بوتس وأخَواه
كان يا ما كان في قديم الزمان؛ أبٌ فقير يعيش مع أولاده الثلاثة، بيتر وبول وبوتس. كانوا فقراءَ لدرجة العُدم.
وفي أحد الأيام، قرَّر الأبُ ماذا ينبغي عليه فعلُه. وطلب من أولاده الثلاثة الاقتراب منه.
وقال لهم: «لم يبقَ إلا القليل جدًّا من الطعام في البيت. وعمَّا قريب لن يبقى منه أيُّ شيءٍ على الإطلاق.» وأخبرهم أنه لم يَعُد من مصلحتِهم البقاءُ في المنزل. وأضاف: «هناك شيءٌ واحد يجب عمله. يا أبنائي، لقد حان الوقت لأن تنطلقوا لكسْبِ الرزق بأنفسكم.»
كان الأولاد يعيشون في أرضٍ يحكمها ملكٌ يعيش في قصرٍ يقع على قمة تلٍّ عالٍ للغاية. اعتاد الملك أن يقف أمام نافذة غرفة نومه في بعض الأوقات وينظر فيما يحدُث في الأرض التي يحكمها. ولكن نمَت شجرة بلوط عظيمة بسرعة كبيرة حتى غطَّت كاملَ نافذة غرفة نومه. كانت هذه الشجرة عريضة جدًّا لدرجةٍ مُنعَت معها أشعة الشمس من دخول الغرفة. ولم يكن الملك سعيدًا بذلك على الإطلاق!
أعلن الملك بأنه سيُقدِّم مكافأةً مُجزية لمن يستطيع أن يقطع هذه الشجرة. ولكن لم يتمكن أحدٌ من القيام بذلك؛ لأنه كلما قام أحدهم بقطع جزءٍ من جذعها نما عوضًا عنه مباشرةً اثنان آخَران.
هناك أيضًا شيء آخر يتعيَّن قوله في هذا السياق. كان التلُّ الذي يقع عليه قصرُ الملك وعرًا ومُشكَّلًا من صخورٍ صُلبة. وعليه لم يكن من الممكن حفرُ أيِّ بئر عليه. وهكذا لم يكن هناك مصدرٌ لتزويد قصر الملك بالمياه العذبة. ولم يستطع الملكُ أن يتقبل وجود مياه آبار عذبة ونظيفة عند كل أفرادِ رعيته يشربون منها إلا هو، وهو الملك.
ولذلك أعلن ونشر على الملأ أيضًا أن مَن يستطيع أن يقطع شجرة البلوط ويحفر بئرًا للمياه العذبة في ساحة القصر فسوف يحصُل على مكافأةٍ مُجزية وهي نصفُ أرض المملكة.
يُمكنكم أن تتخيَّلوا أعزائي الأطفال أن كثيرين جاءوا وجرَّبوا حظوظهم، ولكن ذهبت كلُّ محاولات قطع الشجرة، وأعمال الحفر سُدًى. وأصبحت شجرة البلوط تزداد طولًا وعرضًا بعد كل محاولة لقطعها، كما أن صخور التل المُقام عليه القصر لم تتأثَّر بأعمال الحفر على الإطلاق.
وعندما سمع بيتر وبول وبوتس بإعلان الملك، قفَزوا من شدة الفرح. وعزموا على أن يُحاولوا كما حاول الآخرون. وشعر الأب بالسعادة لسماعه ذلك لأنه حتى لو لم يحصُل أولاده على المكافأة المُعلَنة وهي نصف أرض المملكة، فقد يلتقون بالصدفة في الطريق إلى هناك بمن يُوفِّر لهم فرصةً للعمل. وفي حال كان هذا صاحبَ عملٍ جيد فقد يستطيعون أن يعيشوا حياةً كريمة أكثر مما يُوفِّرها لهم الآن. وهكذا قام الأبُ بوداع أولاده مُتمنيًا لهم النجاح في سعيهم. ثم انطلق الإخوة الثلاثة يَحْدوهم الأملُ في مستقبل أفضل.
لم يبتعد الإخوة الثلاثة كثيرًا في رحلتهم حتى وصلوا إلى غابةٍ كثيفة من أشجار التنوب. وكان يُوجَد على أحد جوانبها تلٌّ شديد الانحدار. وبينما كانوا سائرين، سمعوا صوتًا يُشبه صوت تقطيع الحطب على الجهة المقابلة للتل.
قال بوتس متسائلًا: «ما هذا الصوت الذي يصدُر عن التل ويُشبه صوت تقطيع الحطب يا تُرى؟»
قال بيتر وبول: «منذ متى كان الحطابون يعملون على سفوح التلال؟»
أجاب بوتس قائلًا: «ولكن هذا الصوت يختلف عن الأصوات المعتادة للحطَّابين. أريد أن أعرف ماهيَّةَ هذا الصوت.»
قال أخَواه وهما يضحكان: «يبدو أنك تعتقد نفسك ذكيًّا أكثر منَّا!»
أجاب بوتس: «لا. ولكن كالمعتاد أريد أن أعرف حقيقة هذا الصوت.»
صعد بوتس إلى أعلى التل وتوجَّه نحو مصدر الصوت. هل يُمكنكم أعزائي الأطفال أن تُخمِّنوا ماذا رأى عندما وصل إلى هناك؟ لقد كانت هناك فأسٌ تقوم وحدَها بتقطيع جذع شجرة تنوب.
قال بوتس: «نهاركِ سعيد. إنكِ تعملين بمُفردك هنا في تقطيع الحطب، أليس كذلك؟»
أجابت الفأس: «بلى. أنا هنا منذ زمنٍ سحيق، أُقطِّع جذوع الشجر ثم أحولها إلى قطع حطب منتظرةً قدومك.»
قال بوتس: «حسنًا. ها أنا هنا أخيرًا.» وقام بأخذ الفأس ودسَّها بعنايةٍ تحت حزامه الجلدي. ثم سارع في العودة للَّحاق بأخوَيه.
وبعد ذلك سار الثلاثة لبعض المسافة. وسرعان ما وجدوا أنفسهم يسيرون أسفل تلٍّ صخري شديد الانحدار. وسرعان ما سمعوا صوتًا فوق الصخور يُشبه صوت الحفر.
قال بوتس متسائلًا: «ما هذا الصوت الذي يصدُر عن أعلى التل الصخري، ويُشبه صوت الحفر في الصخر؟»
قال أخَواه وهما يضحكان ثانيةً: «ها أنت ذا مرة ثانية بتساؤلاتك الحمقاء! ألم تسمع من قبلُ صوت طائر نقَّار الخشب؟»
أجاب بوتس: «ولكن هذا الصوت الذي أسمعه مختلف. سأذهب بنفسي لأعرف حقيقة الأمر.»
وهكذا انطلق بوتس وبدأ يتسلَّق التل، بينما كان أخواه يضحكان ويسخران منه، ولكن بوتس لم يدَعْ ذلك يُؤثِّر على عزيمته.
صعد بوتس إلى أعلى التل. وعندما اقترب من قمَّته، ماذا تظنون أعزائي الأطفال أنه رأى؟ لقد كانت هناك مجرفة تقوم وحدَها بالحفر.
قال بوتس لها: «نهارك سعيد. إذن أنت تعملين هنا بمفردك في الحفر، أليس كذلك؟»
أجابت المجرفة: «بلى، هذا هو ما أفعله بالفعل، وهذا ما كنتُ أقوم به هنا منذ زمنٍ طويل في انتظار قدومك.»
ردَّ عليها بوتس: «حسنًا، ها أنا هنا أخيرًا.» وقام بأخْذ المجرفة وحملها بعناية فوق كتفه، ثم سارع في العودة للحاق بأخوَيه.
تابع الإخوة الثلاثة سيرهم حتى وصلوا إلى غَديرِ ماء. كان الثلاثة يشعرون بعطشٍ شديد بعد سيرهم الطويل؛ ولذا وقَفوا هناك ليشربوا ويرتاحوا قليلًا.
قال بوتس متسائلًا: «من أين تنبع كلُّ مياه الغدير هذه؟»
ردَّ أخواه بيتر وبول: «أنت تتساءل من أين تنبع هذه المياه؟ نحن نتساءل ما إذا كان قد ألمَّ بك مكروهٌ! من يهتمُّ بمعرفة من أين تنبع مياهُ الغدير هذه، وما هي أهمية معرفة ذلك؟»
أجاب بوتس: «كالمعتاد، أُحِب أن أعرف ذلك.»
وانطلق بمفرده يتتبَّع مسارَ جريان ماءِ الغَدير، ولاحظ أن حجم المياه المُتدفقة يتناقص رُويدًا رويدًا إلى أن وصل أخيرًا إلى مصدر المياه. هل يُمكنكم أعزائي الأطفال أن تُخمِّنوا ماذا رأى عندما وصل إلى هناك؟ لقد رأى ثمرةَ جوزٍ كبيرة جدًّا يخرج من خلالها تيارُ ماء مُتدفِّق.
قال بوتس مرةً أخرى: «نهارك سعيد. إذن أنت ترقدين هنا بمفردِك ليتدفَّق الماء وحدَه بقوةٍ منك في الغدير؟»
أجابت ثمرة الجوز: «نعم، هذا ما أقوم به. وقد ترَكتُ الماء ينبع بقوة مني طيلةَ أيامٍ كثيرة في انتظار قدومك.»
ردَّ بوتس: «ها أنا هنا.» وقام بوضع الطحالب في فتحة ثمرة الجوز لتمنع تدفُّق الماء منها. ودسَّ الثمرة في جيبه ليُسارع بعدَها في العودة للَّحاق بأخوَيه.
لكنَّ أخوَيه هذه المرة كانا قد سبَقاه في السير ووصلا المدينة التي كانت تعجُّ بالكثيرين من أمثالهم بعدما سمعوا بالمكافأة التي أعلن عنها الملك، ورأَوا في ذلك، في الوهلة الأولى، أمرًا يسيرًا، فجاءوا يُجربون حظوظهم، خاصة أن المكافأة كانت مُجزية بالفعل وتستحقُّ المحاولة. ولكن أصبح حجم وطول شجرة البلوط الآن مُضاعَفًا تقريبًا عما كان في السابق. كما لم تُحْدِث أعمالُ الحفر السابقة أيَّ تأثيرٍ على الإطلاق في التل الصخري الذي يقع عليه قصر الملك.
شعر الملك بالغضب الشديد، وقال: «لماذا يُضيعون وقتي؟» وأكَّد أن كل من يُحاول ويفشل في قطع شجرة البلوط سوف يُرَحَّل مُهَانًا على متن سفينةٍ إلى جزيرة نائية.
وفي الوقت الذي وصل فيه بوتس المدينة، كان أخواه، بعد أن جرَّبا حظَّهما وفشلا في تحقيق المطلوب، يجلسان على متن سفينةٍ وفي طريقهما إلى الجزيرة النائية.
صعد بوتس إلى قصر الملك وطلَبَ أن يُعطى فرصته مثل الآخرين لتلبية طلب الملك.
ردَّ الملك في سخرية: «ما الذي يحملك على الاعتقاد بأنَّ أداءك سيكون أفضلَ من أخَوَيك؟ ربما يكون من الأفضل ألا تُضيع وقتنا. اتجه الآن نحو السفينة مباشرةً!»
قال بوتس: «أرجو جلالة الملك أن تسمحوا لي بالمحاولة قبل ذلك.»
وهكذا وافق الملكُ على الطلب، خاصة أن الأمر لن يستغرق وقتًا طويلًا. أخرج بوتس الفأس من تحت حزامه الجلدي.
وقال للفأس: «هيا، اقطعي الشجرة!» وهكذا بدأت الفأسُ تعمل بكل طاقتها وبدأت قِطعُ الخشب الصغيرة تتطاير في الهواء. ولم يَمْضِ وقتٌ طويل حتى كانت شجرة البلوط بكامل طولها وعرضها تتمدَّد على الأرض والفأس تُواصل قَطْعها وتحويلها إلى حطب.
وبعد انتهاء هذا، تناول المجرفة من فوق ظهره.
وقال لها: «هيا، احفري!» وبدأت المجرفةُ في الحفر بسرعةٍ كبيرة لتبدأ شظايا الصخر تتطاير في الهواء. ولم يَمْضِ وقتٌ طويل حتى أكمَلَت المجرفة حفر بئرٍ بجانب القصر.
ثم سارع بوتس وأخرج ثمرةَ الجوز ووضَعها في داخل فوهة البئر بعد أن نزع عن فتحتِها الطحالب التي كان قد وضعها لمنع تدفُّقِ الماء منها.
وقال لها: «هيا، دَعي الماء يتدفَّقُ الآن.» وهكذا بدأ الماء يتدفق بشدةٍ من الجوزة. وفي وقتٍ قصير، أخذ الماءُ الصافي والبارد يندفع لأعلى مثل النافورة. وهكذا تمكَّن الملك من الحصول على كل المياه التي كان يحلم بها ويحتاجها في قصره.
إن بوتس هو الذي تمكَّن من قَطْع شجرة البلوط التي حجَبَت عن غرفة نوم الملك ضوءَ الشمس، وكان هو أيضًا الذي فجَّر الماء من الصخر في ساحة القصر. وهكذا كان بوتس هو مَن حصل في النهاية على المكافأة المُعلَنة وهي نصف أرض المملكة، كما وعد الملك.
ارتسمَتْ على وجه الملك على الفور ابتسامةٌ عريضة. وقال بوتس له: «جلالة الملك، هل تعلمون أن كلَّ من جاء قبلي كان هدفهم خدمة جلالتكم قبل كلِّ شيء. فهل لكم أن تسمحوا بعودتهم من الجزيرة النائية؟»
وافق الملك؛ فقد كان سعيدًا بعودة ضوء الشمس إلى غُرفة النوم خاصته، وبتفجُّر الماء العذب في ساحة القصر. وهكذا عاد بول وبيتر للديار.
ومع مرور الوقت بعد انتهاء رحلتهم، كان بول وبيتر يتساءلان في بعض الأحيان ما إذا كان حالهما سيُصبح أفضل لو ظلَّا في الجزيرة البعيدة؛ ذلك لأنهما لن يَسمعا هناك من يقول لهما طيلةَ اليوم: «كان بوتس ذكيًّا بالفعل في تساؤلاته حول ما صادَفَه من أمور، وفي ذَهابه للبحث عن أجوبة لها.»