العريس الإمبراطوري
انتهت مراسم الزفاف الإمبراطوريِّ ووجدَت الأميرة نفسَها أخيرًا بمفردها مع عريسها. كان خِمارها الحريري الأحمر سميكًا جدًّا، لدرجة أنها لم تستطع من خلاله أن تتبيَّن بوضوحٍ معالم وجه عريسها، أو أيٍّ من وجوه الضيوف في هذه المناسبة. الآن بالكاد تستطيع أن تتبيَّن معالم وجه عريسها، وكل ما كانت تراه هو خيال زوجها وهو يذرع الغرفة جَيئةً وذَهابًا بالقُرب من النافذة. فهل كان وسيمًا حقًّا كما كان شقيقاتها وأخوها، الإمبراطور، يقولون لها؟
تقضي التقاليدُ في هذه المناسبة أن يقوم العريس برفع خِمار العروس الآن، وأن يُقدِّم لها نخبًا بهذه المناسبة. ومع ذلك فقد بقِيَ يتمشى أمام النافذة. فتنحنحت برفقٍ لِتَلفت انتباهَه. التفت نحوَها وتنهَّد. وبعد ذلك رأت خيال زوجها يقترِب منها ويرفع خِمارها بلُطف. كان العريس وسيمًا بالفعل. ابتسمَت وأرسلت بصرَها نحو قدحَي النبيذ أمامهما. وقالت له: «هل سنشرب نخبًا؟»
قال لها: «نعم، ولكن ليس قبل أن أرويَ لكِ قصة.»
ردَّت وقد خيَّم العبوسُ قليلًا على وجهها: «ماذا تقصد بذلك؟» لقد كانت التقاليد في هذه المناسبة أن يتناولا معًا أول نخبٍ لهما؛ تفاؤلًا بمستقبل سعيد.
«سأروي قصةً أولًا، هل لديكِ مشكلة في ذلك؟»
«حسنًا، تفضَّل.» وشعرَت بالقلق وقالت في نفسها: هل ما يقوم به زوجُها الآن دلالةٌ على أنه سيكون مختلفًا عن الآخرين طيلةَ حياتهما الزوجية؟
بدأ العريس في رواية القصة، فقال: «كان يا ما كان موظفٌ كبيرٌ أراد، أكثرَ من أي شيءٍ آخر، أن يُرزَق بولد، وحذَّر زوجته من أنها إذا ما أنجبت بنتًا عوضًا عن ذلك، فعليها أن تقوم بالانتحار. ويُمكن للمرء بسهولةٍ أن يتصوَّر مقدار القلق والاضطراب الذي كانت تشعر به الزوجةُ عندما أصبحَت حاملًا؛ إذ إنها كانت لا تعرف ما إذا كان هذا الحمل سيكون مدخلًا لسعادتها المُستقبلية أم لموتها بشكلٍ فوري. ووصل مقدارُ قلقها واضطرابها ذروتَه عندما وضعت في نهاية حملها بنتًا. ولم يكن أمامها من خيارٍ سوى الكتابة لزوجها في العاصمة لتُخبره بوضعِها ولدًا. وقامت بانتقاء ملابسَ خاصةٍ بالأولاد وألبسَتْها لابنتها، وأصرَّت دائمًا أن تكون هي الوحيدة التي تقوم على تحميمها. وعندما كبر الطفل أظهر قدراتٍ استثنائيةً في المدرسة وفي مهارات الإدارة.
وعندما بلغ الثامنة عشرة من العمر، وطلب منه والدُه الحضور إلى العاصمة ليُشارك في الامتحانات الإمبراطورية، تفوَّق فيها على جميع المشاركين الآخَرين. ووجدَت الأم نفسها مُضطرةً إلى إيجاد الأعذار لرفض العروض المقدَّمة إليها من الخاطبين بالنيابة عن بناتهم للزواج من ابنها. ومع مرور الزمن أصبح الشابُّ مشهورًا في العاصمة بشكلٍ كبير؛ لِما يُحقِّقه من إنجازات، وانهالت عروض الزواج على والدته من كبار المسئولين بالنيابة عن بناتهم، وكان رفضُ هذه العروض بلباقةٍ أكثرَ صعوبةً بسبب المكانة الاجتماعية لأصحابها. وأخيرًا، أصدر الإمبراطور قرارًا يقضي بزواج ابنته من هذا الشابِّ الواعد. وكان من الصعوبة رفضُ الأمر الإمبراطوري. وهكذا جرَت مراسم الزفاف الذي شكَّل حدثًا كبيرًا في العاصمة. الآن يا عزيزتي قولي لي إذا كنتِ في مكان الأميرة، ماذا كنتِ ستفعلين في حال اعترف لك زوجُك بأنه في الواقع ليس إلا امرأة؟»
ردَّت وقد استعذبَت قصة زوجها: «حسنًا، دعْني أرد على سؤالك. من المؤكد أنه ليس خطأ الزوج أنها — أعتقد أنه يتعين عليَّ هنا أن أقول «أنها» — جرَت تربيتها كولدٍ لينتهيَ بها الأمر بالزواج من أميرة. إن أيَّ أميرةٍ أحسنَ أهلُها تربيتها سوف تغفر لها ذلك.»
«وهل تَعِدينني كأميرةٍ أن يكون هذا بالضبط ما ستفعلينه إذا واجهتِ الموقفَ نفسَه؟»
«دون أدنى شكٍّ! لقد كانت قصةً شيقة بالفعل، الآن هل لنا أن نبدأ في تناول نخب الزفاف؟»
«أيتها الأميرة، انظري إليَّ. إنني هذه الابنةُ التي حدَّثْتُك عنها. أنا امرأة مثلك.»
قالت: «ماذا؟» ووقفَت في دهشةٍ شديدة، وأضافت: «أنت تمزح بلا شك!»
ردَّ العريس بكل وقارٍ وجدِّية: «كم كنتُ أتمنَّى ذلك. أنا …»
«وكيف تجرؤ على ذلك؟ كيف تجرؤ على إهانتي بهذه الطريقة؟»
«ولكنك قلتِ لي بأنكِ ستُسامحينني!»
«لم أقُل أبدًا مثل ذلك! كانت هذه قصةً خيالية! ونحن هنا نعيش حياة واقعية!» وانتصبَتْ واقفةً وهي تشدُّ من قامتها وقالت وهي تُلوِّح بإصبعها مُهدِّدةً: «أنت بالطبع تُدرك جيدًا أنَّ انتحال شخصية رجلٍ في البلاط الإمبراطوري تُعتبر جريمةً عقوبتها الموت! سأعمل على تطبيق هذه العقوبة بحقك؛ لقيامك بمثل هذا الجُرم.»
«لقد أعطيتِني وعدًا كأميرة.»
توقفَت فجأةً عن الحديث، وقالت: «حسنًا كان ذلك … أقصد …»
ثم رفعَت يدَيها عاليًا في الهواء، وأطلقَت ضحكةً قصيرة. وقالت وهي تتنهَّد: «يا إلهي، لماذا يحدُث هذا معي أنا؟ الجميع قالوا بأن ليلة زفافي هذه ستكون ليلةً سيذكرها الجميع. ولكن هذا الذي يحدث الآن قد أفسد عليَّ كلَّ شيء.» ولكن بعد لحظةٍ أخذَت تلهث بقوةٍ وهي تقول: «أوه، لا!»
«ما الأمر؟»
«من المؤكد أن أخي الإمبراطور لن يتفهَّم ذلك بعد حفل الزفاف الكبير الذي أقامه لي اليوم. كما أنه يتعيَّن علينا أن نستقبل وفود المُهنِّئين في البلاط الإمبراطوري في صباح يوم الغد.»
«أعلم ذلك. ولكن ماذا سنفعل الآن؟»
«هناك طريقةٌ وحيدة للخروج من هذه المشكلة. ربما أستطيع إذا رويتُ له الحكاية نفسَها كما رويتِها لي أن أحمله على الموافقة على تقديم الصفح والغفران لمن يُمكن أن يكون في مكانك، وبالتالي سيتعيَّن عليه أن يغفر لك.»
«نعم، أيتها الأميرة، شكرًا لك.»
وفي صباح اليوم التالي، قام العروسان بالجلوس في القاعة الإمبراطورية لاستقبال وفود المُهنئين، وقام الإمبراطور بتقديمهما للمُهنِّئين كعروسَين جديدَين بكل اعتزازٍ وفخر.
وقالت الأميرة: «لو سمحتم لي يا جلالة الإمبراطور.»
قال شقيقها الإمبراطور: «ما الأمر يا عزيزتي؟»
«لقد سمعتُ مؤخرًا قصةً مُسلِّية، فهل يُمكن لي أن أرويَها لكم؟»
أجاب الإمبراطور: «ولِمَ لا؟» كان يعتقد أن شدة فرحها بزواجها قد أطلقت روح الدعابة في داخلها، ورأى أن يترك العروس تتسلَّى برواية الحكاية.
وهكذا روَت الأميرة القصة. وقالت في نهايتها: «وإذا كنتَ والِدَ هذه الأميرة، فماذا كنتَ ستفعل؟»
توجَّهَت الأنظار كلُّها نحو الإمبراطور الذي أخذ يقول بصوتٍ قوي ولهجةٍ آمرة: «إن الحاكم الذي جرى إعدادُه ليكون قائدًا كبيرًا، مثلي أنا، يعرف كيف يُبدي الرحمة والغفران لمن جرى اتهامُه بجريمة ليست في الواقع من صُنع يده. إن تطبيق العدالة كما يجب هو الذي يُميز كبار القادة عن القادة الآخرين العاديِّين. وفي قصتك يا أختي العزيزة، وكما رويتِها لنا، يجب أن يُصبح الزوج في حِلٍّ من الزواج، وأن يتم العفوُ عنه، وتبَنِّيه من قبل الإمبراطور كأختٍ إمبراطورية.»
قالت الأميرة: «أخي الرحيم والعادل، إذن اعفُ عن زوجي، لأنه — أو لأنها — هي بطلة القصة. كيف يُمكِن لأي أحدٍ منا أن يعرف بأنه قد جرى تربيتها كولد؟»
شَهق كلُّ مَن في البلاط الإمبراطوري من هول المفاجأة. وفقدَت بعضُ الوصيفات الوعي. وأصبح وجهُ الإمبراطور مُحتقنًا من هول المفاجأة أيضًا، وقال وهو يُلوِّح بالصولجان في يده: «لن أسمح لأحدٍ بأن يخدَعَني في بلاطي. كيف يُمكن لهذا أن يَجرؤ على إهانة العائلة الإمبراطورية!» وبينما كان حرَّاس القصر يضعون القيد في يدَي «الزوج» المنحوس، وبدَءوا يسوقونها إلى خارج القاعة، قالت الأميرة بصوتٍ مرتفع: «ولكن يا أخي العزيز، نحن جميعًا نتطلَّع لأن تكون ذلك الحاكمَ العادل المُستنير الذي حدثتَنا عنه منذ قليل.»
قال في تبجُّح وغرور: «لا علاقة للقصة بهذا الأمر.» ولكنه ما إن رأى ملامح القلق والجزَع تظهر على وجه أُخته الوفية وزوجها التعيس، بالإضافة إلى نظرات الصدمة البادية على وجوه الحاضرين في القاعة، حتى غيَّر من لهجته وقال: «أنا … أنا كنتُ أريد فقط أن أُظهِر لكِ … أقصد لكِ وللبلاط … كيف يُمكن للحاكم غير المُستنير أن يتصرَّف في مثل هذه الحالات. أنا لا أعتزم في الواقع إعدامَ زوجك؛ أقصد هذه الفتاة البريئة. في الواقع أرغب بشدة بأن أصفح عن هذه المُخالفة.» صفَّق كل مَن في البلاط بقوة إعجابًا بما أظهره الإمبراطور من رحمةٍ وعدل تُثيران الإعجاب، وأخذ الإمبراطور يبتسم بفخرٍ في وجوههم.
وهكذا جرى إلغاءُ الزواج وتبنِّي الزوج السابق كأختٍ إمبراطورية. ولم يَمضِ وقتٌ طويل حتى عُقد قِران البنتَين على اثنَين من كبار المسئولين في حفل زفافٍ مزدوج، بكامل مظاهر الفخامة والأبهة الإمبراطورية.