نشر كتاب «قوة الحركة في النباتات»
١٨٨٠
[تَعرض الجُمل القليلة الواردة في فصل السيرة الذاتية العلاقة بين كتاب «قوة الحركة في النباتات» وأحد أوائل كتب مؤلِّفه؛ أي كتاب «النباتات المتسلِّقة»، بوضوحٍ وافٍ. فكرة الكتاب الرئيسية أن حركات النبات المتعلِّقة بالضوء والجاذبية وما إلى ذلك ليست سوى تعديلات لنزعة عَفْوية إلى الحركة الالتفافية أو اللولبية، وهي نزعة كامنة على نطاقٍ كبير في العديد من الأجزاء النامية لدى النباتات. لم يحظَ هذا التصوُّر بقَبول عام، ولم يحتلَّ مكانًا وسط مبادئ علم وظائف الأعضاء الكلاسيكي. تناول البروفيسور زاكس الكتاب ببضع كلمات تحمل ازدراءً أكاديميًّا، بينما شرَّفه البروفيسور فيسنر بالنقد المتأنِّي الذي عبَّر عنه بكرم وشهامة.
بدأ العمل في صيف عام ١٨٧٧، بعد نشر كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه»، وبحلول الخريف كانت حماسته للموضوع قد بلغت ذروتها، وقال في خطاب إلى السيد داير: «أعمل بحماسة بالغة.» كان عاكفًا آنذاك على دراسة حركات الفلقات، التي يُمكن من خلالها ملاحظة نوم النباتات في أبسطِ صوره، وفي الربيع التالي كان يحاول اكتشاف الغرض النافع الذي يُحتمل أن حركات النوم هذه تُقدِّمه، وقال في خطابٍ إلى السير جوزيف هوكر (بتاريخ ٢٥ مارس ١٨٧٨):
«أظن أننا «أثبتنا» أن الغرض من نوم النباتات هو تخفيف الضرر الذي قد يلحق بالأوراق بسبب الإشعاع. لقد أثار ذلك بالغ اهتمامي، وقد كبَّدنا جهدًا هائلًا؛ إذ كانت تلك مشكلةً محيرة منذ زمن لينيوس. غير أننا قتلنا الكثير من النباتات أو ألحقنا ضررًا جسيمًا بها؛ ملحوظة: كان نبات الأكصليس الكبير الجذور قيِّمًا جدًّا، لكنه قُتل الليلة الماضية.»
لا تُعطي خطاباتُه في تلك الفترة أيَّ سرد متصل عن التقدُّم المُحرَز في العمل. والخطابان التاليان مُدرجان هنا لأنهما من الخطابات التي تَميَّز بها أسلوب المؤلِّف:]
من تشارلز داروين إلى دبليو ثيسلتون
داير
داون، ٢ يونيو ١٨٧٨
عزيزي داير
أعمل بدأب ومثابرة كالعبد على الجذور وحركات الأوراق الحقيقية؛ لأنني أوشكت على الانتهاء تمامًا من العمل على الفلقات …
من تشارلز داروين إلى دبليو ثيسلتون
داير
٤ شارع بريانستون، ميدان
بورتمان،
٢١ نوفمبر [١٨٧٨]
عزيزي داير
لا بد أن أشكرك على العناء الهائل الذي تكبَّدته بخصوص بذور نبات البلسم، وفي عشرات المناسبات الأخرى. الحق أنه يجعلني خَجِلًا من نفسي، ولا يسعني إلا أن أقول لنفسي: «يا إلهي، عندما يرى كتابنا سيصيح قائلًا: أهذا هو كلُّ ما قدَّمتُ من أجله قدْرًا هائلًا من المساعدة؟» آمُل حقًّا أن نكون قد فهمنا بعض النقاط، ولكن يؤسفني أن ما أنجزناه قليلٌ جدًّا مقارنةً بالجهد المضني الذي بذلناه على عملنا. سنمكث هنا أسبوعًا لنيل القليل من الراحة، التي كنت أحتاج إليها.
إذا لم تخني الذاكرة، فيوم الثلاثين من نوفمبر هو الذكرى السنوية في الجمعية الملكية، ومن المؤسف أن السير جوزيف على وشْك بلوغِ نهايةِ مدتِه بكل تأكيد. سأكون سعيدًا حين لا يعود رئيسًا.
[في ربيع العام التالي ١٨٧٩، عندما كان منشغلًا بتجميع نتائجه وتنسيقها معًا، قال بشيء من اليأس في خطاب إلى السيد داير: «إنني غارق وسط ملاحظاتي، وقد بلغت من الكبَر ما يجعلني غيرَ قادر على القيام بالمهمة التي أعمل عليها؛ أي دراسة الحركات بجميع أنواعها. غير أن البقاء بلا عمل أسوأ.»
وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، عندما كان قريبًا من إتمام العمل، قال في خطاب إلى البروفيسور كاروس (بتاريخ ١٧ يوليو ١٨٧٩) بخصوص ترجمة الكتاب:
«أعمل مع ابني فرانسيس على إعداد مُجلد كبير بعض الشيء عن حركات النباتات في العموم، وأظن أننا توصَّلنا إلى العديد من النقاط والآراء الجديدة.
أخشى أن تلقى آراؤنا معارضةً شديدة في ألمانيا، لكننا نعمل بجد شديد على الموضوع منذ سنوات.
سوف أسعدُ «جدًّا» إذا رأيتَ الكتاب جديرًا بالترجمة، وستُرسَل إليك بروفات الطباعة حالما تصبح جاهزة.»
وفي الخريف كان يعمل بجدٍّ على المخطوطة، وقال في خطاب إلى الدكتور جراي (بتاريخ ٢٤ أكتوبر ١٨٧٩):
«كتبتُ كتابًا كبيرًا بعض الشيء — مع الأسف — عن حركات النباتات، وها أنا ذا أبدأ الآن للتو في مراجعة المخطوطة مرةً ثانية، وهذه مهمة مملة إلى حدٍّ بشع.»
الجزء الختامي فقط من الخطاب التالي يُشير إلى كتاب «قوة الحركة في النباتات»:]
من تشارلز داروين إلى إيه دي
كوندول
٢٨ مايو ١٨٨٠
سيدي
العزيز
أمَّا أنا عن نفسي، فسأرتاح أسبوعَين، بعدما أرسلت جزءًا من ورق المخطوطة إلى المطبعة، وكان من حسن حظي أن كتابك وصل بينما كنت أهمُّ بركوب عربتي؛ لأنني كنت أريد شيئًا لأقرأه وأنا بعيد عن المنزل. مخطوطتي متعلِّقة بحركات النباتات، وأظن أنني نجحتُ في إثباتِ أن أهمَّ الفئات الكبيرة من الحركات ناجمةٌ عن تعديلِ نوعٍ من الحركة تشترك فيه كلُّ أجزاء النبات منذ صِغرها.
أرجو أن تبعث بأطيب تحياتي إلى ابنك، ومع خالص احترامي وجزيل شكري.
[نُشر الكتاب في ٦ نوفمبر ١٨٨٠، وبيعت منه ١٥٠٠ نُسخة عندما عرضه موراي للبيع. وفي خطابٍ إلى السير جيه دي هوكر (بتاريخ ٢٣ نوفمبر)، قال والدي بخصوص ذلك:
«أسعدتني رسالتك جدًّا؛ لأنني لم أكن أتوقَّع أنك ستحظى بمتَّسع من الوقت لقراءة «أيِّ شيء» منه. إذا قرأت فصلي الأخير، فستعرف النتيجة كلها، لكن من دون الدليل. بالرغم من ذلك، أظن أن حالة انحناء الجذور بعد تعرُّضها للانتحاء الأرضي ساعةً كاملة، مع انفصال أطرافها (أو أدمغتها) عنها، جديرةٌ بأن تقرأها (ستجدها واردة في أسفل الصفحة ٥٢٥)؛ إذ وجدتها مذهلةً للغاية. أمَّا ثانية الحقائق الجديرة بالاهتمام، حسبما أرى، فهي التفرقة التي يُفرِّقها طرف الجذر بين شيئَين مُثبتَين على جانبَين متقابلَين من الطرف؛ أحدهما أصلب قليلًا والآخر أليَن قليلًا. لكني سأكتفي بهذا القدْر من إزعاجك بشأن كتابي. حساسية الشتلات للضوء مذهلة.»
وقال في خطاب (بتاريخ ٢٨ نوفمبر ١٨٨٠) إلى صديقٍ آخر، وهو السيد ثيسلتون داير:
«أشكرك شكرًا جزيلًا جدًّا على رسالتك المفعمة باللُّطف، لكنك تبالغ في استحسان عملنا، لكن ذلك مُبهج جدًّا … العديد من الألمان يُعاملون مسألة معرفة فائدة الأعضاء بازدراء شديد، لكن يُمكنهم أن يهزءوا بها قَدْر ما يشاءون، وسأظل أنا مؤمنًا بأنها أكثر الأجزاء إثارةً للاهتمام في التاريخ الطبيعي. من المؤكَّد أنك مخطئ تمامًا إذا شككت ولو لحظةً واحدة في الفائدة الكبيرة التي تُقدِّمها لنا بمساعدتك المستمرة والكريمة جدًّا.»
استدعى الكتاب تأليف كثير من المقالات النقدية عنه، وأثار اهتمامًا بالغًا وسط عموم الناس. يشير الخطاب التالي إلى مقالةٍ من تأليف فريق التحرير في صحيفة «ذا تايمز»، بتاريخ ٢٠ نوفمبر ١٨٨٠:]
من تشارلز داروين إلى السيدة
هاليبرتون٥
داون، ٢٢ نوفمبر ١٨٨٠
عزيزتي سارة
[كان السبب الذي دفعه إلى كتابة الخطاب التالي هو نشْر كتاب مخصَّص لنقد كتاب «قوة الحركة في النباتات» بقلمِ الدكتور يوليوس فيسنر عالِم النباتات الخبير البارع وأستاذ علم النبات في جامعة فيينا:]
من تشارلز داروين إلى يوليوس
فيسنر
داون، ٢٥ أكتوبر ١٨٨١
سيدي العزيز
أثار كتابك بالغَ اهتمامي، وبعض تجاربك جميلة جدًّا لدرجة أنني شعرت بالسعادة فعلًا وأنا أخضع للتشريح على يديك. الحديث عن كل النقاط المهمة الواردة في كتابك سيشغل حيِّزًا أكبرَ ممَّا ينبغي. يؤسفني القول إنك قد أفسدتَ التفسيرَ الذي طرحتُه عن تأثيرات قطع أطراف الجذور الممتدَّة أُفقيًّا، وتلك المُعرَّضة للرطوبة عند جوانبها، لكني لا أستطيع إقناعَ نفسي بأن الوضع الأفقي للأغصان والجذور الجانبية ناجمٌ عن مجرَّد ضعفِ قدرتها على النمو. ولا أستطيع أيضًا، حين أُفكِّر في تجاربي على فلقات جنس الخرفار، أن أتخلَّى عن إيماني بانتقال إشارة مُحفِّزة ناجمة عن الضوء من الجزء العلوي إلى الجزء السفلي. وفي الصفحة ٦٠ أسأت فهْم مقصدي، عندما قلتَ إنني أعتقد أن التأثيرات الناجمة عن الضوء تُنقَل إلى جزءٍ لا يخضع هو نفسه للانتحاء الشمسي. لم أُفكِّر قَط فيما إذا كان الجزء القصير الواقع أسفل سطح التربة يخضع للانتحاء الشمسي أم لا، لكني أعتقد أن الجزءَ الذي ينحني، لدى الشتلات الصغيرة السن، «بالقرب» من السطح لكن «فوقه» منتحٌ شمسيًّا، وأعتقد ذلك بِناءً على أن الجزء ينحني انحناءً مُتوسِّطًا فقط عندما يكون الضوء مائلًا، وينحني على شكل مستطيل عندما يكون الضوء أفقيًّا. ومع ذلك، فانحناء هذا الجزء السفلي، كما أستنتج من تجاربي التي أجريتُها باستخدام أغطيةٍ غير شفافة، يتأثَّر بتأثير الضوء على الجزء العلوي. غير أن رأيي في النقاط المذكورة أعلاه والعديد من النقاط الأخرى يكاد يكون بلا وزن؛ لأنني متيقن من أن كتابك سيُقنع معظمَ علماء النبات بأنني مخطئ في كل النقاط التي نختلف فيها.
بغض النظر عن مسألةِ الانتقال، فعقلي مليء جدًّا بحقائقَ تقودني إلى اعتقادِ أن عوامل الضوء والجاذبية وما إلى ذلك، لا تؤثِّر مباشرة على النمو، بل تُؤثِّر تأثيرًا تحفيزيًّا، لدرجة أنني عاجز تمامًا عن تعديل رأيي بخصوص هذه النقطة. لم أستطِع فهْم الفقرة الواردة في الصفحة ٧٨، حتى استشرت ابني جورج، المتخصِّص في علم الرياضيات. إنه يفترض أن اعتراضك قائمٌ على أن أشعة الضوء المتفرِّقة المنبعثة من المصباح تضيء جانبَي الجسم كلَيهما، ولا تنخفض شدتها، مع زيادة المسافة بنفس نسبة انخفاض شدة الضوء المباشر، لكنه يشكُّ فيما إذا كان هذا التصحيح «الضروري» سيُفسِّر الاختلاف الضئيل جدًّا في انحناء النباتات بفعل الانتحاء الشمسي في الأصص المتتابعة.
أمَّا بخصوص حساسية أطراف الجذور للتلامس، فلا أستطيع الإقرار بصحةِ رأيك إلى أن يُثبَت أنني مخطئ بشأن أن أجزاء البطاقات الملتصقة بواسطة صمغٍ سائل تُسبِّب الحركة، بينما لم تحدث حركة إذا بقيت البطاقة منفصلةً عن الطرف بطبقةٍ من الصمغ السائل. إضافةً إلى ذلك، يجب شرْحُ حقيقةِ أن لَصق أجزاء أكثر سُمكًا وأخرى أقل سُمكًا من البطاقات على جانبَي الجذر نفسه بواسطة مادة الشيلاك يُسبِّب حركةً في اتجاه واحد. كثيرًا ما تتحدَّث عن تعرُّض الطرف للضرر، غير أنه لم تكن توجد أيُّ علامة خارجية على حدوث ضرر، وعندما لَحِق بالطرف ضرر واضح، أصبح الجزء الطرفي منحنيًا «نحو» الجانب المتضرِّر. لكني لا أستطيع أن أُصدِّق أن الطرف تضرَّر بسبب أجزاء البطاقات، عند لصقها بالصمغ السائل على الأقل، بقدْرِ ما أنني لا أستطيع تصديق أن غدد نباتات الندية تضرَّرت بسبب وضعِ مثقال ذرة من الخيط أو الشَّعر عليها، أو أن اللسان البشري [يحدث له ذلك] عندما يلمس أي جسم كهذا.
أمَّا عن أهم جزء في كتابي؛ أي الحركة اللولبية، فلا يسعني إلا قول إنني متحيِّر تمامًا من اختلاف استنتاجاتنا، لكني لم أستطِع فهْم بعض الأجزاء تمامًا، وهذه الأجزاء سيستطيع ابني فرانسيس أن يترجمها لي عندما يعود إلى المنزل. الجزء الأكبر من كتابك واضح على نحوٍ جميل.
وأخيرًا، يا ليت كان لديَّ ما يكفي من القدرة والحيوية لبدء مجموعة جديدة من التجارب، ونشر النتائج، مع العدول التام عن معتقداتي الخاطئة عند الاقتناع بأنها خاطئة، لكني أكبر سنًّا من أن أتحمَّل أداءَ مهمة كهذه، ولا أظن أنني سأستطيع أن أُنجز قدرًا كبيرًا من العمل الأصلي المُبتَكر، أو أي قدرٍ آخر منه أصلًا. أتصوَّر أنني أرى أحد المصادر المحتملة للخطأ في تجربتك الجميلة التي يوجد فيها نبات يدور مع تعريضه لضوء جانبي.
مع بالغ احترامي وخالص شكري على الطريقة الطيبة التي عاملتني بها أنا وأخطائي، وسأظل يا سيدي العزيز مخلصًا لك.