الوطن
فرح الصبي وعمه بلقاء أحدهما الآخر! وحمل العم ابن أخيه واحتضنه بقوة.
سأل الصبي عمه: «ما الذي حدث لك؟»
فأجاب العم: «عندما رفضت الانضمام إلى القراصنة تركوني وحدي على هذه الصخرة. لم يكن لدي إلا القليل من الطعام والماء، ومن حسن الحظ أنكم عثرتم علي في هذه اللحظة.»
أيده الدكتور دوليتل قائلًا: «أجل، جميعنا محظوظون. أظن أن علينا أن نعيدكما إلى بلدتكما، أنا واثق من أن الجميع هناك سيكونون قلقين عليكما.»
تبع الدكتور دوليتل إرشادات العم للعودة إلى البلدة التي بلغوها في غضون بضع ساعات، وهناك ركض أهل البلدة لاستقبالهم وهم يرسون عند الميناء. وما إن رأوا الصبي الصغير وعمه، حتى أخذوا يهللون.
تجمعوا حول الصبي، وأصغوا إليه وهو يروي ما حدث. وقال الصبي: «لولا جيب، لما عثرنا قط على عمي!»
وهرعت امرأة تشق طريقها بين الحشد وجذبت الصبي، وحملته محتضنة إياه بين ذراعيها وهي تصيح: «صغيري!»
فقال الصبي: «أمي»، واحتضن المرأة بقوة وأجهش بالبكاء.
سار عمدة البلدة إلى الدكتور دوليتل وسأله: «كيف أشكرك؟ كنا حتمًا سنفقدهما لولا مساعدتك.»
قال الدكتور دوليتل: «نحن نقدم المساعدة دائمًا متى استطعنا.»
فقال عمدة البلدة: «رجاء امكث معنا الليلة. سنقيم مأدبة وحفلًا راقصًا للاحتفال، وسيشرفنا هذا.»
وسار الجميع إلى البلدة حيث أعدت الموائد وسط ميدانها، ووضع أهل البلدة الزينة، وأضاءوا كل مصابيح الشوارع، وأحضروا جميعًا الطعام لاقتسامه مع الآخرين، فتوفر الكثير من الطعام، وجلسوا جميعًا وحظوا بوجبة رائعة.
ألقى عمدة البلدة بعد العشاء خطابًا شكر فيه الدكتور دوليتل وحيواناته مجددًا وقال: «الآن نود أن نهدي هذه الهدية إلى جيب. هدية مميزة إلى كلب مميز.»
وأخرج صندوقًا صغيرًا، ففتحه الدكتور دوليتل لجيب وقال: «رباه! كم هي هدية جميلة.» وحملها لجيب.
كانت الهدية قلادة من الذهب الخالص كُتب عليها: «إهداء إلى جيب: أبرع كلب في العالم.»
هز جيب ذيله قائلًا: «شكرًا.» وطلب من الدكتور دوليتل أن يترجم ما قال بلغة البشر أيضًا.
استمر الحفل وقتًا طويلًا من الليل، وغنى الجميع، ورقصوا، وضحكوا. كان هذا أفضل وقت قضاه الدكتور دوليتل منذ زمن طويل، ولم يشعر جيب بهذا الفخر من قبل.
تأهب الدكتور دوليتل صباح اليوم التالي للإبحار مجددًا.
فسأله عمدة البلدة: «ألا تود أن تمكث وقتًا أطول؟»
وقال الصبي: «أجل، لم لا تمكث حتى الشتاء؟»
رد الدكتور دوليتل: «آسف. علي أن أغادر. لقد طال غيابي عن وطني.»
وعاد هو وحيواناته سريعًا إلى سفينتهم، وأبحروا مجددًا، وتجمع كل أهل البلدة على الشاطئ ولوحوا لهم مودعين.
بلغ الطبيب والحيوانات إنجلترا في يوم مشرق مشمس، لكنهم لم يعودوا إلى بودلبي على الفور. أرسل الدكتور دوليتل أولًا السفينة إلى صديقه الصياد آملًا أن يسعد بسفينة القراصنة الجديدة.
كان البوشميبوليو بحلول هذا الوقت قد أحب الطبيب وجميع حيواناته، وعدّهم أسرته الجديدة. ولما كان يعي أن الدكتور دوليتل بحاجة إلى مال ليدير شئون منزله، أخبر الطبيب أنه يود مساعدته، وعرض عليه أن يعرضه على الناس مقابل نقود.
سأله الطبيب: «هل أنت متأكد من هذا؟ أعلم أنك خجول، ولا أريدك أن تشعر بعدم الارتياح.»
قال البوشميبوليو: «ستسرني مساعدتك، كما أنني لا أشعر بالخجل إلى هذا الحد بينكم. لا أشعر بالوحدة التي شعرت بها في الأدغال.»
«شاهدوا البوشميبوليو! خمسون سنتًا فقط!»
وأتى الناس من أميال بعيدة لمشاهدة هذا الكائن الغريب.
حقق الطبيب وحيواناته شهرة كبيرة، حتى إنهم اشتروا خيمة تتسع لمزيد من الناس كي يشاهدوا البوشميبوليو في نفس الوقت. لكن الدكتور دوليتل كان يسمح بالطبع للأطفال بالدخول ومشاهدة البوشميبوليو مجانًا عندما يعتقد أنه لا يوجد من يراه. وأغضب هذا داب داب، لكنها لم تحاول أن تمنعه. فكيف لها أن تمنعه إن كان هذا يشعره بالسعادة الشديدة؟
حظي عرضهم في نهاية الأمر بشعبية هائلة حتى إن رجال السيرك أتوا البلدة وأرادوا شراء البوشميبوليو، وعرضوا على الدكتور دوليتل مبلغًا طائلًا من المال مقابل شرائه. كان هذا مبلغًا كافيًا لأن يغني الطبيب عن القلق بشأن المال إلى الأبد، لكن الطبيب رفض.
قال: «آسف يا سادة؛ إنه صديق لي، ولا يسعني أن أبيع صديقًا. كما أنني وعدت بأن أعيده إلى موطنه إن شعر بالحنين إليه. كيف سأفعل هذا إن كان بالسيرك؟»
حاول رجال السيرك إقناع الطبيب بالعدول عن رأيه، وعرضوا عليه المزيد من المال، وأخبروه بأنهم سيسمحون له بزيارتهم متى أراد، لكن الطبيب ظل رافضًا بيع البوشميبوليو.
وعندما تبدل لون أوراق الأشجار، وتسللت البرودة إلى الجو، حان أوان العودة إلى بودلبي، فجمع الطبيب فرقته الصغير وعاد بها إلى بودلبي أون ذا مارش.
كان كل شيء على ما يرام في منزل الطبيب؛ إذ حافظ الحصان العجوز على سير أموره بلا مشاكل، فكان نظيفًا وظل فناؤه مرتبًا.
واضطلع الحصان نفسه بكل شيء بالطبع، وساعدته فئران الحقل والقنفذ متى سنح لهم هذا. وعرج أيضًا الصياد والجزار على منزل الطبيب وحرصا على أن يكون به ما يكفي من القش والماء النقي.
قال الحصان: «حتى أختك أتت لزيارتنا ونفضت الغبار عن الأثاث وكنست الأرض، وقدمت لنا الكثير من المساعدة.»
قال الدكتور دوليتل: «هذا لطف منها بالتأكيد.»
ولم يمض وقت طويل قبل أن يعود الجميع إلى وتيرة حياتهم السابقة؛ فعثرت تو تو على المكان المفضل لها من الحظيرة، وانزوى جاب جاب في ركن من فناء المنزل، وصنعت داب داب لنفسها عشًّا في شرفة المنزل، وذرع جيب فناء المنزل جيئة وذهابًا إلى أن وجد الشجرة المناسبة ليتمدد تحتها. كان يشعر بالفخر الشديد بطوقه الذهبي، حتى إنه كان يريه لكل من يمر به.
أما الدكتور دوليتل، فجاب أرجاء المنزل وتصفح كتبه وتفقد خزانات الأطباق لديه. الذهاب إلى أفريقيا كان مغامرة رائعة، لكنه مع ذلك كان شديد السعادة بالعودة إلى منزله.
وفي أفريقيا، كانت القردة على نفس الحال؛ فما إن قُضي على المرض الرهيب الذي أصابها، عادت إلى حياتها الطبيعية، وتأرجحت على الأشجار، ولعبت في الحقول، وأكلت الموز وأوراق الأشجار الخضراء.
وحكت ليلًا القصص بعضها لبعض. القصص نفسها التي قصها تشي تشي على الدكتور دوليتل وحيواناته عن السحالي العملاقة وحيوانات الماموث ذات الشعر الصوفي، وقصة الدكتور دوليتل العظيم الذي أتى لزيارة القردة وهي مريضة. وكان الجميع يفضلون قصة الدكتور دوليتل.
سأل قرد صغير: «ترى ما الذي يفعله الدكتور دوليتل الآن؟»
وسأل آخر: «هل تظنون أنه سيأتي لزيارتنا مجددًا قريبًا.»
قالت بولينيزيا التي كانت تمكث مع القردة: «بالطبع سيأتي، أنا واثقة من هذا. وما الذي سيمنعه من القدوم للزيارة؟ حقًّا، أحيانًا تكون القردة في غاية السخف.»
وصاح التمساح من مكانه بالقرب من النهر: «أنا واثق من أنه سيأتي! اخلدوا إلى النوم الآن!»
شعرت الحيوانات في أفريقيا بالقرب من الطبيب، مع أنها كانت على بعد آلاف الأميال منه. كانت تدرك أنه سيأتيها دائمًا إن احتاجت إليه، فخلدت جميعها إلى النوم ونامت تحلم بصديقها العزيز؛ الدكتور دوليتل في بودلبي أون ذا مارش.