لغة الحيوانات
عرج الجزار ذات يوم على الدكتور دوليتل لزيارته، فلاحظ أن معطفه به الكثير من الرقع. كان الجزار يدرك أنه زبون الدكتور الوحيد، ويدرك أن الطبيب وأخته حتمًا يعانيان فقرًا شديدًا ولا يتحصلان إلا على دخل ضئيل للغاية. ولما تأمل المطبخ ولاحظ كل هذه الحيوانات التي بدت عليها السعادة والصحة الجيدة، واتته فكرة!
صاح: «لدي فكرة! لِم لا تتوقف عن علاج الناس وتصبح طبيبًا بيطريًّا؟»
كانت بولينيزيا الببغاء تجلس على عتبة النافذة وهي ما تزال تنشد أغنية لنفسها، فلما سمعت الجزار يقول هذا توقفت عن غنائها لتصغي إليه.
تابع الجزار كلامه قائلًا: «هذا منطقي تمامًا. أنت تعرف كل شيء عن الحيوانات، وأنا موقن من أن ما تعلمه عنها يفوق بكثير ما يعلمه أغلب الأطباء البيطريين. لقد لاحظت أنك تنسجم معها أكثر مما تنسجم مع البشر. لا أقصد بالطبع أنك لا تنسجم مع البشر؛ كل ما أعنيه هو أنك تبدو أكثر ارتياحًا مع الحيوانات، والحيوانات تبدو أكثر ارتياحًا معك. انظر إلى مطبخك! الحيوانات السعيدة تملؤه!»
كان هذا صحيحًا؛ فالكلب جيب، والخنزير جاب جاب طويا جسديهما وهما يجلسان معًا في ركن، وجلست داب داب البطة على المنضدة تنظف ريشها، أما القنفذ فكان يغفو تحت المنضدة، فيما تلعب الفئران في صندوق بجانب الباب، أما الببغاء بولينيزيا فكما تعرفون جلست على عتبة النافذة تنصت لكل كلمة.
قال الدكتور دوليتل: «لا أدري، لم أفكر في هذا من قبل. تبدو هذه الفكرة شديدة الغرابة.»
فصاح الجزار: «غريبة؟ لكنها منطقية تمامًا. ثمة الكثير من المزارعين المجاورين يملكون أبقارًا وأغنامًا قد تنتفع من مساعدتك، علاوة على كل قطط وكلاب البلدة. والحيوانات تمرض كثيرًا شأنها شأن البشر. ثق بكلامي. عليك أن تصبح طبيبًا بيطريًّا!»
بعد أن غادر الجزار طارت بولينيزيا من النقطة التي جلست عندها وجلست إلى جانب الدكتور دوليتل وقالت: «كلام هذا الرجل منطقي إلى حد بعيد. عليك أن تصبح طبيبًا بيطريًّا. هؤلاء القوم كانوا حمقى لأنهم كفوا عن القدوم إلى هنا. أنت أفضل طبيب بالعالم، والحيوانات بحاجة إليك.»
قال الدكتور دوليتل: «ثمة الكثير من الأطباء البيطريين في الجوار.» ثم هز رأسه نفيًا، وضحك ضحكة خافتة قصيرة ثم نهض من على المائدة وأخذ يزيل أطباق الطعام من عليها.
قالت بولينيزيا: «نعم، ثمة الكثير من الأطباء البيطريين في الجوار، لكنك ستكون الأفضل. أنا واثقة من هذا. لن يستطيع أي طبيب بيطري آخر أن يباريك.»
ثم طارت إلى عتبة النافذة حيث أخذ الدكتور دوليتل يصلح بعض آنية الزهور، وقالت له: «سأخبرك بأمر شديد الأهمية، لذا أود أن تصغي إلي بعناية.»
ترك الدكتور دوليتل أصيص الزهر والتفت ينظر إلى بولينيزيا.
فسألته: «هل تعلم أن الحيوانات تستطيع أن تتكلم؟»
فأجاب مبتسمًا: «أعلم أن الببغاوات تتكلم بالطبع.»
فقالت بولينيزيا في زهو: «أجل، نحن الببغاوات نتحدث لغتين؛ لغة البشر ولغة الطيور. على سبيل المثال، إن قلت: «بولي تريد رقاقة بسكويت»، فستفهمني. الآن أصغ إلى هذا: كا-كا أو-إي إي في-في.»
فصاح الطبيب: «عجبًا! ما الذي يعنيه هذا بحق السماء؟»
فقالت بولينيزيا: «يعني هذا في لغة الطيور: هل الشاي جاهز؟» وأومأت برأسها عدة مرات وقفزت على عتبة النافذة. كان إطلاع الدكتور دوليتل على هذه المعلومة شيقًا، حتى إنها تساءلت لِم لَم تفكر في هذا من قبل.
فقال الطبيب متعجبًا: «حقًّا؟! هذا شيق! لم أسمعك من قبل تتحدثين بهذه اللغة.»
فسألته: «ولِم أتحدث هكذا؟ لم تكن لتفهمني. حقيقة ليس هناك جدوى من الحديث هكذا أمام البشر، لهذا لا نفصح عادة عن ذلك.»
فقال الطبيب وقد تحمس للأمر: «حدثيني أكثر عن هذا. لا، مهلًا!» وأخرج مفكرته وقلمه الرصاص من جيبه وقال: «لا تسرعي الآن. سأكتب كل شيء.»
وجلس على المنضدة، وقال: «لنبدأ من البداية. أطلعيني على أبجدية الطيور.» ومن هنا بدأ الدرس.
من هنا تعلم الدكتور دوليتل أن للحيوانات لغتها الخاصة وأنها تستطيع أن تتحدث فيما بينها، فجلس طوال عصر هذا اليوم في المطبخ مع بولينيزيا يتعلم كلمات لغة الطير، وكتب كل كلمة بعناية في مفكرته وتهجاها كما بدت له ليتذكرها فيما بعد.
وبعد بضع ساعات استيقظ الكلب جيب، وسار إلى بولينيزيا والطبيب، فقالت بولينيزيا: «أرأيت؟ إنه يحدثك.»
فقال الدكتور دوليتل: «لم أسمع شيئًا. لاحظت فقط أنه يحك أذنه.»
فقالت بولينيزيا: «الحيوانات لا تتحدث على الدوام بالأصوات. نحن نتحدث بآذاننا، وأقدامنا، وذيولنا، ونستخدم كل جزء من أجسامنا للتحدث؛ إذ لا نحب أحيانًا أن نحدث ضجيجًا. أترى كيف يجعل أحد جانبي منخاره يرتجف؟»
فقال الدكتور دوليتل: «أجل، أجل. أرى هذا. ما الذي يعنيه ذلك؟»
فأجابت بولينيزيا: «إنه يسألك إن كنت قد لاحظت أن المطر توقف، فالكلاب تستخدم أنفها على الدوام تقريبًا في سؤال الأسئلة.» فدون الدكتور دوليتل بسرعة هذه المعلومة أيضًا في مفكرته.
لم يمض وقت طويل إلا واستطاع الدكتور دوليتل فهم لغة الحيوانات ومخاطبتها بنفسه، لكنه ظل أحيانًا بحاجة إلى مساعدة بولينيزيا، لكن مع ثقته من أنه سيصبح عما قريب قادرًا على مخاطبتها بنفسه. ومن هنا قرر آخر الأمر أن يعمل بنصيحة الجزار، وتوقف عن العمل طبيبًا بشريًّا وبدأ في معالجة الحيوانات بدلًا.