سيف مغروس في صخرة
منذ زمنٍ بعيد، حكم بريطانيا ملكٌ عادل وحكيم، كان اسمه الملك آرثر. كانت فترةُ حُكمه سنواتِ رخاءٍ عاش الناسُ فيها سُعداء. أراد الملك في أحد الأيام أن يضمَّ إلى حاشيته في القصر ساحرًا. وهكذا وقع اختياره على الساحر ميرلين الذي يستطيع التنبُّؤ بالمستقبل، والذي تنبَّأ بأن سنوات الرخاء الحاليَّة لن تدوم طويلًا.
رُزِقَ الملك آرثر والملكة جينيفر بولدٍ جميل. وخلال الحفل الذي أُقيمَ في قاعة القصر الكبرى بهذه المناسبة السعيدة، انتحى الساحر بالملك إلى جانب القاعة، وقال له: «سيدي، ثَمة أمرٌ يجِب أن تعرفه. سيُخيِّم ظلامٌ كثيف على هذه المملكة، وسيكون ولدُكم الأمير في خطر. دعني أذهب بولدِكم الأمير بعيدًا عن القصر وبذلك سيكون في أمانٍ وسلامة بكل تأكيد.»
فُوجئ الملك بقول الساحر، وردَّ عليه قائلًا: «ماذا تقول يا ميرلين. أنت ساحر بارع وصديقي. ولكن لا يُوجَد شيء في العالَم يُمكن أن يجعلنا نتخلَّى عن ولدِنا وندَعُه يذهب بعيدًا عنا.»
ومِن المُحزن جدًّا أن الملكة ماتت بعد ولادة طفلِها الأمير بفترةٍ قصيرة، ومات بعدَها الملك آرثر في ساحة الوغى. وفي ليلة مَقتل الملك، تسلَّل ميرلين إلى داخل غُرَف القصر وأخذ الطفل. وفي صباح اليوم التالي، جاءت المُربِّية الملَكية إلى غرفة الطفل ولكنها لم تجِدْه مع الأسف. كان سريره فارغًا. بحثَت المُربية والنُّبلاء والخدَم عن الطفل وقد اعتراهم خوفٌ شديد، لكنهم لم يعثروا على أي أثرٍ للطفل الأمير.
ومرَّت سنواتٌ عديدة بقِيَ فيها العرش الملكي شاغرًا. لم يكن هناك ملكٌ ليُطبق القانون وينشُر العدل والسلام في أرجاء المملكة. تقاتل الأمراء وكبار الأعيان فيما بينهم للوصول إلى العرش. وهكذا خيَّم الظلام الكثيف فوق أرجاء المملكة. وحَكَم اللصوص والعصابات الإجرامية شوارع لندن. واقتحم الأشرار بيوت الآمِنين ليسرقوا منها ما يجدون. وتعرَّض قُطاعُ الطرُق للمسافرين المُسالِمين وسرَقوا ما بحوزتهم من أموالٍ ومتاع. وهكذا عاش شعب إنجلترا في خوف شديد.
وكان هناك على أطراف حدود المملكة الجنوبية مُقاطَعةٌ هادئة يحكمها السير إكتور الذي كان يعيش هناك بسلامٍ مع ولَدَيه، وكان الأول يُدعى كاي، والثاني آرثر، وهو ولَدُ إكتور بالتبنِّي. يومَها جاء رجلٌ غريب إلى السير إكتور حاملًا طفلًا صغيرًا بين يدَيه، وسأله إذا كان يستطيع أن يرعى الطفل بين أولاده ويهتمَّ بشئونه حتى يشتدَّ عودُه. أخذ السير العجوزُ الطفلَ بين يدَيه وهو يشعر بسعادةٍ غامرة لانضمام ولدٍ آخر إلى أُسرته، وسمَّاه على الفور آرثر، وعمل على تربيته كأحد أولاده.
وعندما بلغ آرثر العاشرة من العمر، عاد هذا الرجل الغريب إلى بيت السير إكتور. كان يستطيع القراءة والكتابة فاستأجره ليقوم بتعليم ولَدَيه. كان كاي كثيرَ الحركة أثناء سَير الدروس، ولم يكن يُطيق المُكوث طويلًا في قاعة الدرس. وهكذا توقَّف عن حضور الدروس، في حين كان آرثر يهتمُّ بالدروس ويُتابعها بشغَفٍ شديد؛ ونتيجةً لذلك تعلَّم الكثير والكثير. وأعتقد أعزائي أنكم أصبحتم الآن تعرفون من هو هذا الرجل الغريب؛ إنه الساحر ميرلين.
كانت الدروس تبدأ في نهاية كلِّ يومٍ بعدما ينتهي آرثر من الأعمال اليومية المعتادة. وكان ميرلين يجلس معه لساعاتٍ طويلة يُعلِّمه مُختلِف العلوم والآداب. كان آرثر شابًّا نحيفًا ليس قويًّا مثلَ شقيقه الأكبر كاي، وقد طلب منه ميرلين ألا يشعُر بالقلق بسبب ذلك؛ لأن الأمر الأهم هو أن يملك الإنسان قلبًا كبيرًا وقويًّا؛ هذا هو المهم في الإنسان. وكان اعتقادُ ميرلين نابعًا من رؤيته لاتِّباع الثعالب والغزلان لآرثر في حدائق القصر. فقد كانوا يرَون بغريزتهم أن الشابَّ يملك بالفعل قلبًا كبيرًا وقويًّا.
وعندما بلغ آرثر السادسةَ عشرةَ من العمر، حصل شقيقُه كاي على لقَب فارس، وأصبح يُدعى بالسير كاي. وودَّ آرثر كثيرًا لو يستطيع أن يكون في منصب المُرافق لأخيه في لقبه الجديد. ولذلك أخذ يهتمُّ كثيرًا بملابس أخيه الرسمية، وبسهامه وحِرابه ودروعه.
وفي يومٍ من الأيام وأثناء إعطائه الدرس، أدار ميرلين وجهه، ثم نهض من مقعده.
سأله آرثر: «ما الأمر؟»
فأجاب ميرلين قائلًا: «الشعب بحاجةٍ إلى الأمل. هناك أمر يا آرثر يتعين عليَّ القيام به. يجب أن أذهب الآن.»
في تلك الليلة، وعندما كان الظلام الدامس يُخيم، دخل ميرلين ساحة سوق لندن. وقف في منتصف الساحة ورفع يدَيه عاليًا وأشار بعصا الساحر التي لا تُفارق يده إلى النجوم.
وعند فجر اليوم التالي، بدأ الناس يتوافدون إلى السوق ليجدوا أمامهم شيئًا غريبًا حقًّا؛ قطعة كبيرة من الرخام الأبيض موضوعة وسط ساحة المدينة وفوقها صخرة كبيرة جدًّا غُرِسَ في أعلاها سيفٌ ذهبي، وبقِيَ مقبض السيف بارزًا للخارج فقط مع سنتيمترات قليلة من النَّصْل كانت تلمع تحت أشعة الشمس. وكان الشيء الأكثر مَدعاةً للغرابة هو أن بقية نصل السيف مغروس في أعماق الصخرة. ولم يكن كل ذلك موجودًا في الساحة يوم أمس.
والأكثر من ذلك أنه كان من الممكن قراءةُ الكلمات فوق الجزء الظاهر من النصل: «من يستطيع سحْب هذا السيف من داخل الصخرة سيكون هو ملك بريطانيا الشرعي.»
وحالَما عرَف الناس بذلك، قفز الرجال إلى قطعة الرخام هذه، وحاوَلوا الواحد تلوَ الآخر أن ينتزعوا السيف بالقوة. حاول الجميع كلَّ جهدهم وبكلِّ قُوَّتهم وبقِيَ السيف عالقًا بثباتٍ في داخل الصخرة. لم يتحرك من مكانه قيدَ أنملة.
قال أحدُهم بحزن: «لا يُوجَد إنسان في الكون يستطيع سحْب هذا السيف من داخل الصخرة.»
وقال آخَرُ من وسط الحاضرين: «حسنًا. سنرى ما يُمكننا فعله حيال ذلك.» ثم تقدَّم دوق كورنوال نحوَ قطعة الرخام البيضاء وهو يرتدي ثياب الحرير المُطرَّزة بالخيوط الذهبية والأشرطة المُلوَّنة، وقال: «اسمعوا أيها الناس، اسمعوا أيها الناس. أدعو إلى مباراةٍ تنافُسية تُقام بعد شهرٍ من الآن يُدعى للمشاركة فيها كل الفرسان مهما كانوا وأينما كانوا في جميع أنحاء بريطانيا. وستُعقَد هذه المباراة التنافُسية بين جميع هؤلاء الفرسان وتُقدَّم في ختامها الجوائز للفائزين، وستُقام وليمةٌ كبيرة تضم الجميع.» وقال الدوق لزوجته: «من المؤكد أن هذه المباراة التنافُسية سوف تستقطِب أقوى وأفضل الفرسان في جميع أنحاء إنجلترا!»
وردَّت الدوقة قائلة: «يا لها من فكرةٍ جيدة يا عزيزي. كل ما نحتاجه هو فارس واحد يكون من القوة بحيث يستطيع أن ينتزِع السيف من داخل الصخرة، وبذلك يُصبح أخيرًا لدَينا ملكٌ مرةً أُخرى يتولَّى شئون المملكة كما يجب.»
فرح الناس وطربوا. لقد وجدوا أخيرًا شيئًا أسعدهم حقًّا. وانتشر خبرُ إجراء المباراة التنافُسية بسرعة البرق في جميع أرجاء المملكة. وانتقل هذا الخبر من القصر إلى القُرى المجاورة، ومنها إلى كل بُقعةٍ في أنحاء المملكة. وهكذا وصل الخبر إلى مسامع السير إكتور، وعلِم السير كاي بذلك عندما كان يُلمِّع خوذته.
نادى كاي على شقيقه آرثر الذي كان في حديقة القلعة يُطعِم الطيور والسناجب حبوبًا جمَعَها في كفَّيه. فقام على عجَلٍ بوضع كومةٍ من الحبوب على الأرض للطيور، وكومة أخرى للسناجب. ثم سارع بالقدوم ليرى أخاه كاي.
قال كاي: «ها أنت ذا. ستُقام مباراة في لندن ويجِب علينا أن ننطلِق في الحال!»
يا له من خبرٍ سار! لم يكن آرثر يبتعِد عن البيت سوى عدَّة كيلومترات، وسيكون أفضلَ مُرافقٍ لأخيه على الإطلاق. وهكذا سارع آرثر في العودة إلى البيت ليقوم بتجهيز ما يلزم للسفر، في الوقت الذي كان فيه والدُهما يعمل على تجهيز الخيل ومُستلزماتها في ساحة القلعة.
سار السير إكتور وولَداه عبر شوارع لندن في طريقهم للمشاركة في المباراة. ولفَت انتباهَهم عند وصولهم لساحة السوق — حيث تُقام المباراة — شيءٌ لامعٌ يتلألأ تحت أشعَّة الشمس. قال آرثر: «يا إلهي! يبدو أن السيف قد غُرِسَ بإحكامٍ داخل الصخرة. ولكن كيف يُمكن أن يحدث هذا. هذا مُستحيل.» لكن لماذا كان الحُرَّاس يُحيطون بالصخرة من جميع جوانبها.
وصل السير إكتور وولَداه إلى طرَف الساحة وترجَّلوا عن العربة التي كانت تُقِلُّهم، وتوجَّهوا بعدها مباشرةً نحوَ وسطها. وقام السير كاي بأخذ دَورِه في الطابور لتسجيل اسمِهِ في قوائم المُشاركين في المباراة، في حين انشغل والده بالترحيب بأصدقائه القُدامى الكثيرين من مُختلِف المراتب الاجتماعية؛ دوقات، وإيرلات، وبارونات، وكونتات. وجلس آرثر في الخيمة المُخصَّصة لهم يُلمِّع خوذة أخيه حتى أصبحت تلمع كالماس.
انطلق صوت البوق يُعلِن بدء المباراة. وقال كاي: «أعطني سيفي.»
قال آرثر: «على الفور. لكن أين كان السيف؟» وأخذ آرثر يبحث عنه في فزعٍ شديد. كانت جميع الأسلحة من الدروع والرماح والسهام وفئوس القتال والخناجر في أماكنها حيث يجِب أن تكون، فيما عدا السيف. وقال لأخيه: «كاي … ما رأيك أن تأخذ أحد الفئوس القتالية عوضًا عنه؟»
قال كاي: «آرثر، قلتُ أريد سيفي.»
قال آرثر: «نعم. بالتأكيد. لحظةً واحدة من فضلك.»
قال كاي: «أسرِع.»
أسرعَ آرثر بالعودة إلى الخيمة المُخصَّصة لهم حيث من الممكن أن يكون قد ترك سيف كاي فيها سهوًا. وبحث على عجلٍ في صناديق الأسلحة والدروع. كيف سمح بأن يحدُث معه ذلك؟ ثم خطرت بباله فكرة.
توجَّه آرثر بسرعةٍ نحو ساحة السوق. ولكنه لم يجد أحدًا من الحرَّاس هناك؛ فقد ذهبوا جميعًا لمُشاهدة المباراة.
صعد آرثر إلى أعلى قطعة الرخام البيضاء وقال: «لنرى إن كان يُمكنني إخراجُ هذا السيف من مَوضعه الذي علق به.» وأمسك بمِقبض السيف وحرَّكَه قليلًا. وقال لنفسه: «يا إلهي. إنه ليس مُثبتًا بإحكام كما كنتُ أعتقد.»
وقام بسحْب السيف بحركةٍ قوية مليئة بالعزم، فخرج السيف عن مكانه، واندفع آرثر إلى الوراء بقوة، ولكن السيف كان سليمًا في يده. وقال آرثر: «سأحرص على إعادته إلى مكانه لاحقًا.» وأسرع على الفور إلى حيث كان ينتظره أخوه كاي.
قال له وهو يُقدِّم السيف ويضعه في يد أخيه: «ها هو.»
ألقى كاي نظرةً سريعة على السيف، وقال وقد أخذَتْه المفاجأة: «يا للهول! ما هذا؟»
لكنَّ أخاه آرثر كان قد غادر. وبعد ذلك سمع صوت أبيه وأخيه خارج الخيمة. قال كاي: «أبي، أُريدك أن تُلقيَ نظرةً على شيءٍ هنا.» وقام آرثر ووالده على الفور بدخول الخيمة.
قال كاي وهو يُشير إلى السيف: «انظر.»
حدَّق السير إكتور، وشحَبَ وجهه من شدة المفاجأة، والتفت نحوَ ابنه كاي وقال له: «من أين أتيتَ بهذا السيف؟»
أجاب كاي وهو يضمُّ السيف إليه: «إنه لي. أصبحتُ أملِكُه الآن.»
قال الأب بنبرةٍ صارمة: «كاي. أسألك مرةً أخرى، من أين أتيت بهذا السيف؟»
أطرق الفارس الشاب برأسه خجلًا.
ثم قال: «مِن آرثر. لقد أضاع سيفي وجاءني بهذا السيف بطريقةٍ ما عوضًا عنه.»
التفت الأب نحوَ ولده الأصغر وقال: «آرثر؟ قل لي كيف جئتَ بهذا السيف؟»
أجاب آرثر: «معذرةً يا أبي. سأُعيده من حيث أتيتُ به فورًا. لقد أردتُ فقط استعارته حين قمتُ بنزعِهِ من داخل الصخرة.»
قال الأب: «يجب أن تأخُذنا إلى حيث وجدتَ هذا السيف في الحال.» وانطلق الثلاثة نحو ساحة السوق.
صعد آرثر إلى أعلى قطعة الرخام وقال: «لقد جئتُ به من هنا.» ورفع السيف إلى أعلى ووضعه مكانه داخل الصخرة. ثم أردف: «ها هو الآن عاد إلى مكانه.»
قال السير كاي: «مهلًا. لا زلتُ بحاجةٍ إلى سيف.» وقفز إلى أعلى الصخرة وأمسك بمقبض السيف وأخذ تحت أنظار والده وأخيه من حوله يُحاول سحبَهُ من مكانه مراتٍ ومرات دون أن يتمكن من ذلك. لم يتزحزح السيف من مكانه أبدًا.
قال كاي بصوتٍ مرتفع لأخيه آرثر: «ماذا فعلتَ بالسيف؟»
أجاب آرثر: «لا شيء على الإطلاق. أعدتُه إلى مكانه كما رأيت.»
صاح كاي: «لا بدَّ أنك فعلتَ شيئًا ما!»
قال السير إكتور: «اصمتا كلاكما. الأفضل ألا يرانا أو يسمَعَنا أحد.»
لكن الأوان كان قد فات بالفعل إذ بدأ الناس يتجمَّعون حول الصخرة ويُشاهدون ما يجري أمامها.
صاح أحدهم: «يا هذا. هل قمتَ بسحب هذا السيف من داخل الصخرة؟»
فأجاب آرثر: «نعم. لقد فعلت.»
وصاح آخر: «هلَّا فعلتَ ذلك مرةً أُخرى؟»
وصاح ثالث: «نعم. دَعُونا نرى ذلك!»
أمسك آرثر بمقبض السيف الذهبي بكلتا يدَيه، وبسحبةٍ واحدة خرج النصل من مكانه.
قال شخصٌ آخر: «من أنت؟ ما اسمك؟»
قال الشاب: «آرثر.»
اندفع فارس طويل من بين الحضور نحوَ آرثر وقال له: «على رِسلك. ضع هذا السيف في مكانه مرةً أُخرى. أي واحدٍ منَّا الآن يستطيع أن ينتزِعه من الصخرة بعدَما قُمتَ بذلك أمامنا.»
قال دوق كورنوال، صاحب الدعوة إلى عقد هذه المباراة: «هيا يا بُني. ضع السيف في مكانه كما كان.»
قال آرثر: «حسنًا.» وقام بسهولةٍ بإعادة السيف إلى مكانه.
قال الفارس الطويل: «دعوني أُحاول ذلك الآن.» وقفز إلى أعلى الصخرة وأمسك بمقبض السيف، وأخذ يُحاول بكلِّ قُوَّته نزْعَه من مكانه دون جدوى. لم يتزحزح السيف من مكانه قيدَ أنملة.
وحاول عدد من الفرسان، الواحد تلوَ الآخر، كلَّ جهدهم، وبقِيَ السيف ثابتًا لا يتزحزح من مكانه. اعتقد بعضهم أنه كلما استمرُّوا لفترةٍ أطول في عملية شدِّ السيف، زاد ذلك من فُرَص زحزحته من مكانه ولو قليلًا. وهكذا تعاقَبَ الفرسان على صعود الصخرة ومُحاولةِ نزع السيف دون أن يتحقَّق ذلك لأيِّ واحدٍ منهم. بقي السيف ثابتًا في مكانه في داخل الصخرة.
قال دوق كورنوال: «دعوا الشابَّ يُحاول ذلك مرةً أُخرى. تقدَّم يا آرثر.»
صعد آرثر مرةً ثانية إلى أعلى الصخرة، وبحركةٍ واحدة أخرج السيف من مكانه ورفَعَه في هذه المرة عاليًا فوق رأسه ليراه الجميع. لمع السيف تحت وهج أشعة الشمس. لم يستطع الحضور التفكير بما يُمكن عمله بعد أن أخذتهم الدهشة تمامًا.
صاح أحد الحضور بصوتٍ عالٍ: «يجب أن يُصبح هذا الشابُّ ملكًا.»
وقال آخَرُ بصوتٍ مرتفع: «أخيرًا أصبح لدَينا ملك.»
صاح الفارس الطويل: «توقَّفوا. هل تعتقدون حقًّا أن هذا الغلام النحيف يُمكن أن يحكمنا جميعًا؟»
وجاءه الردُّ من أحد الحاضرين: «نعم. نعم.» والتفتَ الجميع نحوَ المُتكلِّم. كان الساحر ميرلين.
تقدَّم ميرلين من آرثر وقال: «أعرف هذا الشابَّ وأعرف طيبة قلبه، لا يُوجَد أحدٌ في بريطانيا قلبه أقوى وأكبر من قلبه. هذا السيف يُخبرنا بأن هذا الفتى الشاب سيكون ملك بريطانيا القادم، ثم إنَّ هناك شيئًا آخر يتعيَّن عليكم أن تسمعوه جيدًا.»
خيَّم الصمتُ المُطبق على الساحة.
وقال ميرلين وهو يُشير إلى آرثر: «هذا الشاب هو الابن الحقيقي للملك آرثر. إنه هو الأمير الطفل المفقود.»
وعلَتِ الهتافات بين الحضور. وقال أحدهم: «يحيا الملك آرثر.»
جثا السير إكتور على رُكبتَيه، ومِن ثَم السير كاي. وقام الجميع بفعل ذلك أيضًا الواحد تلوَ الآخر وهلَّلوا بصوتٍ مرتفع. وهكذا أخيرًا اختِيرَ ملكٌ لبريطانيا. ملك جديد شاب، ويومٌ جديد أيضًا لبريطانيا.