رسالة من أفريقيا
كان ذاك الشتاء باردًا بالفعل. اجتمعت الحيوانات في إحدى ليالي ديسمبر/كانون الأول حول نار المدفأة، وقرأ لها الدكتور دوليتل قصصًا ترجمها إلى لغة الحيوانات لتستمتع هي أيضًا بها، لكن فجأة طارت البومة تو تو هابطة من عوارض سقف المنزل الخشبية.
قالت: «صه! ما هذا الضجيج بالخارج؟»
فأنصت الجميع. كانت تو تو محقة: فقد تنامى صوت ضوضاء غريبة من خارج المنزل. كان هذا صوت شيء يركض، ثم انفتح باب المنزل فجأة ودخل تشي تشي راكضًا وهو يلهث.
صاح قائلًا: «حضرة الطبيب. بلغتني للتو رسالة من ابن عمي في أفريقيا. لقد أصاب القرود هناك مرض مريع. جميعهم سمعوا بك، وهم يتوسلون إليك أن تأتي لمساعدتهم.»
فسأل الطبيب: «من جاء بهذا الخبر؟» إذ دهش من وصول رسالة من مكان بعيد جدًّا كهذا.
فأجابه تشي تشي: «أتت به عصفورة من عصافير الجنة. إنها ما تزال بالخارج بالقرب من سور الحديقة.»
فصاح الدكتور دوليتل: «أدخلها. الجو بالخارج شديد البرودة على عصفورة صغيرة، لا سيمًا أنها من أفريقيا، بإمكانها أن تتدفأ بالقرب من المدفأة.»
دخلت عصفورة الجنة. كانت تشعر بالبرد والتوتر في البداية، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن تشعر بالدفء بالقرب من المدفأة، وأخبرت الجميع بشأن المرض الذي أصاب القردة في أفريقيا. كان مرضًا خطيرًا، لذا احتاجت القردة إلى الدكتور دوليتل على الفور.
من ثم قال الدكتور دوليتل: «بالطبع، بالطبع. سأغادر في أقرب وقت ممكن، غير أنني أخشى أننا لا نملك مالًا كافيًا لشراء تذاكر السفر. تشي تشي! هلا أعطيتني الحصالة؟»
تسلق القرد تشي تشي أرفف المكتبة وأخذ الحصالة من الرف العلوي لها، لكنها لم تحو أي مال؛ لم تحو بنسًا واحدًا!
فصاح الطبيب: «ليس بها أي مال! أنا متأكد من أنه تبقى لدينا على الأقل القليل منه.»
فسألت تو تو: «ألا تذكر أننا اضطررنا إلى شراء طوق جديد لجيب؟»
فأجاب الدكتور دوليتل: «آه، نسيت هذا. أعتقد أنني سأضطر إلى الذهاب إلى الشاطئ لأستعير قاربًا. آمل أن أجد صيادًا باللطف الكافي لإعارتي واحدًا.»
من ثم اتجه الدكتور دوليتل صباح اليوم التالي إلى الشاطئ وعثر على صياد اتفق معه على إعارته قاربًا ليقله إلى أفريقيا. كان الصياد يعلم أن الدكتور دوليتل لن يستطيع دفع المال له.
قال له: «لا بأس أيها الطبيب. لقد ساعدت ابني قبل وقت طويل، وأعلم أنك تعنى بكل هذه الحيوانات، ويسرني أن تتاح لي أخيرًا فرصة لمساعدتك.»
وعد الدكتور دوليتل بأن يعيد القارب في أقرب وقت ممكن، ثم عاد مسرعًا إلى منزله ليطلع الحيوانات على هذا النبأ السار.
فرحت الحيوانات فرحًا شديدًا، وتحمس التمساح، وتشي تشي، وبولينيزيا للعودة إلى أفريقيا؛ فهم في المقام الأول قد ولدوا فيها، ولم يعودوا إليها منذ سنوات عديدة.
قال الدكتور دوليتل مخاطبًا التمساح وتشي تشي وبولينيزيا: «لن أستطيع أن أصطحب معي إلا ثلاثتكم، وجيب، وداب داب، وجاب جاب بالطبع. سيضطر الآخرون إلى البقاء هنا. أفريقيا لن تكون مكانًا جيدًا للكثير منهم.»
ومن حسن الحظ أن بولينيزيا سافرت في الكثير من الرحلات البحرية، وأخبرت الطبيب بكل ما سيحتاجه في الرحلة.
قالت بولينيزيا: «سيتعين علينا أن نجلب معنا أنواعًا خاصة من الطعام. ثمة خبز يدعى بسكويت البحر، يدوم وقتًا طويلًا. وسنحتاج أيضًا إلى إحضار علب فول وخضروات محفوظة، ففي الرحلات الطويلة ثمة احتمال دائمًا لأن يفسد الطعام.»
قال الطبيب: «أجل، أجل، بالطبع.» ودون كل ما أخبرته به بولينيزيا في مفكرته الصغيرة، ثم أردف قائلًا: «أظن أن القارب ستكون معه مرساته الخاصة.»
فقالت بولينيزيا: «أجل. ستكون معه مرساة خاصة به، لكن علينا أن نحرص على أن يكون معنا الكثير من الحبال، فهي مفيدة جدًّا في الرحلات البحرية الطويلة.»
لكن ظلت مشكلة المال قائمة. كيف سيشترون كل ما سيحتاجون إليه في رحلتهم إن كانت حصالة النقود خاوية؟
لك أن تتخيل دهشة الدكتور دوليتل عندما جاء الجزار إلى منزله بكل المؤن التي يحتاجها!
قال الجزار: «كنت أعلم أنك ستحتاج إلى تلك الأغراض من أجل رحلتك. أرجوك لا تشغل بالك بشأن سداد ثمن هذه الأشياء الآن. تحادثنا أنا والبقال في الأمر. أنت تؤدي عملًا مهمًّا. سنتناول أمر النقود عندما تعود من أفريقيا.»
صافح الدكتور دوليتل يد صديقه الجزار قائلًا: «عجبًا. أنت شديد الإحسان إلينا. كيف يسعني شكرك؟»
فقال الجزار: «لا داعي لهذا. تسرني مساعدتك.»
سارع الطبيب والحيوانات بحزم جميع أغراضهم، وأغلقوا مصدر المياه حتى لا تتجمد في الأنابيب أثناء غيابهم، ووضعوا مصاريع على النوافذ وأعطوا مفتاح الإسطبل للحصان. وما إن تيقنوا من أن هناك ما يكفي من الطعام والتبن لجميع الحيوانات التي ظلت في المنزل حتى اتجهوا إلى الشاطئ.
كان الجزار والصياد والبقال هناك لوداعهم وساعدوا الدكتور دوليتل والحيوانات في حمل مؤنهم إلى القارب.
لكن قبل أن يبحروا انتبه الدكتور دوليتل إلى أنه لا يعرف الطريق إلى أفريقيا، فطلب من الصياد أن يرسم له خريطة.
قالت عصفورة الجنة: «لا تقلق أيها الطبيب. أنا أعرف الطريق! بإمكانك أن تتبعني طوال الطريق إلى أفريقيا.»
ودع الدكتور دوليتل أصدقاءه اللطفاء ورفعوا مرساة القارب ونشروا الشراع وبدأت رحلتهم!