قصة الأمير
توقف الطبيب وحيواناته لوداع الحيوانات الأخرى عند ضفاف النهر وقتًا طويلًا؛ إذ أرادت جميع القرود أن تصافح يد الدكتور دوليتل.
قالت بولينيزيا فيما بعد والطبيب وحيواناته يسيرون وحدهم: «علينا بالحذر. سنمر بأرض الملك ثانية، وأنا واثقة من أنه لا يزال غاضبًا منا، فقد احتلنا عليه حيلة رهيبة.»
قال الدكتور دوليتل: «أجل، لكن كيف سنحصل على قارب آخر نصل به إلى بودلبي؟ أجد هذا مقلقًا. لا أدري إن كان الحظ سيحالفنا فنجد من يتمتع بكرم صديقنا الصياد في بودلبي.»
استغرقت العودة سيرًا عدة أيام. وفي أحد الأيام أثناء مرور الطبيب والحيوانات بنقطة كثيفة النباتات من الأدغال، تقدم تشي تشي سائر المجموعة بحثًا عن جوز الهند، لكن للأسف أثناء غيابه ضل الطبيب والحيوانات الأخرى طريقهم، فجابوا الأدغال كثيرًا لكنهم لم يعثروا على الطريق إلى الشاطئ.
انزعج تشي تشي عندما أدرك أن أصدقاءه قد ضلوا طريقهم، فتسلق الأشجار إلى ارتفاع كبير لتتاح له الرؤية على نحو أفضل، وبحث عن قبعة الطبيب العالية، لكنه لم يجدها، فصاح ولوح بيديه، وصفق، لكن بلا جدوى. وبدا وكأن الطبيب والحيوانات الأخرى قد تبخروا!
كان الطبيب والحيوانات الأخرى قد ضلوا طريقهم بالفعل، وشردوا في طريق العودة وسط الأدغال التي تنمو فيها الشجيرات والنباتات المتسلقة بكثافة إلى حد تتعذر معه الحركة بينها، فاستخدم الدكتور دوليتل سكينًا ليشق له هو والحيوانات طريقًا بين أغصان الأشجار، لكنهم تعثروا وسقطوا في مناطق ذات أرض موحلة، وأصابتهم أشواك النباتات بخدوش. وبدا أن معاناتهم لن تنتهي، وأنهم لن يهتدوا إلى طريق العودة.
لكنهم بعد ساعات من التجوال في الأدغال، عثروا مصادفة على حديقة الملك الخلفية، فهرع رجال الملك إليهم على الفور وألقوا القبض عليهم.
لكن بولينيزيا — التي كانت دائمًا سريعة البديهة — طارت بعيدًا بين قمم الأشجار قبل أن يبصرها رجال الملك، فيما اقتيد الطبيب وسائر الحيوانات إلى الملك.
قال الملك عندما رآهم: «آه. إذن فقد أُلقي القبض عليكم مجددًا، لكنكم لن تفروا هذه المرة. هذا الطبيب الذي يحسب نفسه شديد الدهاء سيمضي بقية حياته في مسح أرض مطبخي. أيها الحراس! خذوهم إلى السجن.»
اقتيد الطبيب وحيواناته مجددًا إلى الزنزانة الصغيرة التي زجوا بها من قبل وجميعهم في غاية الاضطراب.
قال الدكتور دوليتل: «كم هذا مؤسف! علي أن أعود إلى بودلبي؛ سيحسب الصياد أنني قد سرقت القارب، ولا بد أن الحيوانات بحاجة إلى من يرعاها الآن.»
كانت بولينيزيا طوال هذا الوقت تجلس على شجرة طويلة، وفيما كانت تتطلع إلى مكان بعيد، رأت تشي تشي يتأرجح بين الأشجار، كان حتى تلك اللحظة يبحث عن الطبيب والحيوانات الأخرى، فلما أبصرها أتى سريعًا إلى جانبها، وسألها عما حدث للباقين.
أجابته همسًا: «ألقى رجال الملك القبض على الطبيب وجميع الحيوانات، إذ ضللنا الطريق بين الأدغال، وانتهى بنا المطاف مصادفة إلى حديقة الملك الخلفية.»
سألها تشي تشي: «ألم يكن بإمكانك أن ترشديهم؟ أنت على دراية بطرق الأدغال.» وأخذ يوبخها على عدم اعتنائها بهم عندما كان يبحث عن جوز الهند.
أجابت بولينيزيا: «كل هذا كان خطأ الخنزير، لقد ظل يركض مبتعدًا باحثًا عن جذور يأكلها وغير ذلك من الطعام اللذيذ، فاضطررت إلى البحث عنه مرارًا وتكرارًا حتى نسيتُ أين انعطفتُ يمينًا وأين انعطفت يسارًا.»
قال تشي تشي واضعًا إصبعه على شفتيه: «حاذري! انظري؛ الأمير يجول الغابة. يجب أن نحرص على ألا يلحظنا.»
لم يبد الأمير سعيدًا؛ إذ جلس تحت شجرة وهو مطرق الرأس حاملًا كتابًا، فتحه لكن لم يبدأ في قراءته، بل تصفحه وتنهد.
ثم قال بصوت مسموع: «لو أنني أحيا في هذه القصص. أنا أمير، وأحيا بقصر، لكنه ليس كقصور القصص الخيالية. قصرنا ليس فخمًا، ولا أملك الكثير من الأشياء الجميلة. أتمنى أن أبدو كأبطال هذه القصص، أتمنى أن تكون هذه حياتي!»
أغمض الأمير عينيه وضم الكتاب إلى صدره ثم تنهد ثانية.
طرأت لتشي تشي فجأة فكرة، وهمس بها لبولينيزيا، فأومأت برأسها ثم طارت إلى غصن أقرب إلى الأمير.
وقالت بصوت مرتفع حانٍ لطيف: «أيها الأمير الشاب!» — إذ لم ترد أن تخيفه، بل أرادت أن يبدو له صوتها ودودًا — ثم كررت صياحها قائلة: «أيها الأمير الشاب!»
ففتح الأمير عينيه، وتلفت حوله لكنه لم يبصر أحدًا، ولم يفكر في البحث بين الأشجار؛ إذ لم يخطر له أن من يكلمه ببغاء.
ثم قال: «نعم؟ من هناك؟»
قالت بولينيزيا: «لا يهم من أنا. أتيت لأخبرك بأمر شديد الأهمية.»
قال الأمير: «لا أفهمك.» كان بالرغم من كل محاولات بولينيزيا يشعر بالتوتر.
قالت بولينيزيا: «أنا ملكة الجنيات. لقد سمعت أمنيتك.»
فسأل الأمير الذي سمع من قبل قصصًا عن ملكة الجنيات، لكن لم يحسب أنها حقيقية بالفعل: «أحقًّا؟»
أجابته بولينيزيا: «أجل، أستطيع أن أسمع أماني كل من بالأدغال، لكنني لسوء الحظ لا أملك الوقت لمساعدتهم جميعًا، فلا يسعني إلا اختيار المميزين والأماني المميزة.»
كان هذا نبأ مشوقًا، فسأل الأمير وقد اعتدل في جلسته: «وهل أنت هنا لتحققي لي أمنيتي؟»
أجابته بولينيزيا: «أنت تود أن تبدو كأبطال القصص الخيالية وتتصرف مثلهم. أليس كذلك؟»
صاح الأمير فرحًا: «أجل! أجل! أرجوك!» كان قبل وهلة يشعر بالحزن الشديد، أما الآن فسيصبح بطل إحدى القصص الخيالية!
تابعت بولينيزيا كلامها قائلة: «مع أنني ملكة الجنيات، فلن أستطيع مساعدتك وحدي.»
فسأل الأمير: «ما الذي ينبغي لي فعله؟»
فأجابته بولينيزيا: «عليك أن تلتقي بالدكتور دوليتل؛ أذكى رجل في العالم، وهو سيحقق لك أحلامك.»
– «الدكتور دوليتل؟ لكن كيف سأعثر عليه؟ لستُ إلا أميرًا شابًا، أحيا في بقعة نائية.»
قالت بولينيزيا: «لكنك أمير محظوظ. لقد تصادف أن الدكتور دوليتل هنا الآن! وهو يقبع في سجن والدك. إنه على دراية بكل أمور السحر والطب، وهو الشخص الوحيد الذي يمكنه مساعدتك.»
فقال الأمير: «لكن ماذا عساي أن أفعل؟»
قالت بولينيزيا: «يجب بالطبع أن تلتقي الطبيب، لكن سرًّا. انتظر مغرب الشمس، ثم تسلل إلى السجن وحدثه. سيعرف كيف يساعدك بالضبط. علي أن أغادر الآن، فيجب أن أعود إلى أرض الجنيات.»
قال الأمير: «أشكرك يا ملكة الجنيات!» ولوح بيديه وابتسم مع أنه لم يدر أين يوجه بصره.
ثم مال برأسه إلى الخلف، وابتسم، وجلس بهدوء تحت الشجرة ينتظر مغرب الشمس.