا تؤاخذني — هل لي أن أسألك سؤالًا؟»
قال البوشميبوليو: «تفضل.»
فأخذ الدكتور دوليتل كتابه من جيبه وأخذ يدون بعض الملاحظات، ثم قال: «لاحظت أنك تتحدث بفم واحد فقط، فهل تستطيع أن تتحدث بالفم الآخر.»
أجاب البوشميبوليو: «بالطبع، لكنني أحب أن أترك الفم الآخر لتناول الطعام، بذا أستطيع أن أتحدث وأنا آكل دون أن يبدو هذا فظًّا.»
ولما انتهى حزم الحقائب، أعدت لهم القردة حفلًا أتت إليه جميع حيوانات الغابة، وتناولت فيه ثمار الأناناس والمانجو والعسل. كان بالحفل كل ما طاب من الطعام والشراب.
«أصدقائي. لم أُجِد قط إلقاء الخطابات، لكنني سأحاول هذا. كنت أتمنى أن يُتاح لي المكوث بينكم لكن لدي الكثير من الواجبات في موطني. ومع أن ظروفًا بائسة هي التي دعتني إلى القدوم إلى هنا، إلا أنني سعيد بأنني قَدِمت وقدَّمت المساعدة.»
فهللت جميع الحيوانات وحيت الطبيب الطيب.
وتابع الطبيب كلامه قائلًا: «رجاء تذكروا ألا تتركوا الذباب يقف على الطعام قبل أن تأكلوه، ولا تناموا على الأرض عند هطول المطر.» وتوقف الطبيب لحظة ثم تابع كلامه قائلًا: «وآمل بصدق أن تعيشوا جميعًا حياة سعيدة إلى الأبد.»
دحرج كبير قردة الغوريلا حجرًا كبيرًا ووضعه بجانب باب كوخ الدكتور دوليتل، ثم قال: «هذا الحجر تذكار للمكان الذي أقام فيه الدكتور دوليتل. الطبيب العظيم الذي قطع مسافة طويلة لينقذ قردة أدغال أفريقيا.»
وهللت الحيوانات مجددًا ودمعت عينا الطبيب؛ إذ كان هذا عرفانًا هائلًا بفضله. وستجد الحجر لا يزال قائمًا إلى اليوم إن قصدت أدغال أفريقيا.
بعدما انتهى الحفل اتجه الطبيب وحيواناته إلى الشاطئ، وصحبتهم جميع القرود إلى أطراف أرضهم حاملين صندوق أغراض الطبيب وحقائبه لوداعه هو وحيواناته.