القط البارع
كان يا ما كان في قديم الزمان؛ طحَّان عنده ثلاثة أبناء.
عندما مات الطحَّان، ورث الابن الأكبرُ مطحنة أبيه، وورث الابن الثاني حِماره، وورث الابنُ الأصغر الشابُّ ما تبقى من مُمتلكات الأب؛ والذي كان مُجرَّدَ قِط.
شعَر الابنُ الأصغر بالحزن الشديد بسبب نصيبه من إرث أبيه. وعندما رآه القطُّ حزينًا، اقتربَ منه وأخذ يمسح رأسه برفقٍ بطرف رجله وهو يتحدَّث إليه.
شعر الشاب بالدهشة. وقال له القط: «نعم. أستطيع أن أتكلم، وإذا استطعتَ أن تشتريَ لي حذاءً جيدًا وحقيبةً جلدية كبيرة، فسأتكفَّل بأن أجعلَك إنسانًا غنيًّا وسعيدًا.»
على الرغم من أن الشابَّ كان فقيرًا، وأن حفنة العملات المعدنية التي في جيبه كانت هي كل ما يملكه، فقد كان مندهشًا للغاية من قُدرة القط على التكلُّم، فذهب واشترى للقط الحذاء والحقيبة اللذَين يُريدهما.
ارتدى القط حذاءه الجديد وقام بوضع طُعْمٍ في أسفل حقيبته الجلدية وألقاها على كتفه، وانطلق يسير في الحقول.
تمكن القط باستخدام ذكائه وسَعة حيلته من اصطياد أرنبٍ سمين. ربما اعتقدتم أعزائي الأطفال أن القط كان سيعود إلى سيده الشاب ليُقدم له الأرنب ليأكُله لكونه جائعًا؛ ولكن لا؛ كان لدى القط خططٌ أكبر من ذلك.
قام هذا القط البارع، بجُرأة أسد، بأخذ الأرنب السمين مباشرة إلى الملك وقدَّمه كهديةٍ من قبل سيده، ماركيز كاراباس.
وبينما كان يقوم بالانحناء أمام الملك، لاحظ وجود بنت الملك الشابة تجلس إلى جانبه على العرش.
كانت الأميرة جميلة، وعندما ابتسمت، أضاءت القاعة بأكملها.
انحنى القطُّ أمام الأميرة الشابة التي ردَّت التحية بابتسامة رقيقة.
وأخذ القطُّ يذهب كل يومٍ إلى قصر الملك لتقديم الهدايا من سيده ماركيز كاراباس.
وكان ينحني كلَّ يومٍ أمام الأميرة الشابة التي ترُدُّ التحية بابتسامةٍ رقيقة.
وسرعان ما غدا القطُّ من الزوار المُفضَّلين في قصر الملك.
سمع القط في أحد الأيام بأن الملك يعتزم القيام برحلةٍ برِّية بالعربة الملكية على طول ضفَّةِ النهر بصُحبة ابنته الشابة.
قام القط على جناح السرعة بالعودة إلى بيت سيده وقال له: «افعل ما سأقول لك وسوف يبتسم لنا الحظ بشدة. الفرصة تدقُّ بابنا.»
أخذ القط سيده الشاب إلى ضفة النهر، وقال له: «اخلع ثيابك واقفز في النهر.»
وما إن أصبح الشابُّ في النهر، قام القط على الفور بحمل ثيابه المُمزَّقة والبالية وأخفاها تحت صخرةٍ كبيرة.
وجلس ينتظر مرور عربة الملك. وما إن اقتربت عربة الملك حتى قام القط بالتلويح بيدَيه في الهواء وبمُناداة سائق العربة، قائلًا: «النجدة! النجدة! سيدي الماركيز كاراباس يغرق في النهر.»
عندما سمع الملك الاسم؛ الماركيز كاراباس، أمر سائق العربة بالتوقُّف، وبالإسراع لإنقاذ الأمير الشاب من الغرق في النهر.
قام سائق العربة بانتشال الشابِّ المندهش إلى خارج النهر.
حاول الشاب أن يُغطي نفسه، وسأل الملك: «أين ملابس الماركيز؟» أجاب القط: «سيدي الملك، لقد هاجمه رجال أشرار وسلَبوا منه كل ما يملك.»
قال الملك: «إذن يتعيَّن علينا في هذه الحالة أن نُحضِر له ملابسَ مناسِبة من القصر.»
وبعد فترة قصيرة، جرى تقديم الشاب، بعد أن ارتدى أفخر الملابس التي خاطها له خياط الملك الخاص، إلى الملك وإلى ابنته الأميرة الشابة في قاعة القصر.
أُخِذ الشاب بجمال ابنة الملك الشابة. وهي وقعت أيضًا في غرامه على الفور، بعد أن لاحظَت ثيابه الفاخرة ومنظره الوسيم.
ووُجِّهَت الدعوة إلى الشاب لمشاركة الملك وابنته في رحلةٍ بالعربة الملَكية.
وبينما كانت العربة الملكية تُواصل طريقها، جرى القط البارع بسرعةٍ وسبَقها. وقابل مجموعةً من الفلاحين الذين يعملون بجِدٍّ ونشاط في أحد الحقول.
أشهر القطُّ البارع سيفه وخاطب الجميع قائلًا: «عندما يسأل الملك لمن هذه الحقول، قولوا إنها للماركيز كاراباس. وإلا فسوف يحلُّ بكم سوءٌ عظيم.» وافق الفلاحون على الفور بعد أن تملَّكَهم رُعب شديد.
ثم أتى القط على إحدى القرى، وقال للفلاحين: «عندما يسأل الملك لمن هذه الأراضي، قولوا إنها للماركيز كاراباس. وإلا فسوف يحلُّ بكم سوء عظيم.»
وعندما توقَّفت عربة الملك، وسأل الفلاحين عن صاحب هذه الحقول، قالوا: «هذه الحقول يا سيدي وكل الأراضي المُحيطة بها يملكها الماركيز كاراباس.» حينها قال الملك: «يا إلهي! ما أروعَ هذا!»
وابتسمت ابنة الملك، ولمست برفقٍ يدَ الشابِّ في إعجاب.
وأصبح الشابُّ مُندهشًا أكثر فأكثر من ذكاء قِطِّه وجُرأتِه.
وجاء القط البارع أخيرًا إلى قلعةٍ وطرَقَ بقوة على الباب. سمع القط صريرَ فتح الباب الخشبي الكبير، وخرج منه غول ضخم ليسأله: «ماذا تريد؟» انحنى القط أمام الغول مُحييًا، وقال: «لقد سمعتُ بأنك شرس وقاسٍ، وبأن الناس تخاف منك.» قال الغول ناخرًا: «وماذا يعني هذا؟! قل ماذا تريد.» قال القط: «كما سمعتُ أيضًا بأنك تمتلك القدرة على تغيير نفسك إلى أشكال أخرى …»
وفجأةً ظهر أسدٌ غضنفر حيث كان يجلس الغول. وقام القط على عجَل بالجري والاختباء في أعلى ستارةٍ قريبة، بعيدًا بما يكفي عن أنياب الأسد الحادة.
عادت ثقة القط بنفسه إلى ما كانت عليه بعد أن شعر بالأمان في أعلى الستارة، وقال له مُؤنبًا: «من السهل عليك أن تُحوِّل نفسك إلى شيءٍ كبير بهذا الحجم. ولكنك لا تستطيع أن تُحول نفسك إلى … إلى … دعنا نقول مثلًا، إلى شيءٍ صغير مثل الفأر، أليس كذلك؟»
قام الغول بابتسامةٍ ساخرة بتحويل نفسه إلى فأر.
قفز القط البارع بلمْحِ البصر من أعلى الستارة وانقضَّ بمخالبه الحادة على الفأر. وشكَّل الغولُ وجبة عشاءٍ جيدة للقط.
وفي هذه الأثناء سمع القطُّ صوت عربة الملك وهي تدخل ساحة القلعة.
هُرِع إلى الخارج ليُرحِّب بالملك وبابنته الشابة، وقال مُرحِّبًا: «أهلًا بكم أصحاب السيادة في قلعة سيدي، الماركيز كاراباس.»
قال الملك للشاب: «هذا إذن قصركم.»
توقف الشاب عن الاندهاش من أي شيءٍ يقوم به قطُّه الذكي.
وأصبح الشاب مشغولًا طيلة الوقت بصحبة الأميرة الجميلة.
سعِدَ خدَم الغول بسيدهم الجديد، وقاموا بإعداد حفلةٍ فاخرة للغاية.
وبعد انتهاء الحفلة جرَت خِطبة الشابِّ وزواجه من الأميرة في وقتٍ واحد بعد ظهر ذلك اليوم.
وهكذا أقام الشابُّ الماركيز كاراباس منذ ذلك الوقت، وزوجته الأميرة الشابة، والقط البارع في قلعة الغول في سعادةٍ بالغة ودائمة.