المزيد من المشكلات المالية
لم تقتصر الفرحة بعمل الدكتور دوليتل الجديد عليه وعلى الحيوانات؛ فقد سعدت سارة أيضًا به، إذ أتاها هي والدكتور دوليتل دخلًا أخيرًا، حتى إنها اشترت فستانًا جديدًا لارتدائه يوم الأحد، لكن الحيوانات ظلت تزعجها، فقد كان من المستحيل الإبقاء على المنزل نظيفًا.
بعض الحيوانات المريضة كان المرض قد اشتد عليها حتى إنها اضطرت إلى المكوث في المنزل أسبوعًا؛ كانت تجلس على الكراسي الموجودة بالمرج أو تسترخي في الحديقة، وأحيانًا عندما تشعر بأنها صارت أفضل حالًا، ترفض المغادرة؛ إذ أحبت المكوث لدى الدكتور دوليتل كثيرًا. ولم يسع الطبيب قط أن يرفض بقاءها، من ثم تزايد عدد الحيوانات الأليفة في منزله أكثر فأكثر.
رأى الطبيب يومًا أثناء سيره في البلدة عازفًا متجولًا لأرغن صغير يصطحب قردًا مقيدًا بحبل، فلاحظ على الفور أن الطوق الذي يقيد القرد شديد الإحكام، وانتبه إلى أن القرد الصغير كان تعيسًا، فأعطى العازف دولارًا وأخذ منه القرد. غضب العازف في البداية، إذ لم يرد أن يتخلى عن القرد، لكن عندما قال الدكتور دوليتل إنه سيتصل بالشرطة ويبلغها بقسوته، أدرك الرجل أنه خسر النقاش وأخذ الدولار ورحل.
انتقل القرد للعيش مع الدكتور دوليتل وجميع حيواناته الأليفة، وأسمته الحيوانات الأخرى «تشي تشي» وهو اسم يعني في لغة القرود «زنجبيل».
وفي يوم آخر زار طاقم سيرك البلدة. عانى تمساح يسافر مع الطاقم من ألم في أسنانه، ففر في منتصف الليل وأتى الدكتور دوليتل. استطاع الطبيب بالطبع أن يحدثه بلغة التماسيح، وصحبه إلى بيته، وعالج السن التي تؤلمه، وكما هو متوقع، لم يرد التمساح أن يغادر، وطلب من الطبيب أن يسمح له بالعيش في البحيرة الصغيرة التي تقع في آخر حديقته، ووعد بألا يلتهم الأسماك التي تعيش فيها. وبالطبع لم يستطع الطبيب الرفض. وأوفى التمساح بعهده ولزم الهدوء دائمًا وعامل كل من بالمنزل بلطف. ولما أتى رجال طاقم السيرك لاستعادته، وجدوه سعيدًا وهادئًا حتى إنهم اتفقوا في الرأي مع الدكتور دوليتل أنه سيكون أكثر سعادة بكثير إن أقام هناك، فتركوه معه.
لكن سارة أخت الطبيب لم تسعد بهذا. أخافها التمساح خوفًا شديدًا، وخشيت أن يبث الخوف في نفوس الآخرين أيضًا. وقد كانت مع الأسف محقة؛ إذ توقفت السيدات المسنات عن جلب كلاب البودل اللائي يعشقنها خشية أن يلتهمها التمساح، وتوقف المزارعون عن جلب أغنامهم للسبب نفسه.
حاول الدكتور دوليتل أن يحدث التمساح عن الأمر، وأوضح له أنه يخسر زبائنه لخوفهم منه، ثم أضاف إنه سيضطر إلى العودة إلى السيرك، فبكى التمساح بشدة وتوسل إلى الطبيب أن يسمح له بالبقاء معه، ووافق الطبيب بالطبع، إذ لم يحتمل رؤية حيوان يشعر بالتعاسة.
هنا قالت أخته سارة: «فاض بي الكيل. كادت أحوالنا تتحسن من جديد! لن يمضي وقت طويل قبل أن نعود إلى حياة الضنك من جديد. يجب أن يرحل هذا القاطور.»
فرد عليها الدكتور دوليتل بهدوء قائلًا: «إنه ليس قاطورًا، بل تمساح.»
– «لا آبه ما هو. العثور على شيء كهذا تحت الفراش مريع.»
– «لقد وعد بألا يؤذي أي حيوان، وأنا أثق به تمامًا.»
صاحت سارة قائلة: «تثق به؟! هل جننت؟ لقد توقف الزبائن عن المجيء بسبب هذا المخلوق. لقد نلت كفايتي. إما أن يرحل أو أنا أرحل.»
وكان ما كان؛ حزمت سارة أخت الدكتور دوليتل متاعها ورحلت عن المنزل وانتقلت إلى الشارع المجاور حيث عملت مدبرة منزل، وفي نهاية الأمر تزوجت من رجل جم اللطف وعاشا معًا حياة سعيدة هادئة. وكما لك أن تتوقع، كان منزلها على الدوام نظيفًا ومرتبًا.
كان الدكتور دوليتل يشعر بسعادة بالغة مع حيواناته، لكنه مع ذلك واجه وقتًا عصيبًا؛ فأخته كانت محقة؛ تخوف الناس من التمساح، ومن هنا خسر هو أكثر زبائنه، ومن جديد، لم يعد معه إلا القليل من المال، ولما لم تعد أخته معه، لم يجد شخصًا آخر يساعده في شئون المنزل. ولم يكن قادرًا على توظيف من يساعده، لذا بذلت الحيوانات كل ما بوسعها لمساعدته.
تولى القرد تشي تشي كل أمور الطهي والحياكة، وساعدت البومة تو تو في تولي شئون المنزل المالية؛ إذ أجادت الحساب، أما البطة داب داب فأزالت الغبار عن الأسِرة ورتبتها، فيما ساعد الخنزير جاب جاب في البستنة، أما بولينيزيا فكانت مدبرة المنزل، مما عنى أنها كانت المسئولة عن كل شيء، وقد حرصت على أداء كل المهام المنزلية على الوجه الصحيح.
احتاجت الحيوانات إلى بعض الوقت لتتعلم تأدية مهامها. على سبيل المثال: كانت مشاهدة جيب الكلب وهو يكنس الأرض بذيله ممتعة جدًّا! إلا أن الحيوانات كافة كانت عازمة على العمل، فحاولت وحاولت إلى أن استطاعت إتقان مهامها. كان هذا أقل ما يمكن القيام به من أجل الطبيب الذي منحها الكثير.
غير أن المشاكل المالية ظلت قائمة. احتاج الطبيب إلى إطعام الكثير من الحيوانات، ولم يرد إليه المال إلا من القليل من الزبائن، لذا أنشأت الحيوانات كشكًا صغيرًا على جانب الطريق وباعت خضروات الحديقة. كان الدكتور دوليتل يهز كتفيه بلا مبالاة عندما تتخوف بولينيزيا من عدم كفاية المال لشراء الأسماك للعشاء.
كان يقول لها: «لا تقلقي كل هذا القلق. إنك تبدين كأختي. ما دام الدجاج يضع البيض، والأبقار تدر اللبن فسنكون على ما يرام. بإمكاننا دومًا أن نطهو بيض الدجاج على العشاء، كما أن الشتاء لا يزال بعيدًا. سيتاح لنا وقت لجني المزيد من المال.»
لكن الشتاء جاء قبل أوانه بكثير هذا العام، ولم تعد هناك خضروات بالحديقة. كانت لديهم مدفأة كبيرة لطيفة يجلسون حولها، لكن الحيوانات كانت جائعة، وتخوفت من أن يكون الشتاء طويلًا وباردًا.