تنين الساحل البربري
كان كل شيء سيسير على ما يرام لو لم يكن الخنزير جاب جاب قد أصيب بالبرد.
كان الطبيب وحيواناته قد جذبوا مرساة سفينة القراصنة في هدوء تام، وأخذت السفينة تتحرك لتخرج من الخليج بهدوء. لكن قبل أن يبتعدوا، عطس جاب جاب بصوت مرتفع جدًّا حتى إن القراصنة على السفينة الأخرى سارعوا بالصعود من الطابق السفلي.
نظروا إلى سفينتهم، فوجدوها تبحر، فجذبوا مرساة السفينة التي يركبونها، وبدءوا في مطاردة الدكتور دوليتل. كانوا بحارة مهرة؛ استطاعوا في غضون دقائق أن يتجهوا بها نحو فُم الخليج، واعترضوا طريق الدكتور دوليتل الذي لم تعد أمامه وسيلة للعودة إلى عرض البحر.
لوح زعيم القراصنة بقبضته في وجه الدكتور دوليتل قائلًا: «هاه! وقعت في قبضتي. حسبتَ أنك تستطيع أن تسرق سفينتي. أليس كذلك؟ لستَ بالمهارة الكافية في الإبحار لتفر مني؛ لهذا أُدعى تنين الساحل البربري! ليس هناك من يضاهيني قوة.»
ثم نظر إلى جميع الحيوانات التي مع الدكتور دوليتل وقال: «أريد هذه البطة! وهذا الخنزير! سنتناول عشاءً طيبًا الليلة.» فضحك سائر القراصنة.
أخذ جاب جاب المسكين يبكي، وبدأت داب داب تفكر في خطة للفرار، ومالت البومة تو تو على أذن الدكتور دوليتل لتهمس له بشيء.
قالت تو تو: «دعه يواصل الكلام، وحاول أن تكون لطيفًا لئلا يغضب. إن كانت الجرذان محقة، فلن تلبث سفينتنا أن تغرق. الجرذان لا تخطئ أبدًا، لذا حاول أن تهدأ وتدعه يواصل حديثه إلى أن تغرق السفينة.»
همس الدكتور دوليتل له قائلًا: «لكن الجرذان قالت إن السفينة ستغرق بحلول صباح الغد، فهل تتوقع مني أن أدعه يواصل حديثه إلى ذلك الحين؟ حسنًا، أعتقد أننا لا نملك خيارًا آخر. أليس كذلك؟ أتساءل عما علي أن أتحدث …»
وعندما التفت الدكتور دوليتل خلفه لينظر إلى القراصنة، وجد السفينة التي يركبونها قد اقتربت أكثر، والقراصنة على متنها يضحكون. صاح أحدهم: «ترى من منا سيمسك بالخنزير!» وظلوا يضحكون بعض الوقت.
كان جاب جاب المسكين يشعر بالخوف، فتأهب البوشميبوليو للقتال؛ فمن شيمه الدفاع عن أصدقائه، مع أنه مخلوق خجول هادئ. أما جيب فوقف بين الخنزير والقراصنة فربما اضطر لحماية جاب جاب.
لكن بعدئذ توقف القراصنة عن الضحك، وبدت عليهم الجدية الشديدة. ثمة ما كان يزعجهم. تلفتوا حولهم في حيرة شاعرين بعدم الارتياح لخطب ما.
صاح تنين الساحل البربري: «فروا بسرعة! السفينة يتسرب إليها الماء يا رجال!»
نظر القراصنة حولهم بإمعان. كانت سفينتهم تغرق وتغوص في الماء أكثر فأكثر.
غاصت مقدمة السفينة أولًا إلى عمق شديد حتى إن مؤخرتها ارتفعت عاليًا، فاضطر القراصنة إلى التشبث بسورها، ثم اندفع ماء البحر بسرعة هادرة من جميع نوافذ وأبواب السفينة إلى أن غاصت آخر الأمر في قاع البحر تاركة القراصنة الستة يقفزون في الماء.
بعضهم أخذ يسبح نحو الشاطئ، والبعض الآخر حاول أن يصعد إلى السفينة مع الدكتور دوليتل. لكن جيب وقف يحرس سور السفينة بيقظة، وأخذ يعض وينبح كلما حاول أي منهم أن يصعد على متنها. وبدأ القراصنة يفزعون.
ثم لاحظ أحدهم شيئًا يسبح نحوهم في الماء، وصاح: «أسماك قرش! رجاء دعنا نصعد إلى متن السفينة، ستأكلنا أسماك القرش!»
فنظر الدكتور دوليتل إلى الماء بالقرب من القراصنة، ووجد أسماك القرش الكبيرة الرمادية تسبح في الماء، وكان لابد أن يقر بأن هذا موقف سيء للغاية حقًا.
وأخرجت إحدى أسماك القرش رأسها من الماء وقالت: «هل أنت الدكتور دوليتل؟»
فقال الدكتور دوليتل: «نعم. هل سمعت بي؟»
فأجابت سمكة القرش: «لا يوجد مخلوق على البر أو البحر لم يسمع بالدكتور دوليتل. هل يزعجك هؤلاء الرجال؟ نحن أيضًا نعلم كل شيء عن هؤلاء القراصنة. نستطيع أن نلتهمهم من أجلك إن شئت.»
قال الدكتور دوليتل: «لطيف منكم أن تعرضوا هذا، لكنني لا أرى هذا ضروريًّا، لكن قد نطلب منكم أن تسدونا معروفًا آخر. هلا أبقيتموهم جميعًا داخل الخليج إلى أن نغادر؟ إن عجزوا عن الوصول إلى السفينة أو الشاطئ فهذا سيساعدنا. ويمكنكم أن تطلقوا سراحهم عندما نغادر.»
قالت سمكة القرش: «سمعًا وطاعة يا حضرة الطبيب.» وطوقت أسماك القرش القراصنة في الماء.
كانت سفينة الدكتور دوليتل على وشك الإبحار، لولا أن الدكتور دوليتل رفع يده قائلًا: «مهلًا.» وعاد إلى سور السفينة ونادى على القراصنة.
ثم قال: «ثمة شيء آخر علي أن أقوله لكم: يجب أن تكفوا عن القرصنة من الآن!»
فقال زعيم القراصنة: «ماذا قلت؟! ولماذا علينا أن نكف عن القرصنة؟»
وضحك سائر القراصنة؛ إذ نووا أن يجدوا سفينة أخرى ما إن يغادر الدكتور دوليتل، ويعاودوا السرقة على الفور.
قال الدكتور دوليتل: «عليكم أن تكفوا عن القرصنة لأنني أمرت بهذا. بإمكانكم أن تروا أن أسماك القرش تنفذ أوامري، وجميع الحيوانات على البر والبحر أيضًا، فإن واصلتم السرقة وآذيتم الناس، فلن تكون أسماك القرش بهذا اللطف معكم، وستواجهون المشاكل مع الطيور، والجياد، والكلاب، والقرود.»
نظر زعيم القراصنة إلى أسماك القرش، وأدرك أن الدكتور دوليتل يقول الحقيقة. لن تتركهم الحيوانات وشأنهم قط.
فسأل: «لكن ماذا سنفعل؟ لا نعرف عملًا آخر.»
أجاب الدكتور دوليتل: «بإمكانكم أن تتعلموا الزراعة. هذا عمل طيب شريف؛ بإمكانكم أن تعينوا الناس بدلًا من السرقة منهم.»
كاد زعيم القراصنة يتذمر لولا أنه شعر بإحدى أسماك القرش تمسه برفق في قدمه.
فصاح: «حسنًا! حسنًا! سنكون مزارعين، نعد بهذا. هل لنا أن نسبح نحو الشاطئ الآن.»
قالت داب داب: «لكن … كيف تأمن لقراصنة يا حضرة الطبيب؟»
فأجاب الدكتور دوليتل: «إنهم يدركون أن الحيوانات ستراقبهم.»
قال القراصنة جميعًا: «نعد بهذا! سنكون مزارعين ونحيا حياةً هادئة.»
ثم سبح القراصنة — أو المزارعون الجدد — نحو الشاطئ، وأبحر الدكتور دوليتل وحيواناته مرة أخرى.