قصة ثورة قرية فوينتي أوفيخونا
«هذه هي القصة الحقيقية لإحدى أولى الثورات ضد النظام الإقطاعي في أوروبا؛ ثورة الفلاحين الإسبان في عام ١٤٧٦ في قرية فوينتي أوفيخونا. وهي قائمة على مسرحية «فوينتي أوفيخونا».»
قالت لورينسيا لخطيبها الوسيم فروندوسا: «إذا كنَّا نعتزم الزواجَ فدَعْنا لا نُضيِّع أيَّ وقت.»
ردَّ فروندوسا وهو يُمَسِّد شعرها: «نعم، الأفضل أن يتمَّ الزواج في أقرب وقت. ولكن لماذا هذا الاستعجال؟»
قالت لورينسيا: «أنت تعلم كما أعلم بأن قائدَ المنطقة يضع عينَه عليَّ. وقد حاول رجالُه إغرائي بإهدائي ثوبًا جديدًا وقِلادةً غالية وحذاءً فاخرًا، مُعتقدًا أنه يستطيع شرائي بهذه الأشياء. لقد تسبَّب هذا القائد في أذًى شديدٍ لنساء فوينتي أوفيخونا؛ فهو يحصل على أي امرأةٍ تُعجبه، وعندما يقضي حاجته منها، يرميها كعَظْمةٍ مأكولة. ونحن جميعًا لا نستطيع فعلَ أي شيءٍ حيال ذلك.»
قال فروندوسا وهو يُمسك بذراعها: «لا أحد يستطيع أن يأخذكِ مني.»
صاحت قائلة: «كم أتمنَّى أن يكون ذلك صحيحًا! قل ذلك لجاسنتا المسكينة أو لماريا أو إينس!»
أضاف فروندوسا وهو مُتجهم: «أو زوجة أنطوان.»
تنهَّدَت لورينسيا، وقالت: «لا أحد فينا في فوينتي أوفيخونا في مأمنٍ منه.»
في ذلك اليوم جاء فروندوسا إلى والد لورينسيا، عُمدة فوينتي أوفيخونا، وطلب منه أن يتزوَّج ابنته في نفس هذا الأسبوع. وافق الأب وبدأ الإعدادُ بسرعةٍ لحفل الزفاف. وجرى تزيينُ ساحة القرية بأكاليل الزهور وألَّف المُوسيقيون بعض الأغنيات الجديدة. وفي يوم الزفاف، عندما كان الحبيبان على وشك تبادُل قَسَم الزواج، جاء قائد المنطقة مع عددٍ من رجاله.
كان هذا القائد عائدًا مُنتصرًا للتوِّ من معركةٍ لم يُحارب فيها من أجل مَلِك بلاده إسبانيا؛ الملك فردناند وزوجته الملكة إيزابيلا، اللذين أقسَم أن يَدين لهما بالولاء، بل عِوضًا عن ذلك حارب من أجل عَدوِّهما ملك البرتغال ألفونسو. كان قائد المنطقة الماكر يعرف أنه في حال نجاح ملك البرتغال في إزاحة الملك فردناند والملكة إيزابيلا عن عرش إسبانيا، فسوف تتمُّ مكافأته بتعيينه حاكمًا لمنطقة قشتالة بأسرها. وبدَت هذه المكافأة قريبةَ المنال أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى بعد أن سيطرَت قوَّاته للتوِّ على مدينةٍ حدودية هامة لصالح ملك البرتغال. وكان قائد المنطقة يعرف كيف سيحتفل بطريقته الخاصة بهذا الانتصار الذي حقَّقه.
نظر في وجوه المَدعوِّين التي علاها الذهولُ لقدومه، وقال في صوتٍ سلسٍ وصارم: «لا تدَعوني أُفسِد عليكم هذه المناسبة. ولا داعيَ لأن يشعر أحدٌ بالفزع، إلا من آذاني أو كان يعتزم ذلك.»
أشار عمدة القرية إستيبان بتوتُّرٍ شديد إلى ابنته لورينسيا وفروندوسا بالهرب، والتفت بعدَها إلى قائد المنطقة وقال له في صوتٍ مُهادِن: «أيًّا كان ما تقوله يا سيدي. هلَّا جلست؟ هل هزَمَ جنودك العدو؟ كيف يُمكن لنا أن نحتفل بانتصارك؟»
فردَّ عليه قائدُ المنطقة بغضب: «يا لك من عجوزٍ أحمق! أنت تعرف جيدًا لماذا أنا هنا.» والتفتَ نحو لورينسيا وقال بابتسامةٍ ملتوية: «تعالَي إلى هنا أيتها الفتاة الوقِحة.»
قال العمدة: «سيدي! اليوم هو يوم زفاف ابنتي.»
«اخلعوه من مكانه وخُذوا منه عصا العمادة!»
قال إستيبان وهو يُعطيه عصا العمادة: «يمكن أن تأخُذَها!»
أخذ أحد رجاله العصا من يد العمدة وسلَّمها إلى قائد المنطقة الذي كان غاضبًا بشدَّةٍ وكسرَها فوق رأس العمدة إلى نصفَين، وقال: «وسوف أفعل بها ما أشاء!»
ردَّ إستيبان بصوتٍ مُنخفض أكثر: «أنت مولاي وسيدي.»
ونادت لورينسيا مُستغيثةً بأبيها عندما أبعدَها رجالُ قائد المنطقة عن فروندوسا وساقوهما بعيدًا خارج الساحة.
في تلك الليلة، اجتمع إستيبان على عجلٍ مع رجال فوينتي أوفيخونا الآخرين في ساحة القرية، وقال لهم وهو يئنُّ من شدَّة الحزن: «ابنتي لورينسيا في خطرٍ شديد، وسوف أُصاب بالجنون نتيجةً لذلك لا محالة. لقد حبسوا فروندوسا في سجن برج القلعة.»
قال شقيق إستيبان: «لا تتحدَّث بصوتٍ مرتفع. يجب أن يكون اجتماعنا هذا سريًّا.»
ردَّ إستيبان: «ولكن يجب علينا القيامُ بشيءٍ ما!» ثم أخذ يذرع الأرض جيئةً وذهابًا، وأضاف: «كلنا هنا بدون استثناء تعرَّضنا للأذى على يد هذا القائد المُتوحِّش.»
قال أحد الفلاحين مقترحًا: «يجب أن نطلُب من الملك فردناند والملكة إيزابيلا أن يُنصفانا من عسْف هذا القائد المُتوحش. نستطيع أن نذهب إلى قلعتهما، ونُقدِّم لهما عريضةً تحمل جميع أسمائنا.»
قال إستيبان: «لا يُوجَد لدينا الوقتُ لنقوم بذلك! ثم لماذا تعتقد أن الملك والملكة سوف يقبلان العريضة؟ هما سيرفضانها على الأغلب، ويُبيدان قريتنا عن بَكرة أبيها بتهمة العصيان.»
قال فلَّاح آخر: «يجب أن نهجُر القرية. نستطيع أن نحمل الطَّحين معنا ونذهب للعيش في كهوف الجبال.»
قال فلاح آخر: «لكن الوقت قد فات للقيام بذلك! لقد جرى تحطيمُ عصا العمادة فوق رأس العمدة، وخُطِفَت ابنته. إننا نُعامَل كما لو أننا عبيد، لا بل أسوأ من ذلك.»
صاح إستيبان: «يجب القيام بشيءٍ ما! ممَّ نحن خائفون؟»
وفجأة ظهرت أمامهم لورينسيا وهي تترنَّح وشعرها أشعث وعلى وجهها جروح وكدمات.
أسرع إستيبان نحوَ ابنته وقال: «ابنتي! كيف تمكنتِ من الهرب؟»
تراجعت لورينسيا قليلًا إلى الوراء وأخذت تُحدِّق بجميع الرجال بنظرة استنكار، وقالت: «أنا لم أعُد ابنتك. لقد ساقَني قائد المنطقة رغمًا عني ولم يُحاول أي أحد إنقاذي. اكتفيتم جميعًا بالوقوف ومشاهدة ما يجري، كما لو أن القائد كان يملك أذرُعًا وأرجلًا أكثرَ ممَّا تملكون، أو أنَّ لديه قوةً سحرية أكبرَ من القوة البشرية. إنه مجرد رجل! رجل عادي، رجل ضعيف. هل أنت بالفعل أبي؟ وهل أنت بالفعل عمِّي؟ ألا يُشكِّل ذلك إهانةً لكم أن ترَوني بهذا الحال؟ يا لكم من جُبناء! أعطوني السلاح وسوف أنتقِم لنفسي ولجميع نسائكم بينما تقفون أنتم بلا حَراك، ولا تفعلون شيئًا سوى الكلام والكلام والكلام بدون أي أفعال. أنتم مَن يجب أن يقوم بأعمال طهي الطعام وغزل الصوف في البيوت. نحن النساء سوف نقتل هؤلاء الطغاةَ حتى ولو تطلَّب الأمر منَّا أن نرجُمهم بالحجارة بأنفسنا! وسنقوم بعدها بمناداتكم بالمُخنَّثين والجبناء، ونضع المساحيق على وجوهكم ونُرسلكم جميعًا لتعملوا في خياطة الملابس.»
وأضافت وهي تُحاول التقاط أنفاسها: «لقد أمر القائد بشنق فروندوسا بدون محاكمة، وسوف يُطبَّق ذلك عليكم جميعًا بلا استثناء. كم سأكون سعيدةً لرؤية القرية وقد أصبحت خاليةً من نسائها العجائز! وربما يعقب ذلك عودة عصر الأمازونيات المُحاربات الأسطوريات!»
قال إستيبان بصوتٍ خفيض: «تمهَّلي يا ابنتي، نحن لا نستحقُّ منكِ مثل هذا الخطاب المليء بالازدراء. سأذهب بمفردي، حتى ولو كان الأمر يعني مواجهة العالَم كله.»
قال أحد الفلاحين: «سأذهب معك!»
«وأنا أيضًا.»
وهكذا انطلق الرجال وهم يُردِّدون: «الموت للطاغية.» وقامت لورينسيا على عجلٍ بجمع كافة نساء القرية، وقالت لهن: «جميع الرجال والأولاد يبحثون عن السلاح ليُقاتلوا به. ولكن لماذا نترك لهم كل هذا العمل ليقوموا به وحدَهم؟ ألسنا نحن النساء الأكثر تضرُّرًا من شرور هذا القائد؟»
قالت النساء بصوتٍ واحد: «بالطبع! ولكن ما الذي نستطيع عمله؟»
قالت لورينسيا: «يجب أن نُهاجم قلعته، وليكن ما يكون بعد ذلك.»
بينما كان الرجال يُهاجمون قلعة القائد، كانت جموع النسوة تمشي وراءهم عن قُرب. وفي غضون وقتٍ قصير، قُتل القائد وسُجن جميع رجاله.
همس أحد المهاجمين قائلًا: «ماذا سنفعل الآن؟»
قال آخرُ بصوتٍ يرتجف من شدة الخوف: «مِن المؤكد أننا سنموت جميعًا بسبب ما قُمنا به!»
وقال إستيبان: «اسمعوني جيدًا. أنا أتحدَّث بما فيه مصلحة القرية كلِّها. من المؤكد أن الملك فردناند والملكة إيزابيلا سوف يأمران بإجراء تحقيقٍ حول ما حدث، ويجب علينا من الآن أن نتَّفِق جميعًا على ما سنقوله حينها.»
قال فروندوسا بعد أن تمَّ تحريره عقب الاستيلاء على القلعة: «وماذا تنصحنا أن نقول؟»
قال: «إذا لزم الأمر، يجب أن نقول دون تراجُع: «قرية فوينتي أوفيخونا هي التي قتلَت القائد.» وعلينا ألَّا نُسمِّي أحدًا بالذات. هل تُوافقون جميعًا على ذلك؟»
قال الجميع بصوتٍ واحد: «نعم.»
كما هو مُتوقَّع، أرسل الملك فردناند والملكة إيزابيلا قاضيًا للتحقيق في هذه القضية التي جرى فيها قتلُ القائد وحبسُ رجاله بشكلٍ غير مُتوقَّع. وكانت المفاجأة أن جميع الفلاحين الذين جرى التحقيق معهم، وحتى بعد جلدِهم بالسياط، لم يذكُروا مَن الذي قتل القائد، بل كانوا يقولون: «قرية فوينتي أوفيخونا هي التي فعلت ذلك.»
عاد القاضي إلى البلاط ولم يجد مَفرًّا سوى أن يُقدِّم التقرير التاليَ عن الحادثة: «جلالة الملك والملكة، توجَّهتُ بناءً على أوامركما إلى قرية فوينتي أوفيخونا وقمتُ بتحقيقاتي. ولم أعثُر على أي دليلٍ يكشف ملابسات الحادثة. كان جميع الفلاحين يتصرفون بطريقةٍ واحدة وبإصرارٍ شديد لم أعهَدْه من قبل. وكان جواب كل واحدٍ منهم بلا استثناء، عند سؤالي عن اسم الشخص الذي قتل القائد، هو: «قرية فوينتي أوفيخونا هي التي فعلت ذلك.» وأستطيع يا سيدي أن أُؤكد لجلالتكم بأنني قد قمتُ بممارسة كل الصلاحيات الممنوحة لي، ولكن لم تنجح لا الوعود ولا التهديدات ولا حتى عمليات التعذيب. ومن ثَمَّ فإنَّ الحكم الذي أستطيع إصداره هو أن تأمروا بإعدام جميع أهل القرية، أو أن تعفوا عنهم. وهم جميعًا هنا الآن لإجراء أي تحقيقاتٍ أُخرى معهم حول القضية، إذا أردتُم ذلك.»
هزَّ الملك فردناند رأسه بالموافقة، وقال: «دعوهم يدخلون.»
وهكذا احتشد كل رجال ونساء القرية في البلاط الملكي.
وقالت الملكة إيزابيلا مُتسائلة وهي تجول بنظرها بين الجمع القلق الواقف أمامها: «هل هؤلاء هم القتَلة؟»
تقدَّم والد لورينسيا من بين الجمع وقال: «جلالة الملك والملكة، نحن أهل قرية فوينتي أوفيخونا، جئنا نسعى لطلَبِ حمايتكما ولخدمة جلالتكما. لقد كنا نرزح تحت وطأة الاضطهاد، ولم نُعامَل كبشَرٍ بل كعبيدٍ يجب عليهم أن يُعانوا من حظهم العاثرِ في صمت. ونحن اليوم نُناشد جلالتكما الرحمة لنستطيع بعد ذلك أن نستعيد كرامتنا وشرفنا. لقد كان القائد ضحيةَ طُغيانه. لقد سلَبَنا أرضنا ومَحاصيلنا، وانتهك حُرمة نسائنا ولم يُبدِ تجاهنا أي رحمة.»
قال فروندوسا: «جلالة الملك والملكة، هذا صحيح تمامًا. هل تريان هذه الفتاة التي جعلتْني أسعدَ إنسانٍ في العالَم؟ لقد خطفها منِّي في ليلة الزفاف وأخذها إلى بيته.»
انحنى إستيبان وقال: «جلالة الملك والملكة، نحن نطلُب من جلالتكما الصفحَ والغفران. نحن ندين لكما بالولاء، وسبق أن وضعْنا شعار النبالة خاصتكما على باب مجلس القرية.»
قال الملك: «حسنًا. ليس لدينا إثباتاتٌ خطِّية تُدينكم نتيجة عدم اعتراف أيٍّ منكم. لقد كانت الجريمة التي ارتكبتموها بحقٍّ خطيرةً، ولكن مُعاناتكم الفظيعة قد تُبرِّرها.»
وقالت الملكة: «أتفق معكم في ذلك. إن مثل هؤلاء الفلاحين الأقوياء الذين يتحمَّلون الصعاب سوف يكونون جنودًا أكفاءَ في جيوش المملكة لقتال المغاربة.» ثم أضافت وهي تفتح ذراعَيها على اتساعهما لتشمل كل أهل القرية أمامها: «سوف نصفح عنكم جميعًا، ونضع القرية تحت حمايتنا المباشرة. كونوا على استعدادٍ للاستدعاء للجيش والقتال تحت راية إسبانيا.»
وهكذا صفَح الملك فردناند والملكة إيزابيلا عن أهل قرية فوينتي أوفيخونا. وقد شعروا بسعادةٍ كبيرة نتيجة لذلك، وعادوا إلى قريتهم ليُتابعوا حياتهم.