الحِصان السحري
نحتفل بمَقْدم السنة الجديدة في بداية شهر يناير، لكن في بلاد فارس القديمة، كان يَجري الاحتفال بقدوم العام الجديد في بداية فصلِ الربيع. وكان يتضمَّن الاحتفالُ بهذه المناسبة إقامةَ وليمةٍ كبيرة في طول البلاد وعَرضها، ودعوة الفنانين والحرفيِّين والغُرباء إلى البلاط الملكي لتقديمِ أجمل عروضهم وإظهار مواهبهم ومهاراتهم أمام الملك. وإذا ما لاقى أيٌّ من هذه العروض رضا الملك واستحسانَه يُقدِّم مكافأة لصاحبها لقاء ذلك.
وفي إحدى هذه المناسبات وقبل اختتام العروض المُقدَّمة أمام الملك، جاء مُسافر تفوح منه رائحةُ الطرقات وقدَّم بين يدَي الملك حِصانًا جميلًا مصنوعًا من الخشب، مُزخرفًا بزخارفَ جميلة وملونة.
وقال للملك: «أعتقد يا سيدي أن جلالتكم لم تُشاهدوا حصانًا بجمال هذا الحصان من قبل.»
فقال الملك وهو مُقطَّب الجبين: «أي فنان متمكِّن من أدواته يمكن أن يصنع حصانًا مثل هذا.»
وقال المسافر الغريب: «الأمر لا يتعلق هنا يا سيدي بالزخارف الجميلة والملوَّنة كما ترى، ولكن استخداماته هي التي تجعل هذا الحصان شيئًا استثنائيًّا وفريدًا؛ فأنا أستطيع أن أمتطيَه وأُحلِّق به في السماء إلى أقاصي المعمورة وفي سرعة البرق، كما أنني أستطيع أن أُدرِّب الآخرين على امتطائه أيضًا.»
بدا الملك مُهتمًّا بذلك؛ فقال وهو يُشير بيده نحو جبلٍ يبعُد أكثر من ١٥ كيلومترًا عن المكان: «هناك في أعلى قمة هذا الجبل يُوجَد نخلة من صنفٍ خاص أُحب ثِمارها كثيرًا. اذهب إلى هناك إذا كان حِصانك سريعًا كما تدَّعي وأحضِر لي من هناك شيئًا من ثمارها.»
امتطى الغريب صَهوةَ حصانه على الفور وأخذ يشدُّ عِنانه إلى الأعلى، حتى أخذ يرتفع في الهواء وينطلق بسرعة البرق نحو قمة الجبل؛ ليعود المسافر الغريبُ بعد ١٥ دقيقة وهو يُمسك بيده غصنًا من النخلة مليئًا بالثمر الناضج ويضَعه أمام الملك.
أثار ذلك إعجابَ الملك، وعرض فورًا على الغريب أن يشتريَ منه الحصان. فقال الغريب: «يا جلالة الملك، إن الفنان الذي صنع لي هذا الفرس قد اشترط عليَّ ألا أتخلَّى عنه لأحدٍ مقابل أي مبلغٍ من المال وقد أقسمتُ أمامه على ذلك.»
فقال الملك: «وماذا تطلُب إذن مُقابِله في هذه الحالة؟» فأجاب الغريب بأنه سيكون سعيدًا لأن يتبرَّع بالحصان إذا تكرَّم الملك بالموافقة على زواجه من ابنته الأميرة.
وعندما سمعت حاشيةُ الملك هذا الطلبَ المُبالَغ فيه، انفجروا في الضحك. وشعر الأمير الشاب داريوس بالغضب الشديد، وزاد من شدَّة غضبه أن الملك بدا كما لو أنه يُفكر جديًّا بالعرض الذي تقدَّم به المسافر.
تقدَّم الأمير داريوس من الملك وقال: «عفوًا يا أبي. وهل من المعقول أن تتردَّد ولو لحظةً في أن تُجيب هذا الشخص الوقح برفض مثلِ هذا الطلب؟ وهل يُمكن أن تُغامر حتى بمجرد التفكير بأن ننتقص قيمةَ الأسرة الملكية بالارتباط ببائعٍ مُتجول؟»
كان الملك في الواقع يُفكر في شيءٍ آخر؛ كان يخشى إذا رفض طلب الرجل الغريب وسمع ملكٌ آخرُ بقصة هذا الحصان السحري، فقد يقوم على الفور بالحصول عليه. وطلب الملك من ابنه الأمير أن يتفحَّص الحصان بدقة ويُعلِمه رأيه بعد ذلك.
اقترب الأمير من الحصان، وسارع الغريب بالاقتراب أيضًا من الأمير ليُوضح له طريقة استخدام الحصان، لكن الأمير الشاب المغرور كان في حالة من الغضب الشديد مَنعَته من الاستماع؛ فقفز على ظهر الحصان وأمسك بعِنانه وهو يشده إلى الأعلى كما رأى الغريبَ يفعل من قبل عندما انطلق بالحصان نحو قمة الجبل. وفي لمح البصر أخذ الحصانُ يرتفع عاليًا في السماء وينطلق بعيدًا.
شعر الغريب بالقلق الشديد لرؤية الأمير الشاب ينطلق بالحصان في الهواء قبل أن يُرشده إلى كيفية قيادة الحصان بطريقةٍ سليمة وآمنة، فقام وألقى نفسه عند قدمَي الملك راجيًا منه ألا يُلقي باللوم عليه إذا ما وقع حادثٌ للأمير وهو على ظهر الحصان؛ لأن ذلك سيكون نتيجةَ تسرُّعه وعدم مُبالاته ممَّا عرَّضه للخطر. وسرعان ما أدرك الملك خطورة الموقف وما يحيق بابنه الأمير الشاب من مخاطرَ مُحتملة؛ فقام بلَعْن الغريب وحصانه المُميت وأمر حرَّاسه بالقبض عليه وسَوقه إلى السجن.
وقال له: «إن لم يتمكَّن ولدي الأمير من العودة بسلامٍ خلال فترة قصيرة، فسوف تدفع، على الأقل، حياتَك التافهة ثمنًا لذلك.»
كان الحصان ينطلق في أعالي السماء بالأمير داريوس بسرعةٍ تخطف الأبصار. ولم يَمضِ وقتٌ طويل حتى أصبحت الأرضُ ظاهرة بالكاد للأمير الذي حاول أن يُرخِيَ عِنان الحصان للأسفل، ولكن ذلك كان يجعل الحصان يرتفع في أعالي السماء أكثرَ فأكثر؛ فأخذ يشعر بالقلق الشديد ويلوم نفسه على غضبه وتسرُّعه وغروره. وحاول أن يلويَ عِنان الحصان في كل الاتجاهات لكن دون جدوى. وعندما قام بالنظر بإمعانٍ في عِنان الفرس المربوط حول عنقه، لاحظ أخيرًا وجودَ عنانٍ آخر صغيرٍ خلف أذن الحصان. وما إن أمسك به وأخذ يشدُّه نحوَه حتى أخذ الحصان يُخفف من سرعته ويبدأ في الهبوط.
وبينما كان يقترب من الأرض، أدرك أن الليل قد أرخى سُدُولَه، ولاحظ وجود سطحٍ عالٍ لأحد المنازل فقام بالنزول بالحصان فوقه بسلام. كان يشعر بالتعب والجوع الشديد، فقام بالبحث فيما حوله ليجد أنه قد نزل فوق سطح مبنًى كبير. وتمكن أخيرًا من الاهتداء والوصول إلى الدَّرَج المؤدِّي إلى داخل المبنى؛ فقام بالنزول حيث وجد بابًا وقنديلًا يُضيء ما حوله بشعاعٍ باهت. كان هناك عددٌ من الحرَّاس يبتسمون في نومهم، وكانت سيوفهم موضوعة بجانب كلٍّ منهم؛ الأمر الذي أقنعه، إلى جانب حقيقة كون سطح المبنى هو الأعلى عمَّن حوله، بأنه لا بدَّ أن يكون في قصر. وكان يُدرك تمامًا أنه إذا ما استيقظ أحد الحرَّاس لسببٍ ما فسوف تكون حياته بلا شك في خطر؛ فقرَّر العودة إلى السطح والنومَ في إحدى زواياه المظلمة حتى شروق الشمس، وبعدها ينطلق من جديدٍ عند حلول الفجر بحصانه السحري قبل أن يستيقظ أحدٌ من الحراس.
لكن أميرةً كانت قد استيقظَت من قبلُ عندما سمِعَت صوتَ وقوع شيءٍ ما على السطح، فطلبَت من الحُرَّاس استطلاعَ الأمر ومعرفةَ ماذا قد نزل فوق السطح وبأن يُحضروا أمامها في الحال الذي قد تعدَّى على حُرمة القصر. فقام الحراس بسَوق الأمير بطريقةٍ خشنة إلى الأميرة.
جثا الأميرُ أمامها على ركبتَيه على الفور وهو يقول: «سامحيني أيتها الأميرة على إيقاظك بهذه الطريقة. أنا ابنُ ملكٍ قام بمغامرة غير محسوبة وغير مُتوقَّعة على الإطلاق، وسأكون سعيدًا جدًّا لو سمحتِ لي بأن أرويَ لك تفاصيلها.»
كانت الأميرة هي نادية ابنة ملك البنغال، وكان الكثيرُ من حاشيته قد استيقظوا أيضًا مثل الأميرة في ذلك الوقت، فقالت الأميرة بأنها ستكون سعيدةً لسماع ذلك في الصباح، ولكنها طلبت منه الذَّهاب في الوقت الحاضر إلى غرفةٍ طلبت ممَّن حولها تأمينها للأمير لكي يقضيَ فيها بقية الليل، يتوفر بها ما يكفي من الطعام والمشروبات.
أمضى الأمير اليوم التاليَ ضيفًا عند الأميرة. وفي الأيام التالية اللاحقة تعرَّفا بشكلٍ جيد إلى بعضهما البعض، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى وقع كلاهما في غرام الآخر.
وفي ظهيرة أحد الأيام، قال الأمير للأميرة: «يا أميرتي، كل شيءٍ يبدو الآن مُختلفًا عمَّا سبق. كنت أُفكر بهذا الوغد الذي كان يُحاول بشكلٍ احتيالي أن يشقَّ طريقه للانضمام إلى العائلة المالكة. من المؤكد أنه أشبَهُ بقملةٍ غير ذات قيمة، ولكنه قد يكون الآن في السجن أو حتى قد قُتِل بسببي عندما قفزتُ فوق الحصان قبل أن أُعطيه الفرصةَ الكافية ليشرح لي كيفية استخدامه.»
وقالت الأميرة: «وهل تُفكر الآن في العودة إلى هناك؟»
فسأل الأميرة: «وهل تعودين معي؟» كانت أميرة البنغال سعيدةً بالموافقة على العودة معه إلى مملكة والده.
وفي صباح اليوم التالي تركَت ورقةً صغيرة على طاولتها لكيلا يشعُر أحدٌ بالقلق عليها، وصعدت بصحبة الأمير عند شروق الشمس إلى السطح، حيث لا يزال يُوجَد الحِصان السحري. ساعد الأميرُ داريوس الأميرة في الصعود إلى ظهر الحصان وقام بإمساك عِنانه وشدِّه إلى الأعلى. أخذ الحصان على أثر ذلك بالارتفاع في أعالي السماء، وسرعان ما غابا عن الأنظار قبل أن يستيقظ أحدٌ في القصر. وبعد مُضيِّ حوالي نصف الساعة وصل الأمير إلى عاصمة بلاد فارس.
نزل الأمير بالحصان السحري برفقٍ فوق سطح السجن. كان الغريب مسجونًا هناك بالفعل كما كان يتوقَّع في غرفةٍ انفرادية، بعد أن تحدَّد موعد تنفيذ عقوبة الإعدام في صباح اليوم التالي. كان الأمير مُصرًّا على أن يتحدَّث إلى أبيه في هذا الشأن على الفور. واصطحب الأميرةَ على ظهر الحصان السحري إلى كوخٍ صغير في الغابة لا يبعُد كثيرًا عن القصر.
وقال لها: «امكُثي هنا ريثما أعود بعد أن أرى والدي ليتأكَّد من سلامتي، وأحُثَّه على التراجُع عن تنفيذ عقوبة القتل ضدَّ ذاك الغريب الذي أحضر لنا الحِصان الذهبي. ولكن الأهم من كل ذلك هو أن أُخْطِرَ والدي بكلِّ شيءٍ عنك، وأنا متأكد أنه سيُقيم حفل استقبالٍ مناسبًا يليق بك؛ للترحيب بقدومك إلى القصر.»
شرَح لها طريقة استخدام الحصان السحري وكل التفاصيل الأخرى المتعلقة بذلك، في حالِ اضطُرَّت إلى استخدامه للنجاة بنفسِها إذا ما واجهَت أي مخاطرَ أثناء غيابه.
في الواقع كانت الأخطار تُحيق بها حتى وهما يتحدَّثان معًا بعد أن تمكَّن لصٌّ وضيع من استراق السمع إلى كامل حديثهما. وأخذ يُفكر بفرحٍ شديد: «يا له من حظٍّ جيد حقًّا؛ أميرة بمفردها وحِصان سحري. سوف آخُذها إلى سلطان كشمير الذي يبحث عن زوجة، وأحصل منه مقابل ذلك على مكافأةٍ مُجزِية.»
انتظر اللصُّ حتى غادر الأمير واختفى بين الأشجار، ووضع الأميرةَ أمامه فوق الحصان السحري وانطلق به في أعالي السماء وهو يُمسك بها بإحكام. كان يشعُر بسعادة بالغةٍ للسهولة التي تمكن بها من تحقيق ما يُريد. وأخذ الأمير الشابُّ يشعر بالدهشة الكبيرة وهو في طريق العودة للقصر لسماعه صوتَ استغاثةِ مَحبوبته وهي تُحلِّق من فوقه على ظهر الحصان السحري الذي كان يحوم فوقَه باضطرابٍ بسبب عدم خبرة اللص في استخدامه. ولكنه لم يكن قادرًا على فعل أي شيءٍ حيالَ ذلك. فأخذ يشتمُ اللص الذي واصل تحليقه بالحصان، وابتعد شيئًا فشيئًا عن المدينة تُلاحقه آلاف اللعنات.
شعر الملك بالفرح الشديد لرؤية ولده الأمير من جديد، وأمر على الفور بوقف تنفيذ حُكم القتل ضدَّ المسافر الغريب صاحبِ الحصان السحري، وأدرك سبب ضرورة مغادرة ابنه من جديد، وعلى الفور بعد أن ارتدى ملابس المُتسوِّلين، أقسم ألا يعود حتى يتمكَّن من العثور على الأميرة ويُعيدها إلى القصر.
أُعجِب سلطان كشمير كثيرًا بأميرة البنغال، وأضفَت المحنة التي تعرَّضَت لها بخطفها على يد لصٍّ وضيع الكثيرَ على جمالها الطبيعي، أو هكذا صوَّر له خيالُه المريض. وفَّى السلطان بوعدِه وقدَّم المكافأة الموعودة لهذا اللص الوضيع، وقام باصطحاب الأميرة إلى قصره بعد أن طلب من حاشيته أن يُحضروا معهم الحصان السحري إلى داخل القصر.
كانت الأميرة تأمُل بأن يكون سلطان كشمير على درجةٍ من حُسن الخلق، وبما يكفي من الحسِّ السليم؛ لكي يُعيدها إلى محبوبها الأمير، ولكن أملَها خاب إلى درجةٍ كبيرة. في الواقع وفي صبيحة اليوم التالي استيقظت على أصوات الطبول والأبواق النحاسية التي كان يتردَّد صداها عبر القصر وفي المدينة. وعندما استفسرت عن سبب ذلك، قالوا لها إن ذلك بمناسبة الاحتفال بزواجها من السلطان الذي سيجري في وقتٍ مُتأخِّر من اليوم نفسِه.
شعرَت الأميرة باليأس الشديد لدى سماعها ذلك، وشعرت بأن هناك شيئًا واحدًا لا يزال في مقدورها فعلُه. تظاهرت بالجنون بعد أن لبسَت الثياب البالية، وأخذت تتصرَّف بلا مبالاة؛ حتى يظنَّ مَن حولها عدَم اتزانها؛ ومن ثَم تُصبح غيرَ مناسبةٍ للزواج من السلطان. وجرى على الفور إعلامُ السلطان بتصرُّفات الأميرة الغريبة. وعندما زارها أخذَت تتظاهر أمامه بالجنون وتهرب من أمامه مرةً وتهجم عليه بقوةٍ مرةً أخرى. وكانت تفعل ذلك في كل مرةٍ كان يزورها في غرفتها. شعر السلطان بالقلق الشديد حيالَ ذلك، وعرَض تقديم مكافأة كبيرة لأي طبيبٍ يستطيع مُعالجتها. حضر إلى القصر العديدُ من الأطباء، لم يتمكنوا من مُعالجتها؛ لأنها كانت تُهاجم بقوةٍ كلًّا منهم لدى اقترابه منها للكشف عليها، وتضربهم بقبضة يدها حتى فقدَ جميع هؤلاء الأطباء الأمل في شفائها.
كان الأمير داريوس يتجوَّل طيلة هذه الفترة في العديد من المقاطعات وهو يرتدي جُبَّة المتسولين. كان يشعر بالحزن الشديد وغيرَ مُتيقن أي طريق يسلكه لكي يعثُر على حبيبته. وبعد أن فقد الأمل جلس يستريح بجانب صخرة عالية. وفجأة رأى صاحب الحصان السحري يمرُّ أمامه وهو يلبس الأسمال البالية وفي حالة بائسة، على عكس ما كان عليه من قبل، لكنه كان سعيدًا بإطلاق سراحه.
وبادر الأمير الشابُّ صاحب الحصان: «هل لي أن أسألك أين أجد الآن الحصان السحري؟ وهل ثبت لك الآن أنه لا يُمكن التنبُّؤ بتصرُّفات هذا الحصان كما ثبت لي الآن؟»
جلس الاثنان بجانب بعضهما البعض يقصُّ كلٌّ منهما المتاعبَ التي يُواجهها، وروى الرجل البائس في حديثه قصةَ أميرةٍ من البنغال أُصيبت بالجنون في يوم زفافها من سلطان كشمير. وبينما كان يسرد التفاصيل لمعت في ذهن الأمير الشاب فكرةُ أن تكون هذه الأميرة هي نفسها حبيبته التي يسعى للعثور عليها، بعد أن اختطفها لصٌّ وضيع من الغابة، وامتلأ قلبه بالأمل وعقد العزم على أن يعرف حقيقة ذلك.
وما إن وصل إلى عاصمة كشمير، حتى ارتدى ملابس الأطباء وقدَّم نفسه أمام السلطان بوصفه طبيبًا مُختصًّا بحالات الجنون وبقُدرته على شفاء الأميرة مما هي فيه خلال فترةٍ قصيرة.
وقال الطبيب المُزيف: «يتعين عليَّ أولًا أن أراها في مكانٍ لا تستطيع هي أن تراني فيه.» وهكذا جرى اصطحابُ الطبيب إلى غرفةٍ صغيرة يستطيع من خلال ثقب مفتاح الباب أن يُراقب الأميرة. كانت تُغني بلا مبالاة أغانيَ حزينة تندب فيها حظها التعيس.
وقال في نفسه فرحًا: «نعم، إنها هي عروسي الجميلة.» وهو يحاول جاهدًا أن يُخفيَ عمَّن حوله انفعالاته ومشاعره.
وبعد أن غادر الغرفة الصغيرة، أكد الطبيب المُزيف للسلطان إمكانيةَ مُعالجة وشفاء الأميرة، وأن كل ما يحتاجه هو التحدُّث إليها على انفرادٍ لبعض الوقت.
وافق السلطانُ على الفور. وما إن دخل الأميرُ الغرفة حيث تُوجَد الأميرة حتى قامت كالمُعتاد بمهاجمته بطريقتها العنيفة، وبضربه بقبضة يدِها عندما أمسك يدَها برفقٍ وهمس بعُجالة قائلًا لها: «أنا داريوس أميرُ بلاد فارس.»
توقفَت الأميرة عن مهاجمته على الفور، وقام أفراد الحاشية بالانسحاب من حولِها وهم يشعرون بسرورٍ بالغ لرؤيتهم ذلك؛ ممَّا يُثبِت قدرة وكفاءة الطبيب المعالج. وقام الأمير بإعلام الأميرة همسًا بتفاصيلِ خُطة إنقاذها ممَّا هي فيه. وعاد الطبيب المُزيف للسلطان وقال له وهو يهزُّ برأسه: «كل ذلك يعتمد على مجرد الحظ. وكما ترى، فإن الأميرة قبل أن تُصاب بهذا المرض بساعاتٍ معدودة، كانت قد لمسَت شيئًا مسحورًا. كل ما أُريده الآن هو الحصول على هذا الشيء، مهما كان، لكي أتمكَّن من شفائها.»
تذكَّر سلطان كشمير على الفور الحصان السحري الذي كان لا يزال يحتفظ به داخل القصر، وقام بإحضاره إلى الطبيب المُزيف الذي قال للسلطان على الفور وبجِدية مُتناهية: «أُهنئكم جلالة السلطان؛ هذا هو بالفعل الشيء السحري الذي تأثرَت به الأميرة. أخرِجوا هذا الحصان إلى وسط الساحة الكبرى أمام القصر. وأنا متأكد بأن الأميرة ستتماثل بعدها للشفاء التام وتُصبح في أحسن حال.»
وفي صبيحة اليوم التالي، جرى وضع الحصان السحري في المكان الذي حدَّدَه الطبيب المزيف الذي قام برسم دائرةٍ كبيرة وسط الساحة وضع حولها صحونًا كثيرة في داخل كلٍّ منها نار مُشتعلة. كان السلطان وجميع أفراد الحاشية من النبلاء والوزراء يُراقبون ذلك باهتمامٍ بالغ.
جاءوا بالأميرة وهي تضع خمارها على رأسها إلى وسط الدائرة، وساعدها الطبيبُ المُزيف في الجلوس على ظهر الحصان السحري، ثم دار حول الصحون وهو ينثر فوقها مسحوقًا من نوع خاص كان يتحوَّل إلى دخانٍ كثيفٍ بمجرد ملامستها للنار، حتى تشكَّلَت سحابةٌ من الدخان الكثيف حجَبت عن السلطان وحاشيته رؤيةَ كل ما كان داخل هذه الدائرة. وأثناء ذلك قفز أمير بلاد فارس إلى ظهر الحصان، وأمسك بعِنان الحصان وأخذ يشدُّه للأعلى ليعلوَ بهما الحصانُ في لمح البصر.
وبينما هو على هذه الحالة التفتَ نحوَ الأسفل وقال لسلطان كشمير: «أيها السلطان، يجب عليك أن تظفرَ بقلب زوجتك لا أن تشترِيَه.»
وفي هذا اليوم وصل الأمير الشابُّ بصحبة حبيبته الأميرة بسلامٍ إلى بلاط القصر الملكي، وسُرَّ أبوه سرورًا بالغًا بعودته، وجرى على الفور الاحتفالُ بزواجهما بكل مظاهر الأبَّهة والعظمة التي لم تشهد مثلَها البلاد، وعاشا بعدها في سعادة ووئام دائمَين.