الساحر خزر
كان ملك بلاد فارس يشعر باضطراب شديد. كان شعبه يتضوَّر جوعًا وقد أصاب الجفافُ بلاده لفترة طويلة. وفي الوقت نفسِه كان أعداءُ المملكة يُهاجمون حدودها، وقطَّاع الطرُق يُهاجمون مُسافريها ويسلبون ما في حوزتهم. كان الملك يتوق بشدة إلى زيارةٍ من الساحر خزر، وهو ساحر معروف عنه أنه يظهر بشكل غامض في أوقات الشدة والأزمات؛ ليُهدئ من رَوع الناس ويُرشدهم لما فيه الصالح. قال الملك: «إذا كان هناك وقتٌ مناسب لظهور الساحر خزر، فهو حقًّا الآن!»
وأعلن الملك بدافعٍ من اليأس أن أي شخصٍ يستطيع أن يُريَه الساحر خزر فسوف يحظى بجائزةٍ كبيرة تُقدَّر بألف تومان.
وكان يعيش في المملكة رجلٌ فقير يُعاني من مشاكلَ عديدة. كانت الديون تتراكم عليه يومًا بعد يوم، ويُساوره قلق دائم بأن عائلته لن تتمكن يومًا من التخلُّص من حياة الفقر والحرمان. وعندما سمع بإعلان الملك، توجَّه على الفور نحوَ القصر.
قال الرجل الفقير: «سوف أُريك الساحر خزر، ولو أن الأمر يتطلَّب بعض الوقت.»
سأله الملك: «وكم من الوقت يتطلَّب ذلك؟»
أجاب الرجل: «أربعين يومًا، بيد أنني لكي أتمكَّن من ذلك أحتاج إلى الحصول على الألف تومان مقدمًا.»
ردَّ الملك: «حسنًا. بالطبع أنت تعلم جيدًا أنك إذا فشلت في ذلك خلال فترة الأربعين يومًا، فسوف أقطع رأسك.»
ردَّ الرجل الفقير: «أعلم ذلك.» وهكذا تمَّت كتابة اتفاق بهذا الخصوص والتوقيعُ عليه. وأصدر الملك الأمرَ بصرف المبلغ، وقام مسئولو البلاط بتسليمه إلى الرجل الفقير.
عاد الرجل الفقير إلى البيت بمشاعر مُختلطة. وسدَّد على الفور كل الديون المتراكمة عليه لأصحابها، وأعطى ما تبقَّى من المبلغ لزوجته لتُنفق منه على عائلته. وعمل جهدَه قدر المُستطاع على تمضية الفترة المتبقية من مُهلة الأربعين يومًا مع عائلته بأسعدِ ما يكون.
وبحلول صباح اليوم الأربعين، قال الرجل الفقير لزوجته: «يا عزيزتي، سيُقطَع رأسي اليوم.»
صاحت زوجته في جزع شديد: «وا حسرتاه! يبدو أن هذا هو الحال.»
صاحبَ استقبال الرجل الفقير في القصر الكثير من الجلَبة، وذهب به الحُرَّاس بسرعة لرؤية الملك في القاعة الكبرى. وقال الملك في صوت هادر: «والآن، لقد انتظرتُ بما فيه الكفاية. لقد انتهت مُهلة الأربعين يومًا اليوم. أين خزر؟»
أجاب الرجل التعيس: «إنه ليس هنا كما ترى. أيها الملك، هل كنتم حقًّا تعتقدون بأنني أستطيع إحضار الساحر خزر؟ كانت الديون تُثقِل كاهلي ولم أعُد نتيجةً لذلك أرغب في العيش. وها أنا ذا ساقَتني قدَماي إليك بملء إرادتي لتقطع رأسي.»
صاح الملك متعجبًا: «ماذا؟» واستدعى، بعد أن شعَر بهول المفاجأة، وُزراءه الأربعة للتشاور. وما إن جلسوا حول الملك، حتى دخل رجل عجوز إلى القاعة وجلس في نهايتها.
قال الوزير الأول: «هذا الرجل يستحق فعلًا تقطيع جسده بالمقص.» وقال الوزير الثاني: «سيكون من الصواب حقًّا أن يُوضَع في داخل فرن الخبز ويُترَك يحترق حتى الموت.»
ثم نهض الوزير الثالث وقال: «يستحق هذا الرجل فعلًا تقطيع جسده بشفرة.»
وقال الوزير الرابع: «أيها الملك، لقد صدقَك الرجلُ القول. وها هو قد وفَّى بوعده، وعاد إليك في الوقت المُحدد وهو يعلم تمامًا المصيرَ المحتوم الذي ينتظره. القليل من الناس يفعلون ذلك. وأنا أميل إلى إطلاق سراحه مع إعطائه مبلغًا آخرَ من المال ليستطيعَ أن يبدأ به حياته من جديد.»
عبس الملك، والتفت نحو وزرائه وقال: «لقد استمعتُ لآراءٍ مختلفة. ولكن كيف لي أن أنظر فيها لأختار المناسبَ منها؟» ثم لمح الرجل العجوز الذي يجلس في نهاية القاعة، فنادى عليه قائلًا: «وأنت يا هذا؟ ما رأيك؟»
نهض الرجل العجوز وقال: «أستطيع أن أقول بأن وزيرك الأول كان خياطًا فيما مضى؛ لأن كل حديثه يدور حول المقصَّات، كما أن الوزير الثانيَ كان خبازًا؛ لأن كل حديثه يدور حول الأفران، وكانت مهنة الوزير الثالث السابقة الحِلاقة؛ لأن كل حديثه يدور حول شفرات الحلاقة. وبالنسبة للوزير الرابع، فقد تحدَّث بما يليق بمنصب وزير الملك كما لو أنه كان سليلَ عائلة توارثَت هذا المنصب عبر الأجيال. الحقيقة أن هذا الرجل خاطر بحياته بدافعٍ من اليأس، وعاد بملء إرادته إلى بلاطك وهو يعرف تمامًا المصيرَ المحتوم الذي ينتظره. وعِوضًا عن أن تُنزِل به العقاب لما فعله، رأى وزيرُك الرابع أن تُقدِّم له بعض المال ليستطيع أن يبدأ به حياةً كريمة من جديد.» وتحرَّك الرجل وبسَط رداءه وقال: «انظر، ها أنت ذا قد رأيتَ الآن الساحر خزر.» وسرعان ما اختفى المُتحدِّث عن الأنظار، وأخذ الجميع يلهثون من هول المفاجأة قائلين: «كان هذا هو الساحر خزر بعينه دون أدنى شك!»
وعلى الفور طلب الملكُ من حُرَّاسه أن يُفتشوا في كل أرجاء القصر بحثًا عن الساحر خزر، لكنه كان قد اختفى تمامًا. لذا، قال الملك في تأوُّه: «أكاد لا أُصدِّق أن يختفيَ الساحر خزر قبل أن أتمكَّن من طلب مشورته! لماذا لم أُمسك به عندما كان لا يزال واقفًا أمامي؟»
كان الرجل الفقير لا يزال يقف خارج القاعة في انتظار أن يُقرر الجمعُ مصيره النهائي. ورأى الملك أن أقلَّ شيءٍ يُمكن أن يقوم به هو تنفيذ أي رأي، ولو كان سريعًا، كان قد قدَّمه له الساحر خزر قبل أن يختفي. وهكذا أعطى الملكُ الرجل البائس قطعة أرضٍ كبيرةً وبعضَ المال، وما إن رأى الرجل تطوُّر الأحداث غيرَ المتوقَّع حتى أطلق ساقَيه للريح، متوجهًا نحو بيته ليُبشِّر عائلته بنجاته وبالثروة التي حصل عليها.
وعزل الملكُ بعد ذلك الوزراء الثلاثة، وأبقى فقط على الوزير الرابع. وكان من نتيجة المشوراتِ الصحيحة التي تقدَّم بها الوزيرُ الرابع أن تبدَّلَت أحوال المملكة من الشدة إلى الرَّخاء. وقد ساعدت النصائحُ الجيدة التي ظل يتقدم بها الوزير الرابع للملك في حكم الأخير للمملكة بحِكمة وعدل.