أصيص الزرع الفارغ
في قديم الزمان أصدر إمبراطورُ الصين إعلانًا يقضي بإجراء مسابقة لاختيار وريثٍ للعرش. كان الإمبراطور رجلًا عجوزًا ولم يكن لديه ابن، ونظرًا إلى كونه من عُشاق النباتات منذ سنواتٍ عديدة، فقد أعلن أن أيَّ فتًى يُريد أن يُصبح الإمبراطورَ القادم للبلاد، عليه أن يأتيَ إلى القصر لاستلام بذرة إمبراطورية. وسيُصبح الفتى الذي يتمكن من تحقيق أفضلِ النتائج في زراعة تلك البذرة خلال فترة ستةِ أشهر، الفائزَ الأول في المسابقة، وسيُصبح الإمبراطورَ القادم للبلاد.
ويُمكِن للمرء أن يتخيل مقدار الحماس الذي أثاره هذا الإعلانُ في أوساط الفتيان! لقد أخذ كل فتًى في الصين يتخيَّل أن بإمكانه الفوزَ بالمسابقة. كما أخذ آباء الفِتْيان الموهوبين في زراعة النباتات يتخيَّلون أنفسَهم أيضًا وهم يعيشون حياة الرغد في القصر برفقة أبنائهم. وفي اليوم المُحدَّد لتوزيع البذور، احتشدت في ساحة القصر أعدادٌ كبيرة من الفتيان الذين يَحدوهم الأملُ في الفوز بالمسابقة. وعاد كلُّ واحد منهم إلى بيته وهو يحمِل في كفِّه فرصةً ثمينة يتمنَّى أن تتحقق.
وهذا كان حال الفتى جون الذي يُعتبر بالفعل من أفضل المزارعين في القرية التي يتسابق أهلُها لشراء ما يُنتجه في مزرعته من مُختلِف المحاصيل؛ كالبطِّيخ والملفوف الصيني وبازلاء الثلج. وكان سكان القرية كلَّما بحثوا عنه يَجدونه غالبًا في مزرعته بين النباتات، يعتني بها ويقتلع الأعشاب الضارَّة التي تنمو حولها، ويحرص على تعريض بعض النباتات لأشعَّة الشمس، في حين كان يضعُ البعضَ الآخر في الظلِّ ليضمن نموَّها بشكلٍ صحيح. حمل جون بحذَر في يده البذرةَ الإمبراطورية إلى البيت، وحرَص على أن يُمسِك بها بحرصٍ بالغ لكي لا تقع من يده، ولكن بدون أن يضغط عليها بشدةٍ في الوقت نفسِه لكي لا تتحطَّم في يده.
وفي البيت أحضر جون أصيصَ زرع، وقام بوضع أحجارٍ كبيرة في القاع قبل أن يُغطِّيَها بكميةٍ من الحصى، وقام بعدها بملء كامل الأصيص بكميةٍ وافية من التربة السوداء الرطبة الخصبة، وبوضع البذرة تحت السطح بنحوِ بوصة ليُغطيها بعد ذلك بطبقةٍ أخرى خفيفة من التربة الخصبة. وحرَص جون خلال الأيام القليلة اللاحقة، إلى جانب كلِّ الفتيان الذين يعرفهم، والمئاتِ الآخرين الذين لا يعرفهم، على سَقْي أصيص الزرع خاصته كل يوم، في انتظار أن تنموَ البذرة وتنبثقَ منها أولى وُرَيقاتها الخضراء الصغيرة خارج سطح التربة.
وكان تشن أولَ فتًى في القرية يُعلن أن البذرة التي زرعها قد بدأت تنمو خارج سطح التربة، وقُوبِل إعلانُه هذا بصيحاتٍ حماسية تنمُّ عن الإعجاب والتهنئة في الوقت نفسِه. وأخذ يتفاخر أمام سكان القرية بأنه سيكون الإمبراطورَ القادم بلا شك، وشرَع مِن لحظتها في لعب دور السيد الآمِر الناهي أمام أقرانه الأصغر سنًّا. وكان مانتشو الفتى الثانيَ الذي نمَتْ عنده البذرةُ التي زرعها في الأصيص خاصته، ثم جاء من بعده الفتى وونج. شعر جون بحيرةٍ كبيرة؛ ذلك أن جميع هؤلاء لا يستطيعون زراعة النباتات والاهتمامَ بها كما يستطيع هو، ومع ذلك فإن البذرة التي زرعها لم تَنْمُ.
وسرعان ما نمَتْ كل البذور التي زرعها فِتيان القرية في الأصص. وقاموا بوضعها خارج البيوت لكي تزدهرَ الوريقات الخضراء الصغيرة وتنمو بسرعةٍ تحت حرارةِ الشمس، كما قاموا ببناء أسوارٍ حجرية حول هذه الأصص وقاموا بحمايتها بحماسةٍ بالغة من الأطفال المُتهوِّرين الذين قد يَقلبوها؛ سواءٌ عن قصدٍ أو عن غير قصد. وبعد فترة قصيرة، أزهرت العشرات من النباتات داخل الأصص في جميع أنحاء القرية وأخذَت أوراقها الأولى تنمو وتنمو. لكن بذرة جون لم تنمُ أبدًا.
شعر جون بالحيرة والارتباك الشديدَين إزاء أصيصه الفارغ، وأخذ يتساءل: ما المشكلة؟ وقام جون بزرع البذرة في أصيصٍ جديد مليءٍ بتُربة سوداء خصبة وغنية أخذَها من مزرعته. وقام بتفتيت قطع التربة إلى أجزاءٍ صغيرة وتحويلها إلى تربة ناعمة، ثم عمد إلى وضع البذرة بحرصٍ شديد في داخل التربة وسقايتها. ثم أخذ يتفقَّدها كلَّ يوم. ومع ذلك، لم تنمُ البذرة داخل الأصيص.
وسرعان ما نمَت سيقانٌ قوية لجميع النباتات التي زرعها فتيان قرية جون الآخرون في الأصص الخاصة بهم. وشعر جون بيأسٍ شديد. وأصبح موضعَ سخرية فتيان القرية الذين أصبحوا يتندَّرون حول أصيصه الفارغ ويقولون عن جيوبهم عندما لا يكون فيها من الحلوى ما يُقدِّمونه للناس، أو عند الانتهاء من تناول صحون الأرز بأنها «فارغة مثل أصيص جون». ومع ذلك قام جون مرة أخرى بتغيير الأصيص وبتحضير أصيصٍ آخر، نثَر في هذه المرة فوق تربته السوداء الخصبة قِطعًا من الأسماك الجافة كسمادٍ عُضوي، ومع ذلك، لم تنمُ هذه البذرة.
وهكذا انقضت فترة الشهور الستة، واقترب اليوم المُحدَّد الذي يتعيَّن فيه على شباب القرية القدومُ إلى القصر وهم يحملون النباتات التي قاموا بزراعتها ويعرضونها على الإمبراطور لاختيار الأفضل منها. وقام تشن ومانتشو ووونج ومئاتُ الفِتيان الآخَرون من القرية بتنظيف أصص النباتات التي قاموا بزراعتها حتى أخذَت تلمع، وبمسح أوراق هذه النباتات الكبيرة حتى أخذت عُروقها الخضراء تتلألأ، كما قاموا بالاستعداد لهذه المناسبة بارتداء أجمل الثياب لديهم. وقام بعضُ الآباء بمُرافقة أبنائهم؛ لمساعدتهم في حمل أصص النباتات إلى القصر، وضمانِ أن تبقى هذه النباتاتُ ثابتةً بشكلٍ مُستقيم ولا تنقلب خارجها.
قال جون لوالِدَيه في حُزنٍ بالغ، وهو يرى من النافذة فتيانَ القرية الآخرين وهم يستعدُّون فرِحِين لعودتهم المُظفَّرة إلى القصر: «ماذا سأفعل؟ لم تنمُ بذرتي! وأصيصي فارغ!»
وقال له والده وهو يهزُّ رأسه ليُهوِّن عليه الأمر: «لقد فعلتَ أفضل ما تستطيع.» وقالت له والدته: «يا بُني خُذ الأصيص الفارغ إلى الإمبراطور في كل الأحوال؛ فلقد فعلتَ أفضل ما تستطيع.»
حمل جون الأصيص الفارغ وهو يشعُر بالخجل الشديد وأخذ يسير عبر شوارع القرية مُتوجِّهًا نحوَ القصر، بينما كان بقية فتيان القرية يسيرون بخُطًى واثقة وهم يحملون مُبتهِجين أُصصَهم المُزهرة بنباتاتٍ خضراء طويلة عن يمينه وعن يساره.
اصطفَّ فِتيان القرية في صفوفٍ منتظمة ومعهم نباتاتهم المُزهرة، بانتظار بدء التحكيم. وأخذ الإمبراطور، عاقدًا حاجبَيه ومُرتديًا ثيابه الحريرية المُطرَّزة، يسير بجانب صفوف المُتسابقين المتفائلين وينظُر إلى أُصُصِهم. وعندما وصل إلى جون، زاد تَجهُّم وجه الإمبراطور وقال: «ما هذا؟ أأحضرتَ إليَّ أصيصًا فارغًا؟»
تحامَل جون على نفسه لكيلا ينخرط في البكاء من شدَّة الحزن الذي كان يشعُر به. وقال: «جلالة الإمبراطور، لو سمحتُم لي بالكلام؛ لقد بذَلتُ قُصارى جهدي. وقمتُ بزراعة بذرتكم في أجود تربةٍ استطعتُ الحصول عليها. وحرَصتُ على سقايتها ومُراقبتها كلَّ يوم، وعندما لم تنمُ البذرة، قمتُ بزراعتها من جديدٍ في تربةٍ جديدة وأصيص آخر، حتى إنني قمتُ بهذا العمل مرةً ثالثة، ومع ذلك لم تنمُ البذرة. أشعر بالأسف الشديد لذلك.» وأحنى جون رأسَه أمام الإمبراطور.
همهم الإمبراطور. وقال، وهو يلتفِتُ نحو صفوف فتيان القرية، بصوتٍ هادر كالرعد لكي يسمعه الجميع: «لا أعلم من أين أتى كلُّ هؤلاء الفتيان الآخرين ببذورهم؛ لأن البذور التي قُمنا بتوزيعها عليهم من أجل المسابقة لا تصلُح للزراعة أبدًا؛ لأننا قُمنا بغليِها من قبل!»
وابتسم الإمبراطور في إعجابٍ شديد في وجه جون.