زعيم السباع
أول مهمة باشرها الدكتور دوليتل هي فصل القردة المريضة عن القردة غير المريضة، ثم طلب من تشي تشي وابن عمه أن يبنيا كوخًا من القش، وجلب إليه كل القردة غير المصابة بالمرض وحقنها في ذراعها بإبرة حقن تمتلئ بالأدوية. تخوفت القردة في البداية من إبرة الحقن، لكنها بعدئذ أدركت أنها ستمنعها من الإصابة بالمرض الذي يصيب القرود، فأتت من كل التلال والوديان المحيطة بأرض القردة، واستغرق تطعيم كل القردة ثلاثة أيام كاملة.
بنى تشي تشي وابن عمه أيضًا بيتًا آخر، حوى الكثير من الأسِرة، أودع فيه الطبيب القِردة المريضة.
لكن عدد القِردة المريضة كان كبيرًا، ولم يكن هناك عدد كاف من القردة غير المصابة للعناية بهم، فأرسل الدكتور دوليتل في الأدغال داعيًا الحيوانات الأخرى أن تأتي للمساعدة، فأتت الفهود والظباء والزرافات لذلك.
لكن الحال اختلفت مع السباع، فزعيمها كان شديد الأنفة، أتى إلى كوخ القِردة المريضة ليحادث الطبيب.
فسأله: «هل تتوقع مني حقًّا أن أساعد القردة. أنا ملك السباع، وملك جميع الضواري! ليس لدي وقت أضيعه مع قِردة مريضة!»
كان صوته مخيفًا، فحاول الدكتور دوليتل قدر استطاعته ألا يبدو عليه الخوف وقال له: «أصغ إلي. قد يأتي يوم تمرض فيه السباع، إن لم تساعد القردة الآن فقد لا تجد السباع من يساعدها عندما تحتاج إلى المساعدة.»
فصاح زعيم السباع قائلًا: «السباع لا تواجه المشاكل قط، إنها تصنعها فقط.» وسار عائدًا إلى الغابة حاسبًا نفسه شديد الذكاء والدهاء.
وعندما سمعت الفهود بأمر السباع، غادرت هي أيضًا. ثم قالت الظباء إنها لا تعلم شيئًا عن العناية بالقرود، إذ منعها خجلها الشديد من الحديث كالأسد، ونبشت الأرض بحوافرها ولم تنظر حتى إلى الدكتور دوليتل في عينيه وهي تخبره بهذا.
شعر الدكتور دوليتل بقلق بالغ. كيف سيعنى بجميع القِردة المريضة دون مساعدة الحيوانات الأخرى؟
لما عاد زعيم السباع إلى عرينه، هرعت زوجته لمقابلته إذ كانت في شدة الانزعاج.
قالت: «أحد الأشبال يرفض تناول الطعام. لا أدري ما الذي يجب علي فعله! لم يأكل شيئًا منذ مساء البارحة.» ثم أخذت في البكاء.
دخل زعيم السباع عرينه ليتفقد حال صغيره، فركض أحد صغاره للقائه بفرح ولهفة كعادته. أما الشبل الآخر، فلم يبد أنه بحال جيدة، بل تمدد في فراشه ولم يبتسم إلا ابتسامة واهنة لأبيه، فطبع زعيم السباع قبلة على جبين كل من شبليه.
أخبر زعيم السباع زوجته التي انتظرته خارج العرين عن لقائه بالدكتور دوليتل قائلًا: «لقد أراد منا أن نعنى بالقِردة المريضة. بالقِردة! فقلت له إن السباع لا يمكن أبدًا أن تفعل شيئًا كهذا.»
فقالت زوجته: «ماذا قلت؟!» ثم أردفت غاضبة: «لم قلت هذا؟!»
صُدم زعيم السباع من ردة فعل زوجته، فجلس بهدوء يصغي إليها.
فتابعت الزوجة كلامها قائلة: «كل الحيوانات تتحدث عن هذا الرجل الرائع، وتقول إن بإمكانه شفاء جميع الأمراض، وهو جم اللطف. إنه البشري الوحيد في العالم كله الذي يستطيع أن يتحدث لغة الحيوانات، وها أنت تسيء إليه في الوقت الذي مرض فيه أحد صغارنا!»
فتلعثم زعيم السباع قائلًا: «لكن … لكن … يا عزيزتي.»
فصاحت فيه قائلة: «عد إلى الطبيب الآن! واعتذر إليه، واصحب معك جميع السباع وسائر الحيوانات كلها، وافعل كل ما يطلبه الطبيب منك. إن حالفنا الحظ، فسيأتي لاحقًا لتفقد حال صغيرنا المريض.»
فعاد السبع إلى الدكتور دوليتل، وقال: «صادف أنني مارٌّ بهذا الطريق، لقد ارتأيت أن أزورك زيارة سريعة. هل وجدت من يساعدك؟»
فقال الدكتور دوليتل: «لا. لم أجد، وأشعر بقلق بالغ.»
فقال السبع: «هذا مؤسف جدًّا.» وحاول ألا يبدو عليه الحرج، ثم أردف قائلًا: «بما إنك تواجه صعوبة إلى هذا الحد، أظن أن بإمكاني أن أقدم لك بعض المساعدة.»
فقال الدكتور دوليتل: «أشكرك. كم هذا لطيف منك!»
فقال السبع: «لقد أمرت الفهود بالعودة، وستضطلع الظباء أيضًا بنصيبها من العمل.»
فقال الدكتور دوليتل: «هذا حقًّا لطيف منك. سنباشر العمل على الفور!»
فقال الأسد: «آه، ثمة شيء آخر. لدينا شبل مريض. أنا واثق من أن الأمر هين، لكن زوجتي تشعر بالقلق، لعل بإمكانك أن تعرج علينا عندما ينتهي عملك هنا.»
فقال الدكتور دوليتل: «بالطبع، بالطبع. في أقرب وقت ممكن.» وشعر بسعادة بالغة، فقد لاح أخيرًا أمل في شفاء القردة.
وعادت جميع حيوانات الأدغال لمساعدة الدكتور دوليتل، وكان عددها في الواقع كبيرًا جدًّا حتى إن الطبيب اضطر إلى صرف بعضها، وشُفي نصف القردة المريضة بعد الأسبوع الأول، وبنهاية الأسبوع الثاني شُفيت جميعًا.
انتهت مهمة الدكتور دوليتل. وكان بعدها يشعر بالتعب الشديد، فخلد إلى النوم، ونام ثلاثة أيام لم يتقلب فيها من فرط التعب.