النجاح أخيرًا!
ساعد الجزار في نشر الخبر، ولم يمض وقت طويل إلا وعلم الجميع أن الدكتور دوليتل أصبح الآن يعالج الحيوانات، فجلبت السيدات المسنات كلاب البودل الخاصة بها التي أكلت الكثير من الكعك، وسافر المزارعون أميالًا عديدة ليجلبوا له أبقارهم وأغنامهم المريضة، وجلب الأطفال قططهم التي تعاني من الزكام. وصار لدى الدكتور دوليتل الكثير من الزبائن وأصبح شديد السعادة.
ذات يوم أُتي بحصان حرث إلى الطبيب. كان الحصان المسكين سعيدًا بالعثور على رجل يستطيع الحديث إليه، فقد عانى عناء شديدًا لأنه لا يُفهم.
قال الحصان: «أتعلم أيها الطبيب، الطبيب البيطري الذي أُخذت إليه أولًا كان جاهلًا إلى أقصى حد. ظل طوال الأسابيع الستة الماضية يعطيني دواءً للصداع، لكن ما أحتاج إليه حقيقة هو نظارة! فإحدى عيني تفقد البصر.»
نظر الطبيب بإمعان في عين الحصان اليسرى، فوجدها غائمة بالفعل، فقال للحصان: «أستطيع أن أصنع لك نظارة في الحال.»
فقال الحصان: «أريد نظارة كنظارتك، إلا أنني أريد أن يكون زجاج نظارتي أخضر اللون، فهذا سيساعد على حجب ضوء الشمس عني وأنا أعمل في الحقل.»
فرد عليه الدكتور دوليتل قائلًا: «بالطبع! سيكون لك هذا!»
وقاد حصان الحرث إلى باب مكتبه، وقال: «سأكون قد فرغت من تجهيزها لك الأسبوع القادم.»
فقال الحصان وهو يسير خارجًا من باب مكتب الطبيب: «مشكلة أغلب الأطباء البيطريين هي أنهم يحسبون أن كل ما يفعلونه صائب لأن الحيوانات لا تشكو.»
ثم تابع كلامه قائلًا: «أنا بصورة عامة مخلوق هادئ جدًّا، وأتحلى بالصبر مع البشر عادة. كل ما في الأمر هو أنني أعاني عناءً شديدًا عندما لا يكترثون بي إلى حد واضح. أخشى أنني في بعض الأحيان أفقد السيطرة على أعصابي.»
فقال له الطبيب الطيب دوليتل: «علينا جميعًا أن نحاول التحلي بالصبر، وعليك أن تحاول أن تتذكر أن أغلب البشر لا يقصدون أذى.»
بعدئذ ربت على ظهر الحصان، وتركه يمضي إلى حال سبيله. ولما عاد الحصان بعد أسبوع أعطاه الطبيب نظارة خضراء كبيرة.
وكما هو متوقع، دهش الناس من رؤية حصان يرتدي نظارة؛ فكانوا يتوقفون ويحدقون به كلما عمل بالحقل، إلا أنهم لم يندهشوا عندما علموا أن النظارة أتت من الدكتور دوليتل، فقد صاروا يتوقعون منه أمورًا من هذا القبيل. ولم يمض وقت طويل قبل أن يصبح ارتداء الأحصنة للنظارات مشهدًا معتادًا، بعدئذ ظهرت كلاب تضع جبائر للعظام، وقطة تسير متكئة على عكاز، وبقرة ترتدي دعامة عنق، وماعز ترتدي عدسة واحدة.
شعرت كل هذه الحيوانات بالرضا الشديد عن عمل الدكتور دوليتل حتى إنها حدثت عنه حيوانات أخرى، وسرى حديثها عنه من بلدة إلى أخرى، وتحمست الحيوانات في كل مكان لوجود طبيب بيطري يستطيع أن يفهم لغتها؛ يصغي إليها ويساعدها في أي مشكلة تواجهها.
سمعت الحيوانات البرية أيضًا عن الدكتور دوليتل، فأتى الكثير منها من الغابات لرؤيته؛ احتشدت في فناء منزله الغرار والخفافيش والسناجب والذئاب والبوم والثعالب، وفي نهاية الأمر أصبح عدد الحيوانات كبيرًا جدًّا حتى إن الدكتور دوليتل اضطر إلى تنظيم صفوفها.
صنع لافتات ليعلقها على أبواب منزله مخصصة لأنواع الحيوانات المختلفة، فكتب على لافتة الباب الأمامي: «الجياد»، وعلى لافتة الباب الجانبي: «الأبقار»، وعلى لافتة باب المطبخ: «الأغنام»، وحتى الفئران كان لها مدخل صغير خاص بها بجانب قبو المنزل، مما سهل الأمور على الطبيب. حينها سنح له فحص الحيوانات وهي تصطف بصبر عند الباب المخصص لها.
سارت حياة الدكتور دوليتل على هذا المنوال عدة سنوات؛ أتت الحيوانات من المناطق المجاورة من على بعد أميال إلى بلدة بودلبي أون ذا مارش للقائه، وبذا أصبح شهيرًا بين حيوانات العالم أجمع، وعاش سعيدًا، وأحب حياته كثيرًا.
جلست بولينيزيا يومًا كعادتها على عتبة النافذة، تتطلع إلى الخارج، وفجأة أخذت تضحك.
فسأل الدكتور دوليتل الذي كان يقرأ جريدة الصباح وأدهشه ضحكها: «ما المضحك إلى هذا الحد؟»
فأجابته: «خطر لي توًّا أن البشر مضحكون جدًّا؛ إنهم يمضون وقتًا طويلًا للغاية مع الحيوانات، لكن كل ما تعلموه هو أن هز الكلب لذيله يعني أنه سعيد.»
فسألها الطبيب: «وهذا أضحكك؟»
فأجابته: «أعتقد أنه من المضحك أنك أول من حاول فهمنا. أخيرًا بعد كل هذه السنوات حاول أحد الأشخاص فهمنا.» وهزت رأسها ضاحكة.
فقال الدكتور دوليتل: «حسنًا. أظن أن هذا غريب.»
استطردت بولينيزيا قائلة: «جمعتني فيما مضى معرفة ببغاء من نوع مكاو يمكنها أن تقول «صباح الخير» بسبع لغات بشرية مختلفة. علمها أستاذ مسن هذا، لكن صديقتي شعرت بالإحباط، فقد أخبرتني أن الأستاذ المسن لم يستطع تحدث اللغة اليونانية جيدًا، وقد أرادت أن تصوب له أخطاءه لكنها خشيت أن يعد هذا تصرفًا فجًّا.»
ثم بدا على بولينيزيا فجأة الجدية، والتفتت إلى الدكتور دوليتل وقالت: «ثمة الكثير من الأشياء التي لا يستطيع البشر القيام بها؛ فهم لا يستطيعون الطيران أو البقاء تحت الماء وقتًا طويلًا، أو الركض بسرعة عربة أو قطار، لكنهم مع ذلك لا يزالون يحسبون أنهم أفضل من كل ما حولهم. لماذا؟»
فقال الطبيب بحزن: «آسف. لا أعرف الجواب لهذا. لقد تساءلت كثيرًا عن هذا الأمر نفسه.»